زكاة الفطر .. الأحكام والمقاصد

زكاة الفطر .. الأحكام والمقاصد
الإثنين 10 ماي 2021 - 01:31

شهر رمضان شهر القربات والطاعات، وشهر التزود بالخيرات والبركات، شهر تتحقق فيه مقاصد العبادات، ويتساوى فيه الأغنياء مع الفقراء في الحرمان من الطعام والشراب؛ ليعطف القوي على الضعيف، ويتضامن الغني مع الفقير، تحقيقا لمجتمع الجسد الواحد الذي ينشده الإسلام.

ومن إحدى مناسبات هذا التضامن الذي يتقرب بها العبد إلى ربه جل وعلا في هذا الشهر الفضيل: “مناسبة زكاة الفطر+ التي يخرجها المسلمون عند نهاية شهر رمضان الكريم.

فالشريعة الإسلامية إنما جاءت لمصلحة العباد في جميع تشريعاتها، والبعد الاجتماعي حاضر فيها عند الاستقراء والتتبع؛ لهذا قرر علماؤنا رحمهم الله تعالى بــ”أنَّ وَضْعَ الشَّرائِع إنَّما هُوَ لمصَالِحِ العِبَادِ في العَاجِلِ وَالآجِلِ مَعاً”، وهذه القاعدة كما تنطبق على جميع التشريعات فإنها تنطبق كذلك على فريضة زكاة الفطر.

فما مفهوم هذه الزكاة إذن؟ وما حكمها، ومقدارها؟ وما وقت إخراجها؟ ثم ما هي مقاصدها؟ هذه أهم الأسئلة التي سنحاول ملامستها في هذا المقال إن شاء الله تعالى.

فأصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح. وهذا ما ورد في حديث عبد الله ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ”، فالحديث النبوي الشريف ينص على أن هذه الزكاة طهارة. وهذا من المعاني اللغوية للزكاة.

أما في الاصطلاح الفقهي فهي: “إعْطَاءُ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ”. وهي صدقة يسميها الفقهاء بـ”زكاة الأبدان” أو “زكاة النفس” فهناك زكاة الأموال الخاصة بالمال إذا بلغ النصاب وتوفرت فيه الشروط المعروفة، وزكاة الأبدان التي هي زكاة الفطر. قيل في سبب تسميتها بأنها مأخوذة من الفطرة التي بمعنى الخلقة، ولذلك سماها الفقهاء بزكاة النفوس، وقيل سميت بـ”زكاة الفطر” لوجوبها بسبب الفطر.

وقد اختلف الفقهاء في حكم زكاة الفطر، والمشهور في المذهب أنها واجبة. لحديث ابن عمر السابق: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر…” وفي قول آخر في المذهب أنها سنة. ومما يستدل به على هذا القول الثاني ما رواه قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: “كنَّا نَصُوم عاشوراء، ونؤدِّي زكاة الفِطر، فلمَّا نزل رَمَضَانُ، وَنَزلَتِ الزكَاةُ، لم نُؤْمَر به، ولم نُنْهَ عنه، وكنَّا نَفعَلُه”. وعلى القول المشهور بوجوبها اختلف الفقهاء في دليل الوجوب، فالمشهور أنها واجبة بالسنة كما تقدم، وقيل بالقرآن، وذلك بعموم آية الزكاة، وقيل بآية تخصها وهي قوله {قَد أفلَحَ مَن تَزكَّى} أي أخرج زكاة الفطر {وَذكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، أي صلاة العيد. وهذا القول الأخير ضَعَّفه أئمة المذهب، ورجحوا وجوب هذه الزكاة بالسنة النبوية.

وتجب زكاة الفطر على كل كبير أو صغير ذكر أو أنثى، فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً عن كل نفس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. ويخرجها الرجل عن أولاده الصغار الذين لا مال لهم وعن من تجب عليه نفقتهم. وهذا ما نجده في كتب السنة الصحيحة.

فقد بوب الإمام البخاري بابا سماه بـ”باب صَدَقَة الفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ” وأورد في ذلك أحاديث، منها: حَديث ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَالحُرِّ وَالمَمْلُوكِ”.

وقدرها صاع، وهو أربعة أمداد، والمد: حفنة ملء اليدين المتوسطة، ويكون الصاع من أغلب قوت أهل البلد، من قمح أو شعير أو تمر أو زبيب أو ذرة أو أرز أو أقِط – وهو يابس اللبن المخْرَجِ زَبَدُه – وإذا اقتيت غير هاته الأصناف كاللحم والسمك ونحوهما أخرج الصاع من المقتات.

والأصل في زكاة الفطر أنها تؤدى طعاماً، ويمكن أداؤها قيمةً أيضاً استناداً إلى الآراء الفقهية التي جوزت أداءها نقداً. تحقيقاً لمقصد الإغناء الوارد في الحديث النبوي الشريف “أَغْنُوهُم عَنِ السُّؤالِ فِي هَذَا الْيَوْم”.

قال الإمام القرطبي: وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم، فأَي شيء سد حاجتهم جاز. وإذا جاز هذا فالمقدار الذي يخرجه المسلم يحدد كل سنة هجرية من قبل المجلس العلمي الأعلى للمملكة، ومقداره هذه السنة هو خمسة عشر درهما، كحد أدني.

أما وقت إخراجها، ففي المذهب قولان مشهوران، أحدهما: أنها تجب بغروب الشمس من آخر أيام رمضان، والقول الآخر بطلوع فجر يوم العيد، لما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.

ويجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين. حسب ما ذهب إليه أئمة المذهب. وتدفع لحر مسلم فقير أو مسكين، فقط خلاف زكاة الأموال التي تدفع لأصناف أخرى.

أما من حيث المقاصد المتعلقة بهذه الزكاة؛ فمعلوم أن ما من حكم أو شعيرة فرضها الله عز وجل على عباده إلا لتحقيق مقاصد وغايات، تعود عليهم بالنفع الكثير والخير العميم، سواء أد ركتها العقول السليمة الراجحة، أم لم تُدْركها.

ومن المقاصد الاجتماعية والاقتصادية والتربوية التي نجدها في زكاة الفطر، ما سنذكره في النقط الآتية:

أنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم طُهرة للصائم من اللغو والرفث. أي أنها تمحو ما قد يرتكبه الإنسان في رمضان من منهيات شرعية في صيامه.

أنها طعمة للمساكين كما قال صلى الله عليه وسلم. فهي تغني الفقراء يوم العيد الذي هو يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع.

قال الله عز وجل في أفضل أعمال البر والإحسان في سورة البلد: ﴿فَكٌ رَقَبَة أو إطعام فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أو مسكينا ذا متربة﴾. فالرق والفقر واليتم والجهل والمرض… كلها قيود تكبل حرية الإنسان؛ وفك الرقبة لا يقتصر على تحريرها من أسر العبودية والرق الذي كان قديما فقط، وإنما يشمل أيضا فك الرقبة من كل ما يقيدها، من قيد الفقر والدين، والمرض… حتى يتحرر الإنسان من هذه القيود ويكون قادرا على استقبال التكاليف الشرعية وأدائها كما يريد الله سبحانه وتعالى خاصة في هذه الأيام المباركة ليشارك الفقير فرحة العيد مع إخوانه المسلمين.

3. مقصد التضامن والتكافل، وتقوية الصلة بين الآخذ والمعطي، فلا شيء يقوي الصلة بين الناس أكثر من العطاء النابع من الأخوة المؤمنة الحقة، خلاف الشح والبخل فإنه يُنَفِّر الناس من بعضهم البعض، وبهذا العطاء يتحقق مجتمع الجسد الواحد الذي ينشده الإسلام.

4. أن يكون المجتمع كله مجتمع العطاء والبذل، فزكاة الفطر هي واجبة ليس فقط على الأغنياء، كما هو الحال مع الزكاة الركن، ولكنها واجبة على كل مالك أكثر من قوت يومه وقوت عياله في ذلك اليوم الذي تجب فيه. وواجبة من جهة أخرى على كل مسلم، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى…؛ فالجميع مدعو لإخراجها وإعطائها لمن يستقها.

5. أن زكاة الفطر تدريب على العطاء بما هو يسير وغير شاق على النفوس. ولا يخفى أن من تعود على القليل أمكنه فعل ما هو أعلى منه… كما أنها تدريب عملي على جعل الأموال رائجة بين أياد مختلفة؛ وهذا من المقاصد الأساسية في تشريع الزكاة كما قال تعالى: {حَتَّى لاَ يَكُونَ دُولَة بَينَ الأغْنِيَّاءِ}..

وإذا كان لزكاة الفطر كل هذه المقاصد – وغيرها مما لم نذكره – فما على المسلم إلا أن يبادر إلى إخراجها، ويكون حريصاً على إخراجها بالطريقة التي تنفع الفقير والمسكين، مراعياً في ذلك الأحكام والمقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت الزكاة، خاصة في هذه الظروف العصيبة مع هذا الفيروس المستجد (كرونا ) الذي منع الكثير من الناس من مباشرة أعمالهم، وتوقفت معه مصادر رزقهم – نسأل الله الفرج في العاجل القريب – فهم محتاجون إليها في هذا الوقت أكثر من غيره؛ لذلك فلنبادر إلى إخراجها لعلها تكون مفتاح خير وفرج إن شاء الله عز وجل.

‫تعليقات الزوار

1
  • زكاة أم صدقة؟
    الأربعاء 12 ماي 2021 - 14:38

    أورد المقال كثيرا من الأقوال حول الزكاة دون أن يحدد بالضبط طبيعتها والقصد منها، وما الفرق بينها وبين الصدقة؟ وهل هي خاصة بالمسلمين فقط؟ نظرا لقوله تعالى في سورة مريم: “وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا”. فهل الزكاة المقصودة هنا هي نفسها زكاة المسلمين؟
    وما المقصود بالزكاة في:”إذهب إلى فرعون إنه طغى فقل له هل لك إلى أن تزكى”

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب