فاطمة المرنيسي : ماذا أنتم فاعلون بإرثي؟

فاطمة المرنيسي : ماذا أنتم فاعلون بإرثي؟
الخميس 3 دجنبر 2015 - 18:31

بوفاة الأستاذة فاطمة المرنيسي،وصمتها الفيزيقي، عن المشاغبة بالكلام غير المباح،ينفرط عقد ثمين، من الحلقة النخبوية، لرواد الفكر المغربي المعاصر.قامات وعقول، يستحيل في واقع الأمر، تعويضها على الأقل، بذات متانة التكوين العلمي والصرامة المنهجية والعمل الدؤوب والإشعاع النظري والمبدئية والثبات على المواقف. هكذا،للأسف الشديد،لم يبق منهم على قيد الحياة،سوى اسمين أو ثلاثة، ثم تطوى صفحة تعكس تاريخا بأكمله، تشع نورا وتزخر اجتهادات فكرية قوية، بحجم جسامة التحديات التي واجهها هؤلاء.أسماء،تربت علميا ومذهبيا وإنسانيا،على أوراش الحركة الوطنية،وعبرها مشاريع التحرر العالمية،المنحدرة من ثقافات شتى.

ولعل المرنيسي،الاسم النسائي الوحيد، المنتمي لحلقة المؤسسين تلك،المجسِّدة بامتياز وبمتانة مرجعية وعلمية،نموذج المرأة الكوني،الذي أراده أفق الحركة الوطنية، لمغرب ما بعد الاستقلال :المرأة الذكية، المثقفة، العميقة، المتحررة.لذلك،انخرطت عالمة الاجتماع،وإحدى المناضلات النسائيات الأكثر تأثيرا في العالم حسب لائحة نشرتها مجلة الغارديان،ضمن مشروع مغرب التطلع إلى التحديث الجوهري، وبناء الإنسان داخليا،من زاوية النضال الثقافي الأكاديمي الصرف،على اعتبار أنه في الحقيقة مقدمة لمختلف النضالات،كي تجابه المرنيسي، أسئلة مجتمعية مؤرقة ومعقدة يتداخل فيها السياسي بالمقدس بالتراثي بالمجتمعي بالأنثروبولوجي،أظهرها إلى السطح،عسر مخاض المغرب المستقل،مع اللحظة المفارقة،المتمثلة في المجابهة الضمنية بين حماة القديم مع التواقين إلى الحديث،ثم محوري ذلك :الاستبداد أو التعدد والاختلاف.ومايترتب عنهما تخلفا أو تقدما.

وإذا كان رفاق المرنيسي،مناضلي وإيديولوجيي الحركة اليسارية، قد تصدوا ميدانيا،لتقويض المكونات الماكرو-فيزيائية للمنظومة الرجعية،انكبت هي في المقابل،على فهم وتحليل الأسس الميكرو-فيزيائية الثاوية للمنظومة الشمولية والبطريركية،متوخية تفتيتها والبحث لها عن أصولها الدينية والتراثية،وخلخلة تأويلاتها المغلوطة.هكذا بقيت دون تماس، في صراع مع المؤسسة الرسمية.

مفاهيمها الإجرائية الأساسية :الحريم،شهرزاد،شهريار،الحجاب،الجنس،الإسلام،الحداثة،الحلم..، الديمقراطية،الذكاء،الجسد…،شكلت آليات بنيوية وتوليدية،لإرساء نسق فكري جديد -ومن خلاله مجتمع معاصر-يتوخى اختراق توليفة لعبة الطابو، وفضح آليات القهر، التي تسوغ وتبرر ميكانيزمات القمع المادي.فكان لابد من تحرك المحافظين،فحُظرت أعمالها : ”الحريم السياسي، الرسول والنساء”،”ماوراء الحجاب، الجنس كهندسة اجتماعية”،ثم ”الحجاب والنخبة الذكورية”،بدعوى مبررات شتى، في طليعتها التهمة الجاهزة التي حورب بها ، طه حسين وقاسم أمين ونصر حامد أبو زيد وكل رموز التحرر العربي،أي شتيمة الاستغراب وخدمة المركزية الأوروبية، بل العمالة لأجهزتها الاستخباراتية… .بالتالي، ينبغي نكاية بالمرنيسي والفتانين أمثالها،التحلي بروح القومية، قصد تحصين الحريم وتسييس جدليتي الحرام والحلال، خدمة للثقافة العربية-الإسلامية من سموم أمثالها، والله ولي التوفيق !!! .

الأستاذة المرنيسي،ليست هي نوال السعداوي،صحيح أنهما يمثلان أبرز وجهين نسائيين عربيين لمقاومة بنيات المجتمعات الذكورية،غير أن المفكرة المغربية،أكثر علمية ورصانة، وامتلاكا لزخم العدة الابستمولوجية والمفهومية،دونما الحديث عن قدرتها للتأليف بالاسبانية والانجليزية،بينما خطاب السعداوي، يظل أقرب إلى اللغة التقريرية الصحفية المباشرة.أيضا،المرنيسي أكثر شجاعة وجرأة وحفرا في الصخر، من سيمون دي بوفوار،مثلما يحلو للبعض تشبيهها بها،لأن السياق السوسيو-ثقافي لكلتيهما،ووضعهما التاريخي،يختلف جذريا.المرنيسي،اكتشفت نفسها منتمية لمنظومة مجتمعية عتيقة ومنغلقة، تحكمها قيود سلطوية متراصة،محرومة من سند أي رافد فلسفي مساعد،أما صديقة سارتر، فالحقل كان مهيئا لها بشكل خصب،كي تشتغل في هدوء.

فيما يتعلق بتكويني الشخصي،وحتما بالنسبة لجل أفراد جيلي من المهتمين،لعبت كتابات المرنيسي ومعها متون أعضاء الحلقة السابقة الذكر،أدوارا نوعية وفاصلة:أولا،أمدَّتنا بأدوات عقلانية لفهم واقعنا،غير الدعائي الجاهز،فشكل لنا ذلك ترياقا ضد مختلف الارتدادات، سواء لحساب هذه الجهة أوتلك. ثانيا، كانت دافعا للتمرن، على بعض أبجديات الفكر الغربي. ثالثا،خلقت لدينا متنفسا روحيا،نستشرف من خلاله مستقبلا أفضل،تعتبر قيم فكر الأنوار السبيل الوحيد لبلوغه.

حاليا،تهدد المجتمع المغربي بحدة،مخاطر عويصة،تراكمت شيئا فشيئا،بنيويا طيلة عقود : الإرهاب،التضليل، العنف، الجهل،ضعف النخب، السطحية،الجريمة، الظلامية، الضحالة، الغوغائية، الشوفينية، البؤس.أي مختلف المآلات الحتمية للنسق الاستبدادي الكلياني، الذي ناهضته منذ البداية وحتى صبيحة مماتها آراء المرنيسي، ارتباطا بمشروع زملاء حلقتها، كل في مجاله، وبطريقته، وحسب أسلوبه،وبصيغة صريحة أو بلاغية :الجابري العروي المنجرة الخطيبي محمد جسوس عبد اللطيف اللعبي أبراهام السرفاتي محمد بنيس ادريس بنعلي.. ، وكأني أسمع صوتهم يردد :هذا ماحذرنا بخصوصه، منذ زمن طويل،لكنكم حاصرتمونا،في زاوية مغلقة!!.

سيقال، بمناسبة تدبيج مقالات رثائية عن المرنيسي،كما تكرر مع الرواد الراحلين،يجب إطلاق اسمها على كبريات شوارع المدن المغربية،وتحويل نصوصها إلى مقررات مدرسية،وتأسيس مراكز للأبحاث تتمحور حول فكرها،وتشكيل فرق للبحث، تعمل على تجميع وترجمة وتوثيق وشرح وتبسيط وتدويل جل ماكتبته،واستثمار عصارة فكرها عمليا على أرض الواقع… .أنا شخصيا،لا فتوى لدي في هذا النطاق، لأني لست متفائلا ،مادامت الدولة أعلنت دائما، بمختلف الكيفيات واللغات، مع التشديد على العبارة، أنها لا تريد مفكرين ولاعلماء ولا روائيين ولا أدباء، بل فقط مرمِّمين يوميين، وانتهى الأمر.

وداعا، أيتها الكبيرة فاطمة المرنيسي، وسلاما لروحك.

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

2
  • بنان
    الجمعة 4 دجنبر 2015 - 20:29

    صحيح يا سعيد أنها صفحة تشع نورا هل أنت متأكد أنها العقلانية المغربية المشاكسة للعنف الذكوري أم إنه رثاء الأوفياء للأزل التحرري المناقض لقيم الكونية الإلهية والوحي المسطور المحفوظ في رق منشور
    إلى لحظة رثاء قابلة دمت يا سعيد وفيا للقلم المحبوب المعشوق

  • في بيتنا مشارقة
    الأحد 6 دجنبر 2015 - 23:57

    مادا سيفعل اليسار بإرث المرنيسي ،انها انرأة جريئة او كانت ،شبت في أوج الحرب الباردة ،وتحت تيارات اليسار المشرقي ستصبح تقدمية ،ولكنها ستكتشف من بعد ان تلك الشعارات والسلوكيات ،والتي كانت تغدوا بديهيات هي غير دلك ،وبأنها تحديات حتى بالنسبة للمتقفات ،لتبدأ المرنيسي رحلة المراجعة النقدية عبر الأبحاث الاجتماعية ،ومهما قيل فان المجتمع المغربي لا يتوفر على المناعة الثقافية وبالخصوص الدينية الأصيلة والتاريخية امام التيارات الفكرية العالمية ،وإلا كيف نفسر اختراق المد الشيوعي في الماضي او التطرّف الديني اليوم ،اكيد ان جسر اللغة يكون حاسما ،وهدا واضح في مايخص تفاعل أهل الشمال ،مع احداث المشرق العربي ،لا نتفق مع تعليق الفزاري على مواقف المرنيسي ،فالمرأة تتحدت عن تأويل الآيات من طرف الفقهاء ،والتي قالت عنها اي التأويلات ،بأنها جائرة في حق حقوق النساء ،اي ان النصوص مفتوحة وان قاعدة النسخ هي عامة وليست استثناء ،وهدا موضوع اخر

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز