على باب البناية الكبيرة العابسة تعريف لها “المركب الثقافي”، على الأبواب المحيطة بالبهو الداخلي الواسع أسماء المرافق على ألواح بلاستيكية. هناك مراحيض غالبية صنابير جديدة ومعطلة تسيل سبعة أيام في الأسبوع لأن ثمن الماء سيدفع من المال العام. يمكن شم رائحة البول في الباب.
بعد البول يمكن للزائر شم رائحة الشاي المنعنع أو رائحة المرق. ففي غرفة الإدارة موظف لديه سخان كهربائي فوقه إبريق شاي. على المكتب ورقة وعدة كؤوس. في المركب الثقافي فائض موظفين يقضون نهارهم في المبنى يُدرْدشون. كما يتناوبون على المداومة ليذهب كل واحد لقضاء بعض أغراضه.
من أين جاء فائض الموظفين في المركب؟
المركب الثقافي بناية على آلاف الأمتار تضم خزانة كتب وقاعة ندوات وقاعة موسيقى وقاعات اجتماعات وملعب رياضي ملحق بها، يسمى أحيانا الخزانة البلدية. وهو تابع لعمادة المدينة لذا فالتشغيل فيه ليس مركزيا بل محلي من اختصاص رئيس بلدية المدينة المنتخب الذي شغل الفائضين مكافأة لهم وهم سنده الانتخابي، لذا لا يخطر بباله محاسبتهم. مسموح لهم أن يعدوا الشاي ويطبخوا ويغسلوا بل يمكن لبعضهم أن يبني جدارا خشبيا ويقطن بجناح مركب ثقافي دون مشكلة.
بعد المرق يظهر باب كبير كتب عليه ببنط كبير “قاعة المطالعة” وببنط صغير “ممنوع الإعارة الخارجية”. هنا توجد آلاف الكتب التي اشتريت غالبيتها في ثمانينات القرن الماضي. بعضها فلسفي وجلها ديني ضخم مجلد بالأخضر المذهب..
الحادية عشرة صباحا، لا أحد في قاعة المطالعة. يدرك الموظف أن لا أحد سيأتي ليجلس ويفتح كتابا في هذا البرد الشديد. ولن يأتي أحد في حر الصيف لأن العطلة تقضى على الشاطئ. وغالبا لا يفكر الموظف في فتح تلك الكتب، فهذه ليست مهمته. كما أنه ليس مسئولا عن كون الشعب لا يحب الكتب. شعب غريب تزيد فيه بطالة المتعلمين عن بطالة الأميين… دليل آخر على براءة موظف المركب الثقافي من لعنة الكتب؟
حاليا يطبع الكاتب المغربي ألف نسخة على حسابه ويبيع عشرات النسخ ويهدي الباقي لأعدائه وأصدقائه… وقد أظهر إحصاء أن الفرد العربي يطالع ست دقائق في السنة بينما يطالع المواطن الغربي 200 ساعة سنويا. للمطالعة فوائد لا تحصى، فهي غذاء للروح، تنمي الخيال وتوفر الوسائل البيداغوجية للفهم. والفهم يُبنى ولا يباع جاهزا. قال شوبنهاور “إن المطالعة هي التفكير بعقل الغير”. تصور أن تطالع ابن خلدون وكيسنجر وتفكر بعقلهما. هذا ثروة غير نقدية (من النقود) للفرد، لكن البيئة المغربية تكرر هذا السؤال التحقيري في وجه المتعلمين والمثقفين:
ماذا أعطتكم الأفلام والكتب؟
لكل منكري دور المعرفة في التنمية الإنسانية هذا جواب يساوي وزنك ذهبا: في سيرته الذاتية توقع بيل غيتس أن ينهار القطاع العقاري وأن يتجه الاستثمار للترفيه والتعليم. وهذا ما اتضح في 2008. لذلك استثمر غيتس في البرمجيات وصار من أغنياء العالم.
بني المركب الثقافي حين كان اليسار في المعارضة، وكان يستخدم المجال الثقافي كمنصة لمهاجمة النظام. كان حينها لمنظمة اتحاد كتاب المغرب التي يسيطر عليها اليسار وزن سياسي كبير. كانت قاعة الندوات تمتلئ بالجماهير. لكن منذ أن وصل اليسار لكراسي الحكومة في مغرب 1998 لم تعد الثقافة سلاحا في الصراع لتعرية السلطة من كل شرعية. وقد خبا نفوذ اتحاد الكتاب وصار منظمة صغيرة مفتتة… بعد 2003 دشن الملك محمد السادس عشرات المركبات في كل مدن المغرب مع إطلاق المبادرة الوطنية التنمية الإنسانية وحصول المغرب على مكرمة أمريكية قدرها 700 مليون دولار لدعم الفئات الاجتماعية المهمشة… مركبات الثقافية بلا لمسة فنية، صممت مثل مكاتب إدارية. فضاءات مهجورة مغلقة، نابذة… نادرا ما يُنظم فيها نشاط ثقافي ذي قيمة رغم وجود 90000 جمعية في المغرب. في بعض المركبات الثقافية علب كتب جديدة لم تفتح بعد، بل وفي بعض تلك المركبات آلات موسيقية تليق بأوركيسترا لم تستخدم قط…
ومن أراد معرفة نقيض هذا عليه زيارة المعهد الثقافي الفرنسي الذي توجد فروعه في مدن الدار البيضاء وأكادير والرباط وأكادير.وهو معهد مبني بشكل فني مضاء نظيف، يديره موظفون مثقفون لا سماسرة انتخابات وتصله الجرائد والمجلات الجديدة كل صباح ولا تشم رائحة مرق الدجاج في أروقته…
لقد صار الحديث عن الكتب موضة قديمة. وما الموضة البديلة؟
برامج مسابقات الاستعراض والغناء التلفزيون. وهي تسلي للحظة لكن لا تخفي أضرار عدم المطالعة. فقد عم التعصب للرأي وكثر الذين يعيشون تحت خط الفهم ويضعون الحصان أمام العربة. صار كل حادث عرضي يثير أزمة لأن النفوس الجاهلة مشتعلة… ظهر قادة يبحثون عن نتائج فورية ويضعون خططا سياسية دون جذور فكرية… عم الجهل زائد الرضى به فأثمر عنفا جعل الدماء تسيل بين المحيط والخليج كأنها أرخص من الماء.
فمن لم يطالع كتابا في حياته مشبع بجهله ولا يحس بجوع المعرفة. من لم يتعلم التفكير فرفيقه هو جهله. وللتعبير عن وضعنا على مقياس سلم جهليشتر يتداول المغاربة نكتة رهيبة. يحكون عن تنظيم مزاد علني للعقول في دبي. بيع عقل الأمريكي بعشر دولارات وبيع عقل الياباني بخمسة بينما بيع عقل المغربي بألف دولار. وعند التحقيق في الأمر اتضح أن عقل الياباني استهلكه التفكير بينما عقل المغربي WWجديد لم يستخدم قط.
في هذا الوضع البائس للكتاب والعقل، من يتذكر توصيات بناء مجتمع المعرفة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي دعا لتوطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير الثقافي؟ من يتذكر ” التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الإجتماعية والإقتصادية العربية”؟
تلاشى هذا وصار الناس يكافحون البرد القارص ليبقوا أحياء. بينما تلاشى صوت الكتاب. قال ابن حزم لولا الكتب لاستوت دعوى العالم والجاهل. الكتاب مقياس حاسم للتمييز إذن. الكتاب الحقيقي هو الذي تحس فور الانتهاء من قراءته أنك لم تعد كما كنت قبل قراءته. الكتب تحرر. ولعدم استخدام العقل فوائد للأسياد. قال ميكيافيلي أنه يسهل حكم الجهلاء. وليس صدفة أنه خلال العبودية في أمريكا كان العبيد ممنوعين من قراءة الكتب. وكان البيض يعذبون كل عبد أسود يُضبط ومعه كتاب. الكتب تحرر العبيد، تحرّضهم على رفض الظلم والفساد. يبدو أن كلما قلت الثقافة قل الوعي السياسي وكلما قل الوعي زادت الحاجة للبوليس. والبوليس مسلحون بالعصي لا بالكتب.
شكرا لك يا صاحب المقال غلى اثارتك لهذا الموضوع
فعلا نحن لا نقرا لكن القلة القليلة التي تريد القراءة تصطدم بمجموعة من العراقيل, ساحكي لكم نموذجا
بمدينة مكناس هناك المعهد الفرنسي, من اراد ان يثقف نفسه ما عليه الا ان يؤدي مائة درهم بالنسبة للطلبة زائد نسخة من البطاقة الوطنية و بعدها يمكنه اخذ الكتب التي يرغب(ستة كتب و سي دي و مجلة) او المطالعة في عين المكان, اذ القاعات مكيفة فلا تحس بقوة الحرارة في الصيف و لا بشدة البرد شتاء
و قد استفذنا كثيرا و الحمد لله و جزا الله اولئك الفرنسيين بخير
كنا طلبة و كنا نحتاج الى دار الثقافة كما كنا نسميها و هي بناية تمتد على مساحة شاسعة في لاراديم, و هي جميلة جدا لكن الحقيقة المرة هي انك لن تستطيع اخذ كتاب حتى ترده في وقت لاحق و لا يحق لك ان تخرج به لتقوم بنسخ ما تريده و غالبا ما كنا مشغولين جدا و ياخذ منا الفصل الحصة الاكبر من الوقت, و لم تكن هناك من مساعدة ابدا
و المؤلم في الامر انك اذا كان لديك بعض الوقت تاتي للمطالعة فيها فتجد الابواب مقفلة… يا الهي كم مرة تعبت و عرقت مشيا على الاقدام
و مرات اخرى تجد الموظفة تضع احمر الشفاه و تنظر في المراة
تتمة
قلت كنت اذهب و اجد المكتبة مغلقة ابوابها و دون سبب يذكر و دون ان يخبروا مسبقا و كنت اكره اليوم الذي اضطر فيه الى الذهاب لتلك المكتبة
كانت تلك الموظفة الشقراء(بالسيف) و الاخرى السمراء المحتجبة يرمونك بنظات كره دون سبب تعرفه سوى عدم ارتياحهن لتدفق الطلبة الى المكتبة, و كانك تطلب صدقة و لا يعلمن انهم هناك لخدمة الطلبة شئن ام ابين فلا ابتسامة و لا مرحبا و لا اي شيء من هذا القبيل يحسسك انك في وطنك و مرغوب في ارادتك للتعلم و للبحث عن الكتاب لا شيء يذكر من هذا
ذات مرة طلبت من تلك الموظفة الشقراء ان تخبرنا مسبقا في حال غلق ابواب المكتبة فبدات تنظر الي بكره و غضبت حين قلت لها ان المعهد الفرنسي يخبر الناس مسبقا فقالت لي اذهبي اذا الى المعهد الفرنسي فقلت لها يا سيدتي اني احتاجهما معا فطردتني و بقيت في الخارج انتظر صديقتي حتى تنهي بحثها اما انا فقد منعت لمجرد اني قمت بملاحظة حول طريقة سير المكتبة و الذي نعاني منه كثيرا
عند خروجها كنت لازلت في الدرج خارج المكتبة فقالت لي انا موظفة و الحمد لله وصلت شوفي نتي واش تقضيها ويلا قدرتي ديري شي حاجة دريها
و لازالت المرارة في قلبي حتى اليوم
Cet instinct de répulsion chez la majorité écrasante des marocains envers les livres , la lecture et tout ce qui est culturel, a été ,« injecté » d’une manière méthodique dans leurs esprits depuis des décennies..Pour les abêtir en allant applaudir et danser sur la musique de daoudi et daoudia , de sanhaji et sanhajia de hajib et hajiba… et de hajja lhamdaouia en chantant « dabaiji alkbida .
Merci à l’auteur.on a senti du plaisir , à lire avec beaucoup de réflexion , votre beau texte