سبيلك إلى الثراء

سبيلك إلى الثراء
الإثنين 29 أبريل 2019 - 23:23

قال لي يوما صديقي عبدول:

– إني أفضّل أن أموت في سيارة بورش على أن أعيش في كوخ حقير !

أصبت على الفور بالذهول :

– أ إلى هذه الدرجة تمجد المال؟

– ليس حبا صرفا للمال؛ ولكنه وعي بأهميته القصوى في عالمنا الاستهلاكي. إن مجتمعنا بلا قلب. لقد عشت طفولة صعبة غاب عنها حنان الأبوين. أمضيت الابتدائي بكامله في مدرسة داخلية في دييغو سواريس على ساحل مدغشقر. عشت شبيها بالأيتام، في فقر شديد، وبلا حب. كانت لدي أحلام المليونير، لكني عشت فقيرا، وكنت ألقب نفسي ساخرا بـ”المليونير الفقير”. لكم تمنيت يومها أن تكون بين يدي عصا سحرية اسمها المال لأشتري لنفسي كل شيء: قصرا أسكن فيه، الطعام الوفير الجيد، متع الحياة، الترفيه، الملابس الدافئة…و ربما حتى الحب… إن كان الحب يشترى بالأموال لاشتريته ! وكان حظي من مباهج الحياة فيلم هندي أحضره في دار السينما نهاية الأسبوع ويزرع في خيال الصغير الذي كنته أحلام الثراء: البطل فقير، حبيبته ثرية، السيارات في الفيلم فارهة توحي بأن ثراء الممثلين في الواقع ربما يكون بالمثل لا حدود له. نهاية الرواية حزينة؛ لأن ديباك، البطل الهندي الفقير، لم يتمكن من الزواج بحبيبته الثرية. هل فهمت، الآن، لماذا أحلم بالموت في سيارة بورش على أن أعيش في كوخ حقير؟

كانت تلك قصتي مع عبدول ولدي الآن قصة أخرى…

كنا جالسين في مقهانا المفضل (روج إي نوار) المطل على المحيط، وكان الطقس لطيفا ربيعي النسمات، وفي لحظة لا تنسى من حديثنا المفعم بالود، سألت صديقي فوزي :

– هل تحس بالغربة في أمريكا؟

– أبدا… (وغمز بعينه اليمنى وسألني مبتسما):

– وهل تحس أنت بالغربة في المغرب؟

– أحيانا، عندما أسوق سيارتي في شارع مليء بالحفر، أو أركب الترامواي وخلال الرحلة لا أجد إنسانا واحدا يقرأ، أو أسمع قصصا مأساوية لأناس تعرضوا لألوان مهينة من الابتزاز في المصحات الخاصة… هناك أمثلة أخرى كثيرة؛ لكني وقتها أحس في وطني بطعم الغربة…

-بالنسبة إلي الغربة في زمننا يا مهدي لا علاقة لها بالحدود، فنحن نعيش في زمن العولمة. كل بعيد أصبح قريبا بل على مرمى شبر أو أقل. إن الغربة هي أن تحس بالظلم في بلدك الأم…الغربة أن تنتهك حقوقك في وطنك ولا تستطيع أن تدافع عن نفسك وتسترجع كرامتك. هذي هي غربة الوطن، وبالمقابل فإن غربتك في أمريكا هي أن يكون جيبك فارغا، إنها غربة الجيب… أنا أعمل هنا منذ 10 سنوات كمهندس نظم معلومات، وليس معنى كلامي أني أحصر السعادة في الخندق الضيق للثراء المادي؛ لكن أن يكون في جيبك ورصيدك البنكي ما يكفيك من الأموال لتعيش كريما قانعا مرفوع الرأس.. تلك هي الدنيا وما فيها…

إنه الثراء بعينه…

والآن بعيدا عن هذه الحكايات ما تعريفك أنت للثراء؟ هل تريد أن تكون ثريا؟ هل لديك ما يكفي من الأساليب المبتكرة والإستراتيجيات الجيدة للوصول إلى هدفك: أن تكون ثريا، أن تنعم بجودة الحياة التي طالما حلمت بها؟ إذا كنت تظن أني سأسرد عليك قصص نجاح الأغنياء والخطط التي اتبعوها لمضاعفة أموالهم فإن هذا أمر بديهي. إنه أفق انتظار كل شخص يحصر الثراء في المال.

لا تدمن كتب التنمية الذاتية التي بدورها تحاول أن تقنعنا أن الثراء يساوي جني المزيد والكثير من الأموال بحيث لا يصبح الإنسان بعد ذلك بحاجة إلى العمل.

ثمة عناوين خادعة لكتب مدربين يهدفون إلى بيع الثراء وربطه بمقدار ما في جيبك من دولارات. كيف تصبح مليونيرا في 30 يوما…أسرار المليونير…العادات الخمس للملياردير الناجح… كفى من الأوهام !

حذار من إدمان هذه العقاقير المسكنة مؤقتا لآلام فقراء الجيب. الثراء ليس أكواما من الدولارات، ولا جبالا من الأسهم في البورصة، ولا أسطولا من العقارات القابلة للبيع أو الكراء أو لاستثمارات أخرى. الثراء شيء آخر، هو مختلف تماما عن كل ما قرأناه وسمعناه وشاهدناه في برامج مدربي الحياة…

إذا أردت أن تخلق الثراء فاعلم أولا بأنك مسؤول عن قيادة سفينة حياتك على جميع المستويات: صحيا، واجتماعيا، ومهنيا، وعاطفيا وماديا. لاحظ معي أني وضعت المال في أسفل القائمة. كيف يكون هناك استمتاع بالمال إذا كانت صحتك متدهورة؟ تخيل أنك تملك ملايين الدولارات؛ ولكنك لا تستطيع الإنجاب وحياتك الاجتماعية في مستوى الصفر؟ تخيل أنك من أصحاب الملايين؛ لكن المال الذي تربحه اليوم تنفقه غدا في اليانصيب والسهرات الحمراء؟

ما قيمة المال إذا في غياب الشروط الضرورية للاستفادة منه: العاطفة والتدبير وسلامة البدن من الأمراض؟

المال مهم، لكن الأهم منه تحكمك في نجاحك المالي وإسهامك في تحسين جودة حياة الآخرين والنهوض بالمجتمع بفضل ما تربحه من أموال. وهذا بالضبط أسلوب من يريد فعلا الوصول إلى الثراء. إن نجاحك المالي يقوم أيضا على فكرة شديدة الأهمية: رغبتك القوية في الاستزادة لكن مع القناعة بما بين يديك حاليا. إن هذا النجاح المالي مسألة إدراك، يشبه تماما الاستعارة الكلاسيكية للنصف الممتلئة من الكأس.

كفى من الشكاوى! أنا فقير.. الحكومة تعمد إلى اقتطاعات إضافية من الأجور الثابتة للموظفين الذين يزدادون فقرا جراء هذه السياسة. أنا فقير! أنا تعيس! كفاك من تكرار هذه الكلمات السلبية. ابحث عن مصادر أخرى للدخل. افعل المستحيل وستجد ضالتك. لا تلعب دور الضحية. إن الفكرة المهيمنة على الضحية هي في أغلب الأحوال عبارة (أنا مسكين)، وبناء على قانون الجذب فإنك تصبح لا محالة في زمرة المساكين لأنك مغناطيس للأفكار السلبية.

ثمة ضحايا وصل بهم الأمر إلى احتراف لعبة إلقاء اللوم، بالبحث عن أقصى عدد ممكن من الأشخاص والظروف التي يشار إليها بأصابع الاتهام. ليس هذا أسلوبا مناسبا. إنها لعبة تنطوي على كثير من التسلية؛ لأن صاحبها يصبح بلا مسؤوليات، ويستمتع بالتهرب من الأدوار الإيجابية التي يمكن أن يضطلع بها لتحسين وضعه. كثيرا ما يتهم الضحايا القدر والحكومة والاقتصاد الوطني وغلاء المعيشة ومدير الشركة وزوجاتهم وأبناءهم دون نسيان آبائهم، فهل ذاك هو ما يحل المشكل؟

لعلك سمعت سابقا هذه الفكرة: إن مدمني الشكوى يكابدون حياة صعبة، وعندما يتعلق الأمر بالأموال فإن هذه الصعوبة تصبح مزدوجة: إنهم يؤذون أنفسهم أولا بحصرها في دائرة اللافعل (شكاوى لا تنقطع دون العمل على إيجاد حلول). ثانيا، تسهم شكاواهم التي لا تنقطع في تمرير الطاقة السلبية إلى المحيط الاجتماعي. كن حذرا مرهف الحس متوقد الذهن، ولا تضع نفسك في خانة المشتكين.

إن الشكوى مصدر سالب، والطاقة السلبية معدية لا محالة. إن الكثير من الناس يمكن أن يجاملوا مشتكيا وينصتوا له دقيقتين أو ثلاث دقائق. لكن، هل هم مستعدون لاستقبال شكاواه طول الوقت؟

لا أعتقد…

والآن لننتقل إلى تمرين يعود عليك حتما بالنفع. غايتنا إن كنت تشتكي من قلة الأموال، سم ذلك الفقر إن شئت…أقول، هدفنا هو أن نغير من إدراكك الشخصي لقانون الثراء. سوف نستبعد 100% كونك ضحية فأنت ربان سفينة حياتك. انزو، من فضلك في مكان هادئ، خذ ورقة وقلما، وسجّل معي ما يلي:

أولاـ في كل مرة أدرك أني أشتكي من نقص مواردي المالية، سأتنفس بعمق وأغمض عيني لمدة دقيقة واحدة. سأفكر في ثلاثة أشياء إيجابية تخلق لي السعادة: ربما الضحكة البريئة لبنيتي الصغيرة، كوني في صحة جيدة ولا أحتاج إلى إجراء عملية جراحية مستعجلة، استمتاعي بالأمس بمنظر الغروب على شاطئ البحر… أواصل إغلاق عيني وأرسل إلى صانع الكون من صميم قلبي رسالة عنوانها العرفان.

ثانياـ في كل مرة أشتكي من قلة المال دون أن أتحلى بالتفكير والفعل الإيجابي أصنع بسبابتي اليمنى سكينا وأمرره بتصميم على عنقي. إن الشكوى المستمرة اغتيال لحياة أفضل تفيض بالفرص والتحديات.

ثالثاـ أكتب كل يوم قبل النوم ملخصا لأفكاري وإنجازاتي بالكامل، بل بالتفصيل الدقيق. بعبارة أخرى، أجيب عن هذه الأسئلة: كيف تعاملت مع مواقف هذا اليوم؟ بالعاطفة؟ بالعقل؟ هل بالاحتكام إلى وجودهما المتوازن؟ ما أفضل ما فعلته وما هو الأسوأ؟ وأخيرا ما السبيل إلى تحسين باقي أيامي، بدأ بالغد؟

* خبير في التواصل والتنمية الذاتية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج