سميرَة بُودُونت .. مغربيّة أُجبِرَت على النجاح في المحامَاة بهولندا

سميرَة بُودُونت .. مغربيّة أُجبِرَت على النجاح في المحامَاة بهولندا
الأربعاء 8 يونيو 2016 - 23:00

استطاعت سميرة بودونت، مغربيّة الأصل هولنديّة المولد والجنسيّة، أن تمسك بمفاتيح النجاح ضمن مسارها الحياتيّ الذي قادها إلى ممارسة مهنة المحاماة بالأراضي المنخفضة .. محوّلة اسمها إلى أيقونة في مجال اشتغالها المتخصص في التعاطي مع فصول قانون الأجانب الهولنديّ .. وبصمت على تجربة تفيد بكون المراهنة على تحقيق الأحلام لا تقلّ نجاعة عن استثمار الفرص المتاحة من أجل تحقيق الذات وخلق مسارات برّاقة.

نشأة مُراقَبة

تعيش المحامية سميرة بودونت سنوات عِقد حياتها الرابع بالأراضي المنخفضة، وهي التي وُلدت بالتراب الهولنديّ عام 1978 كي تترعرع بين أحضان أسرة مُحافظة للغاية، متأصلة من مدينة سلوان بضواحي النّاظور، وتتشكّل من ستة أفراد؛ هم والدا سميرة وأختاها الشقيقتان، إضافة إلى أخ واحد هو الأصغر عمرا مقارنة بأعمار باقي أفراد الأسرة.

شرعت بودونت في التمدرس حين بلغت الرابعة من عمرها، مستفيدة من خدمات مدرسة إسلاميّة بأمستردَام الغالبيّة العظمى من روادها أطفال ذوو أصول مغربيّة .. وتدرجت في النهل في هذه المؤسسة، طيلة 8 سنوات، من برنامج دراسي تخصص حصصه الصباحيّة لدروس اللغة العربيّة والتربيّة الإسلاميّة، بينما فترة ما بعد الزوال كانت تضمّ مقررا مماثلا لباقي مؤسسات الطور ما قبل المدرسي الهولنديّ.

“كبرت وسط أسرة تعرف معنى الهجرة جيدا، خاصّة وأن والدتي حطّت رحالها بأوروبّا، وتحديدا في فرنسا، حين كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات”، تقول سميرة بودونت قبل أن تضيف: “تدرّجت في تعلّمي بين مستويات مدرسة إسلاميّة بها عدد كبير من التلاميذ المنحدرين من أصول مغربيّة، ولم يكن بينهم غير مصريّين اثنين حسب ما أذكر .. وفي الـ12 من عمري انتقلت إلى مدرسة أخرى بمستويات أعلى، وفيها تواجد تلاميذ من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى هولنديّين”.

وتعود بودونت بذاكرتها إلى مرحلة الطفولة الممتدّة على سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي قبل أن تسترسل: “كان تمدرسي بشكل جيّد يهم والدَي كثيرا، ولذلك أحاطاني، بمعيّة أشقّائي، برعايَة طغى عليها المنع من كثرة اللعب والتوفر على أصدقاء نلازمهم خارج المسكن، وبدلا من ذلك كان يتم تشجيعي على التواجد بالمكتبة العموميّة، وأنال ما يزيد عن حاجتي من الكتب والدفاتر والأقلام، بينما اللعب والنقاش كان ذا طبع بَيْأسَريّ داخل المنزل، ويتم تشجيعنا على مشاهدة البرامج التلفزيّة المختلفة، خاصّة التثقيفيّة والسياسيّة .. ما خلق بيئة مساعدة على التركيز في الدراسة بشكل ممتاز”.

سلاسة في الاندماج

لم تُعانِ سميرة بودونت في تحقيق الاندماج وسط المجتمع الهولنديّ الذي وُلدت فيه، وتنفي أن تكون قد رصدت، في أي مرحلة من مراحل حياتها بالأراضي المنخفضة، انتقاصا أو ميزا أو عنصريّة من طرف أيّ كان .. وتعتبر أنّ عيشتها قد غاب عنها هذا الرصد الذي كثيرا ما سمعت عنه من كلام الآخرين، دون أن تُحسّ به أبدا.

“كانت لي صديقات هولنديات الأصل خلال مرحلة الطفولة، وكُنّ يبدين تفهما كبيرا لثقافتي ومعتقداتي الدينّية، لذلك لم أجد صعوبات تُذكر في هذا الشقّ بالمجتمع الهولندي .. حتّى حين شروعي في وضع الحجاب، وأنا ذات الـ11 ربيعا وقتها، لم أرصد أي اختلال في معاملتي كباقي البنات .. أضن أن طبعي الاجتماعي غير المُتطلّب قد ساعدني في ذلك”، تورد سميرة بودونت.

اختيار الغَير

المحامية الهولنديّة المغربيّة تعترف بكون اختيارها دراسة العلوم القانونيّة، بجامعة أمستردام ما بين 1996 و2004، لم يكن خيارها بالمرّة، وأنّها كانت ترغب في دراسة اللغات التي خبرتها أثناء مرحلة الباكالوريا وهي تُبدي مهارات في الحديث بالإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة، بجوار الهولنديّة.

تقول بودونت: “كان ميلي بارزا نحو دراسة تاريخ اللغة الهولنديّة وآدابها في جامعة أمستردام، لكنّ والدَاي كان لهما رأي آخر برفضهما هذا المسعى الذي عبّرت عنه، وطالباني بخوض تجربة الدراسات القانونيّة”، وتزيد: “صحيح أن قراءة كتب القانون، والبحث وسطها عن حلول لمشاكل الناس، كانت من بين ما يعجبني .. لكنّي لم أحلم في أي يوم من الأيّام بأن أغدو محاميَة أترافع وسط المحاكم”.

استغرقت “ابنة سلوان” 8 سنوات لإتمام تكوينها القانونيّ بجامعة العاصمة الهولنديّة، وقبل تخرّجها بسنة شرعت في العمل متدرّبة لدَى محام ذي أصول أمريكيّة لاتينيّة، وهو الذي طلب منها البقاء للاشتغال بعدما نالت دبلومها الجامعيّ، فما كان منها إلاّ أن لازمت هذه التجربة 3 سنوات لاحقة.

“لقد كانت مرحلة مِران جيّدة، خاصّة وأن عشقي للغات، وتحديدا لسان الإسبان، قد ساعدني في التعاطي مع الملفات المرتبطة بحاجيات زبناء غالبيتهم مهاجرون منحدرون من دول جنوب القارّة الأمريكيّة .. وقد استفدت من هذه الفترة في تنمية قدراتي للتعامل مع مشاكل الجاليات المقيمة بهولندا، على أساس استثمار كل ذلك في مشروعي المهنيّ الخاص بي”، تُقرّ بودونت.

تخصص في الأجانب

توفرّت المحامية سميرة بودونت، منذ العام 2009، على مكتب محاماة خاصّ بها في العاصمة الهولنديّة، ومن خلاله نجحت في كسب إشعاع بفضل عملها الناجح لكسب قضايا تهمّ ملفّات الهجرة التي تُعرض من خلالها على القضاء الهولنديّ .. ومع توالي النجاحات قرّرت، بحلول سنة 2015، فتح مكتب بديل بمدينة “فِيسْب”، بضواحي أمستردام، كي تكون قريبة من عملها دون تفريط في العناية بأبنائها الثلاثة.

نجحت الأستاذة بودونت في أن تغدو قبلة لعدد كبير من ذوي الأصول المغربيّة الباحثين عن حلول لإشكالات وضعياتهم القانونيّة بهولندا، خاصّة تلك القضايا المؤثرة على نظاميّة الإقامة فوق الأراضي المنخفضة بفعل النزاعات الزوجيّة التي تنشب من هذا الطرف أو ذاك.

وتقول سميرة بودونت: “القضايا التي أترافع بشأنها على ضوء قانون الأجانب متشعّبة، لكنّ أبرزها تبقى مرتبطة بمشاكل الزيجات التي تكون مغربيّة جزئيا أو بالكامل .. مثلا: هناك رجال يصطحبون زوجاتهم إلى المغرب ويجردونهن من وثائق الإقامة بهولندا، فيتّصلن بي لنيل حقوقهنّ .. كما أن هناك ملفات لأزواج تخلت عنهم نساؤهم بعدما جلبنهم إلى هولندا .. وأنا أبقى منفتحة على الإصغاء لكل من يقصدونني؛ ذلك أن شغلي يتركّز على البحث عن منافذ قانونيّة لكل الصعوبات المطروحة”.

حياة وإصرار

تؤمن سميرة بودونت بكون طبيعة الحياة، بما تشهده من محطات ومراحل وتقلبات، تدفع، في أحايين كثيرة، إلى الإحساس بالندم على عدم خوض تجربة هنا أو مغامرة هناك .. لكنّ المحامية الهولنديّة ذات الأصل المغربيّ تعي بأن قصر مدّة الحياة نفسها تجعل المرء يقرّ باستحالة تحقيق كل الأحلام التي تخالجه.

تُحاول بودونت أن تقسم تركيزها، بمناصفة قد تختلّ أحيانا، بين نجاحها المهنيّ الذي يلوح من كمّ الملفات التي تشتغل عليها، من جهة، وبين حياتها الأسريّة التي تجعلها سعيدة، من جهة ثانيّة .. مع تشبثها بطموح ورغبة مستقبلية في التدريس الأكاديميّ.

“أنا سعيدة جدا بما حققته على المستويين الشخصيّ والمهنيّ، لكنّ أرغب، صادقة، في مستقبل يجعلني أعمل أستاذة جامعية تُفرد بعضا من وقتها في البحث القانونيّ المقارن، خاصّة وأن طموحا يحذوني بأن أعدّ مؤلفات حول قوانين هولندا ومقارنتها مع مضامين القانون المغربي”، تورد المحاميّة.

ومن خلال تجربها في الحياة، ترى بودونت، ضمن نصيحة يمكن أن تقدّمها للراغبين في خوض تجربة الهجرة، أن الناس ينبغي أن يتحلّوا بالصمود القادر على جعلهم يواصلون التقدم نحو المستقبل، دون استسلام للعثرات التي قد تطال مساراتهم .. وتقول في هذا الشأن: “الوقوع لا يعني الاستسلام بقدر ما هو تحفيز على المقاومة والتشبث بضرورة الوصول إلى المبتغيات.. مع الوعي بأن النجاح لا يرتبط بالأموال أو بمستويات الذكاء، وإنما بالقدرة على التحسّن من خللا النظر إلى الأفق والسير نحوه بثبات”.

‫تعليقات الزوار

14
  • تلميذة في الثانوي
    الأربعاء 8 يونيو 2016 - 23:16

    رائعة هذه العبارة "أجبرت على النجاح" وفي هولندا اما في وطننا فلا داعي للحديث !!!!!!!!

  • جرير
    الأربعاء 8 يونيو 2016 - 23:25

    بحال هاذ الناس مطلعوش بالغش والنقيل، بالجد والمثابرة والعمل الجاد

  • A AMSTERDAM
    الخميس 9 يونيو 2016 - 00:33

    مثل هذه النمادج هي التي تشرفني ان اقول بانني من اصول مغربية ولو ان هذه المراة القوية لم يقدم لها المغرب اي شيئ سوى الجذور والاسم ومع ذلك نقول عندما نسال نحن مغاربة ونفتخر¡¡¡

  • Immigré
    الخميس 9 يونيو 2016 - 00:38

    C est vraie il y ade quoi être fière et c est grâce à ces prent qui savaient bien que si ils étaient hors de leurent pays c est pour reussir et donné bon exemple non pas pour frimer la base étais solide scolarité original des l enfance après elle attaque la vie …grand salut et respect a ces parent qui l ont bien encadré. …

  • ache
    الخميس 9 يونيو 2016 - 01:13

    ولدت في هولاندا بجنسية هولاندية و ثقافة و تقاليد مغربية…

  • محافظ
    الخميس 9 يونيو 2016 - 11:40

    أولا تحية لمدينتي سلوان المدينة الجد محافضة نواحي الناظور.وبعد.مثل هؤلاء هم من يشرفون دينهم و بلدهم مع أنهم ولدوا و ترعرعوا في بلدان غربية.مع ذلك يتشبثون بقيمهم وأصولهم.ليس كمثل من تجده عاش غالبية شبابه في بلده وعندما يغادره سرعان ما ينخلع من قيمه وثقافته طلبا الرضا من الغرب…

  • Nassira Bouddount
    الخميس 9 يونيو 2016 - 14:13

    فخورة انا بكي ابنتو خالي الحبيب هذه هي سميرة التي عرفتها منذ صغرنا رمز لي التواضع وفقك الله في مسيرتك المهنية و الأسرية ابنتو عمتكي نصيرة

  • Karima Achelhi
    الخميس 9 يونيو 2016 - 17:51

    شكرا لهيسبريس على هذا اللقاء مع سميرة بودونت (ابنة بلدتي في المغرب وايضا هولندا)
    اعتقد انها مثال للمراة المغربية الاصيلة الناجحة التي حافظت على مغربيتها وانتمائها وثابرت من اجل الوصول لنا وصلت اليه…الى الامام..هيسبريس لا تبخلوا علينا بالقرائة عن مثل هؤلاء المغتربين الذين اثبتوا نجاحهم…
    شكرا لكم

  • رائد عبدالله احمد العطاس
    الأربعاء 13 يوليوز 2016 - 17:02

    جواز هولندي قديم مع والدي هل يمكن تجديدة واعادة للحياة واستخدامة

  • هدى
    الإثنين 6 مارس 2017 - 21:58

    سلام عليكم ممكن عنوان المكتب او الايميل عندى قضية محتاجة محامية تقوم بالاجراءات

  • اميرة الادريسي
    الثلاثاء 18 أبريل 2017 - 09:43

    سيدتي ارجوا ان تعطيني تلفونك محتاجاه ضروري وشكرا سيدتي

  • saloua
    الإثنين 25 يونيو 2018 - 07:31

    لو سمحتي ارغب برقم هاتف ابنت خالك سميرة المحامية..أحتاج اليه ضروري ..أتمنى الرد

  • هشام غانم
    الأربعاء 5 شتنبر 2018 - 16:50

    الشلام عليكم ورحمة الله
    اولا اود تقديم تحياتي الحاره وتمنياتي لكي بكل التوفيق والنجاح

    ثم اود ان اتواصل مع حضرتك اذا سمحتي للاستفسار عن بغض الامور.

    مع خالص تحياتي ،،،

  • Shahrat
    السبت 24 أكتوبر 2020 - 03:48

    اتمنى لك التوفيق والنجاح دائما.
    اود ان استفسر عن موضوع رسائل الخدمة العسكرية للشباب في سن 17 وهل هو اجباري الذهاب ؟
    ماذا يترتب عليه في حال تخلفه عن الالتحاق بالخدمة ؟
    ماهي مدة الخدمة العسكرية بهولندا؟
    معلومات حول قانون الخدمة العسكرية بهولندا؟
    ولك جزيل الشكر

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات