ثورة ناعمة بلبنان

ثورة ناعمة بلبنان
الأربعاء 30 أكتوبر 2019 - 01:27

مما ميز الحراك اللبناني عن الحراكات العربية كونه حراكا ناعما بدرجة أولى إلى حد أن جمال اللبنانيات الذي أطل علينا فجأة من على الشاشات العالمية قد أنسانا رتابة بعض الثورات، بل وغطى أحيانا حتى على مطالب الشارع الثائر ببيروت وباقي المدن، وعلى التفاصيل السياسية المواكبة للحراك، مما جعل الكثير من المتابعين والمغردين العرب غير ملتفتين لاقتراحات سعد الحريري، متشوقين فقط إلى دوام الثورة اللبنانية، ففي رأيهم، هي ثورة ممتعة جدا وجذابة جدا وجميلة جدا… عبارة عن كرنفال حقيقي: وشوم ورقص وموسيقى وغناء.

لقد كانت التظاهرات في الساحات والميادين فرصة لكي تبرز المرأة اللبنانية قوتها وقدرتها على التأثير ليس فقط بعنفوانها وصلابتها التي لا تنكسر، أو بمواجهتها للعسكر والشرطة، ولكن أيضا برجاحة تصريحاتها، وفتنتها، وجمالها، وغنجها، وأنوثتها البالغة كما يغنى كاظم الساهر. وأحيانا بتعليقاتها الواقعية جدا، وهي تشتكي أمام الكاميرا كيف حرمها الفساد من المصروف الذي تتعهد به هذا الجمال الذي حباها به الله بالصيانة. ولا شيء يحز في النفس طبعا أكثر من جميلة لا تجد كيف تبرز جمالها.

ولقد ذكرني منظرها وهي تهتف برحيل كل الطبقة السياسية المتقاعسة جنبا إلى جنب مع الرجل، أو هي تحتج ضد الفساد، وضد تواطؤ الزعامات الطائفية على سلب المستقبل من الشباب اللبناني، بمقال للأديب المصري يوسف زيدان كان قد جعله بعنوان: “الثورة إذا لم تؤنث لا يعول عليها”. وها هي الثورة اللبنانية تنطلق مؤنثة من الوهلة الأولى، فهل قدرها النجاح مسبقا؟

خروج المرأة أو نزولها إلى الشارع لتحتج دليل على أن الثورة بلبنان صارت أكثر من ضرورة، وأنها قرار مجمع عليه بين اللبنانيين. فالمرأة بطبيعتها أكثر محافظة وأكثر حرصا على الاستقرار. وعندما تتظاهر وتقرر أن تهتف في الميادين فمعناه أن الأزمة فعلا حقيقية، وقد بلغت الدرجة القصوى، وأنه ل ابد من فعل شيء يرد الطمأنينة إلى النفوس وأولها نفس المرأة التي تؤثر سعادتها ورضاها في الكل.

من المؤكد أن للمرأة اللبنانية دورا لاحما لصفوف الثورة في لبنان… دورا تعبويا في البداية لا يلبث أن يتحول إلى دور ملهم لأشكال وتعابير النضال التي تبين الآن أن المرأة اللبنانية تبدع فيها أكثر من الرجل: رقص وأغاني وموسيقى صاخبة… فهي تضفي مسحة من الجمال والحسن ومن الحميمية على الثورة… تجعلها أكثر اقتدارا وثباتا في وجه السلطة وضغطا على أعصابها، وأكثر إصرارا على الاستمرار في الزمن لحين انتزاع الحقوق… تزودها بالثقة في النصر. جمال اللبنانيات الباهر الذي ترصعه حلاوة الروح وتنضح به اللكنة اللبنانية المحببة للنفوس تجعل هذا الحراك يستحق بجدارة لقب الحراك الأحلى خلال كل الربيع العربي، وربما خلال كل التاريخ العربي.

أن تعضد المرأة الرجل في مثل هذه الملاحم أمر له أكثر من معنى، وأوله أن المجتمع يثور كاملا بنصفيه. هذا النصف اللطيف يمنع النصف الآخر من التراجع ويزيد من إقدامه. إنه ينقل له بيته إلى الشارع وإلى ساحات التظاهر ليصبحا مؤقتا بيته الحالي إلى أن تنتصر الثورة. ألم يكن العرب يصحبون أحيانا نساءهم للحرب لكي يمنعوا أنفسهم من الفرار وليجبرنهم على الصمود من أجل النصر؟

المرأة اللبنانية خرجت بكل أعمارها: بنات وشابات وأمهات وجدات، وبكل الشعيرات والنجوم فيها وبكل طبقاتها رغم أن الصور المبثوثة عبر قنوات العالم للنساء اللبنانيات لا تنبئ بأية فوارق طبقية، فعلى الأقل توزع الأناقة والجمال هناك بذاك البلد العربي الجميل بالقسطاس على خلاف الامتيازات والربع الذي يستأثر به دهاقنة وعرابو الطائفية.

والحقيقة أن أكبر خطر يهدد هذه الثورة كونها تجري في مجتمع تنخره الطائفية التي تتعهدها الطبقة السياسية برمتها، لكن المرأة اللبنانية هي الترياق لهذا الداء الخبيث. فاذا كان الرجل قارا في طائفته التي ينتمي إليها لأنه يبعث فيها، فالأنثى بطبيعتها عابرة للطوائف، هي رسول السلام بين الطوائف التي تعجن في رحمها الأمشاج المختلفة والتي تنشئ بتربيتها وطنا موحدا يسمو عن كل التمايزات. هي من يكبر كل الشعب على يديها. وإذا كفرت هي بالطائفية، فإن كل الشعب سيكفر بها. وهذا أول درج في سلم التغيير بلبنان.

‫تعليقات الزوار

2
  • amahrouch
    الأربعاء 30 أكتوبر 2019 - 19:58

    La première chose qui saute aux yeux en voyant cette population libanaise dans les rues c est qu elle diffère des populations dites arabes physionomiquement parlant.Je me suis tout de suite dit :ceux-là sont les descendants des byzantins !!Cela dit,je pense que ce qui se passe au Liban est un prélude à un affrontement entre l armée nationale et les milices du Hezbollah.Les libanais presque tous ont compris finalement que Hassan Nasrollah les conduit à leur perte !Un mégalomane qui se mesure déjà à Israel peut les entraîner vers une catastrophe pire que celle de 2006.Les libanais en ont marre de vivre sous la menace de recevoir des bombes sur la tête.Nassrollah les terrorise en s en prenant à l Amérique et peut facilement tenter un suicide,en attaquant à l improviste Israel !L Afrique du Nord doit se retirer de ce bourbier-palestine

  • اسال الله يا ...
    الأربعاء 30 أكتوبر 2019 - 19:59

    …استاذي المحترم ان يحفظ تلك الاجساد الناعمة من اختراق رصاص الحرب الاهلية.
    الشعب اللبناني شرذمته الطائفية من سنة وشيعة ودرزية ومسيحية.
    كما ان لبنان في حالة حرب مع اسرائيل ولا يمكن ان تستقر احواله الا بالتطبيع.
    فسبب احتجاجات الاجساد الناعمة هو الانهيار الاقتصادي الذي اخل بالتوازنات في المنطقة انهار اقتصاد سوريا و العراق فحدث كساد في لبنان و لا احد يستطيع معالجة هذه المعضلة.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة