تحديات مغرب الانتقال: الديمقراطية، الوحدة ، العدالة

تحديات مغرب الانتقال: الديمقراطية، الوحدة ، العدالة
الجمعة 20 ماي 2016 - 12:56

ان القضايا الكبرى التي تتعلق بمستقبل بلدنا لم تحظ بما تستحقه من اهتمام عمومي من قبل النخب السياسية والكرية والتشكيلات التنظيمية والمدنية ، ولم تستوف حقها من مساحات النقاش العام المسؤول، لكن –وبالرغم من ذلك-وقبل الاشارة الى اهم هذه القضايا، أستأذن في تسجيل ملاحظة ، وهي ان المخاضات والتحولات التي شهدتها منطقتنا منذ ما يقرب من خمسة اعوام ، والتي كانت بمثابة انفجار للتاريخ وتسريع لوثيرته باتجاه طرح أسئلة الاصلاح والنهضة من جديد، تحولات ستفضي في مجملها الى تبلور نتيجتين دالتين، الاولى صياغة صفقات كبرى وتسويات سياسية تعيد لبعض الدول حضورها ونفوذها الاقليمي، وربما تمنحها مزيدا من التوسع والهيمنة وإعادة بناء القوى، والثانية صفعات كبرى ، تضرب بعض الدول سواء بالانهيار او التقسيم او الاضعاف او استبدال الادوار بالاكراه أو التفكك وفقدان الدور في النظام الاقليمي.

وبالتالي فان من واجبنا ان ننتبه الى حساسية الظرفية التي تجتازها المنطقة عموما ، وبلدنا خصوصا، حتى نحكم مواضع اقدامنا وونعيي جيدا ما يهدد وجودنا لا ترابنا ووحدتنا و حدودنا فقط ، لان ما يحدث جد وتحول حاسم وفارق ونوعي ، لا مجال فيه للهزل والرهان على النوايا والانتظار ولا مجال فيه للمقامرة والمغامرة والمناورة والتيه .

ملاحظة صغيرة اخرى وهي ان اهمية وخطورة القضايا التي نتحدث عنها لا تتعلق فقط بها في ذاتها وتفاصيلها، وانما ايضا بما يترتب عليها من استحقاقات سياسية مرتبطة بالنموذج الاصلاحي الذي اختط به المغرب لنفسه مكانا فريدا تحت شمس العالم العربي والاسلامي ورسم لنفسه مسارا مميزا في المستقبل ، وبالتالي فان النقاش حولها يفترض ان يتجاوز الحاضر ليعبر منه الى المستقبل ، وان ينصب على ما ورائها من اهداف وما تؤسس له من تحولات ، وما ستفرضه من حقائق ووقائع علينا أجمعين.

ما يهمني هنا تحديدا هو ان نفهم ما جرى في سياق استبصار القادم ، ثم ان نتحرك قبل وقوعه ليس من اجل استباقه والتحذير منه وانما لمنع حدوثه أصلا اذا استطعنا إلى ذلك سبيلا .

وهنا بالذات وجب تسجيل ثلاث قضايا مركزية… نكتفي بالاشارة الى عناوينها فقط ، ولنترك للقارئ النبيه ان يدقق في التفاصيل :

القضية الاولى تتعلق بالمسألة الديمقراطية،

وبالضبط تطوير العلاقة بين الدولة والمجتمع، في اتجاه توطيد أركان الشرعية السياسية وربط القار العمومي بصناديق الاقتراع وباختيارات الناس، والقطع النهائي مع الهندسة السياسية التحكمية القائمة على التوجية من أعلى ومصادرة خيارات الناس…

وما استطيع ان اقوله هنا هو ان هذه العلاقة تعرضت لاصابات عديدة ، وأعطاب حادة في السابق ، وهي لا تحتمل مزيدا من المفاجآت الكبيرة على مستوى استفزاز المجتمع من قبل قوى سلطوية والدفع في توتير الصلة الجديدة التي أصبحت تنظم تلك العلاقة، حتى صارت الدولة تعكس خيارات المجتمع ولا تنحو لتتحكم فيه وتكرهه على مسلكيات تسلطية أصبحت في رحم التاريخ وعفى عنها الزمن خصوصا بعد اندلاع الربيع الديمقراطي وما خلفه مغربيا من حراك اصلاحي افضى الى اعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع ، حيث توسعت القاعدة الاجتماعية للحكم، وصارت النخب السياسية الاصلاحية القائدة للمرحلة لها شرعية سياسية وانتخابية متجددة ووقع انفتاح ديمقراطي وتمت بداية مسار المصالحة بين النخب الحاكة والناس،

وقد اصبح من الضروري ان يعاد فتح هذا الملف من جديد وان يحظى بما يستحقه من نقاشات وحوارات ، لكي يفهم الناس ما لهم وما عليهم ، من حقوق وواجبات ازاء الاصلاح والمرحلة والدولة والمجتمع، ولكي يطمئنوا بان دولتهم ما زالت تتمتع بعافيتها وبشرعيتها الادماجية والانجازية شرعية الاصغاء لنبضهم والاستجابة لامالهم، وان مؤسساتهم السياسية والدستورية-في عمومها-بخير ، بعيدة عن الاكراه والارغام وارادة نسف المسار الديمقراطي برمته، وان عقدهم السياسي والاجتماعي لم يتغير ولم يتبدد، وأنه لن يتم غلق القوس الديمقراطي الذ انفتح ذات ربيع ديمقراطي، وأن موعود الانتقال ناجز، والوفاء لمضمون الخطاب السياسي الرسمي في صيانة الاصلاح قائم وحمايته من كل امكانيات نزوعات التسلط والتحكم .

القضية الثانية تتعلق بالمسألة الوطنية والافق الاستراتيجي ،

وهي ذات صلة بالموقع السياسي والدولي للمغرب ، وبالدور الريادي الذي يقوم به على الصعيد المغاربي وفي عموم العالم العربي …

لقد سبق وان اثيرت مسألة التوسع الرمزي والمعنوي للمغرب وتمدده افريقيا ودينيا واشعاعه عربيا واسلاميا، ولعل الفضل في ذلك –الى جانب عوامل أخرى – يرجع الى الوئام الجامع بين الارادة السياسية للملكية والقوى السياسية الديمقراطية الحية في البلاد والتي جسدت عقدا سياسيا مبنيا على التوفيق بين قضية استكمال الوحدة الوطنية واقترانها بالتقدم في تأمين البناء الديمقراطي والمؤسساتي وحماية الحياة الدستورية ، وهذا ما مكن أطراف المعادلة السياسية معا للاصرار على المضي قدما في توطين أركان النموذج الديمقراطي الصاعد، التقدم خطوات لا رجعة فيها بلا ابطاء او تردد او نكوص في انجاح هذا المسار.

وهنا وجب التأكيد على حيوية الموقغ الذي يحتله الخيار التنموي امتعدد الواجهات الذي سلكته البلاد ، وكذا الموقف الحاسم من قضية الصحراء والوحدة الترابية، وان المغرب لن يتراجع او يتوانى في الدفاع عن كيانيته الموحدة التي لن تقبل التجزيء ولا المقامرة ولا التهديد ، ثم مسألة الاسهام في الحرب على الارهاب وما يترتب عليها من ادوار استباقية وهجومية ايضا بمقاربة شمولية مندمجة.

ولاننا في الغالب نقع اسرى للشائعات والانطباعات والتأويلات، ناهيك عن الاخبار التي تأتينا من خارج الحدود على شكل تسريبات ، فان الحاجة للتفكير بصوت مرتفع وبسط الحقائق امام الناس بلا خوف وبلا تردد أو ارتياب.

ان اشراك الناس في القرار ودمجهم في الهموم الوطنية الجامعة من خلال تقوية ممثليهم المنتخبين ، ووضعهم في صورة المستقبل، يجب ان يكون احدى الاولويات الوطنية ، ليس فقط لتهيئة المناخات من اجل تمرير اي استحقاق سياسي أو وطني قادم ذو صلة بالقضية الوطنية فحسب ، وانما من اجل معرفة رأي الناس فيه ، وضمان قبولهم او رفضهم له ، فالمسألة لا تتعلق بقرارات جزئية أو اختيارات ظرفية قد تفرض ويبتلعها الناس حفاظا على بلدهم ، ولكنها تتعلق بمستقبل المغرب ككيان وكنموذج وكدولة ووطن وبمصير المغاربة جميعا .

القضية الثالثة تتعلق بمسألة العدالة الاجتماعية،

وبالتحديد انجاز التحول في النموذج التنموي المغربي ، والانقال به من الارتكاز على الاقتصاد الخادم للسلطة والمحظوظين ،الى تلتقدم في تحويل الاقتصاد الى بعد جديد خادم للناس والمعوزين…

ولعل هذه القضية تعد ام القضايا التي تؤرق المغاربة وتشوش على مستقبلهم واستقرارهم المعاشي ونموذجهم الحياتي، باعتبار صلتها بالتوزيع العادل للثروات وبتأمين منطق العدالة الاجتماعية وصيانة أنظمة الحماية الاجتماعية من الانهيار وتحصينها من امكانية الانتهاك أمام زحف نموذج شره وشرس يكرس منطق الجشع في الانفاق العمومي والنهب للثروات والمقدرات الوطنية، والتقتير والاسراف في النفقات التكميلية على حسا بالحاجيات الضرورية للناس المعوزين، وتكريس الفوضى في الميزانيات العمومية والجماعية المقرون بانعدام العدالة في التوزيع وتضييع شروط الكفاءة والانصاف،

صحيح ان ارقام المديونية اصبحت معروفة لدى العموم ، وان ارقام العجز في الميزانية تم تقليصه في هذه الحكومة ووجب بذل مجهودات أكبر لتخفيضه، فهو لا زال متصاعدا ، وكذلك مؤشرات البطالة والفقر مقلقة ومخيفة وتتطلب تدخلا عموميا للانقاذ والفعل والانجاز المباشر.. الخ ، لكن الصحيح ايضا ان هذا الملف الاقتصادي والتنموي بابعاده السياسية يجب ان يخضع للنقاش العام الصريح مع المواطنين بعامة بخطاب الحقيقة وتحمل المسؤولية وعدم التهرب من مستحقاتها، وأن تنفتح وسائل الاعلام العمومي لتنوير الناس بالحقائق كما هي والمجهود التنموي والاقتصادي الذي لا يقبل الابطاء ولا الارجاء الذي وجب القيام به من قبل النخب السياسية والقيادات المنتخبة والمسؤولة عن تدبير الشان العام،

هذا التوضيح والوضوح وقول الحقيقة ، وتنوير الناس بها، وخلق ديناميكية تواصلية جماهيرية حولها، يعد واجبا في المرحلة، لكي يعرف الناس الى اين نحن ذاهبون وأي سبيل نحن سالكون، ولكي يدركوا ما يشكله الضغط على عصب الاقتصاد من نوايا سياسية لها استحقاقاتها ، ناهيك عن اخطارها على حركة الدولة وخياراتها ايضا .

وجب –أخيرا- التنبيه الى :

أولا: ان هذه القضايا وما رافقها من مقررات واجراءات ، ما تزال ضببة وغائمة وبعيدة عن اولويات نقاشاتنا العامة واهتمامات النخب وعموم الناس،

ثانيا: انها تمرر بسرعة وكانها اخبار عاجلة ، في الوقت الذي يتبين دورها الحاسم في تمنيع نموذجنا السياسي وتجربتنا الاصلاحية،

ثالثا: انها مترابطة ومتزامنة وتخفي استحقاقات غير مفهومة ، والاهم انها تتعلق بوجودنا و تهدد كياننا الجامع ، ولذا اقتضي التحذير والتنبيه .

‫تعليقات الزوار

8
  • الرياحي
    الجمعة 20 ماي 2016 - 19:00

    عجز بن كيران عن أي إصلاح وأكثر من هذا صرح أن الفساد هو من يحاربه طالبا ضمنيا الهدنة بعد أن أعفى عن ما سلف بدون توكيل من الشعب.
    5.6
    مليون مغربي يعيشون بأقل من درهمين ونصف في اليوم فحنش شئت وأكتب في كل يوم مقال كما تفعل فالكفة ثقيلة عنك وعن حزبك.عن أي خزعبلات تتكلم وبن كيران تحايل على الأمريكان لوجه 145 مليون درهم لإقتناء المرسديسات الفاهرة.إنك تستحمر الناس رغم أن إستفتاء هسبريس يقول أن 65 % يعتبرون أداء حزبكم رديئ ضعيف.حرك ما أعتدتم عليه أنكم حزب الله وكل الآخرين حزب الشيطان.الخطر الحقيقي الداهم اللذي يهدد إستقرار البلاد هم المتاجرون في دين المغاربة.السحق للإخوان المسلمين في أي مكان.منذ أن ظهر هذا التيار الخبيث والأمة في حروب لا تنتهي رحم الله جمال عبد الناصر فهو وحده قدر خطورة هذا التيار الفاشستي العميل
    إن عدت عُدتُ

  • azerty
    الجمعة 20 ماي 2016 - 20:57

    اذا كان هناك من فقر حاربتموه هو الفقر والعوز الذي كنتم تعيشونه وتحولتم بين عشية وضحاها الى مسلمين ليبراليين استبدلتم السبحة بالساعات السويسرية ولم تبقوا دراويش تلبسون اللباس الخشن أصبحتم تلبسون الحرير وترفلون في الحلي والحلل والهشاشة التي حاربتموها هي هشاشة عظامكم التي كانت تنخرها البيصارة وسوء التغذية
    سئمنا خطاباتكم العقيمة ولغتكم الخشبية ،الشعب المغربي يضرب لكم موعدا ان شاء الله يوم سابع اكتوبر لكي يصدركم بالجملة انتم وزعيمكم وبطل الهرطقة والكلام الشعبوي الى جزيرة الوقواق كم نفى لمدة عشرين سنة انشري ياهسبريس واسمعي للرأي والرأي الاخر وشك

  • انتم من صنعتم الفقر
    الجمعة 20 ماي 2016 - 21:00

    انتم من صنعتم الفقر والهشاشة بسياستكم التخريبية حكومتكم مسؤولة على هدا المستوى اغلقت ابواب الخير والعمل على الشعب قاطبة اينما ترحل للبحت تجد الابواب موصدة ادن صانع الفقر هي حكومتك وحزبكم البخيل تجمعون وتكدسون الاموال من كل قطاع لمن لااعرف لكي تتبخر مرة اخرى كل الضروف مهيئة لكم رفعتم ايديكم عن النفط وعن المقاصة لم تشغلوا بشرا مند توليكم الحكومة اذن انتم السبب في الهشاشة حتى الاعمى والابكم يعرف هذا

  • موظف شامي
    الجمعة 20 ماي 2016 - 21:18

    جدل نقدي

    إن التفكيك هو استبعاد المركز/الكلام، ثم اكتشاف الطاقة الكامنة في الهامش/الكتابة واجبارنا على اعادة فهم البلاغة والانحراف عن تعريفات الاقناع للاقناع الشائع والمتداول للبلاغة . فقد اخذ البحث عن المسببات في وجود النص امكانات وطاقاته المحددة للاسلوب مأخذاً تجاوز تلك الوقائع والمفاهيم السطحية واسس لعمق الانعتاق للعالم الجديد في بناء النص وتفكيك بناه لأعتبارات الكشف والتكوين فلم تعد عملية الاقناع او الوهم التخييلي ما يدفعنا لبناء رأي او حكم او اعطاء صفة ما لحركة النص الابداعية فقد تجاوز العالم ذلك ليؤسس جهده في احترام حركته

    الداخلية

    والخارجية

    ومعرفة تداخل واشتباك الدلالات وفك تناقضاتها وانسجامها

    عبد الرزاق عبد الوهاب

  • صافي
    الجمعة 20 ماي 2016 - 21:30

    صافي بركة علينا عيينا من ضعف و فشل بنكيران . بغينا شي رئيس حكومة لي يكون محترم مشي واحد كيتنقر مع برلمانيات و صحافيات… بغينا رئيس حكومة يعطي قيمة لمنصب ديالو يدير حلول مبتكرة مشي حلول سهلة كإستدانة من خارج و رفع أسعار . بغينا رئيس حكومة إكون راجل إلا خطأ يتحمل مسؤوليتو ماشي يبكي و يغطي فشلو ضد مجهول أو تمساح أو جفاف . ندمت حتى صوت عليه مكانش قد منصب بكل صراحة

  • امتصاص الغضب الشعبي
    الجمعة 20 ماي 2016 - 21:31

    إن الذين صوتوا على العدالة والتنمية والذين سيصوتون لاحقا ليست لديهم دراية بالمعترك السياسي في المغرب ويجهلون بالمطلق كيف تم تأسيس وتكوين وترويض هذا الحزب. فكيف لحزب تم طبخه في مطبخ الداخلية أيام البصري أن ينحاز إلى الشعب ومصالحه. لقد تم توظيفه من أجل امتصاص الغضب الشعبي. وسوف يكون مصيره القمامة كسابقيه الإتحاد و الإستقلال وبعدهم البام. بعد أن يؤدي مهمته اللتى من أجلها تم الزج به لمسؤلية إدارة البلاد مقابل أجور ضخمة وتقاعد مريح مدى الحياة وامتيازات.

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الجمعة 20 ماي 2016 - 21:54

    IL faut dire la vérité au marocain .
    le pjd ,c'est la trahison.

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الجمعة 20 ماي 2016 - 23:15

    il faut dire lavérité aux marocains
    .Le PJD,c'est la trahison

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال