قانون عدنان

قانون عدنان
الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 02:41

إن الذين يخوضون اليوم في نقاش الإعدام، مصرين على موقفهم الداعي إلى حذفه كلية من القانون الجنائي المغربي وليس تعطيله فقط، يصدرون عن قناعات حقوقية مستوردة توفرت كل شروط نضجها في بيئتها، وأهمها شرط البديل التقويمي الفعال للسلوك الإجرامي، الذي لا يجعل عدم إنفاذ الإعدام، في من ثبتت في حقه الدرجة القصوى للإجرام العمدي، مجرد مغامرة قضائية بحقوق الضحايا وذويهم، وبأمن المجتمع وطمأنينته.

وحتى في وجود هذا البديل، تتمسك بعض الدول، ذات الأنظمة القضائية القوية، بعقوبة الإعدام؛ مقدمة حق المجتمع في بتر أعضائه مستفحلة المرض على حق العضو في العلاج مهما كان الداء.

ينتمي حق المجتمع هذا إلى الحقل العرفي الثقافي، أكثر من انتمائه إلى الحقل القانوني.

إنه حق ثابت وقوي، ومصدر قوته العرف، وهو يعتبر مصدرا من مصادر التشريع، بل أقواها، لما يدلي به من ممارسات موغلة في التاريخ، قد يكون حمورابي أول من قننها.

وعليه، فمنطلقات نقاش الإعدام-لدى عصيد وغيره-كما نتتبعها اليوم، على خلفية إجرامية سادية بشعة، لا تشرق فيها غير روح الطفل عدنان الذي اختطف من أيدينا جميعا، ولم يترك لنا غير دموع الحسرة، منطلقات مغلوطة إن لم أقل متحذلقة تبحث عن حضور مثير، مهما يكن ما تركبه.

إن الغضب الشعبي، في طنجة وفي كل ربوع الوطن، يفسر باستعادة قوية ومباغتة لعرف قصاصي موغل في القدم، دون أن يكون المصدر هو الدين دائما، وهو شديد الوضوح في هذا الأمر.

نعثر في الدراسات –خصوصا الكولونيالية – التي تمحورت حول القبائل المغربية، العربية والأمازيغية، على حالات متعددة لإنفاذ الأعراف القبلية، قصاصا من الجناة وغيرهم.

يذكر “أوغيست موليراس”، مثلا، أن قبيلة الزكارة، وقد اعتبرها لا دينية، كانت تلزم من يحدث عاهة أو عجزا بدنيا لأحد – إضافة إلى العقوبة المالية المقررة عرفا – أن ينجز له كل أعماله الفلاحية والرعوية.

أما إن قتل فيقتل.

والأمثلة كثيرة لنفاذ العرف القبلي المغربي، في هذه المصادر وغيرها.

إن موقف المغاربة الغاضب، اليوم، من تعطيل تنفيذ أحكام الإعدام، أقوى من أي نقاش حقوقي مستورد، لا يمكن أن يفهم – اعتبارا لمستوى نضج المجتمع – إلا كتفضيل لحياة المجرم على حياة الضحية ناصعة البراءة.

موقف شعبي قوي لا يمتح من العرف المغربي فقط، بل من انتفاء شرط البديل الفعال بالكيفية التي بينت:

فالمؤسسة السجنية المغربية رغم كل التحول الذي تعرفه جراء توالي أجيال من الحقوق الإنسانية، لم ترق بعد إلى مستوى تحقيق مخرجات كاملة التقويم والتهذيب، يستحيل معها العَوْد.

بل أضحى العود، أحيانا، مفخرة لبعض عتاة الجانحين، والمجرمين، يعددون تجاربهم معه وكأنها رتب عسكرية رفيعة.

ومن ملاحظاتي، في البادية، تبين لي أن الخارج من السجن، تظهر عليه النعمة مقارنة بشظف العيش الذي ترك عليه عائلته وأصدقاءه.

ولنا أن نتصور نفسية مجرم رفعَ عنه إجرامُه هذا الشظف، وكل كد فلاحي وغير فلاحي من أجل رزقه.

بل قيل لي إن بعض الشباب يسعون إلى السجن سعيا، من أجل الحصول – في ما بعد – عن “تريبورتور” يسلم لهم هدية لتيسير اندماجهم في المجتمع من جديد.

يضاف إلى هذا استحضار الحق في العفو، ربما حتى قبل ارتكاب الجرم؛ إذ غدا هذا الحق مُفعلا بقوة.

لقد تتبعت مؤخرا شريطا تبكي فيه الضحية، المصابة بعاهة، فرحة غريمها الذي أطلق سراحُه، بعفو، قبل استكمال عقوبته السجنية.

وتتبعنا حالة الأخ الذي قتل أمه، ومكنه العفو من قتل أخيه.

يضيع كل ما يتضمنه العفو الملكي من رحمة نبيلة وسامية حينما يستفيد منه من لم يزده السجن الا تمرسا وخبرة، لأن المدرسة السوداء للجريمة أقوى داخل السجن من المدرسة البيضاء للتقويم والتهذيب وإعادة الادماج.

كيف نُغفل كل هذا وننصرف إلى نقاش حقوقي مترف يتوجه إلى الخارج الحقوقي للظهور بمظهر حاملي المشعل؟

وأحينا تنعدم اللباقة لدى البعض ليصف المطالبين بالإعدام بالحمقى.

من العاقل يا رجل؟ أهو المجرم؟

كيف ندير الظهر لأم عدنان وأبيه، وللمواطنين الذين هيجتهم بشاعة الجريمة، ونخلع على المجرم بردة الحق في الحياة؟

كيف نقنع روح عدنان بأن كل الألم الذي عاناه، وصولا إلى الذبح، لا يجب أن ينتقص من حق المجرم في الحياة وحقه في التقويم والتهذيب واستهلاك غذائه من مال دافعي الضرائب؛ وقد يتزوج وينجب على هواه؟

بناء على كل هذا، أرى أن على مشرعينا – مهما يكن رأيهم في عقوبة الإعدام – أن يفردوا جرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل، خصوصا في تعلقها بالأطفال، بقانون خاص بعنوان كبير سيحمده المغاربة جميعا: قانون عدنان.

تتدرج العقوبات في هذا القانون، حسب الجرائم، وصولا إلى الإعدام النافذ، وليس المعطل.

وأقترح أن يستثنى المحكومون، وفق قانون عدنان، من مسطرة العفو.

هذا أقل ما يمكن فعله، ليصبح اسم عدنان رادعا، وليس مجرد فريسة مستسلمة.

وبهذا نخلد اسمه حاميا للطفولة البريئة اليوم وغدا.

رحمك الله أيها الطفل البريء الذي توهم أن كل الكبار مثل أبيه، ولا يمكن أن يصدر عنهم غير العطف والحنان.

وفي انتظار “قانون عدنان”، حافظوا على أبنائكم، كما تفعل اللقالق في القنيطرة: لا تعشش الا فوق أعمدة الضغط الكهربائي العالي.

‫تعليقات الزوار

5
  • مغربي
    الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 10:58

    راه الإعدام كاين ف القانون الجنائي المغربي
    لا جديد في الموضوع
    نحن ننتقد من يريدون من المغرب أن يحذو حذو قبائل النفط التي تقوم بإعدمات بشعة في الميدان العام
    ثقافة همج الصحاري لا تناسب المغرب

  • عاجل
    الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 12:34

    الدولة هي المسؤولة عن كل آفات ومشاكل المجتمع المغربي.
    لقد قرأت ان القاتل تم اغتصابه وهو طفل.
    القاتل يقتسم بيتا /حجرة مع ثلاث رجال .
    الآباء والأمهات غير مؤهلين لتربية ابنائهم.
    الفقر ،الفساد ،الرشوة ،المحسوبية، تزوير الانتخابات ،العبودية،العولمة المتوحشة،انتشار الرذيلة والميوعة والبورنو على الانترنت،موازين،مهرجانات الفن الهابط،انتشار المافيا ،مافيا كل شيء،الابتعاد عن الدين واتباع الأهواء،فرنسة التعليم،الركوع للغرب،
    ووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو
    من المسؤول عن تفقير وتكليفخ الإنسان المغربي من من من ؟؟
    كم من عدنان قٌتل واغتٌصب في المغرب كم كم كم ؟
    رحمك الله ياعدنان وإنا لله وإنا اليه راجعون.

  • nomade
    الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 21:53

    من قتل واحرق جثث ثلاثة شبان في الحسيمة ,ومن قتل عماد العتابي في الحسيمة ???اسئلة لازالت بدون اجوبة ولا احد تحرك ولاطالب بمحاكمة المجرمين .رحمة الله على الطفل عدنان والصبر لعائلته والخزي والعارللمنافقين

  • مصطفى الرياحي
    الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 22:15

    دون تفلسف {……. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
    من قتل عمدا ظلم نفسه وحكم عليها بالإعدام نقطة إلى السطر ولنسطر عليه بالسيف دون مَسْرَحة يعني يحكم بمنطقه اللذي اختاره هو وما يصلح لغيره يصلح له وإليه الرجوع الشيء الوحيد اللذي يجب التأكد منه هو هل هو الفاعل دون أدنى شك لكي لا نزر وازرة وزر أخرى ونظلم بريء
    كما أني أبصم على كل ما جاء به الكاتب من مسكة العقل ومقترحات
    ولأن الحياة أسمى حق وبإسم هذا السمو يجب إعدام كل قاتل عمد فلا حق في الحياة لأعداء الحياة ولا حرية لأعداء الحرية وشكرا وحفظكم الله

  • عبد الله ب.
    الخميس 17 شتنبر 2020 - 11:42

    كم من حالات "اغتصاب" هي مجرد أرقام في وطننا العزيز، هذه هي الحقيقة المؤلمة، فإلى جانب حالات الاغتصاب الحيواني القذر التي تستهدف الطفولة في طهارتها وبراءتها، وأيضا حالات الاغتصاب المرضي العدواني التي تقتحم فتيات ونساء بالقوة نتيجة الاعتداد بظهائر مختلفة (المال، السلطة، النفوذ…) أو نتيجة سوء التربية والانحراف..، هناك أيضا اغتصاب الحقوق نتيجة الشطط في استعمال السلطة أو الانحراف بها للانحياز إلى فئة لا تستحق لهضم حقوق الذي يستحق، وهذا موجود وسائد، ولا يحظى بكبير اهتمام لدى الفاعلين السياسيين والقانونيين بكل أسف، وهذا أمر خطير جدا وله تبعات اجتماعية كارثية، والحق أن الأمل معقود على ملك البلاد فقط للإنصاف وإحقاق الحق..!

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات