جدل النيابة العامة في البرلمان

جدل النيابة العامة في البرلمان
الجمعة 1 يناير 2021 - 13:45

تبعا لما استنتجه بعض النواب البرلمانيين من كون النيابة العامة اختارت توجها يرفض تبعية قضاة النيابة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره خيارا دستوريا، وأن رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الملك، وعندما تتحدث النيابة العامة عن مؤسستين قياديتين فإنها تضع رئيس النيابة العامة في نفس مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه الملك، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه استنتاج لا يرتكز على أساس ولا يمت للدستور والقانون التنظيمي بصلة، ذلك أن الوكيل العام للملك يعتبر عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للفصل 115 من الدستور والمادة السادسة من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إذ لا يوجد تمييز بين قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة إلا في حالتين:

– الحالة الأولى مفادها أن قضاة النيابة العامة يخضعون لتسلسل رئاسي يجعل كل مرؤوس يخضع لسلطة رئيسه وملزم بتنفيذ تعليماته القانونية والكتابية طبقا للفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور.

– الحالة الثانية تخص عدم توفر قضاة النيابة على حصانة النقل والعزل الذي خص بها الدستور قضاة الأحكام طبقا للفصل 108 من الدستور
الأكثر من ذلك وما يفند ما تم استنتاجه، أن رئيس النيابة العامة مسؤول عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية أمام السلطة التي عينته المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية أي الملك، وكذا أمام المجلس الذي يتعين أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة.

من جهة أخرى فإن طرح مسألة إلزامية حضور الوكيل العام للملك لتقديم التقرير المنصوص عليه في المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية داخل لجنة العدل والتشريع بالبرلمان تم الحسم فيه بصفة واضحة، بموجب قرار المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) الصادر بتاريخ 15 مارس 2016، والذي مفاده أن قيام رئيس النيابة العامة بتقديم التقرير أو حضوره لمناقشته أمام لجنتي البرلمان مخالف للدستور لأنه يمس بالاستقلالية.

بل أكد المجلس الدستوري على حق البرلمان في مناقشة تقرير رئيس النيابة العامة باعتباره تقريرا يهم الشأن القضائي يسوغ للبرلمان “تدارسه والأخذ بما فيه من توصيات مع مراعاة مبدأ فصل السلطات والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة”، معتبرا أن المشرع هو المختص بوضع السياسة الجنائية ويحق له تتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها إذا اقتضى الحال، مضيفا أن استقلال السلطة القضائية لا يسمح بمراقبة النيابة العامة من طرف البرلمان وأن المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة لا يتم في ما يخص السلطة القضائية المستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية “بنفس الكيفية وبذات الأدوات التي تهم مجالات أخرى بالنظر لطبيعة السلطة القضائية واستقلالها وآليات اشتغالها والسبل المقررة لتصحيح أخطائها”.

أي أن قرارات النيابة العامة تعتبر مراقبة من طرف القضاء الذي تخضع أحكامه لطرق الطعن القانونية، ليخلص قرار المجلس الدستوري إلى أن رئيس النيابة العامة يكون مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية أمام السلطة التي عينته والمتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا أمام المجلس الذي يقدم له تقارير دورية بخصوص تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، لذلك فإن القول بحضور الوكيل العام قصد إغناء النقاش، وأن البرلمان لم تكن له نية محاسبة النيابة العامة، والمطلب كان هو تبادل الرأي مع المسؤولين في النيابة العامة ولا يفهم منه المثول المقرون بالمساءلة البرلمانية، ما من شأنه المساس بمبدأ فصل السلطات والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة.

وبالتالي يبقى البرلمان مواجها باختصاصه المتمثل في تدارس التقرير دون تصويت كما ينص على ذلك القانون، والأخذ بما فيه من توصيات بهدف تعديل المقتضيات وتطويرها إذا اقتضى الحال مع رفع التوصيات، علما أن مسألة الجهة التي تحيل التقرير على البرلمان لم يقع الحسم فيها بصفة دقيقة، على اعتبار أن المادة 110 من القانون التنظيمي المشار إليها أعلاه غير واضحة في كيفية إحالته ومن الجهة التي تحيله، إذ أشارت إلى تلقي المجلس لتقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، من بين هذه التقارير تقرير الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، قبل عرضه، ومناقشته أمام لجنتي التشريع بالبرلمان

كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب لم يتطرق بدوره لهذه النقطة.

وفي ما يخص عرض التقرير فإن المادة 110 من القانون التنظيمي لم توضح الجهة التي تتولى عرض التقرير وهل سيتم ذلك من طرف أحد أعضائها ما دام المجلس الدستوري حسم في عدم حضور رئيس النيابة العامة، كما أن المادة 318 من النظام الداخلي لمجلس النواب أوردت عبارة مبنية للمجهول: “يُعرض تقرير الوكيل العام لمحكمة النقض حول السياسة الجنائية وسير النيابة العامة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ويكون التقرير متبوعًا بمناقشة دون تصويت”، الشيء الذي يطرح أسئلة مسطرية بخصوص الجهة المخول لها عرض التقرير، علما أن الدستور لم ينص على تقديم التقرير أصلا، وتبقى الإحالة المنصوص عليها في القانون التنظيمي إحالة إدارية يقوم بها معد التقرير أي الوكيل العام لمحكمة النقض رئيس النيابة العامة لرئيسي مجلسي البرلمان من أجل تعميم التقرير، وإلمام أعضاء لجنتي العدل والتشريع بمقتضياته بحكم اختصاص البرلمان بوضع التشريع في أفق وقصد تعديل المقتضيات المتعلقة بالسياسة الجنائية وتطويرها إذا اقتضى الحال

الشيء الذي يقتضي تجاوز هذه النقطة المسطرية بتوافق داخل مكتب اللجنة بمقتضاه يتسلم الأعضاء نسخا من التقرير بمثابة عرض واطلاع أو بتعيين الرئيس لمقرر لتلاوة التقرير تليه المناقشة وصياغة التوصيات ما دام غير متبوع بتصويت، في انتظار تعديل المادة 318 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

‫تعليقات الزوار

4
  • المجلس الأعلى للقضاء .
    الجمعة 1 يناير 2021 - 14:04

    نقول أن البرلمان هو أعلى سلطة تشريعية في البلاد ولكن هذا يبقى مجرد بروباغندا موجهة للخارج لأن المغرب الذي يعمل بمبدأ وزارات السيادة ليس مؤهلا بعد لتزيل هذا الشعار . ليبقى التعاطي مع هذا المعطى قابلا للنقاش وللضغط في انتظار تنزيل الملكية البرلمانية التي تعطي ما لله لله وما للوطن للوطن .

  • بلوكاج .. ليس و ليست
    الجمعة 1 يناير 2021 - 14:39

    و اعلموا انْ ليس بدولة اسرائيل قوة و انْ ليست بها قوة تمدكم اياها و ان القوة لله جميعا لا شريك له

  • موحااوحمو ابن تاشفين
    الجمعة 1 يناير 2021 - 23:33

    النيابة العامة ليست ملزمة بحضور برلمان للمناقشة حصرا .فما بالك مراقبة أو محاسبة .بالقانون والدستور و قرار محكمة دستور .واعطيتي أستاذة فراجي تخريجة واضحة وجميلة ومقنعة لموقف ن ع في جدلها مع برلمان دولتها .وانا اؤييد تدخلك الشافي و الكافي حيث ان سيدنا الله ينصرو هو الرقيب على تفعيل السياسة الجنائية .احسنت لكن كمواطن انا وفهمي ضعيف استنبط من مقالك ان الحكومة وجب تمتيعها بهذا الحق بصفتها سلطة تنفيذية وللحرص على فصل السلط .لكن الاشكال ان السلطة الأولى جلالة الملك رئيسها اما الثانية سيدنا يترأس مجلسها لانه لها سعد عثمانها .انا انتقد طريقتكي تبرير موقف ن ع من جدل مع برلمان .اما انا لدي ثقة واطمئنان في خطوات سيدنا .ولدي تقة في محمد بنعبدنبوي .لكن انتي معرفتش تفسري خشيتي راسك نخالة ينقبك دجاج .اما بزاف عليك بوريطة .واثلاثي.ومنار السليمي

  • فريد
    الأحد 3 يناير 2021 - 09:56

    المجلس الأعلى للقضاء(السلطة القضائية)يترأسه الملك،المجلس الحكومي(السلطة التنفيدية)يترأسه الملك،مجلس المستشارين-البرلمان(سلطة تشريعية)يفتتحه الملك أو خطاب الملك،ولكن المرؤوس وليس الرئيس هو المسؤول عن تدهور أحوال البلاد،وتخرج السلطة الرابعة(؟)لإنتقادهم والمطالبة بإبعادهم ناسية أو متناسية أن ما قاموا به لايتعدى كونه تعليمات توصلوا بها(شفهيا) من رئيسهم(الذي من يكون؟لأن كل شيء في المغرب عمودي).
    الدول الحديثة مبنية على فصل السلط الثلاثة،وهذا أصبح من أبجديات قيام دولة ديموقراطية حديثة وغيره يدخل في خانة الهراء.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة