جراء أزمة طالت.. بريق السياسة يخبو في عيون التونسيين

جراء أزمة طالت.. بريق السياسة يخبو في عيون التونسيين
الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 09:03

لم يعد التونسيون، الذين شغفوا بالسياسة منذ اندلاع ثورتهم الربيعية، متحمسين كثيرا لمتابعة شؤونها، بل أصبحت تثير استياءهم وقرفهم أكثر جراء حالة من الإنهاك الإعلامي وضبابية الأفق السياسي للبلاد.

لقد أثقل طول أمد الأزمة، التي يبدو أنها أصبحت مسلسلا لا ينتهي ، على أعصاب شعب كان سباقا في إشعال فتيل الحراك الشعبي العربي، وأصبحت السياسة مثار بغض وتحقير بعد أن كانت أمل تغيير وتحديث.

وفي هذا السياق يوضح الإعلامي التونسي أبو رؤوف حلمي أن الإقبال على العرض السياسي لم يعد بمثل حماسة الأيام الأولى لما بعد الثورة، بحيث تراجعت تلك الحركية والاهتمام بالشأن السياسي على مستوى الممارسة والإعلام، بل ظهرت إذاعات جديدة مختصة في الموسيقى والترفيه أضحت تسجل متابعة عالية، وتقلصت مساحات ومواعيد الأخبار السياسية والنشرات في إذاعات أخرى.

من جهته، يرى الباحث السياسي التونسي فتحي جراي أن “الحماس بدأ يضعف شيئا فشيئا ، وتراجع الحديث في السياسة ومتابعة أخبارها تحت تأثير الأزمة السياسية، وعدم تمكن الأطراف السياسية من تسوية سياسية بينها، علاوة على أن نتائج التجربة السياسية كانت دون المنتظر، خصوصا وأن سقف الانتظارات الشعبية كان عاليا جدا، مما أدى إلى تراجع الثقة في النخبة السياسية، سلطة ومعارضة على حد سواء، وفي وسائل الإعلام لعدم حياديتها ، علاوة على تطورات الوضع في مصر الذي يبعث على مزيد من التوجس”.

أما الكاتب والسوسيولوجي منير اسعداني فيعتبر أن الاهتمام بالشأن السياسي وتمظهراته الإعلامية “ما يزال متواصلا، وأن التعبيرات الجديدة للمواطن التونسي لا تؤشر على نفور أو عزوف كما قد يتجلى للبعض، بل الذي حصل هو أن الشباب أصبح يعزف عن العمل السياسي الحزبي، مفضلا العمل الذي يتخذ شكلا شبكاتيا لا زعامة فيه، وتجسد ذلك في وسائل وأساليب الاحتجاج وتوظيف واعتماد وسائل تواصل حديثة كالشبكة العنكبوتية”.

لقد واكبت الثورة في تونس ثورة إعلامية غير مسبوقة، انفتح من خلالها التونسيون على دينامية جديدة تميزت بـ”استهلاك مفرط للسياسة” في الإعلام والبيت والفضاء العام.. ويعلق الإعلامي أبو رؤوف على ذلك بالقول إن “هذه الدينامية والفوران الإعلامي طالا كل المجالات لدرجة – وهذا يقال هنا للتندر- أصبح فيها أغلب التونسيين معلقين سياسيين، بعد أن كان جلهم معلقين رياضيين!”.

وأوضح في هذا السياق أن المجتمع التونسي عرف “إنقلابا مدويا على مستوى ممارسة السياسة والإقبال على أخبارها ومتابعة الحوارات والبرامج المختلفة، بسبب تلك الآمال والوعود التي فجرتها ثورة ربيعية كانت بشارة عهد عربي جديد، يحمل الخلاص لشعوب لطالما عاشت تحت القهر والاستبداد”.

وفي نفس المنحى يشرح الباحث فتحي جراي الأمر قائلا : “ما حصل بعد الثورة هو انتقال الشعب التونسي من حالة تكميم الأفواه والتضييق على الحريات والانغلاق السياسي والأمني إلى واحة الحرية والتعبير بكل الأشكال، حيث تكسرت كل الخطوط الحمراء والضوابط ، لذلك كان طبيعيا أن يتنفس التونسيون السياسة، بعدما كانوا يصرفون انفعالاتهم من خلال الرياضة وتلفزيون الواقع”.

هذا الانتقال أو التحول دفع بالتونسيين إلى الاهتمام بالشأن العام والإقبال على المشاركة السياسية وتطورات الحراك المجتمعي عبر متابعة وسائل الإعلام، وذلك على اعتبار، كما يوضح منير اسعيداني، أن “الساحة السياسية لم تعد حكرا على المجموعات الحزبية أو مرتبطة بالسلطة أو بالمعارضة، بل أصبح هناك حضور لافت جديد للجمهور، والمجموعات الواسعة العدد التي تتميز باختلاط الفئات العمرية والأجناس والانتماءات الاجتماعية” .

كما أن العمل السياسي، يضيف الباحث التونسي، قد “تحول من المقرات المعلومة والفنادق إلى ساحة صراع سياسي جديد (الشارع)، مع بروز مظاهر سياسية جديدة مناهضة لمختلف أشكال تحجيم العمل السياسي وتوجيهه وتصلبه كالتظاهر والاعتصام والمواجهة ، وتراجع هيمنة التسلط على الحياة السياسية والإعلامية، فاسحا المجال لنسائم حرية التعبير، والحق في الإعلام والمعلومة”.

وفي لحظة مشوبة بالغموض والمراوحة يتسائل المراقبون عما إذا كانت حلحلة الأزمة السياسية في البلاد، بعد بروز مؤشرات إيجابية في الأفق، ستسفر عن عودة ذلك الزخم الاحتفالي بكل ما هو سياسي، أم من شأن غياب ضوء في آخر النفق، أن يجعل السياسة ومداراتها الإعلامية في نظر التونسيين مجرد “وجع رأس”.

* و.م.ع

‫تعليقات الزوار

3
  • ابوانس
    الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 09:45

    اما عندنا في المغرب فان العمل الحزبي انحدر الئ الحضيض واصبح العمل السياسي الحزبي متخلفا لايساير تطلعات المغاربة بل اصبح مجالا للاسترزاق والانتهازية والسمسرة الانتخابية وحتئ الاحزاب التي لها تاريخ نضالي افرزت قيادات ونخب شاحبة بخطابات بليدة رفضها ذكاء المغاربة .المغاربة فقهوا اللعبة بحدسهم السياسي النافذ واداروا وجوههم عن كل من اراد الركوب علئ مشاكله واستغلالها للوصول الئ السلطة.

  • تونسي ليبيرالي
    الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 13:36

    الشعب التونسي الدي يقول الكاتب بانه مل الاعيب السياسة والسياسيين وادار وجهه إلى عالم الغناء هدا الشعب الدي ابهر العالم بثورته سوف يرينا العجب في مقتبل الآيام فلانتخابات ستجرى في أبريل المقبل وسيرى العالم ان التونسيين الدين صوتوا لحزب النهضة واحزاب الوسط مازالوا على دينهم وسوف تفرز صناديق الآقتراع نفس التشكيلة البرلمانية التي افرزتها من قبل واما ما تعيشه تونس اليوم من نفور من السياسة فهو راجع للحرية التي جائت بها الثورة واستغلها الملحدون اليساريون لدفع تونس إلى ماهي عليه من الفوضى ,

  • amahrouch
    الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 19:16

    Les pays du "printemps arabes"se sont effondrés,malade économiquement,socialement,sécuritairement.Les partis politiques se livrent à leurs chevets à des batailles sans merci!L avidité du pouvoir fait oublier le devoir

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة