جامعي يدعو إلى فهم سيكولوجيا المترشحين للانتخابات التشريعية

جامعي يدعو إلى فهم سيكولوجيا المترشحين للانتخابات التشريعية
السبت 24 شتنبر 2016 - 03:00

إن فهم أعطاب الفعل الانتخابي لن تتأتى دون استحضار الجوانب المرتبطة بالمحددات السيكولوجية والنفسية والسلوكية وطبيعة شخصية السياسي/المترشح أيضا، خصوصا عندما يكون هناك خلل على مستوى البواعث والدوافع المحركة للرغبة في الترشح للانتخابات التشريعية، وأي أنماط من الشخصية تلقي بظلالها على سلوك المترشحين وتحفزهم على الترشح؛ وهي، طبعا، كثيرة من الصعب حصرها في هذا المقام.

لكن هناك أساسيات سيكولوجية ظاهرة للعيان، ولا تحتاج إلى كبير عناء لإبرازها، وقابلة للتفسير والتحليل تمكننا من الفهم اليسير لدقائق الأمور والتي تفتح آفاقا أكثر للتعمق في الموضوع من خلال التسلح بمناهج وأدوات البحث في علم النفس السياسي، لنكون على بينة واضحة في فهم الظواهر السياسية القائمة في البيئة المغربية، خصوصا فيما هو مرتبط بالظواهر الباثولوجية للانتخابات. وهذا ما سنحاول الخوض فيه، وفق النسق التالي:

نزعة البحث عن السلطة والنفوذ والارتقاء الاجتماعي

يعتبر كرسي البرلمان مغريا من حيث الامتيازات التي يوفرها، لكونه يعبّد الطريق للولوج إلى دوائر السلطة للحصول على النفوذ والجاه والارتقاء الاجتماعي، إذ يكون الرهان الأكبر هو التقرب من السلطة لنيل الحظوة والعطايا والامتيازات المتنوعة، والدافع يكون دائما تحقيق مآرب شخصية محضة، مقابل انتفاء هم خدمة المصلحة العامة والتعبير عن طموحات ورغبات المواطنين؛ وحتى المترشح الذي تتوفر لديه النية في خدمة المواطنين سرعان ما يتغير ويتنكر لوعوده عند وصوله إلى قبة البرلمان، بحكم المتغيرات النفسية والسلوكية التي تصيبه داخل البيئة البرلمانية التي تجعله ينسج علاقات اجتماعية من مستويات أخرى تمكنه من الارتقاء الاجتماعي والانتقال إلى وضع اجتماعي آخر أكثر أريحية يستتبع تغيرات سيكولوجية وسلوكية أيضا قد تكون في الغالب سلبية مع المواطن العادي، وبالتالي تبرز دائما النظرة التشييئية والأداتية للمواطن / الناخب.

البحث عن بلسم “للذات المجروحة”

إن الكثير من المترشحين للانتخابات يبحثون عن بلسم “للأنا المجروحة”، حسب تعبير جيرولد بوست؛ وذلك نتيجة ما عانوه من حرمان أثناء طفولتهم.

ويشكل الحصول على منصب برلماني قمة الرهان على التعويض في سبيل سد هذه الفراغات النفسية المحفورة في الذاكرة والنفس. وعليه، يكون الكثير من المترشحين للانتخابات أكثر استعدادا لتوظيف سلطة المال لتحقيق طموحاتهم، حيث يشكل الفوز في الانتخابات والتقرب من السلطة طموحا جامحا وقيمة تعويضية أيضا عن الإحساس بالدونية التي تتملكه وعدم تقدير الذات.

وما دامت ذاته مستباحة، فإنه يكون على استعداد للدفع من أجل شراء الذمم وفعل المحظور أخلاقيا وقانونيا؛ فبحث المترشح عن تحقيق نوع من اللذة قائم، حتى وإن كان ذلك يؤدي إلى إلحاق الأذى بالذوات الانتخابية الأخرى، فالاستمتاع والاستفادة بالنسبة إلى لناخب يكون بشكل آني/لحظي، فقط سرعان ما ينقضي ويعود إلى دائرة المعاناة والإحباطات اليومية. وهذا ما يفسر مثلا تعبير أحد المترشحين بانتقاله إلى “حزب البام” بأنه وجد فيه اللذة التي يبتغيها.

المترشح والنرجسية التدميرية

إن الكثير من المترشحين يعانون اضطرابا في الشخصية، إذ تحكمهم النرجسية التي تعبر عن حب النفس والتعالي والغرور ويبحث دائما عن أن يكون موضع الإعجاب من لدن الجميع بينما تتداعى لديه مشاعر التعاطف مع الآخرين أي تتملكه نزعة “أنا أو لا أحد”. وهذا ما يفسر ظاهرة الترحال السياسي المستشرية إبان فترة الترشيحات من جانبها السيكولوجي. وهذا الإحساس يبحث المترشح في الغالب عن ترجمته ليس في الفضاء الاجتماعي فقط، وإنما أيضا في الفضاء السياسي؛ لأن التقرب من السلطة يحقق هذا الطموح النرجسي. وبالتالي هذه النرجسية تجعله، في كثير من الأحيان، عدوانيا بدرجة كبيرة حالة وجود عوارض تعترض تحقيق سموه وتعاليه في العمل السياسي؛ وهو ما يجعله يركب النزعة التدميرية لكل القيم الأخلاقية، وتكون له القابلية لاستعمال كل الطرق غير المشروعة لتحقيق هدفه. فأمام نرجسيته التدميرية يهون كل ما له قيمة إنسانية وحضارية، ويمتثل للمبدأ الذي أسسته المكيافيلية “الغاية تبرر الوسيلة”، والنتيجة هي استباحة نزاهة الانتخابات وإقحامها في مستنقع الفساد.

نزعة الخلود الرمزي

بالنظر إلى طبيعة النخب البرلمانية الموجودة، نجد تقريبا الكثير من الوجوه التي تعاود الترشح من أجل ضمان الاستمرارية، حيث تحكمها من الناحية السيكولوجية والسلوكية نزعة البقاء ليس في الحياة، أي بالمعنى البيولوجي فقط، وإنما أيضا في المناصب السياسية؛ فكرسي البرلمان وامتيازاته يحدث نوعا من المؤانسة والألفة والرباط النفسي والعاطفي والوجداني، بالنسبة إلى أي مترشح من الصعب تقبل مسألة التخلي عنه. وهذا ما يفسر حرص الكثير من المترشحين على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بالرغم من بلوغهم سنا متقدما على الترشح، وبالرغم من تداعي قدراتهم الصحية والمعرفية؛ وحتى من لا يملك القدرة ويسيطر عليه العجز يقوم بتوريث منصبه لأبنائه وأحفاده استجابة لنزعة الخلود الرمزي، ويرى ذاته البرلمانية في ابنه، وبالتالي يستثمر رصيده الرمزي وسلطته والمال والجاه الذي يملكه لتعبيد الطريق وتيسيره أمام ابنه المورث.

إننا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التأسيس لعلم النفس السياسي المغربي، للاسترشاد به، والتهيئة لفهم أعمق للمكنون السيكولوجي والنفسي والسلوكي الذي يحكم السياسي في المغرب، وللوقوف على كنه المعضلات التي تسهم في إهدار الزمن الانتخابي؛ لأن الردع القانوني في ضبط هذه الدوافع والنزوعات المرضية لمختلف المترشحين والتي تكون لديها عواقب وخيمة على العمل السياسي والبرلماني غير كافية في العلاج والإصلاح، دون الاستثمار في الجوانب المتعلقة بقنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية والجانب القيمي والثقافي؛ فهناك مدارس أضحت تهتم حتى بجانب البيولوجيا السياسية وتفسر الكثير من الظواهر والسلوكيات السياسية من منطلق البيولوجيا.

*باحث وأستاذ جامعي

‫تعليقات الزوار

9
  • بلحسن محمد
    السبت 24 شتنبر 2016 - 03:31

    الكاريكاتير ممتاز يعبر على ما نعيشه من انحرافات خطيرة خصوصا مع تطور التكنولوجيا الحديثة التي من نعمها المتعددة مساعدة الجهاز القضائي لتعبيد الطريق للانتهازيين نحو السجن و تجريدهم من ممتلكات و اموال نهبوها.
    قد يقول البعض أنني ساذج و الحقيقة أنني حائر أمام سؤال:
    هل كان لابد أن نعطي للاسلاميين المنتمين للبيجيدي فرصة تدبير المرفق العمومي من داخل السلطة التنفيذية طيلة 5 سنوات لتحديد بدقة مفهوم الفساد المالي في الصفقات العمومية مثلا؟
    هل يمكن إعتبار 20 في الـ 100 من كل صفقة عمومية في جيوب السياسيين و سماسرتهم و عبدهم حلال و كل ما تعدى تلك النسبة المئوية حرام بسند قانوني؟
    إذا كان الجواب هو نعم ألا يصح أن نفتح أبواب الوظيفة العمومية لكل من يرغب في ذلك ذون الأجرة الشهرية و التعويضات و اعطاءه الحرية الكاملة في تحقيق منافع لا تتعدى نسبة 20 في الـ 100 السالفة الذكر؟ قد نحتاج لمدارس كبرى متخصصة في تكوين الشباب على هذا التوجه الممكن في بلد يزخر بالــ "سياسيين" البارعين في لغة الخشب و الوعود و "التخريجات" التي تشجع المقاولات على عدم أداء رسوم استغلال المقالع للجماعات المحلية بملايين الدراهم مثلا؟

  • زائرة
    السبت 24 شتنبر 2016 - 03:50

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولكنها اربعة عوامل نفسية ان اجتمعت في كل الاحزاب المغربية فعلى تطور المغرب ونجاحه السلام.

    اللؤلؤ يصنع في صمت في قاع المحيطات ويبقى محافظا على تواضعه مخفيا داخل محارته،حتى ائا قطف اضاء !!

    ياليت الاحزاب السياسية تنسى ذاتها وتعمل من اجل تراب هذا البلد الامن .

  • laloli
    السبت 24 شتنبر 2016 - 05:45

    النقطة الوحيدة التي نسي صاحب المقال أن يذكرها عند أغلب المترشحين هي: حب الدنيا و كراهية الموت. فلو علم هؤولاء أنهم سيموتون و سيبعثون و يحاسبون يوم القيامة ما تجرأ أي أحد فيهم أن يترشح للإنتخابات مخافة من أن يسأله رب العالمين عن مافعله في فترة إنتخابه.

  • الصديق
    السبت 24 شتنبر 2016 - 06:52

    ألا يمكن أن توجد صيغة أخرى للبرلمان تزول فيها الامتيازات المخولة للبرلمانيين.
    ألا يمكن مثلا أن يصبح العمل البرلماني تطوعيا ؟

  • عمر
    السبت 24 شتنبر 2016 - 08:11

    تحية السلام لكل مواطن ومواطنة ، اما مسالة الإنتخابات فهي مرتبطة بمبدأ الحس الوطني . المشكل ليس في الإنتخابات كمبدا للديمقراطية ولكن الاحزاب هي اصل المشكل لا تحتوي على اي مبدأ حتى في مقراتها الحزبية .وهنا اطرح سؤالي جربنا الإنتخابات العادية اليس من الا فظل ان يكون لنا مرشح متطوع فقط لا راتب له ولا حصانة او نعيش بدون وساطة سياسية اي الشعب والملك فقط .

  • بنعباس
    السبت 24 شتنبر 2016 - 08:47

    ينطبق التحليل على الإنسان ألمغربي عامة إلى حد بعيد في أنشطته اليومية المختلفة وتحركاته :الأنانية , حب الذات وتثبيتها , الأنا وبعدي الطوفان , يضايقه تطبيق القانون وينفجر إذا لم يطبق لصالحه, "لشافها ديال ولمشافهاش عند فيها النصف" ,يقارن دائما بينه والآخرين

  • **مواطن * مغربي**
    السبت 24 شتنبر 2016 - 08:49

    أَتَفَهّمُ أن يحتفل جزء من الشعب بفوز الحزب الذي صوت له،فهو يحلم أن يرى برنامج ذلك الحزب يتحقق على أرض الواقع،ويجد طريقه إلى التنفيذ،ويرى رأي العين و يلمس بيديه المنجزات التي وعده المنتخَبون بإنجازها في ما لو أُتيحت لهم الفرصة بالفوز بالاستحقاق.
    لكن على ما يفرح الفائز بالمقعد الوزاري أو الجماعي أو البرلماني؟
    لو كان حقا يملك حس المسؤولية لجفاه النوم طول مدة ولايته،وليست الفرحة هي ما سيطير النوم من عينيه و إنما الهَمّ و الغم،خاصة إذا كان ينطلق من مرجعية دينية و يستحضر مراقبة ربّنا الأعلى قبل مراقبة المجلس الأعلى للحسابات.
    إلا إذا كان المنتخَب المسؤول الذي يفرح بفوزه يضع نصب عينيه أولا وقبل كل شيء استرجاع الأموال التي صرفها من جيبه مقابل الحصول على تزكية،ومقابل الحصول على الأصوات،والملايين وربما الملايير التي بذلها في سبيل الحصول على الرئاسة،وهو لن يَعدم الوسيلة لاسترجاعها،بدءاً بالتهرب الضريبي وليس انتهاء بإدخال ما يملكه من أراض فلاحية للمجال الحضري لتقوم مقام الغلال مكعبات إسمنتية بئيسة سيبيعها للذين انتخبوه مقابل آخر قطرة من دمائهم.
    جـــرّدوا البرلماني من امتيازاته لنرى عدد المترشحين.

  • منتخب مقاطع
    السبت 24 شتنبر 2016 - 09:42

    الوصول للبرلمان او لمقعد وزاري هو حلم يراود اي سياسي، فبه تتحقق الأحلام وتفتح الأبواب، وترتفع المكانة الاجتماعية وتزدهر تجارة الاقارب والاصحاب.
    حتى لو تحول العمل السياسي الى تطوع غير مدفوع الأجر، فتظل هنالك أهمية له وفائدة مادية لا يعجز ثعالب السياسة من تقفي اثرها.

  • علي او عمو
    السبت 24 شتنبر 2016 - 21:44

    كل من يخوض هذه اللعبة الانتخابية فهو يريد و يرغب أن يصل إلى موقع القرار ليعبث بالمصلحة العامة ليحقق بذلك مصلحته الشخصية الذاتية .. و هذا هو هدف كل المترشحين دون استثناء .. فلا ينبغي لهم أن يستهينوا بعقول المغاربة لأنهم اذكى منهم و لكن " العين بصيرة و اليد قصيرة "

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"