تشريعات الأعمال كآليات مؤهلة ومنقذة للمقاولة المغربية خلال الأزمات

تشريعات الأعمال كآليات مؤهلة ومنقذة للمقاولة المغربية خلال الأزمات
الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 23:10

من المعلوم أن الصراع العالمي توقف عند الإجماع على تبني جل الدول الخيار الليبرالي كخيار يعتمد على المنافسة الحرة واقتصاد السوق، وهو ما أدى إلى الدفع بتبني سياسية التكتلات الاقتصادية لضمان الحضور القوي بسوق يغلب عليه التنافس الحاد، مما فرض على جل الدول دعم بنياتها الاقتصادية والحقوقية حتى تكون على استعداد لاستيعاب مختلف التغيرات الدولية.

فأصبح على المغرب باعتباره جزءا لا يتجزأ من المنظومة اللبرالية، أن يعمل على توفير المناخ الملائم لترسيخ دعائم الأمن القانوني والاقتصادي، ما يدفع المستثمر لوضع الثقة فيه كبلد مستقبل للاستثمارات الكبرى، وهو الأمر الذي دفع به لتشجيع المبادرة الحرة وتشجيع المقاولة وتأهيلها حتى تستطيع خوض غمار المنافسة، خاصة بعد أن انفتح على بلدان كبرى بعقد اتفاقات للتبادل الحر مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والجمهورية التركية، والاتحاد الأوروبي الذي منح المغرب وضعا جد متقدم باعتباره شريكا اقتصاديا استراتيجيا.

كل هذا كان دافعا لتجديد المغرب لترسانته القانونية، وخصوصا تلك المتعلقة بمجال المال والأعمال، وذلك بطرحه مجموعة من القوانين التي تساير التحول الاقتصادي.

وهكذا كانت تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين بمثابة تحول في عمل المشرع المغربي، وذلك بإصدار مجموعة من القوانين التي تعمل على تنظيم ميدان المال والأعمال مثل مدونة التجارة، ومدونة التأمينات، والقانون المتعلق بالمجموعات ذات النفع الاقتصادي، والقانون المتعلق بشركة المساهمة، والقانون المتعلق بباقي الشركات…

هذا من جهة ومن أخرى فقد عرف جهاز العدالة بالمغرب تحولا عميقا باعتماده للقضاء المتخصص عن طريق تعزيز القضاء المغربي بإحداث المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية بموجب قانون 53.95 سنة 1997، وهو الأمر الذي سيكون إعلانا عن تحول في المنازعات التجارية، بتعزيز خاصية السرعة والائتمان اللذين يعدان قطب الرحى في الأعمال التجارية، إذ سيتم إفراد التجار بجهاز متخصص يسهر على البت في منازعاتهم بسرعة وفعالية، كما سيتم فتح الباب أمامهم من جهة أخرى للجوء لمسطرة التحكيم المنظمة بموجب قانون المسطرة المدنية.

كل هذه التشريعات التي تم تفعيلها للدفع بالاقتصاد الوطني كان منتظرا منها أن تطور هذا القطاع وتنتقل به ليساير اقتصاديات العالم السريعة التحول، إلا أنه بالرجوع إلى واقع الاقتصاد الوطني نجده غير مساير لهذه الحركة التشريعية، بحيث أضحى المغرب يمتلك ترسانة قانونية متقدمة في مقابل واقع ممارسة لا يواكبها؛

إذ بالعودة لواقع الاقتصاد الوطني نجده متخما بمجموعة من التحديات، إذ يعاني من مشكل التسويق، والتنافس غير المشروع، كما أن جل المقاولات تجد صعوبة في التمويل، هذا بالإضافة لتضررها من اتفاقيات التبادل الحر التي في الغالب ما تكون غير متكافئة مع دول كبرى، كما يسجل الاقتصاد غير المهيكل ما يزيد عن 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، هذا إلى جانب اتسام المقاولة المغربية بالهشاشة، والتي هي في الغالب مقاولات صغرى أو متوسطة بنسبة كبيرة تصل لما يزيد عن 93 بالمائة داخل النسيج الاقتصادي المغربي، مع انعدام ثقافة المقاولة عند الكثير من الفاعلين الاقتصاديين.

وعلى الرغم من كل هذه المعطيات إلا أن المشرع المغربي في جل نصوصه لم يراع الخصوصية المغربية، وأغرق منظومة الأعمال بنصوص مستوحاة بالأساس من القانون الفرنسي، حتى يساير نمط الاتحاد الأوربي باعتباره الشريك الاقتصادي الاستراتيجي، وحتى يحسن مرتبته في مؤشر قياس أنظمة أنشطة الأعمال ( (Doing Businessالتي تقدم مؤشر المغرب في منصتها بسبب تشريعاته الحديثة ليحصل على الرتبة 53 من بين 190 دولة.

لكن مع كل هذا فإن هذه القوانين التي أضيفت لمنظومة قانون الأعمال بالمغرب، لا تزال تعرف نقاشا كبيرا، لما تشكله من لبنة تساير التشريعات الحديثة وتهدف بالأساس إلى تحول المقاولة المغربية من مقاولة تعود بالنفع على مستثمريها، إلى مقاولة اجتماعية تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتشغيل اليد العاطلة، والمساهمة في الرفع من منسوب الدخل الخام.

ولعل أهم اختبار وتحد مر منه الواقع الاقتصادي المغربي هو الذي يضرب حاليا كل بلدان العالم، جراء تفشي وباء كورناCOUVID-19 والذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية ابتداء من 11 مارس 2020. حيث دخل العالم في أزمة غير مسبوقة شلت معظم القطاعات، ولعل أهم من تضرر من هذه الجائحة هو ما يتعلق بنشاط المقاولات، إذ بدخول المغرب في حالة سكون جراء الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن تعليق نشاط ما يزيد عن 142 ألف مقاولة.

وهو ما يجعل البحث في سبل إنقاذ هذه المقاولات من الشلل التام، وإمدادها بالآليات اللازمة لمواجهة تحديات هذه الأزمة وباقي الأزمات أمرا مهما، خصوصا في المغرب الذي تعرف جل مقاولاته الهشاشة وضعف السيولة، وهو الأمر الذي دفع المغرب فعلا لاتخاذ العديد من التدابير وإصدار مجوعة من القوانين قصد الحفاظ على سيرورة هذ المقاولات.

كل هذا يدفعنا للبحث في هذه الآليات القانونية التي اعتمدها المشرع المغربي، لمد المقاولات بما يلزم وهو ما يجعلنا نتساءل عن:

ما هي الآليات القانونية التي وفرها المشرع للمقاولة المغربية لمواجهة التحديات الاقتصادية؟

هذه الإشكالية تدفعنا لطرح مجموعة من الأسئلة المرتبطة بها لعل أهمها يتمثل في، ما هي الوسائل التي اعتمدتها الدولة المغربية من أجل خروج المقاولات المغربية من الأزمة بشكل آمن؟ وكيف هو وضع الترسانة القانونية المتعلقة بميدان الأعمال قبل هذه الجائحة؟

لمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات كان لا بد من العمل على دراسة الآليات الحمائية التي أصدرها المغرب في مرحلة الأزمة، حتى تخرج المقاولات المغربية من هذا التحدي دون خسائر ترجع على الاقتصاد الوطني بشكل سلبي (المحور الأول)، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار التشريعات التي أقرها المشرع منذ مدة لتعزيز ميدان الأعمال وإنقاذ المقاولات من الوصول لمراحل الإفلاس، مع تحسين آليات الفصل في المنازعات التجارية (المحور الثاني).

المبحث الأول: آليات إنقاذ المقاولة خلال الأزمات (أزمة كورونا كوفيد-19 نموذجا)

من المعلوم أن الأزمة التي يمر منها المغرب في هذه الفترة لم يسبق له المرور بمثلها من قبل، وذلك على الأقل في التاريخ الحديث، إذ أنه حتى بالنسبة للأزمة العالمية لسنة 2008 كان للاقتصاد غير المهيكل دور كبير في تجنيب المغرب تداعياتها، لكونه غير منخرط في سلسلة الإنتاج التي تترابط مع السوق الخارجية، إلا أنه بخلاف ذلك فإنه يشكل في هذه الجائحة ثقلا كبيرا سيصعب معه الخروج أكثر.

وحتى تتم معالجة مخلفات هذه الأزمة والخروج بالاقتصاد الوطني لبر الأمان، أطلقت الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها مجوعة من المبادرات لدعم المقاولة منها ما تمثل بمجموعة من التسهيلات (المطلب الأول)، ومنها ما صرف عن طريق مجموعة من القوانين (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الآليات التمويلية

هناك شبه إجماع من طرف كل الدوائر الوطنية والدولية، التي تقوم باستشراف الحالة الاقتصادية وتطورها سواء تعلق الأمر بصندوق النقد الدولي أو البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية BERD أو المندوبية السامية للتخطيط أو بنك المغرب أو الهياة المهنية والموازية، على أن الوضع الاقتصادي بالمغرب سيكون سيئا هذه السنة وأن حجم تراجع معدل التنمية سيكون بين 3 و4 % في أحسن التوقعات.

وبالتالي فالعودة إلى مجرى الإنتاج العادي ليست بالأمر الهين، حيث أعلن بنك المغرب أنه يتوقع أن يستعيد الاقتصاد عافيته بمعدل 4,2 بالمائة، مع جعل هذا التوقع محاطا بالكثير من الشكوك إذا ما استمر ضعف الطلب الخارجي واختلال سلاسل الإنتاج.

كل هذا جعل تدخل الدولة أمرا ضروريا، حيث تم الإعلان عن تشكيل لجنة اليقظة الاقتصادية التي يرأسها وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وبمشاركة كل القطاعات المعنية، هذه الأخيرة عملت على إطلاق مجموعة من الآليات التمويلية، فأعلنت عن إطلاق مبادرة لتسهيل القروض لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة تمثلت في منتوج “ضمان أوكسجين” الذي يهدف إلى تعبئة موارد مالية لفائدة المقاولات التي عرفت خزينتها تدهورا بسبب انخفاض نشاطها، يغطي 95 في المئة من مبلغ القرض، مما يمكن الأبناك من مد المقاولات بقروض استثنائية لتمويل احتياجات أموال الدوران، في ظرف وجيز.

وفي المنحى نفسه تم إطلاق كل من مبادرة “ضمان إقلاع” و”إقلاع المقاولات الصغيرة جدا”، الهدف منهما هو إحياء نشاط المقاولات عبر ضمان القروض المخصصة لتمويل احتياجات الخزينة، وهي قروض واجبة السداد على مدى سبع سنوات، مع فترة مؤجل الاسترداد محددة في سنتين.

حيث تم تخصيص منتوج إقلاع المقاولات الصغيرة جدا لفائدة المقاولات التي لا يتجاوز رقم معاملاتها 10 ملايين درهم بضمان 95 بالمائة، بينما خصص ضمان إقلاع للمقاولات التي تحقق رقم معاملات يفوق 10 ملايين درهم، مع ضمان يتراوح بين 80 بالمائة و90 بالمائة، على أن تكون هذه القروض المضمونة موجهة بنسبة 50 في المائة على الأقل لدفع استحقاقات الممونين، وهو الأمر الذي سيساعد هذه المقاولات على الخروج من صعوبة الأداء.

هذا بالإضافة للإجراءات التي اتخذها بنك المغرب منذ الإعلان عن حالة الطوارئ، حيث تم تخفيض نسبة الفائدة لمرتين متواليتين في ظرف ثلاثة أشهر ليصل لنسبة 1,5%، كما قرر تحرير الحساب الاحتياطي بشكل تام لفائدة البنوك.

كل هذا من أجل تمكين المقاولات المغربية من مواجهة هذا التحدي غير المتوقع وغير المسبوق من نوعه، ولعل هذه الإجراءات كانت لها نتائج بالفعل، بحيث وصل عدد المقاولات المستفيدة من 24 ألف مقاولة.

ولعل هذا ما جعل صندوق النقد الدولي يشيد بالمقاربة المغربية في مواجهة تحديات الأزمة، حيث جاء في تصريح لرئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، بأن المغرب كان أسرع من دول أوروبية في التكيف مع الحاجيات التي تتطلبها مكافحة الجائحة.

كل هذه المبادرات الحكومية التي عملت على تخفيف آثار الجائحة على الاقتصاد الوطني، لا يمكننا أن نجزم بكونها ستكون ناجعة في مواجهة تحديات هذه الأزمة، لكون الاقتصاد المغربي كان عليه أن يكون ذا أسس قوية تمكن مقاولاته من الصمود أمام الأزمات الاقتصادية، وهو الأمر الذي يفتقده الاقتصاد المغربي عموما والمقاولة المغربية على الخصوص.

فماذا بالنسبة للتشريعات التي واكبت هذا التحدي؟

المطلب الثاني: الآليات التشريعية

المنظومة القانونية المغربية في الأصل لم تكن تتوفر على الآليات القانونية اللازمة لمواجهة مثل هذه الأزمات، إلا ما استني من القواعد العامة خصوصا في القانون المدني، حيث ذهب بعض الباحثين لاعتبار فيروس كرونا بمثابة قوة قاهرة كما هو منصوص عليه في الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود، وأن شروط هذا النص قد تحققت في جائحة كورونا، كما ذهب أستاذنا محمد بنيعيش إلى اعتبار الجائحة في الفقه الإسلامي بمثابة مرادف للقوة القاهرة في القانون الوضعي.

لأجل ذلك عمل المشرع المغربي على إصدار مجموعة من النصوص القانونية التي تساهم في تدليل الصعوبات أمام المقاولات.

حيث كان البدء بالتعديل الذي طال قانون شركة المساهمة بموجب القانون رقم 27.20 المتعلق بسن أحكام خاصة تتعلق بسير أشغال أجهزة إدارة شركات المساهمة، وكيفية انعقاد جمعياتها العامة خلال مدة سريان حالة الطوارئ الصحية، حيث أجاز هذا القانون لشركات المساهمة للشركات التي لم تقم بعقد مجلسها الإداري عقد اجتماعاته خلال مدة سريان الطوارئ الصحية، عبر وسائل الاتصال بالصوت والصورة أو أي وسائل مماثلة، وكذا اعتماد التصويت بالمراسلة بواسطة الاستمارة، كما جعل للشركات التي لا يمكنها استعمال هذه الوسائل، بإمكان كل المدير العام أو الرئيس المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة أن يقوم بإعداد قوائم تركيبية مؤقتة تتعلق بالحسابات السنوية برسم السنة المالية المختتمة في 31 دجنبر 2019، وذلك بخلاف ما هو منصوص عليه في المادة 50 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة، التي تنص على إلزامية انعقاد المجلس الإداري بحضور فعلي لأعضائه المشكلين للنصاب القانوني من أجل التداول في القوائم التركيبية السنوية؛ كما أجاز هذا القانون للشركات التي لا تتضمن قوانينها الأساسية إمكانية عقد جمعياتها العامة عن طريق وسائل الاتصال عن بعد إمكانية استعمال هذه الوسائل، خلافا لما جاء في المادتين 110 و111 من القانون 17.95 التي تشترط تضمين هذه الإمكانية في القانون الأساسي للشركة.

وهو الأمر الذي نرى فيه تدخلا للمشرع لإضفاء الشرعية على مجموعة من قرارات أجهزة التسيير بعيدا عن إرادة المساهمين، وذلك من أجل ضمان سيرورة عمل هذا النوع من الشركات التي تعد المحرك الأول للاقتصاد، كما يعد هذا التدخل إقرارا لتوجه العمل التشريعي في هذا المجال، الذي يعمل على إخراج الشركات من نمط التسيير الخاضع لإرادة المساهمين إلى تسيير تستمد أجهزة الإدارة فيه شرعيتها من النصوص القانونية.

إلى جانب هذا تم إصدار القانون رقم 30.20 المتعلق بسن أحكام خاصة تتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين، حيث أحيل مشروع هذا القانون من طرف الحكومة على البرلمان مع طلب إعطاء الأسبقية، وهو ما يبين مراهنة الحكومة على هذا النص لتخفيف الأزمة على قطاع السياحة والخدمات، باعتبارها أكبر قطاع تضرر جراء عملية إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية وكذا نقل الأشخاص بين المدن.

ويهدف هذا القانون، إلى تجنيب وكالات السفر وشركات الطيران والمؤسسات الفندقية والنقل السياحي تقديم تعويضات مالية للزبائن على الرحلات والخدمات الملغاة بسبب أزمة كوفيد-19.

كما يسمح القانون لمهنيي القطاع السياحي بالمغرب بأن يقدموا خدمات بديلة للمتضررين بدل تعويضهم مالياً، من خلال منحهم وصلاً بدين مساويا لمجموع المبالغ التي قام الزبون بأدائها برسم العقد المفسوخ، بعدما يصبح هذا الأخير مفسوخا بقوة القانون.

إلا أن ما يعاب في هذا النص هو ضربه لحقوق المستهلك عرض الحائط، حيث تم توقيف مجموعة من مقتضيات قانون 31.08 المتعلق بإحداث تدابير لحماية المستهلك سواء تلك الواردة في ديباجته، أو تلك الواردة في متن مواده. هذا إلى جانب ضربه لأحد المبادئ الدستورية الأساسية، حيث جاء في المادة 3 من هذا القانون -القانون رقم 30.20- على أنه تطبق أحكام الباب الثاني منه على العقود التي من المقرر تنفيذها من فاتح مارس 2020 إلى غاية رفع خالة الطوارئ الصحية، وهو الأمر الذي يضرب في مبدأ عدم رجعية القوانين كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا.

هذا دون إغفال عمل الفرق البرلمانية التي تقدمت بمجموعة من مقترحات القوانين، لعل أهمها تلك المتعلقة بتعديل مسطرة الإنقاذ التي تقدمت بها إحدى الفرق البرلمانية بهدف تكييف هذه المسطرة مع الحدث الطارئ، عن طريق تخفيف شروط الاستفادة من سلوكها استثناء من القواعد الخاصة المنظمة لمسطرة الإنقاذ، عبر اقتراح اعتمادها ولو كانت المقاولة متوقفة عن الدفع نتيجة الجائحة، مع ضرورة تنفيذ المخطط في مدة لا تتجاوز سنة عوض خمس سنوات.

المبحث الثاني: الرصيد القانوني لتأهيل وإنقاذ المقاولة المغربية

إن المشرع المغربي بانخراطه في السياسية الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال؛ واعتماده المقاولة كلبنة أساسية في الدورة الاقتصادية لما توفره – المقاولة – من أهمية في تطوير الاقتصاد، وتوفير مناصب الشغل وتحقيق الأمن السوسيواقتصادي، جعله يصدر مجموعة من النصوص القانونية الرامية إلى الحفاظ عليها في حالة ما اعترضتها صعوبات قد تؤدي بها إلى النهاية؛ ومن بين أهم النصوص ما يتعلق بالجانب الموضوعي باعتباره يوفره للمقاولة آليات قانونية تمكنها من ضمان استمراريتها دون الدخول في مرحلة العجز، تبني المشرع لمساطر صعوبات المقاولة في الكتاب الخامس من مدونة التجارة؛ واعتماد نظام تمويلي مساعد لتعزيز القدرة المالية للمقاولة في الحصول على تمويلات تكفل لها ضمان الاستمرارية (المطلب الأول)، كما أن هذه الإجراءات الموضوعية عُززت بمساطر تساعد المقاولة على حل المنازعات التي قد تعترضها سواء القائمة مع أجرائها أو المتعاملين معها؛ كما أنه ومراعاة للخصوصية الاقتصادية؛ فإن المغرب قد اعتمد على إيجاد نظام قضائي تجاري متميز عن القضاء العادي قصد إضفاء نوع من الليونة وتحقيق السرعة في فض النزاعات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: دور مساطر صعوبات المقاولة والآليات التمويلية في تأهيل المقاولة لمواجهة التحديات

إن تأهيل المقاولة لمواجهة التحديات يقتضي بداية وقبل الوصول بها إلى مرحلة العجز أو التوقف توفير نصوص قانونية مساعدة تكفل لها تجنب الأزمات قبل الدخول فيها، ومن ما سنه المشرع المغربي كآليات مساعدة للمقاولة في الحفاظ على نشاطها؛ نجد بعضا من مساطر صعوبات المقاولة في صيغتها القديمة أو الحديثة التي عززت بمساطر جديدة تهدف إلى تقوية مناعتها بمساعدة أجهزة قضائية (الفقرة الأولى)، كما أن تأهيل المقاولة لمواجهة التحديات يقتضي توفير آليات قانونية تسمح لها بالحصول على موارد مالية بطريقة غير مكلفة ومساعدة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دور مساطر صعوبات المقاولة في تأهيل بنيتها لمواجهة التحديات

إن الفلسفة التشريعية العامة التي يقوم عليها نظام مساطر صعوبات المقاولة تكمن في تمكينها – المقاولة – من آليات قانونية توجيهية تدعم عملية التغلب على كل ما من شأنه أن يسبب إخلالا لها؛ وهذه الآليات القانونية نظمها المشرع تحت مسمى الوقاية الداخلية التي تعتبر عملية بينية داخل أجهزة المقاولة، وفي حالة استمرار الاختلالات داخل المقاولة؛ أعطى المشرع مكنة الانفتاح على بعض الأجهزة الخارجية التي قد تساعد المقاولة في تجديد ودعم قوتها؛ وقد عالجها المشرع في الكتاب الخامس من مدونة التجارة تحت مسمى الوقاية الخارجية، والتي يراد بها حماية المقاولة من التوقف عن الدفع هن طريق تدخل رئيس المحكمة التجارية، قصد العمل على تذليل الصعوبات القائمة والحيلولة دون وقف نشاط المقاولة؛ وهذه العملية قد تتم عن طريق مسطرتين؛ إما مسطرة الوكيل الخاص أو مسطرة المصالحة، لكن شريطة أن لا تكون المقاولة في مرحلة التوقف عن الدفع.

والمشرع من خلال القانون الجديد 73.17 أحدث مسطرة هامة تمكن من تحصين المقاولة ومساعدتها على الاستمرارية؛ وهي مسطرة الإنقاذ؛ والتي نظمها بدءًا من المادة 560 من مدونة التجارة وجعل الهدف منها تمكين المقاولة من تجاوز صعوباتها لكن شريطة ألا تكون في حالة التوقف عن الدفع، وتعاني من صعوبات ليس بمقدورها تجاوزها ومن شأنها أن تؤدي بها في أجل قريب إلى التوقف عن الدفع.

ومن أجل إنجاح هذه المسطرة في تأهيل المقاولة التي قد تعترضها مجموعة من التحديات والصعوبات سواء المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية؛ نص المشرع على تعيين أجهزة مساعدة على عملية التأهيل / الإنقاذ من طرف المحكمة؛ وتتمثل في القاضي المنتدب والسنديك؛ ونائبا للقاضي المنتدب تسند إليه نفس المهام الموكلة للقاضي المنتدب.

ولمواجهة التحديات والتغلب عليها وضمان بقاء المقاولة؛ يتطلب تحديد اختصاصات كل الأجهزة القائمة على هذه المرحلة؛ وهو ما نجده من خلال قراءة المادة 566 من مدونة التجارة التي أسند المشرع من خلالها لرئيس المقاولة عملية التسيير؛ لكن مع إبقاء هذا الأخير خاضعا بخصوص أعمال التصرف وتنفيذ مخطط الإنقاذ لمراقبة السنديك الذي يرفع تقريرا إلى القاضي المنتدب.

والدور الهام الذي تلعبه هذه الأجهزة في المساعدة على تأهيل المقاولة؛ يكمن في مرحلة إعداد الحل الذي يتكفل به السنديك؛ فمن خلال المادة 569 من مدونة التجارة يكون عليه القيام بإعداد تقرير تفصيلي يبين فيه الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة؛ وعلى ضوئه يقترح على المحكمة إما المصادقة على مشروع مخطط الإنقاذ أو تعديله وإما تسوية المقاولة أو تصفيتها قضائيا.

كل هذه آليات لها دور هام في مساعدة المقاولة وتجنيبها من الوقوع في مرحلة العجز، كما أن لهذه الأجهزة المتدخلة دورا كبيرا في إنجاح عملية التدخل؛ لكننا نسجل أن المشرع المغربي لم يضع شروطا موضوعية ملزمة في المتدخلين؛ إذ نص مثلا في الفقرة الأخيرة من المادة 673 من مدونة التجارة على أنه “تحدد بموجب نص تنظيمي المؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام السنديك؛ والأتعاب المستحقة عن هذه المهام”.

لكن الآن وبعد مرور سنتين على إصدار القانون 73.17 إلى حيز الوجود لم يصدر أي نص تنظيمي يحدد هذه المؤهلات، رغم أهميتها في إنجاح عملية الإنقاذ؛ وتدخل أي طرف في هذه المهمة إن لم يكن يتوفر على مؤهلات علمية وأخلاقية؛ وقدرة على الإقناع وحسن الإنصات والفهم لن يصل إلى النتيجة المرجوة من التدخل.

الفقرة الثانية: الآليات التمويلية المساعدة على تأهيل المقاولة في مواجهة التحديات

إن تأهيل المقاولة ومساعدتها على تخطي الصعوبات يقتضي بالضرورة توفير تمويل لها يكون مناسب وإمكانيتها، لذا عمل المشرع إضافة الآليات التمويلية التي تمنح من البنوك عن طريق الضمانات العينية، إلى إصدار قانون هام يسمح بالحصول على التمويل عن طريق الضمانات المنقولة، وهو القانون 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة الذي أدخل مجموعة من التعديلات الجوهرية على كل من ظهير الالتزامات والعقود والقانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة.

ويهدف هذا القانون إلى مراجعة النظام القانوني للضمانات المنقولة، قصد تسهيل ولوج المقاولات إلى مختلف مصادر التمويل المتاحة عبر تقديم الضمانات المنقولة المتوفرة لديها؛ وتحسين شروط تنافسية المقاولات عبر تأمين عمليات تمويل الاستثمار؛ وترسيخ مبادئ وقواعد الشفافية في المعاملات المتعلقة بالضمانات المنقولة، وترتيب الآثار القانونية عليها؛ وتعزيز الحرية التعاقدية في مجال الضمانات المنقولة مع الحرص على تحقيق الأمن القانوني التعاقد.

ولضمان تحقيق هذه الأهداف أرسى هذا القانون مجموعة من المبادئ والقواعد الموضوعية والإجرائية التي من شأنها تسهيل المعاملات وتحقيق الأمن القانوني وترسيخ مبادئ الشفافية، في تدبير الضمانات المنقولة وبالتالي تقوية الإمكانات المتاحة للمقاولات وتمكينها من تقديم الأصول المنقولة المادية وغير المادية، كضمان لتعزيز فرص الحصول على التمويل، وتتمثل أهم هذه القواعد في توسيع مجال إعمال الضمانات المنقولة، إلى جانب تبسيط الإجراءات المتعلقة بإنشاء وإشهار وتحقيق هذه الضمانات وملاءمة الأحكام المنظمة للضمانات المنقولة مع حاجيات المقاولات والأنشطة التجارية والمهنية مع إحداث آلية جديدة لتمثيل الدائنين.

وارتباطا بهذا يمكن القول إن تنزيل مقتضيات قانون الضمانات المنقولة قد يساهم في معالجة إشكالية تضخم الضمانات المطلوبة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ومن ثمة تخفيض معدلات إفلاس هذه الأخيرة، عبر تقديم أصولها المنقولة كضمان مع الاستفادة من بقاء الأصل المنقول محل الضمانة في حيازتها لاستخدامه في نشاطها الإنتاجي والخدماتي، خصوصا بعدما تم توسيع مجال أعمال الضمانات المنقولة لتشمل أصناف جديدة من الرهون دون حيازة، كرهن الديون ورهن الحسابات البنكية ورهن حسابات السندات.

المطلب الثاني: الآليات القضائية والمسطرية لفض المنازعات التجارية

كما سبق وان أشرنا فإن من أهم الخاصيات التي يتسم بها ميدان الأعمال نجد خاصية السرعة، سواء بين التجار في معاملاتهم التجارية أو في فض نزاعاتهم، وحتى يعزز المغرب هذه الخاصية قام بإحداث قضاء متخصص في المنازعات التجارية (الفقرة الأولى)، كما طرح إمكانية اللجوء للقضاء الخاص الذي يتسم هو الاخر بمجموعة من المميزات (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إحداث المحاكم التجارية كوسيلة مسطرية للدفع بالمقاولات لتحقيق السرعة والفعالية

بتحديثه لترسانته القانونية في ميدان المال والأعمال لم يغفل المشرع المغربي القواعد المسطرية وما لها من دور هي الأخرى في الدفع بعجلة الاقتصاد، وهو ما ترجم بإحداث المحاكم التجارية في نهاية تسعينيات القرن الماضي بموجب القانون رقم 53.95 لسنة 1997، إذ بموجبه تم الخروج بكل من المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، وإفرادها باختصاصات حصرية كما جاء بها بنفس قانون إحداثها انطلاقا من المادة الخامسة التي نصت على أنه تختص المحاكم التجارية بالنظر في:

1- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛

2- الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية؛

3- الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية؛

4- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية؛

5- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية؛

هذا بالإضافة لاختصاصها بالبت في مساطر صعوبات المقاولة طبقا لما جاء في الكتاب الخامس من مدونة التجارة، بحيث أنها تتحول آنذاك من جهاز يفصل في النزاع إلى جهاز يتدخل لإنقاذ المقاولة، وهو تحول جذري في القضاء المغربي الذي أصبح بموجب هذا التعديل بمثابة قضاء اقتصادي يعمل هو الآخر على الخروج بالمقاولات من الأزمات التي قد تؤدي بها إلى التصفية.

كما أضحت للقضاء أدوار جديدة في مراقبة سير الشركات التجارية، حيث أصبح تدخل القاضي لمراقبة أعمال أجهزة الإدارة والتسيير واضحا، وذلك لأجل التحقق من مدى احترامها للشروط القانونية الشكلية والمسطرية.

كل هذا يجعل من الجهاز القضائي فاعلا أساسيا في الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني، وحماية المقاولة سواء أثناء حياتها في كل ما قد تعاني منها من تلاعبات في عملية تسيرها، أو خلال تعرضها للأزمات أو توقفها عن الدفع حيث يكون القاضي التجاري أمام وجوب تدخله، لهذا نرى أنه من اللازم إخضاع قضاة المحاكم التجارية لتكوينات خاصة تتعلق بالجانب الاقتصادي والمحاسباتي حتى يتمكنوا من مواكبة التحديات التي تطرح على المقاولات والآليات الحديثة لإنقاذها.

الفقرة الثانية: التحكيم كقضاء خاص للفصل في المنازعات التجارية

نظرا لعدم إمكانية الفصل في جميع النزاعات بعيدا عن قضاء الدولة؛ حماية للحقوق المرتبطة بالنظام العام، فقد حدد المشرع نطاق اختصاص التحكيم في الفصل 308 من قانون المسطرة المدنية؛ وجعل استعماله مقترنا بالحقوق التي يملك الشخص حق التصرف فيها مع احترام مقتضيات قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية والتقيد بمقتضيات ظهير الالتزامات والعقود.

والتحكيم بما له من مميزات يعد خيارا هاما في فض النزاعات التجارية؛ لذا نجد أن المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 308 نص على أنه يمكن أن تكون بوجه خاص محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية بمقتضى المادة 5 من القانون 53.95 المحدث للمحاكم التجارية؛ وهو ما أكده المشرع من خلال ذات المادة، لكن يبقى نطاق اختصاص التحكيم غير مرتبط بهذه المادة فقط بل يمكن أن يشمل نزاعات غيرها.

ويعد الآن خيار التحكيم في فض النزاعات من الآليات الهامة التي تمكن المقاولة من إنهاء النزاع دون اللجوء إلى المساطر القضائية بشكلياتها وطول إجراءاتها؛ وهذا ما يساعد في تأهيل المقاولات لمواجهة التحديات المتعلقة بالمنازعات التي تعترضها، ففض النزاع عن طريق – القضاء الخاص (التحكيم) – يمكن المقاولة من كسب الوقت الذي يضيع في ردهات المحاكم.

في الأخير لا بد من الإشارة إلى كون هذه القوانين برغم من كثرتها إلا أنها لا تستجيب في الغالب لمناخ الأعمال المغربي، الذي يتسم بخصائص لا تقبل في الغالب الانصهار في مناخ الاعمال العالمي، خصوصا إذا ما أخدنا بعين الاعتبار أن جل المقاولات المغربية هي مقاولات عائلية، هذا من جهة ومن أخرى فإن التشريعات الحالية لا تستجيب لمتطلبات النهوض بالمقاولة المغربية بالقدر التي تراهن فيه على مسايرة تحقيق الاشعاع الدولي.

حيث نرى أن أهم ما تحتاجه المقاولة المغربية لتأهيلها لمواجهة التحديات غير متوفر في العمل الحكومي وفي التشريع المغربي، كمثل الدفاع عن حظوظها في الأسواق العالمية، ولعل أهم مؤشر على ذلك هو اتفاقيات التبادل الحر التي تبرمها الدولة المغربية بحيث نجدها في الغالب غير متكافئة، وخير دليل على ذلك هو ذهاب الدولة المغربية في منحى مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع الجمهورية التركية، والأمر نفسه مع كل الشركاء الاقتصاديين وخاصة المصنعين منهم. إلى جانب العديد من الصعوبات الأخرى لعل أهمها عدم تفعيل المجال الرقمي، وعدم إصلاح القطاع الضريبي بما يضمن عدالة أنجع وثقة أكبر، وإصلاح نظام التأمينات وخاصة التأمينات المتعلقة بالكوارث والتأمينات المتعلقة بالصادرات كنظام تأخذ به جل الدول الكبرى.

هذه مجموعة من التحديات وأخرى يمكن الخروج منها بوضع مدونة شاملة تنظم ميدان الأعمال، باستغلال الإجماع الوطني غير المسبوق وعمل لجنة النموذج التنموي الجديد.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة