في ضرورة التثقيف الصحي

في ضرورة التثقيف الصحي
الأحد 22 مارس 2020 - 00:09

القلق ليس وليد العصر، فكل الذين سبقونا عانوا منه، تحت تهديد الحروب أو المجاعة أو الأوبئة وغيرها. فأقدم الكتابات تحفظ لنا كيف شرح الإنسان القلق عبر مختلف العصور. وهو الهاجس الذي دفع الفراعنة لبناء الأهرامات في محاولة لدفع «الشعور الأبدي بالقلق من الموت». ويؤكد الفيلسوف العربي: علاء بن حزم القرطبي، أن القلق حقيقة أبدية. ولم يكتف العرب بشرحه، بل ساهموا في علاجه. وهذا ما تفوق فيه ابن سينا، عندما فطن إلى تأثيره على الجسم. بالإضافة إلى آثاره النفسية والسلوكية التي وضحها فخرالدين الرازي. كما اعتبره علماء النفس المعاصرون شرطا من شروط الوجود الإنساني، الموسوم بالمأساوية، حيث جهل الإنسان بالحقائق، غير حقيقة الموت (أندريه مالرو). ويحتفظ لنا تاريخ الطب النفسي، معاناة النبلاء والأعيان، كما الرعاع والصعاليك مع القلق.

الإنسان بين التهويل والتحذير:

إن الحياة المعاصرة حبلى بمسببات القلق ودواعي الخوف والجزع. لكن تبقى الأمراض والأوبئة، المهددة لحياة البشر بشكل مباشر، أقواها وأشدها. لما عاناه الإنسان منها على مر التاريخ إلى اليوم. حيث يظهر بين زمن وآخر، وباء عابر للقارات والمحيطات، فتاك بالملايين، مغيرا لمجرى الأحداث والتاريخ. وكما يقال: «انتظار البلاء أشد من وقوعه»، فالانتظار يرفع منسوب القلق، ويصب الزيت على ناره. والإعلام المتعقب لمسار الوباء أينما حل وارتحل، وما يخلفه من القتلى والمصابين يزيد النفس اضطرابا. ناهيك عن التهويل والتزييف الذي يضفيه الجمهور المتتبع، الذي يتحول بعضه إلى مصدر للمعلومة عبر منصات التواصل الاجتماعي. ينعكس كل ذلك على سلوك الإنسان وتصرفاته الهستيرية فيما ينبغي القيام والتزود به. مما يربك الإنسان نفسيا وعقليا، تغذيه تصريحات صادرة من مسؤولين، طافحة بمصطلحات اليأس والاستعداد للأسوإ، خالية من أي نبرة تفاؤلية تبعث الطاقة الإيجابية في نفسية المرء لمواجهة التحديات. كقول جنسون: «لنتجهز لفراق الأحباب»، استعمال لفظة «الحرب» على لسان أكثر من واحد، بوجوه مكفهرة أمام الكاميرات. الشيء الذي تكون له انعكاسات سلبية على الأفراد وعلى النظم الاجتماعية، وتشوش على التوجيهات الصحية والتربوية، التي ينبغي للمرء التسلح بها، لمواجهة الخطر، والتحفز الذكي، استعدادا لعاصفته مهما بلغت قوة رياحها، لتمر بردا وسلاما. والإنسان قادر على ذلك، كما أثبت مواقفه في أكثر من كارثة، ف «العبقرية هي القدرة على تحمل المشاق» (كارليل).

التعقل سلاح:

قد يتحول البشر بين ليلة وضحاها إلى فوضى تحت تأثير رُهاب الموت والحرب من أجل البقاء، كما تحدث عن ذلك توماس هوبز، فالإنسان يخاف مما يجهله، أكثر مما يعلمه. و«أفضل طريقة للتكيف مع الحالات الوبائية، هي أن تكون داعما للآخرين» (منظمة الصحة العالمية)، وأقل الدعم تجنب ترويج الإشاعات. فالوباء الذي نحن بصدد تهديده، ليس الطب التقليدي بخطواته: أعراض، تشخيص، وصفة دواء أو تدخل جراحي، كمين بصده. فنحن أمام حالة خاصة، الوقاية والعلاج منها لا يكونان بتدخل مادي، فقبل ذلك توفر معلومات علمية توضع تحت تصرف أكبر عدد ممكن من الناس، للحد من انتشار الوباء، وتكفل الثروة والصحة والمناعة للأفراد والشعوب، لتفادي الانهزام النفسي. فمن شأن المعلومات غير الموثوقة، أن ينتج عنها القلق، والمبالغة في الإجراءات الاحترازية حد الوسواس، او انحرافها عن الدقة والصواب مما ينبغي القيام به أو تجنبه، بشكل يعيق أداء المهام اليومية. بالمقابل نجد في الضفة الأخرى، فئة من الناس، عطلت طاقاتها العقلية والنفسية، أعرضت عن الإصغاء لمن هم أعلم بشؤون دنيانا، واستسلمت لقناعات تخلي مسؤولية الإنسان في الدفاع عن وجوده والنضال من أجل بقائه، قناعات تعطل نواميس الكون وخصائص الدنيا. وضرورة مجابهة القدر بقدر خير منه، والداء مقابل الدواء. فالإيمان عامل توازن نفسي ومجتمعي وكوني، والمتشبث به دائم الثبات أمام الشدائد، دون نفي للبشرية وقانون الابتلاء والامتحان.

الابتلاء تمرين تربوي:

كثيرا ما يحلو للمربين أن يشبهوا الابتلاءات بالنار، التي إذا خالطت المعادن صقلتها، فإذا هي خالصة من أي شائبة، حتى إذا خرج منها، خرج أكثر صلابة ونقاء. فالمحن كالضربة التي تقوي إذا أحسنت ردها. والرد الجميل للتهديد الوبائي والصحي، يكمن في الحماية والوقاية، والتزام القواعد الصحية التي يهملها الكثير، بحكم الاطمئنان الذي تحصل للإنسان، نتيجة قناعات أملاها عليه تلقيح الطفولة، وعلاجات الشيخوخة، والمضادات الحيوية المتوفرة للعدوان الجرثومي. لكن مثل هذه الأزمات، تدفع المرء إلى رد الاعتبار لها وإحياءها، وفتح المجال لتمريرها، تمريرا ولا شك أكثر رسوخا وفعالية، تحت وقع الصفعة السيكولوجية التي توقظ «النظافة من الإيمان»، و«الوقاية خير من العلاج»، وأمثالهما من أسفار النسيان، ومستودعات الإهمال. فينهض المرء ليتحمل مسؤوليته ويطرد الانتظارية لإقلاع تنموي، يفي بالخدمة الطبية المنشودة، التي قد تعجز عن دفع الوباء في ظل لامبالاة الأفراد، وترك حبل المواجهة على الغارب. فبتضافر جهود المؤسسات التنشئة الاجتماعية والرسمية والإعلامية، والمجتمع المدني… بتنوير الرأي العام، توفيرا للمعلومات حول الوباء، والحالة الوبائية بالبلاد، والاحتياطات اللازم اتخذها وهي على كل حال، مشاعة ومتاحة في زمن الإعلام المفتوح، يأتي دور الفرد في حماية نفسه، والمساهمة في تحصين مجتمعه. فالمعلومة ليست زينة للفكر، وإنما للصحة والحياة. ف «العلم والمعرفة والآداب أسلحة المستقبل، وغذاء حقيقي لأي مجتمع يريد لنفسه النهوض والتقدم» (راشد عبد العزيز الراشد). والمعرفة الفعالة هي التي تؤدي إلى إحداث التغيير في البيئة والأفراد، والتكيف مع المواقف المختلفة.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة