شتان ما بين الحقيقة والخيال

شتان ما بين الحقيقة والخيال
الخميس 15 أبريل 2021 - 19:23

لا أحب أن أكون متشائما. ولكني لست مطمئنا أيضا لما يحدث هذه الأيام في بلدي.

أستطيع أن أسرد عليكم عشرات الوقائع والاحداث، التي صاغت رؤيتي تجاه ما أعتبره فشلا مجتمعيا وخرابا للعمران واضطهادا غير مصرح به.

عشرات العاملات والعمال المسرحون من مواقع اشتغالهم، بسبب الظرفية الصعبة التي تعيشها المقاولات والشركات، يعانون ويلات المعيش اليومي، ومتطلبات الحياة وأعباء الزمن.

مئات الشركات الصغرى والمتوسطة، خصوصا منها تلك التي تقتات على فتات الاقتصاديات الهشة ومنظومة تأميناتها الاجتماعية غير المهيكلة، تصل إلى كساد نهائي، دون الحديث عن تبعات الديون والقروض المتراكمة عليها.

جزء كبير من هؤلاء، لجؤوا إلى بيع مقتنياتهم، كل ما ثقل وخف. من مدخرات، أو استردادات بعد بيع الحاجيات المنزلية وما جاورها.

عشرات العاملات والعمال يخرجون يوميا، للوقوف أمام الإدارات العمومية والمصالح الخارجية، للاحتجاج ضد ما أسموه موتا دون رحمة، وقهرا متآمرا، واغتيالا لكل أمل في العيش تحت خط الفقر والحاجة.

الخطاب الرسمي الذي تروج له حكومة العثماني، والذي يتحدث عن الإنجازات المتحققة في المجال الاجتماعي، والتي أسهمت في دعم الفئات الهشة وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، بمواجهة التحديات وتلبية برامج المساعدة الاجتماعية المختفة، شعارات منفوخة ببالونات انتخابية، لا أساس لها من الصحة.

هناك دراسات علمية، بعضها صدر عن مؤسسات حكومية كالمندوبية السامية للتخطيط، وأخرى دولية كالبنك الدولي، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن تداعيات الأزمة الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 أرخت بظلالها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، من بين ذلك تضاعف معدل الفقر 7 مرات ومعدل الهشاشة مرتين. حيث انتقل من %1.7 قبل هذه الأزمة إلى %11.7 خلال الحجر الصحي”، الذي استمر أزيد من ثلاثة أشهر. علاوة على تضاعف معدل الهشاشة “بأكثر من مرتين حيث انتقل من %7.3 قبل الحجر الصحي إلى %16.7 أثناء الحجر”، خصوصا في الأرياف.

وعلى الرغم من الدعم الحكومي التي استفادت منها نحو 5 ملايين أسرة خلال ثلاثة أشهر “من انتشار الفقر بـ9 نقاط مئوية، والهشاشة بمقدار 8 نقاط والفوارق الاجتماعية بمقدار 6 نقاط”، فإن الوضعية الكارثية التي تعيشها الشغيلة حطمت مستوى الجهود التي ما فتئ صندوق الجائحة يغطيها دون جدوى.

ولم يفت المحللون والخبراء طيلة سنة ونيف من الجائحة، أن ينصحوا أصحاب الأمر باتخاذ التدابير العاجلة لمكافحة تفاقم الهشاشة وتعزيز القدرة على الصمود للأسر التي عانت من الأزمة الصحية.

وصرح العثماني، أخيرا في قبة البرلمان، أن حكومته عملت على توسيع التغطية الاجتماعية لتشمل لأول مرة مهنيين وعمال مستقلين وأشخاصا غير أجراء، لتنتقل نسبة التغطية الصحية إلى 69 بالمائة من السكان سنة 2019 مقابل 52 بالمائة سنة 2015 و35 بالمائة سنة 2012.

على أن هذه الخطوة تحتاج لمدعومات تقنية ولوجستية، بعدما تم استدراك عدم نجاعة النظام الصحي المتبع، وتآكله طيلة سنوات.

كنا نسمع من مسؤولي القطاع الصحي، موت أو فشل نظام “راميد”، الآن، ومع ازدياد الحاجة إلى استراتيجية لتصميم نظام صحي متكامل، استشرافا لتأهيل ما دعا إليه ملك البلاد، يعود العثماني ليقول لنا، إن دعم نظام المساعدة الطبية “راميد” مع إطلاق ورش إصلاحه، ما زال واردا لدى حكومته؟

فمن نصدق؟

وإذا كنا اليوم في حاجة ماسة وعاجلة للتسريع بالمشروع الملكي، الذي سبق وأعلنت الحكومة على إطلاقه رسميا، والذي يدخل في إطار المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2019-2023، حيث تم تخصيص ميزانية إجمالية قدرها 18 مليار درهم، ورفع ميزانية صندوق دعم التماسك الاجتماعي من 2,9 مليار درهم سنة 2017 إلى 4,7 سنة 2020، ما يمكن من تطوير برامج وآليات دعم الفئات الهشة.

وكذا توجيه دعم مباشر خاص بالأرامل الحاضنات لأطفالهن اليتامى، تم تعزيزه لينتقل عدد المستفيدين من حوالي 72 ألف أرملة و140 ألف يتيم سنة 2017 إلى حوالي 107 آلاف أرملة و181 ألف يتيم سنة 2020.

فإن الانتظارية السوداء التي تفتك بالأسر المعوزة، أو التي اضطربت أحوال معيشها بسبب تأخر الإجراءات الداعمة لإنقاذها، تسهم بشكل مباشر في ضرب كل الخطط الحكومية السالف ذكرها، مع ما تراكمه من ضعف الآليات وتوجيهها بالشكل الذي يسمح لإعادة هيكلة مسار الوضعية والتأثير في برامجها وانتظاراتها.

ومما يؤسف له فعلا، أن نجد مسؤولي القطاعات الحكومية، خارج العالم، فمسؤولياتهم تجاه تأخر البرامج والخطط، وعدم قابليتهم لفتح النقاش والحوار المباشر مع المتضررين، يزيد من تأجيج الوضع والغليان.

وليس غريبا أن يتداعى جسر الوصل بين القاعدة والحكومة. فأغلب الوزراء يعبرون عن فشلهم بصورة مقلوبة، فعوض أن يباشروا أعمالهم الحكومية انطلاقا من أرض الواقع، بالالتحام مع الشعب، والالتصاق بهمومه وحاجياته اليومية، تجدهم يتنازعون صور عرض منجزاتهم على طول وعرض المملكة، غير آبهين بالوضعية القاهرة التي أضحى الكثير من المواطنين يعانونها، تحت سياط العالة والحاجة والفاقة وسوء العيش.

ويزيد من تراكم الدراما القاتمة، امتداد التداعيات إلى الجسد الثقافي والفكري ببلادنا. حيث تم تغييب أدوار المثقفين والفنانين والعلماء، وتم تعويض ذلك بوباء لقيط من الشذوذ الإعلامي والبروباغندا والرداءة السمجة.

لقد اعتلى المنابر دهماء العهر الفكري والثقافي، واستحوذت الخمائل الغصوب مثالب العقل والوجدان الوطني، وبارت القيم وتخلفت الأخلاق وامتدت الغربان السود لقلب هوية الأمة.

‫تعليقات الزوار

1
  • KITAB
    الجمعة 16 أبريل 2021 - 14:08

    “لقد اعتلى المنابر دهماء العهر الفكري والثقافي، واستحوذت الخمائل الغصوب مثالب العقل والوجدان الوطني، وبارت القيم وتخلفت الأخلاق وامتدت الغربان السود لقلب هوية الأمة.” عبارة اختتم بها الأستاذ وهي تلخص كل شيء مما يعانيه الشعب المغربي،خصوصا في ظل الجائحة، فالإدارة باعتبارها صلة وصل بين المواطن وحاجياته الإدارية والاقتصادية نجدها نتنة تزكم معها الأنوف،ولا يلوح في الأفق انفراج لصالح هذا المواطن الصبورة الذي تكالبت عليه الظروف في بلاده حتى أضحى غريبا ولو بين أهله وذويه…سلمات

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة