تعليمُنا، بين الزرعِ وحَصاد... !

تعليمُنا، بين الزرعِ وحَصاد... !
الإثنين 14 غشت 2017 - 21:35

متى ” ثورةُ الملكِ والشعب” الثانية؟

أَحياناً يدخلني الشك، في أفعالِ بعضِ “الكبارِ” عندنا… فأتساءل؛ هل هُمْ معنا كمغاربة، أمْ ضدنا…؟

بضعة أيامٍ بعد تعيينِ الحكومةِ الحاليةِ، وفي جلسة أصدقاء، قلتُ؛ “ما أعجبني في هذه الحكومةِ العجيبةِ سوى أن وزيرَ التعليمِ أصبح محسوباً، بصفةٍ مباشرةٍ وواضحةٍ، على ملك البلاد. وهذا معناه أن أي حديثٍ عن التعليم فيما يأتي، يبقى مع الملك”.

في منتصفِ الجلسةِ، اِلتحقَ بنا مسؤولٌ نقابي قادماً على التو، من جلسةِ لِقاءٍ نقابي أَولي مع السيد حصاد، وخاطبنا؛ “لقد قدم الوزير نفسه لَنَا، على أنه باسمِ الملك على رأسِ قطاعِ التعليمِ والبحثِ العلمي، وأن حل المشاكلِ المطروحةِ قد بدأ…”

وفعلاً، اِزدادَ تفاؤلي أكثر !

مَر الوقتُ ثقيلاً، وأطلقَ الوزيرُ وعوداً بالشروعِ في محاولةِ ترقيعِ المرقعِ، من الطاولاتِ والسبورات والاكتظاظِ إلى الحركةِ الانتقاليةِ وبضعةِ توظيفاتٍ بالتعاقد. لكن السيد حصاد من الأولِ، (وهذه شهادةٌ للتاريخ !)، أبانَ عَنْ هِمةٍ ملموسةٍ في ضَرْبِ هذا بذاك، وذلك بدءً بما يسمى مقررات التربية الإسلامية وأساتذة الفلسفة… وهي لعمري، عادةٌ أمنيةٌ معهودةٌ في كل الطالعين من رَحِمِ الداخلية أو الاستخبارات !

وهكذا، شرعَ تفاؤلي أعلاه، في التبخرِ مع الهواء؟

وقلتُ سِراً مع نفسي فقط؛ كَمْ يُؤكلُ الثومُ باسم الملك، في بلدي ! وباسمِ الإصلاحِ والبرامجِ الاستعجاليةِ والعُشرياتِ والمشارع الكبرى. وهلم جرا.

ومَر الوقتُ أثقل، ولم أسمعْ حتى الآن أن الوزارةَ والدولةَ معاً قد اِنْتَقيَا مثلاً، فريقاً من 50 متفوقاً ومتوفقةً في تخصصاتٍ مرسومةٍ من آلافِ الحاصلين على الباكالوريا، وإرسالِ هذا الفريقِ في بعثةٍ إلى الخارجِ، تحت الإشراف المادي والأدبي للدولة، ومتابعتها الدؤوبةِ حتى العودةِ والإدماج في سياقِ الانتقال إلى “معرفةِ الإنتاجِ والاختراعِ والاعتمادِ على الذاتِ المغربيةِ المُبتكرة”.

لم أسمعْ هذا عندنا، وسمعتُه من سوريا، وهي تحت حربٍ عالميةٍ مصغرةٍ ضروس. كما لم أسمعْ، لا من الوزيرِ أوِ الحكومةِ أو الدولةِ، أن مراجعةً ما، لِجوهرِ السياسةِ والاختياراتِ التعليميةِ السائدة، من المِنهاجِ والمضامينِ والتوجهاتِ إلى تحديدِ التربيةِ والتعليمِ والعلمِ مفتاحاً للنهضةِ والتقدمِ ورافعةً لاستعادةِ المغربِ للإشعاعِ الحضاري وتملكِ زمامِ الأمورِ من جديد، في إطار مشروعٍ مجتمعي نهضوي، واعدٍ، بناءٍ وتَواق إلى التحررِ والازدهار.

آهٍ كَمْ أحلم، والحالُ أن الوزارة، ومعها الحكومة وكل الدولة، ولوْ في سياقِ إدمانِ ترقيع المُرقع، لمْ تُبدي أي اكتراثٍ حتى الآن بواقعِ المختبرات، البدائي أو المُزري أو المنعدم، في كافةِ الثانوياتِ والجامعات… قمةُ عِلْمِ اللاعلم !

ولذلك يتم إقناعُنا، سنوات بعد أُخرى، أن المشكلَ عندنا ليس في الفيلِ، ولكن في إصرارنا على حرمانِ هذا الفيلِ من نعمةِ الأُنْسِ والرفقِ، ومن الحق التاريخي في التناسلِ والتكاثر…؟

وها هو السيد حصاد، يجترحُ الوصفةَ الساحرةَ لكل مشاكلِ تعليمنا، من “فلسفة الداخلية”، فيشتتُ أسرةَ التعليم إلى شيعٍ وقبائل، معتبراً الغيابَ جوهرَ المشكلِ و”الأساتذة اليساريين” أُم المشاكل، مًستنداً طبعاً إلى خبرته في وزارة الداخلية وولائه لها، وإلى “مُخطط الإلهاء” وسياساتِ “اِضرِبْ هذا بذاك” و “فَرقْ تسود”، حتى وإنْ تم هذا “اللعب” تحت ذريعةِ “الاستفزاز الإيجابي”، الذي جُربَ فينا بالبامْ بْرامْ بَمْبَامْ؟

حمداً لله، وشكراً للطبيعةِ والتاريخ، أنْ لا طائفيةَ أو مذهبية لدينا حتى الآن. لقد أُنْعِمْنا بتعددٍ ثمينٍ في الطبيعةِ والثقافةِ والبشر، وقد ظهر مَنْ يريدُ أن “يلعبَ العَشرة” علينا، مُستخدماً المسألة اللغوية أو عناصر الهوية الوطنية، محاولاً فك تلاحمِ وانصهارِ المغاربةِ، وإلهائهم مع بعضهم البعض، في الفترةِ الاستعماريةِ وبعدها، عن القضايا الأساس المتمثلةِ في تشييدِ مغربِ كل المغاربةِ، بكل المغاربةِ ولكل المغاربة… مغرب الإنصافِ والمساواةِ وتكافؤِ الفرص، نحو الغاية الأسمى؛ استرجاعُ المغربِ لإشعاعه الحضاري واستعادته لنعمةِ “تملك زمام الأمور”.

وفي كل الأحوال، لنْ يُفلحَ مَنْ يلعبُ بالنار عِبْرَةً بالمجوس، ولا بخلقِ وتكريسِ “الثنائيات المصطنعة”، تَقْنِيعاً للثنائياتِ الموضوعيةِ والحقيقيةِ في الواقعِ الملموس، وإلهاءً عنها، في محاولةٍ لهندسةِ جبهة وهمية؛ “الحداثيين مقابل المحافظين”، التي ينقلها السيد حصاد لميدانِ التربيةِ والتعليم، بعقليةٍ استخباراتية ملموسة.

ثنائياتُنا الأربعُ، الموضوعيةُ والحقيقيةُ والمُدركةُ بلغةِ الحساب، والتي شُرِعَ في محاولةِ وَضْعِ القناعِ عليها منذ حوالي العقديْن، عبر استبدالها بالثنائياتِ المُصنعةِ والمُصطنعة؛ المرأة مقابل الرجل، الشباب مقابل الكبار، الأمازيغية مقابل العربية، وما يُسمى بالحدثيين مقابل ما يُسمى بالمحافظين…

هذه الثنائياتُ الأربعُ، ثنائياتنا الموثوقِ علمياً وبالحسابِ في صحتها، ستظل سببَ وأصلَ وجوهرَ الصراع من أجل مغربِ الإنصافِ والمساواةِ وتكافؤِ الفرصِ وعِزةِ الكرامةِ … إنها ثنائياتنا الأصلية، إلى أنْ تُعالجَ وتُحسم بخلقِ التوازن العادلِ المطلوبِ في توزيعِ الثروةِ وفوائضِ القيمة، في توزيعِ السلَطِ والسلطة، في توزيعِ المجالِ والفضاء، وفي توزيعِ المعرفةِ وخدماتِ الولوجِ للتعليمِ والصحةِ والعدلِ والكرامة.

في هذا السياقِ، كان وسيبقى الصراع بين مشروعين، السائدِ والمنشود… وفيه تأتي كل الاحتجاجات وما أصبح معروفاً بحراك الريف، وبما يمكن توقعه ولا توقعه في آنٍ واحد… أما تاريخُ التعليمِ عندنا، فيظل وقد يبقى إلى حينِ “تاريخ أزمات” وتَأْزيماتٍ أيضاً.

لِيَرْتَاح السيد حصاد، ومعه سدنةُ التسلطِ والإلهاءِ والتأزيم وفرنسا، فقد أصبحَ للفيلِ فيلات وفِيلة، وليس فيلة واحدة وحيدة !

فمتى تكون ” ثورةُ الملكِ والشعب” الثانية؟ …

………………………………………………. وإنني لأحلم دوما.

‫تعليقات الزوار

3
  • أطــ ريــفــي ــلــس
    الإثنين 14 غشت 2017 - 23:11

    غايةُ القُصورِ في الثورة
    أَنْ تخرج الثورةُ من القصورْ!

  • WARZAZAT
    الثلاثاء 15 غشت 2017 - 11:55

    التعليم عندنا ليس للتنمية و التحضر. هو أداة للتحكم و تكريس التخلف. ليس هناك ما يخيف الدكتاتوريات من شعب متعلم…حصاد كان وزير الداخلية!!.

    بغض النظرعن الاستلاب الغريب و الفساد الذي ينخر التعليم فتنظيمه أتى عليه الزمن. لم يتغير منذ أروبا القرن 18 عندما كانت تسرح المدارس كل صيف لشن الحروب و المساعدة مع الحصاد. مع الأنترنت و التكنولوجيا انقرضت الكتب و الطباشير…إن لم تنقرض معهم الأمتحانات و الأساتذة كذلك!!

    لما لا يتداول التلاميذ الدراسة و العمل!؟.. 3 أشهر دراسة تتبعها 3 أشهر عمل/تكوين /خدمة إجتماعية. تكون فترات العمل مزدوجة بالدراسة و المتابعة عبر الأنترنت و منحة/ راتب شهري مقنن. هكذا دواليك و بالتناوب المنسق طوال السنة بعطلة اسبوعين بين الفصول…ديك الساعة قرا تا تموت…لا رزبة على صلاح.

    هكذا يتلقى التلاميذ تكوينا جيدا و يوفر الأقتصاد بطاقات متعلمة طموحة. ما سيرفع الضغط عن المو'سسات التعليمية و سوق العمل و يزيد من قدرتها الاستعابية ما يتيح لباقي الشعب الدراسة و العمل.

    هذا ما آل إليه التعليم و التشغيل في العالم. الأزدواجية المستمرة بين العمل و الدراسة منذ الصغر و على طول العمر.

  • محمد
    الثلاثاء 15 غشت 2017 - 23:05

    يجترحُ حصاد الوصفةَ الساحرةَ لكل مشاكلِ تعليمنا حيث أعلن أنه وجد برامجا وتوجيهات بيداغوجية لم تحين منذ خمسة عشر 15 سنة، وقرر ابتداء من السنة القادمة أن يتم الخروج من الطريقة البيداغوجية العتيقة ومراجعة المناهج سنة 2017/2018 والوصفة هي كتالي:
    • ترسيب أكثر من 150 أستاذ متدرب ومنعهم من الالتحاق بعملهم ، و تعويضهم بآخرين عن طريق التعاقد لم يخضعوا لي تدريب أو لا تكوين وهذا هو العبث بعينه.
    • إعفاء أكثر من 125 إطار تربوي وإداري مؤهلا من مهامه بدون وجه حق.
    • ضرب الحركة الانتقالية – الانتقامية – عرض الحائط فشتتُ أسرةَ التعليم إلى شيعٍ وقبائل
    • اتهام "الأساتذة اليساريين" بأنهم أُم المشاكل وأكثر الأساتذة غيابا.
    وفي المقابل تعهد حصاد وزير التعليم ، بجعل المدارس العمومية المغربية على شاكلة مدارس التعليم الفرنسي بالمغرب ك Descartes et Lyautey lycée فبشرى للتلامذة الغد بالمشروع ألحصادي الجديد والسفر إلى فرنسا بدون فيزا ولا جواز السفر .

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة