تحديات مغرب الانتقال: الديمقراطية، الوحدة ، العدالة

تحديات مغرب الانتقال: الديمقراطية، الوحدة ، العدالة
الثلاثاء 17 ماي 2016 - 12:55

ان القضايا الكبرى التي تتعلق بمستقبل بلدنا لم تحظ بما تستحقه من اهتمام عمومي من قبل النخب السياسية والكرية والتشكيلات التنظيمية والمدنية ، ولم تستوف حقها من مساحات النقاش العام المسؤول، لكن –وبالرغم من ذلك-وقبل الاشارة الى اهم هذه القضايا، أستأذن في تسجيل ملاحظة ، وهي ان المخاضات والتحولات التي شهدتها منطقتنا منذ ما يقرب من خمسة اعوام ، والتي كانت بمثابة انفجار للتاريخ وتسريع لوثيرته باتجاه طرح أسئلة الاصلاح والنهضة من جديد، تحولات ستفضي في مجملها الى تبلور نتيجتين دالتين، الاولى صياغة صفقات كبرى وتسويات سياسية تعيد لبعض الدول حضورها ونفوذها الاقليمي، وربما تمنحها مزيدا من التوسع والهيمنة وإعادة بناء القوى، والثانية صفعات كبرى ، تضرب بعض الدول سواء بالانهيار او التقسيم او الاضعاف او استبدال الادوار بالاكراه أو التفكك وفقدان الدور في النظام الاقليمي.

وبالتالي فان من واجبنا ان ننتبه الى حساسية الظرفية التي تجتازها المنطقة عموما ، وبلدنا خصوصا، حتى نحكم مواضع اقدامنا وونعيي جيدا ما يهدد وجودنا لا ترابنا ووحدتنا و حدودنا فقط ، لان ما يحدث جد وتحول حاسم وفارق ونوعي ، لا مجال فيه للهزل والرهان على النوايا والانتظار ولا مجال فيه للمقامرة والمغامرة والمناورة والتيه .

ملاحظة صغيرة اخرى وهي ان اهمية وخطورة القضايا التي نتحدث عنها لا تتعلق فقط بها في ذاتها وتفاصيلها، وانما ايضا بما يترتب عليها من استحقاقات سياسية مرتبطة بالنموذج الاصلاحي الذي اختط به المغرب لنفسه مكانا فريدا تحت شمس العالم العربي والاسلامي ورسم لنفسه مسارا مميزا في المستقبل ، وبالتالي فان النقاش حولها يفترض ان يتجاوز الحاضر ليعبر منه الى المستقبل ، وان ينصب على ما ورائها من اهداف وما تؤسس له من تحولات ، وما ستفرضه من حقائق ووقائع علينا أجمعين.

ما يهمني هنا تحديدا هو ان نفهم ما جرى في سياق استبصار القادم ، ثم ان نتحرك قبل وقوعه ليس من اجل استباقه والتحذير منه وانما لمنع حدوثه أصلا اذا استطعنا إلى ذلك سبيلا .

وهنا بالذات وجب تسجيل ثلاث قضايا مركزية… نكتفي بالاشارة الى عناوينها فقط ، ولنترك للقارئ النبيه ان يدقق في التفاصيل :

القضية الاولى تتعلق بالمسألة الديمقراطية،

وبالضبط تطوير العلاقة بين الدولة والمجتمع، في اتجاه توطيد أركان الشرعية السياسية وربط القار العمومي بصناديق الاقتراع وباختيارات الناس، والقطع النهائي مع الهندسة السياسية التحكمية القائمة على التوجية من أعلى ومصادرة خيارات الناس…

وما استطيع ان اقوله هنا هو ان هذه العلاقة تعرضت لاصابات عديدة ، وأعطاب حادة في السابق ، وهي لا تحتمل مزيدا من المفاجآت الكبيرة على مستوى استفزاز المجتمع من قبل قوى سلطوية والدفع في توتير الصلة الجديدة التي أصبحت تنظم تلك العلاقة، حتى صارت الدولة تعكس خيارات المجتمع ولا تنحو لتتحكم فيه وتكرهه على مسلكيات تسلطية أصبحت في رحم التاريخ وعفى عنها الزمن خصوصا بعد اندلاع الربيع الديمقراطي وما خلفه مغربيا من حراك اصلاحي افضى الى اعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع ، حيث توسعت القاعدة الاجتماعية للحكم، وصارت النخب السياسية الاصلاحية القائدة للمرحلة لها شرعية سياسية وانتخابية متجددة ووقع انفتاح ديمقراطي وتمت بداية مسار المصالحة بين النخب الحاكة والناس،

وقد اصبح من الضروري ان يعاد فتح هذا الملف من جديد وان يحظى بما يستحقه من نقاشات وحوارات ، لكي يفهم الناس ما لهم وما عليهم ، من حقوق وواجبات ازاء الاصلاح والمرحلة والدولة والمجتمع، ولكي يطمئنوا بان دولتهم ما زالت تتمتع بعافيتها وبشرعيتها الادماجية والانجازية شرعية الاصغاء لنبضهم والاستجابة لامالهم، وان مؤسساتهم السياسية والدستورية-في عمومها-بخير ، بعيدة عن الاكراه والارغام وارادة نسف المسار الديمقراطي برمته، وان عقدهم السياسي والاجتماعي لم يتغير ولم يتبدد، وأنه لن يتم غلق القوس الديمقراطي الذ انفتح ذات ربيع ديمقراطي، وأن موعود الانتقال ناجز، والوفاء لمضمون الخطاب السياسي الرسمي في صيانة الاصلاح قائم وحمايته من كل امكانيات نزوعات التسلط والتحكم .

القضية الثانية تتعلق بالمسألة الوطنية والافق الاستراتيجي ،

وهي ذات صلة بالموقع السياسي والدولي للمغرب ، وبالدور الريادي الذي يقوم به على الصعيد المغاربي وفي عموم العالم العربي …

لقد سبق وان اثيرت مسألة التوسع الرمزي والمعنوي للمغرب وتمدده افريقيا ودينيا واشعاعه عربيا واسلاميا، ولعل الفضل في ذلك –الى جانب عوامل أخرى – يرجع الى الوئام الجامع بين الارادة السياسية للملكية والقوى السياسية الديمقراطية الحية في البلاد والتي جسدت عقدا سياسيا مبنيا على التوفيق بين قضية استكمال الوحدة الوطنية واقترانها بالتقدم في تأمين البناء الديمقراطي والمؤسساتي وحماية الحياة الدستورية ، وهذا ما مكن أطراف المعادلة السياسية معا للاصرار على المضي قدما في توطين أركان النموذج الديمقراطي الصاعد، التقدم خطوات لا رجعة فيها بلا ابطاء او تردد او نكوص في انجاح هذا المسار.

وهنا وجب التأكيد على حيوية الموقغ الذي يحتله الخيار التنموي امتعدد الواجهات الذي سلكته البلاد ، وكذا الموقف الحاسم من قضية الصحراء والوحدة الترابية، وان المغرب لن يتراجع او يتوانى في الدفاع عن كيانيته الموحدة التي لن تقبل التجزيء ولا المقامرة ولا التهديد ، ثم مسألة الاسهام في الحرب على الارهاب وما يترتب عليها من ادوار استباقية وهجومية ايضا بمقاربة شمولية مندمجة.

ولاننا في الغالب نقع اسرى للشائعات والانطباعات والتأويلات، ناهيك عن الاخبار التي تأتينا من خارج الحدود على شكل تسريبات ، فان الحاجة للتفكير بصوت مرتفع وبسط الحقائق امام الناس بلا خوف وبلا تردد أو ارتياب.

ان اشراك الناس في القرار ودمجهم في الهموم الوطنية الجامعة من خلال تقوية ممثليهم المنتخبين ، ووضعهم في صورة المستقبل، يجب ان يكون احدى الاولويات الوطنية ، ليس فقط لتهيئة المناخات من اجل تمرير اي استحقاق سياسي أو وطني قادم ذو صلة بالقضية الوطنية فحسب ، وانما من اجل معرفة رأي الناس فيه ، وضمان قبولهم او رفضهم له ، فالمسألة لا تتعلق بقرارات جزئية أو اختيارات ظرفية قد تفرض ويبتلعها الناس حفاظا على بلدهم ، ولكنها تتعلق بمستقبل المغرب ككيان وكنموذج وكدولة ووطن وبمصير المغاربة جميعا .

القضية الثالثة تتعلق بمسألة العدالة الاجتماعية،

وبالتحديد انجاز التحول في النموذج التنموي المغربي ، والانقال به من الارتكاز على الاقتصاد الخادم للسلطة والمحظوظين ،الى تلتقدم في تحويل الاقتصاد الى بعد جديد خادم للناس والمعوزين…

ولعل هذه القضية تعد ام القضايا التي تؤرق المغاربة وتشوش على مستقبلهم واستقرارهم المعاشي ونموذجهم الحياتي، باعتبار صلتها بالتوزيع العادل للثروات وبتأمين منطق العدالة الاجتماعية وصيانة أنظمة الحماية الاجتماعية من الانهيار وتحصينها من امكانية الانتهاك أمام زحف نموذج شره وشرس يكرس منطق الجشع في الانفاق العمومي والنهب للثروات والمقدرات الوطنية، والتقتير والاسراف في النفقات التكميلية على حسا بالحاجيات الضرورية للناس المعوزين، وتكريس الفوضى في الميزانيات العمومية والجماعية المقرون بانعدام العدالة في التوزيع وتضييع شروط الكفاءة والانصاف،

صحيح ان ارقام المديونية اصبحت معروفة لدى العموم ، وان ارقام العجز في الميزانية تم تقليصه في هذه الحكومة ووجب بذل مجهودات أكبر لتخفيضه، فهو لا زال متصاعدا ، وكذلك مؤشرات البطالة والفقر مقلقة ومخيفة وتتطلب تدخلا عموميا للانقاذ والفعل والانجاز المباشر.. الخ ، لكن الصحيح ايضا ان هذا الملف الاقتصادي والتنموي بابعاده السياسية يجب ان يخضع للنقاش العام الصريح مع المواطنين بعامة بخطاب الحقيقة وتحمل المسؤولية وعدم التهرب من مستحقاتها، وأن تنفتح وسائل الاعلام العمومي لتنوير الناس بالحقائق كما هي والمجهود التنموي والاقتصادي الذي لا يقبل الابطاء ولا الارجاء الذي وجب القيام به من قبل النخب السياسية والقيادات المنتخبة والمسؤولة عن تدبير الشان العام،

هذا التوضيح والوضوح وقول الحقيقة ، وتنوير الناس بها، وخلق ديناميكية تواصلية جماهيرية حولها، يعد واجبا في المرحلة، لكي يعرف الناس الى اين نحن ذاهبون وأي سبيل نحن سالكون، ولكي يدركوا ما يشكله الضغط على عصب الاقتصاد من نوايا سياسية لها استحقاقاتها ، ناهيك عن اخطارها على حركة الدولة وخياراتها ايضا .

وجب –أخيرا- التنبيه الى :

أولا: ان هذه القضايا وما رافقها من مقررات واجراءات ، ما تزال ضببة وغائمة وبعيدة عن اولويات نقاشاتنا العامة واهتمامات النخب وعموم الناس،

ثانيا: انها تمرر بسرعة وكانها اخبار عاجلة ، في الوقت الذي يتبين دورها الحاسم في تمنيع نموذجنا السياسي وتجربتنا الاصلاحية،

ثالثا: انها مترابطة ومتزامنة وتخفي استحقاقات غير مفهومة ، والاهم انها تتعلق بوجودنا و تهدد كياننا الجامع ، ولذا اقتضي التحذير والتنبيه .

‫تعليقات الزوار

5
  • جواد تيداس
    الثلاثاء 17 ماي 2016 - 16:12

    كل ما تطرق له كاتبنا المحترم يدخل في تحقيق ما هو مطلوب مجتمعا ودولة ،لكن تناسى لقضية ذات اهمية كبرى بدونها ان الحديث عن الاصلاح يبقى كذر الرماد في العيون،وهو مدخل تحقيق دستور ديمقراطي تنبثق عنه مؤسسات ديمقراطية حقيقية تكرس لدولة المؤسسات بشكل عصري ومدني خلااق يقطع مع ممارسات الدولة السلطوية الملسكة بكل السلط والقابضة بكل مفاتح الاصلاح على حساب افراغ كامل صلاحيات مؤسسات الدولة والمجتمع

  • azerty
    الثلاثاء 17 ماي 2016 - 18:02

    لفكر المتطرف يتغلغل شيئا فشيئا في المجتمع المغربي و هدا الواقع صرنا نلاحظه بسبب فتح المغرب ابوابه على مصرعيها في وجه التيارات الاسلامية المتطرفة في كل المجالات
    في المشهد السياسي سمح لاحزاب سياسية اسلامية بولوج المشهد السياسي و جعل المغرب فضاءا سهل لترويج اديولوجيتهم المتطرفة دون اي مراقبة
    فتح اسواق المغرب امام الراس المال الاسلامي التركي و الوهابي ..
    وتمكين البنوك الاسلامية من الاقتصاد المغربي
    مع الاسف المغرب لم يستفد من الخطاء الذي وقعت فيه الجزائر التي
    في اطار عملية التعريب جلبت من الشرق معلمين اللغة العربية ينتمون
    الى التيار السلفي و فتحت لهم ابواب مدارسها و بعد جيل واحد استطلع
    هؤلاء المتطرفيين ان يغسلوا عقول ابناء الجزائر و النتيجة الكل يعرفها عشر
    سنوات من الدبح و القتل و السبي عاشتها الجزائر و مازالت لم تخرج منها الى الان

  • الرياحي
    الثلاثاء 17 ماي 2016 - 23:46

    بدون لغة الخشب الحل هو حل حزب المرسيدس ومنع اي حزب يتاجر في لدين ويكفر الناس ويتضامن سريا مع داعش وينشر فكرها الى انتظار محاكمة بن كيران على كل "التبوريدات اللتي حققها" واسءاته للمغاربة وعلى لسانه السليط وشتمته للنساء في البرلمان واتهام خصومه بالزندقة ثم عن قوله ان تكلفة الريع الوزاري وهي 25 مليون درهم سنويا ما هي الا des broutilles
    اصبح كتاءب البيجيدي تخافون من الادلال بهويتهم الحزبية

  • جواد تيداس
    الأربعاء 18 ماي 2016 - 00:59

    كاتبنا المحترم احاط بعناصر عدة مؤسسة لشروط الانتقال والوحدة والحرية ،لكنه تغافل امور هامة هي الطريق المعبدة لاي تقدم وتطور للبلد،والضامن الحقيقي للمكتسبات والانجازات في كل ابعادها المجتمعية.تتعلق باقامة مؤسسات وهيئات ديمقراطيه شكلا ومضمونا تدير شؤون البلد تكون طبعا نابعة من دستور ديمقراطي حقيقي يفصل بين السلط وبين الدين والدولة يقوي من صلااحيات المؤسسات المنتخبة من الحكومة وكل المجالس المنبثقة عنها على كل مستوى الجماعات الترابية ومجالس الجهات والاقاليم ،يجعل القرار السياسي في حوزتها وفي صلب عملها مما يجعلها في مساءلة ومحاسبة مباشرة مع الناخيين والشعب ويكون القرار السياسي نتيجة لما افرزته صناديق الاقتراع وهذا هو المعنى الحقيقي لربط المحاسبة بالمسؤلية بالمعقول وليس بلغة الخشب كما هو قائم الان

  • جائزة البوكر
    الأربعاء 18 ماي 2016 - 13:29

    الداودي فيه غي بلا بلا بلا ومثال ذلك.
    2016 سنصنع طائرة بدون طيار
    2016 سنصنع صاروخ بالستسي
    2017 سنصنع سيارة كهربائية مانعرف شنو

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات