ثورة مَلِكٍ من أجل الشعب

ثورة مَلِكٍ من أجل الشعب
الأحد 9 نونبر 2014 - 23:30

يوحي الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء بأن العاهل المغربي أحرق سفن العودة، وبات عازما أكثر من أي وقت مضى على مواجهة كل ما من شأنه التشويش على بلوغ المغرب مراتب الدول الصاعدة.

ترى هل هذه خطابات والسلام؟ أم أن الأمر يتعلق بمخطط كبير يسعى العاهل إلى التسريع بتنزيله؟ وإن كان الأمر على النحو الأخير، فما الذي جعله يجافي لغة الدبلوماسية ويكسر جدار الصمت بخصوص خصوم الخارج ومتآمري الداخل؟ وأين يكمن السر الذي أجج فيه الحماس ليضرب بقوة؟

قبل الخوض في الاجابة عن الأسئلة، لا مناص من تأطير القارئ الكريم بالتطورات المتسارعة التي يشهدها الحقل السياسي المغربي.

كانت تُنبأ الثلاثية الخطابية الصارمة المشهورة لجلالة الملك بعاصفة من التغيرات، ولم يمر غير ثلاثة أشهر على خطاب 30 يوليوز 2014 ، الذي شكل انعطافة جديدة في الخطب الملكية، حتى بدأت قلاع الريع والفساد تشهد مداهمة فعلية: بداية بصندوق الايداع والتدبير وانتهاء بعمودية فاس وقضية جماعة أولاد الطيب.

كما لم يمر على الخطاب الحاسم (افتتاح الدورة التشريعية) والتصعيدي غير لحظات حتى بدا الانفعال على مَن فوق رأسه ريشة. ثم جاء الاضراب العام حاملا بصمات الحزب المعلوم، وجاذبا كل من ينتظر بركات الخارج ومددها الذي لا ينقطع.

وتوالى خلال هذه الفترة اعتقال بعض الدواعش وخلايا الارهاب، وكان آخرها متزامنا بالتطورات الاخيرة، اعتقال داعشيان “فرسان العزة”، أواخر أكتوبر 2014، اللذان كانا على وشك استهداف بعض رموز الدولة وشخصيات أجنبية بعمليات نوعية.

ثم خرج “الضحاك” من سَمْتِ الأمانة العامة للحكومة ليدخل العراك من ثغر مراقبة الدعم الخارجي للجمعيات.

وكان آخر هذه التطورات ذات الطبيعة المتشابهة، في زيارة الملك الأخيرة لمدينة فاس يوم 05 نونبر 2014، والتي اتسمت بالتشديد غير العادي للاجراءات الأمنية، والحديث عن ارتكاب أخطاء أمنية فادحة (اختراق سيارة للموكب الملكي وعدم إشهار التحية)، أحالت والي أمن فاس بولمان وستة من عناصر الشرطة إلى المديرية العامة للتحقيق.

وجاء خطاب 06 نونبر 2014 ليؤكد بخصوص قضية الصحراء، المضي إلى الأمام بحماس وثقة وعزم، على قاعدة المكاشفة والمشروعية والحق.

صارح دولة وشعب الجزائر عن مسؤولية ما يعبئه القادة من ثروات الجزائريين لإدمة نزاع الصحراء، وهاجم مختلف أشكال الخونة، وأشار إلى أصناف عدة من الخيانة من توظيف نزعات التفرقة في الداخل، إلى “استغلال فضاء الحقوق والحريات للتآمر” والاستقواء بالخارج، ودفع الجميع إلى الانخراط في اختيارات الدولة، ولم يترك مجالا للمناورة: إما الوفاء أو الخيانة.

كما تحدث بلسان حال أغلبية الصحراويين المتضررين من نهب الثروة في الصحراء، ومن الريع الذي ينخر التماسك الاجتماعي، ويعيق استكمال الوحدة الترابية.

لقد مهد الخطاب لإنجاح تنزيل الجهوية الموسعة مذكرا “دينصورات العصبية القبلية” بسواسية المغاربة عند جلالته، ومحذرا، بشكل ضمني، من يوظف النعرات من مغبة التشويش على هذا الاصلاح المهيكل.

يرصد المتابع وثيرة التصاعد والتصعيد في خطابات الملك الأخيرة، حيث تطورت من التلميح إلى التصريح، وانتقلت من الحث على الاعتزاز بالوطن والمغربية إلى التحذير من التآمر والخيانة.

لا يمكن أن يتحدث بهذه الثقة والقوة والصرامة، في سياق سياسي محفوف بالمخاطر، إلا من جمع بين قوة الإيمان بالاصلاح وحصافة التشخيص والتخطيط. يستحيل أن تغمر الدولة هذه الجرأة والحماسة في غياب تشخيص دقيق للوضع، واختراق استخباراتي عظيم، وبرنامج عمل محبوك ومندمج، ولوحة قيادة رقمية من الجيل الرابع.

تكمن معجزة المغرب في مَلِك ثائر يستأنف الربيع المغربي على بصيرة هو ومن اتبعه، فهل سيجد الشعب الذي يؤَمّن هذا الانتقال المنشود؟ أم سيجد أقواما تغذي الثورة المضادة، وتطيل من عمر أقطاب الردة والفساد والاستبداد؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • AntiYa
    الإثنين 10 نونبر 2014 - 06:47

    لا يمكن لمَلِك ثائر الذي على بصيرة أن يخلق المعجزة بالمغرب لوحده، فالانتقال المنشود يجب أن يكون من ورائه اتباع مخلصين لمبادئ المَلِك الثورية و مسايرين لوكبه، لكي يوقدون بدورهم نارا بشعب يؤَمّن بالخلاص من التخلف المستشري على جميع الأصعدة و يستأنف الربيع المغربي المنفرد عن الجوار توهجه. فقد سبق و قلنا منذ توليه الحكم أنه سيجد أقواما تغذي الثورة المضادة لمشروعه المتكامل. فأقطاب الردة والفساد والاستبداد تغلغلوا في المجتمع و جعلت من الصعب السير بالسرعة المنشودة من طرفه. فعليه و كما هو الحال عند تسرب الماء للسفينة ذات الحمولة الثقيلة، التخلي عن ما هو معتقد أنه نفيس، لكي ينجو المرء بروحه دون غرقها، و العاقبة للمتقين.

  • BABA
    الإثنين 10 نونبر 2014 - 09:29

    إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

  • khawla
    الإثنين 10 نونبر 2014 - 13:51

    لكن الاخطر في الخطاب هو التوجه الى الولايات المتحدة باللوم حول القضية الوطنية، وهذه اشارة ينبغي ان تسترعي اهتمام المحللين والمتابعين.

  • bouddiouan
    الإثنين 10 نونبر 2014 - 18:47

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكر لكم حسن التفاعل. في الحقيقة استرعى انتباهي التوجه باللوم للو.م.أ، لكن لم أهتم بذلك كثيرا على اعتبار أن علاقات الولايات المتحدة عريقة، وأحسبها اليوم متينة بالرغم من توجه المغرب إلى روسيا أو الصين لجني بعض المنافع الاقتصادية. وإثارة الخطاب للبيت الأبيض هو دعوة للتسريع في التأثير في نزاع الصحراء قبل نهاية ولاية أوباما. والله أعلم.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب