فاعلون يحثون على وضع الفن والثقافة في قلب "النموذج التنموي الجديد"

فاعلون يحثون على وضع الفن والثقافة في قلب "النموذج التنموي الجديد"
صورة: أرشيف
الجمعة 5 مارس 2021 - 05:15

دفاعا عن دور الإبداع والثقافة في مواجهة التطرف وخطاب الكراهية، اجتمع فنانون وباحثون وسياسيون، في ندوة نظمها مركز وعي للدراسات والوساطة والتفكير، بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط.

وسجل مدخل هذا اللقاء ضرورة وضع “الفن والثقافة” في “قلب النموذج التنموي الجديد”؛ لأنه “لا استدامة للتنمية دون اهتمام بالإنسان، وهو ما يعني، بالضرورة، اهتماما بالأبعاد القيمية والثقافية والفكرية”.

مرض خبيث

وسمى ياسين أحجام، مخرج ممثل وبرلماني سابق، التطرف بـ”المرض الخبيث الذي ينخر كل مجتمعات العالم”، مضيفا أن الخطير فيه “تجاوز شكله التقليدي من خلايا وتنظيمات متطرفة”، وانتقاله إلى “وعاء التواصل الاجتماعي، مشحونا بالحقد والتزمت والتعصب بالرأي الواحد”، علما أن التطرف “لا يرتدي الرداء الديني فقط، بل هناك تطرف بشتى الوسائل”.

ومع استحضاره مكتسبات في مجال هيكلة الفنون بالمغرب، و”نماذج إيجابية” مثل “المكتب المغربي لحقوق المؤلفين واشتغال موظفيه العموميين ليل نهار”، نبه المخرج إلى “جانب التزمت الذي تواجه به الأعمال الفنية”، والحاجة إلى “تطوير النقد حتى لا يحاكم بمعايير أخلاقَوِيَّة غير فنية”، قبل أن يثير “إشكال الحديث عن التوبة عند الحديث في المجال الفني”، مضيفا: “تجد فنانين ساهموا في الحضارة المغربية، ثم يقول لك تبت وكأنه كان كافرا من قبل، وأناسا يظهرون بمظهر حداثي ويقولون “الله يعفو علينا من هذا إنه حرام”، وهذا خطير، ولكننا نمر عليه مرور الكرام”.

وفي السياق ذاته، استحضر ياسين أحجام أن كثيرا من كتاب سيناريوهات “الأعمال الدرامية” في المغرب “أناس لا مستوى لهم”، يشتغلون بدعم عمومي، دون أن تكون لكتاباتهم خلفية ولا عمق، وهو ما يتطلب “ورشات ليكتب الروائيون سيناريوهاتهم، لا أن يتركوها لمن لا تكوين فلسفيا ولا ثقافيا لهم”.

سياسة وطنية للثقافة

أما محمد أمين الصبيحي، وزير ثقافة سابق، فقد شدد على أهمية دور الثقافة داخل المجتمع، لـ”تمثيلها الهوية واللحمة التي تمكن من التماسك القيمي والمجتمعي”، ونظرا، أيضا، لـ”ما يرتبط منها بالجانب المادي والاقتصادي المرتبط بالتنمية”، الذي يعبر عنه بـ”الصناعات الثقافية والإبداعية”.

وبعد التذكير بما تشمله الثقافة، في تعريفها الأنثروبولوجي، من كافة جوانب حياة الإنسان، وحصر “المفهوم العصري” لها في المُكتسَب من معارف وتربية وتهذيب للأذواق؛ خلال الانفتاح على إبداعات المبدعين الثقافية والفنية، قال الصبيحي إن السياسة الثقافية لكل بلاد تهتم بما يوضحه التعريف الأخير، من أجل أن يكون لـ”الثقافة والآداب والفنون دور أساسي من أجل مجتمع متوازن”.

وقبل الاسترسال في استعراض المرجعيات التي يفترض أن تستند إليها الدولة في سياستها الثقافية، قال الصبيحي إنه “يصعب أن نتحدث عن سياسة وطنية للثقافة، في غياب منظور إستراتيجي متوافَق عليه، ولو أن لدينا في المغرب دستورا متقدما، يخصص جزءا مهما للقضايا الثقافية والفنية، يمكن القول إنه يشكل أرضية متوافقا عليها، لكن البعض وافق على مضض عليه، وهناك من وافق عليه بحماس لكن لم يكن له نفس الحماس عند تنزيل المقتضيات الدستورية، فهناك مواقف متعددة من الدستور وتنزيله”.

ويضيف وزير الثقافة سابقا: “الأساسي في تسطير السياسة الثقافية هو دور الفاعلين السياسيين أنفسهم”، وهو ما دفعه إلى استعراض “مبادئ أساسية”، انطلاقا “من مرجعية الحزب الذي ينتمي إليه”؛ أولها: “حرية التعبير”، التي تمثل “النقطة المحورية في أي نموذج ثقافي وطني، لأنها ما يسمح للمبدعين والمثقفين بأن ينتجوا بكل حرية واستقلالية”، ومع حرية الإبداع “يسمح باحترام التعدد الفكري والثقافي، في إطار وحدة الهوية”.

ويزيد المتحدث: “حرية التعبير والإبداع أمر أساسي ومحوري في أي نموذج ثقافي؛ لأن عليه يبنى النموذج الديمقراطي المغربي، عكس الأنظمة الشمولية أو الإقطاعية التي تشتغل على ثقافة الدولة، ومثقَّف الدولة، ومطرب الدولة… وهو ما نحن بعيدون عنه منذ الاستقلال ونضال الحركية الثقافية المغربية من أجل استقلال الفكر والإبداع في بلادنا”.

كما يستحضر الصبيحي أهمية “مبدأ تدخل الدولة في المجال الثقافي لضمان الشروط الأساسية للممارسة الثقافية”، داعيا إلى عدم التوقف عند “ويل للمصلين”؛ لأن هذا التدخل أساسي نظرا لحاجة المجال الثقافي إلى الشروط الأساسية حتى يشتغل، “عكس الدول الليبرالية التي تعتبر ذلك قضية “السوق”، وأن ليس للدولة دخل إلا في استثناءات مثل التحفيزات الجبائية، بينما يجعل المغرب للدولة دورا أساسيا لتكون الشروط الثقافية مضمونة، على صعيد الحماية القانونية ودعم الإنتاج الثقافي والفني”.

ومن بين هذه المبادئ، أيضا، حسب المتدخل: “الحق في الثقافة”، الذي “يشير إليه الدستور بكيفية واضحة”، وهو “الحق في الولوج إلى الثقافة من أجل العدالة الثقافية، وهو ما يؤكد أيضا دور الدولة من أجل توفير البنيات الثقافية، وتوسيع العرض، وتعزيز التعليم الفني، وهو من الأدوار الأساسية للدولة في النموذج المغربي الذي نطمح إليه”.

كما يسجل الصبيحي أهمية “مبدأ الشراكة والالتقائية”؛ لأن “الثقافة مجال تتداخل فيه قطاعات عديدة حكومية وغير حكومية، من وزارة للثقافة، ووزارة الداخلية كوزارة وصية على الجماعات المحلية، والوزارة المكلفة بسياسة المدينة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة التربية الوطنية”، مما يتطلب “التقائية وشراكة مع الجماعات الترابية، ومع القطاع الخصوصي الذي له دور أساسي في تفعيل الصناعات الثقافية والإبداعية، وتوسيع العرض الثقافي بالبلاد”.

وفي إطار استعراضه مبادئ “سياسة ثقافية وطنية”، تحدث الصبيحي عن “مبدأ حماية الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين”، من خلال “قوانين تحمي حقوقهم، وتنظم العلاقات الشغلية بين الفنانين والمشغِلين”؛ وهو ما قال إن المغرب “متقدم شيئا ما فيه، مقارنة مع دول أخرى، من خلال مؤسسة حماية حقوق المؤلف التي عرفت تطورا ملحوظا في السنوات الماضية، والترسانة القانونية التي تحتاج تفعيلا”.

وشدد وزير الثقافة السابق، عن حزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة هذه المبادئ من أجل “بناء مجتمع متزن”؛ وهو ما يتطلب “رؤية وطنية متفقا عليها، بإمكانيات، وانخراط مختلف الفعاليات، الحكومية وغير الحكومية”، في سبيل “حرية الإبداع وحرية الفكر، وجعل الثقافة ذات موقع حقيقي داخل المجتمع، وداخل البنية المؤسساتية للبلاد”، مما يقتضي “التقائية بين كل الفعاليات التي تؤمن بأن للمغرب طاقات واسعة قادرة على بناء مجتمع معتدل، وبأن للثقافة أدوارا أساسية في هذا المجال”.

دور الثقافة في محاربة التطرف

من جهته، تحدث محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الإسلاميات رئيس مجموعة وعي للدراسات والوساطة والتفكير، عن دور “الثقافة عموما والفن خصوصا” في “محاربة خطاب الكراهية والتطرف، ودورهما الأساسي في تنوير العقول، والحد من الأحكام الإطلاقية، والعقليات المنغلقة التي تؤدي بكثير من الشباب إلى الوقوع في براثن التطرف”.

واستحضر الباحث وجود أعمال سينمائية “لا تغوص في عمق عقل المتطرفين ومعيشهم”، وتكون لها نتائج عكسيا بسبب ما تنتجه من “صور كاريكاتورية”، مما يجعل لها أثرا عكسيا؛ فبدل إنقاذ الشباب المتطرف تجيشهم لأنها تجعل مجيِّشيهِم يقولون “انظر كيف يشوهنا أعداء الله” فيثقون فيهم أكثر. علما “ألا حاجة حتى إلى الخيال، في هذا المجال، لأن هناك مآس وقعت، ومادة خاما وفيرة لمن تورطوا في الإرهاب من قاصرين ونساء وغيرهم”..

بينما تطرق عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، إلى الإبداع الروائي العربي، بوصفه جزءا من الإبداع الإنساني، وإسهامه “بشكل كبير في رصد ظاهرة العنف والكراهية والتزمت والتطرف، واستيحاء وتمثل ثقافة التسامح والسلام والحوار، وإشاعته”. قائلا إن “أعظم ما يخشاه المتطرفون الثقافة”، ومنبها إلى أن “في بلادنا، وغير بلادنا، لم تعد تجدي المقاربة الأمنية وحدها، ولا بد من مقاربة الظواهر والحالات الشاذة من عنف تطرف مقاربة ثقافية”.

وتحدث عليا الإدريسي، شاعرة، عن الحاجة إلى “عقل يفكر ويبدع”، وعن الحاجة بعد “مواجهة التطرف أمنيا” إلى الحرص على اضمحلاله تماما عبر “المواجهة الفكرية”؛ علما أن “الإبداع هو الذي يحصن الشباب المرشحين للتطرف” مما يتطلب تنظيم “ورشات في المناطق المهمشة، والتفكيك، عبر مشاريع فنية، لتحويل البيئة الحاضنة للعنف والتطرف إلى بيئة طاردة له”، مع حوار بين الأديان والحضارات، و”فك للعزلة عن عقول المتطرفين الساعين إلى طمس كل جمال”، في ثورة إبداعية حقيقية؛ في إطار “مصالحة مع الذات والمجتمع والنص الديني”.

‫تعليقات الزوار

9
  • Said
    الجمعة 5 مارس 2021 - 05:35

    هناك بعض النوايا الخبيثة من البعض حتى ان منهم من لا يعرف حتى مامعنى التطرف والكثير منهم يسيؤون الى ديننا الحنيف ويجعل مصطلح التطرف شماعة يعلق عليها حنقه على ديننا الحنيف فيجب اولا تعريف مامعنى التطرف وبعدها نفكر كيف نوظف الفن في التنمية وان كان الكثير منهم يلهث وراء الدعم في امور قد لاتفيد اصلا.

  • بعض رافعات النموذج التنموي الجديد
    الجمعة 5 مارس 2021 - 05:48

    الديموقراطية بالمواصفات العالمية.
    حقوق الإنسان بالمفهوم الكوني روحا و شكلا.
    الحكم الرشيد و دولة الحق و القانون.
    الاقتصاد المنتج، التنافسي، المتحرر من كل أشكال و مظاهر الريع.
    المدرسة و الجامعة المنخرطتان في بناء المواطنة و المساهمتان في البحث العلمي، الابتكار و التطوير.
    الحفاظ على البيئة و تطوير الطاقات المتجددة و النظيفة.
    مؤسسات تروم حماية المواطن و تعزز لديه الشعور بالأمن و الأمان تجاه دولته!
    مجتمع حر، متماسك و متضامن!
    حركية ثقافية مبدعة في انسجام تام مع الذات و منفتحة على المكونات الثقافية العالمية!
    حركية عمرانية أصيلة بمدن جديدة و قرى رائدة!

    في الوقت الذي تجني فيه الدول و المجتمعات ثمار جهدها و عملها، مازلنا نبحث عن البوصلة التنموية المفقودة و التائهة!

  • للي تبع هادو غادي فلخسران .
    الجمعة 5 مارس 2021 - 07:27

    الامم تتقدم باعطاء الاولوية للعلم والتكنولوجيا والبحث العلمي والصناعة المتطورة . وهؤلاء يطالبون باعطاء الاولوية للثقافة والفن . الله اهدي ما خلق .

  • متتبع لهسبريس
    الجمعة 5 مارس 2021 - 07:39

    مهما وضع من برامج للتقافة والفن والرياضة ستظل الطريق وتظل كما هي كانا نسكب الماء في رمل صحراء للنهوض بالتقافة والفن والرياضة هو ادماح الكل في المدرسة اساسي واعدادي وثانوي اي ادماج وزارة الثقافة والتعليم والرياضة وشؤون الطفولة والشباب اي ان الطفل يفتح عينه غلى الرياضة وبساحة المدرسة يمارس الرياضة كما المسرح ويشاهد افلام سينمائية في نادي سينمائي صغير بالمدرسة يتبع كل شريط نقاش وعروض شبه شهرية للاطفال بنصوص مسرحية داخل المدرسة وتعليم السولفيج للاطفال و حضور القاء قصائد شعر اي حفل شهري تقوم به المدرسة كلمربي حسب اختصاصه رياضة وادب ومسرح موسيقى و احضار شريط سينمائي … وبدل ان يذهب ابانئا الى والشارع لممارسة امور اخرى يجدونها بالدرسو وتحت اعين المربين و تك كحزان للفرق الوطنية والمدارس واسلوب توجيه مبكر وصقلا للمواهب لان هذا سيعطينا نشأ يفكر في هذه الامور ويجعلها من اولوياته وان طبقت الدولة هذا الامر في المدرسة اي المدرسة الجامعة التي تكتشف وتشحع وتوجه اي ان المدرسة هي نادي رياضي ودارشباب وجمعية ثقافية وفنية ومعهد كونسرفاتوار وملعب قرب لان المدرسة ثقة بالنسية للاباء

  • ماجيلان
    الجمعة 5 مارس 2021 - 07:52

    وا بنادم قاتلو جوع والميزرية ووحدين تي قوليك الفن مع التنمية هههه. بغيتي الفن سير للشارع ودير الحلقة.

  • نورالدين المعتدل
    الجمعة 5 مارس 2021 - 07:58

    نعم للفن والثقافة الهادفة والبناءة لتسميد العقول وتخصيب النبوغ لاسيما في الوقت الحاضر ،المتسم بالتغيرات الانية في كل المجالات ،حتى لا ينزلق الإنسان إلى ما لا يحمد عقباه من انحراف واجرام وعزوف واهدارا للوقت في المقاهي والتفاهات.

  • محمد بلحسن
    الجمعة 5 مارس 2021 - 08:12

    أشعر أنه، تدريجيا، خلال ال 9 سنوات الأخيرة, على بعد 9 شهور فقط على الذكرى العاشرة لتعيين الأستاذ عبد الاله بنكيران رئيسا للحكومة، الشعب المغربي بجميع مكوناته أصبح مقتنع بدور الإبداع والثقافة في مواجهة التطرف وخطابات الكراهية. كل مغربي بالغ سن الرشد (18 سنة) سيكون مستعد للمساهمة بهبة 1 درهم يوميا لصندوق يخصص للعاملين بقطاع الصناعة الثقافية والإبداعية. أشعر أن ميزانية يومية 25.000.000 درهم تكفي لتقوية الإمكانيات المتوفرة حالية عن طريق الوزارة الوصية. ذلك الغلاف المالي الاضافي من السهل الحصول عليه مباشرة من عند المقاولات العاملة بأوراش البناء والاشغال العمومية والصناعة والتجارة والفلاحة بتأطير فني وتقني مساعد على تحقيق أرباح مشروعة إضافية ولو بنسبة %1. أليس كذلك ؟
    أشعر أن الكونفيدرالية العامة لمقاولات المغرب قادرة أن تجد حلولا أكثر إبداعا !

  • رأي
    الجمعة 5 مارس 2021 - 09:34

    عليكم بتشجيع البحث العلمي و الاختراعات و كفى من تضييع ميزانية ضخمة على المغنيين و الرقاصين

  • جلال - آسفي
    الجمعة 5 مارس 2021 - 11:18

    بما ان النمودج التنموي يلزم مروره عبر السفارة الفرنسية التاشير عليه فلا تنتظروا اي آفاق واعدة للبحث العلمي و الاستثمار في العقول في بلدنا الحبيب! تحياتي.

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 1

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”