قبل طوفان التعليم الحضوري

قبل طوفان التعليم الحضوري
الأحد 30 غشت 2020 - 22:38

ترف ديموقراطي:

في موضوعي السابق: “كورونا التعليم.. السرعة الثالثة”، اعتبرت أن الحق في الحياة مقدم، دائما، على الحق في التعليم؛ وعلى سائر الحقوق الأخرى.

أما مع هذه الجائحة التي تسكن جزرنا المتوحشة: الجهل، اللامبالاة، التهور، وهشاشة المواطنة؛ فإن الحياة تغدو أعز ما يطلب، الآن والساعة واللحظة؛ وأدنى تثاقل أو جدل، في إنفاذ هذا الحق يجب أن ننظر إليه على أنه مخاطرة كبرى تقامر بحياة الأفراد والوطن.

بناء على هذا اقترحت أن ندفع، في سنتنا الدراسية هذه-20-21- بالتي هي أحسن وأسلم وأنجع؛ ولم أجدها مكتملة إلا في التعليم عن بعد؛ قدرا وليس اختيارا؛ يسري على سائر مستويات التعليم ببلادنا؛ عامِّه كخاصِّه. يمكن تعديل هذا التعميم، باستثناء التعليم الأولي، والقسمين الأول والثاني من الابتدائي.

اختارت الوزارة أغلب هذا الطرح، لكنها أبقت، مضطرة ربما، على خيار التعليم الحضوري، وعلقته في أعناق الأسر، ولم تحسم فيه بدءا.

نِعم المنحى، ديمقراطيا؛ لولا أن وطأة الوباء ديكتاتورية ولا تقبل هذا الترف الذي متع به الآباء والأولياء.

هل أننا سرنا على عجلتين، إحداهما جديدة وآمنة، والأخرى قديمة ومعرضة للانفجار في كل لحظة ومنعرج؛ ثم انفجرت فعلا؛ ففي أي شيء ستفيد الجديدة، والسيارة قد انقلبت ومات ركابها؟

إن التعليم الحضوري، إلى أن تثبت اللجنة العلمية العكس، حاضر التهديد قويُّه، وقد ينفجر بؤرا وبائية، عبر كل الوطن.

وهو تهديد مباشر للتعليم عن بعد الآمن جدا، بما في ذلك حواضنه من الأسر؛ خصوصا إذا فشت “كوفيد19” التعليمية وأصابت التلاميذ وأساتذتهم وكل الأطقم الإدارية؛ وغدا الحاضر الموبوء يبلغ الغائب السليم، ويهمس في محياه بكوروناه.

ديكتاتورية القرار ضرورة قاهرة:

لقد سبق أن قلت: إن أغلب تعليمنا كان يتم دائما عن بعد؛ فلماذا نحرص اليوم على أن تلتف الساق بالساق؟

أعتمد هنا معيار الوظيفية، في الحكم على البرامج والمناهج. أغلب المخرجات التعليمية، عندنا، لا تلامس الواقع المعرفي المجتمعي التنموي. تنتهي أغلب الوحدات التعليمية إلى استظهارات وإجابات تلاميذية في ركح الامتحان، كزبَد البحر يتلاشى كلية.

أغلب البحوث الجامعية تنتهي أثاثا متلاشيا في الرفوف، ووليمة للأرَضَة والرطوبة.

من هنا فتعليمنا في أغلبه تعليم عن بعد؛ وسيان اختزلت المضامين أو أسمنتها، إذ لن تشحذ ذاكرة، ولن توتر سؤالا، ولن تثير فضولا.

ها مِحكُّ الوباء؛ فأي جامعة طمأنتنا بمصل أو دواء؟

حتى ما فرحنا له في حينه من أوكسجين مغربي، يمر عبر أجهزة مغربية، إلى رئات مغربية موبوءة، تأكد أنه لم يكن حقيقة؛ وربما كان مزايدة فقط في نظم أشعار التفاؤل.

اقتراب التعليم المغربي من بناء الذهنية المغربية الفعالة في التنمية، لا يزال مشروعا فقط، ينتظر القرار السياسي الشجاع.

أقول كل هذا وأنا استحضر أن مغاربة العلم والكفاءة العليا، في الخارج المتقدم، حجة علينا، وإدانة لبرامجنا.

وعليه فحينما أدعو اليوم إلى الاقتصار على التعليم البُعدي، فإنني لا آتي بجديد؛ ولا أغامر بمعارف تعليمية حيوية بالنسبة لتنمية الوطن؛ ما دام شحنها في ذهن التلميذ، أو إراحته منها سيان.

1+1 في منظومتنا التعليمية لا تساوي بالضرورة 2؛ قد تساوي 3،5،7.. (أنت وزَهْرك)

إن الحتمية الرياضية والفيزيائية والكيميائية، التي ينبني عليها الوطن العلمي، تضيع معالمها كلية في خضم معارف فضفاضة، تكلف المال العام غاليا؛ وما هي في الحقيقة سوى سقط علم.

يجب أن نراهن على التعليم عن بعد، الذي فرضته الجائحة علينا، على أنه المنقذ من الهلاك؛ إذا انكببنا على برامجنا منخلين ومقومين ومعدلين، حتى لا يضيع الزمن الرقمي الثمين في سفاسف العلم.

أغلب الدروس، حتى العلمية التجريبية، تقدم نظريا فقط؛ وقد تأكدت من هذا مرارا. وأغلب هذه الدروس تملى من طرف ضعاف الأساتذة ولا تشرح. فماذا سنخسر إذا أرحنا التلاميذ من هذا العبث البيداغوجي الحضوري؟

لن ينجح التعليم عن بعد، إلى درجة تفوق حصيلته فيها التعليم الحضوري، بدون مأسسته، تشريعيا وتأطيريا ولوجيستيكيا؛ فقد لا يكون هناك عدول عنه، إذا أرخت الجائحة سدولها لسنين؛ كما يتوقع الخبراء.

وقد لا يعود التعليم الحضوري إلى سابق عهده، حتى ولو زالت الجائحة؛ لأن الرقمية هي مستقبل البشرية، وركيزة العولمة.

ولا تخفى أهميته بالنسبة للدول الفقيرة، ذات الأسِرة الخصبة، التي لا يمكن أن تغطي حكوماتها مستقبلا كل حاجياتها التعليمية المعمارية والتأطيرية.

ولا تخفى أهميته، إذا استحضرنا ما يعانيه الأساتذة اليوم، من العنف المدرسي؛ خصوصا ولا شركاء لهم من الأسر يكفونهم شر الجانحين والمنحرفين والمتهورين من التلاميذ.

التعليم عن بعد ليس جائحة تربوية:

هذه النظرة السلبية إلى التعليم عن بعد، ناتجة عن تصور انتهازي للمؤسسة التعليمية؛ باعتبارها السجن الناعم الذي يريح الأسر من شغب الأبناء.

يستطيع رؤساء المؤسسات التعليمية تأكيد هذا، انطلاقا من الغياب شبه الكلي للآباء والأولياء عن حضور اجتماعات جمعيات آباء التلاميذ. هذا يدل على أن تتبع تمدرس الأبناء وتحصيلهم، والاتصال بأساتذتهم، هو آخر هواجس الأسر.

أرحني منهم، هذا هو المهم؛ أما سائر مشمولات “العقد الديداكتيكي” الذي تتأسس عليه العملية التربوية التعليمية، فغالبا مالا يفكر فيها أحد.

طبعا يحرُم التعليم عن بعد الأسر من متعة الراحة من الشغب.

كما يعقد مشكل الغياب المهني للأبوين عن المنزل، مخلفين وراءهما أبناء لا يأتمنونهم على أنفسهم.

ويتدخل في بناء هذا التصور السلبي للتعليم البُعدي، نظرتنا الكلاسيكية للمعرفة، باعتبارها سلطة بيد الأستاذ، يمارسها حضوريا داخل الفضاء المدرسي؛ حيث ينزلها من عل، إلى أذهان التلاميذ. لا نتصور أن هناك نقلا للمعرفة، يتم خارج هذه العلاقة العمودية السلطوية.

لم نتمثل بعد مفهوم التلميذ الأستاذ؛ الذي بوسعه، اليوم، التحرر من السلطة التعليمية.

ماذا تمثل معارف الأستاذ مقارنة ب”الداتا الضخمة” BIG DATA التي توفرها الشبكة؛ بل تفجرها في كل يوم في وجوهنا؟

هل ستتواصل الأستاذية الكلاسيكية، في تجاهل تام للثورة الرقمية؟ إذا قلنا بهذا فإننا لا نزيد على ترسيخ التعليم عن بعد، بالمفهوم الذي شرحت.

في وطننا، من السابق لأوانه أن نقول بموت الأستاذ؛ وإن كان دوره آخذا في الانزياح.

التعليم الخاص في المغرب، رهان فاشل:

يتبع

‫تعليقات الزوار

8
  • مصطفى الرياحي
    الإثنين 31 غشت 2020 - 08:34

    لم تتغير طريقة التعليم منذ نيوتن Newton : سبورة سوداء أو خضراء ثقيلة ومثقلة طباشير بالألوان مقاعد وكرسي
    عال علو العلم إلى بداية التسعينات و حاليا أصبح الطباشير من الأشياء التحفية وارتاح الأستاذ
    يعلمنا الأستاذ عدة أشياء لكنه لا يعلمنا كيف نتعلم لوحدنا واليوم نؤدي هذا النقص
    من بين ألاف المشاكل اللتي طرحتها الجائحة هي الأطفال و دخولهم الأول للمدرسة، تعلم القرأة والكتابة فالتعليم عن بعد لا معنى له والحضور ضروري يبدو أن الحل هو تفويج التلاميذ لكن نتذكر أن بن كيران شن حرب على شاكلة الأرض المحروقة و النقص في رجال التعليم باد للعيان وفتح عنا جبهة أخرى وهو في زهو تقاعده وهنا أتذكر المغربي "لي فرط يكرط" وآخر ضيعت الصيف اللبن
    نحن في ورطة حقيقية يجب أن نتعامل مع شر قابع إلى الأبد يأخد جزيته مهما كانت السحابة
    إصابة الأساتذة بمر آخر "burn out " لا يقل خطورة, وارد هم والطاقم الطبي والله تشابه عنا البقر
    وحفظكم الله

  • عاجل
    الإثنين 31 غشت 2020 - 10:33

    على السيد أمزازي وزير التعليم ان يستمع لكم بل ارى ان يتصل بكم ويخبركم انه بعد قراءته لمقالاتكم انه قرر التنحي عن وزارة التعليم لكم.
    على النظام المغربي ان أراد خيرًا بالمغرب ان يستمع لكم فيما يخص التعليم.
    تحياتي سيدي الكريم

  • ساخط على الغباء
    الإثنين 31 غشت 2020 - 13:52

    إلى مصطفى الرياحي
    أنا متفق معك تماماً و أنا من المؤيدين لإرساء مفهوم جديد "ثوري" للمدرسة يعيد النظر فيها جذرياً ، حينما اطلعت على محتويات التعليم عن بعد الذي أعدته الوزارة شعرت بالدم يغلي داخلي لأنه يوجد في الانترنت آلاف المحتويات الرائعة و المترجمة حتى إلى الدارجة :إخراج فني رائع ، صورة ملتقطة بعناية ، صوت رائع، متعة بصرية….و الكل كان سيستمتع بالعملية و هو ينشط ذهنه سواء كان آبا أو أستاذاً أو تلميذا وفي كافة المجالات يكفي بأبسط مجهود العثور عليها و إدراجها بدلا من مطالبة أستاذ مسكين بأن ينتجها بنفسه . أقول هذا لأنني أعرف بنفسي عددا كبيرا منها

  • Belga
    الإثنين 31 غشت 2020 - 15:12

    هل فكر السيد الوزير في تلاميذ صغار يعانون من الضيقة أو ضيق التنفس؟ كيف يضعون كمامة خلال ساعة أو أكثر؟ قد يسقطون أمام أستاذهم دون أن يستطيع لمسهم؟
    هل فكر في أساتذة شارفوا على التقاعد ويتنفسون بصعوبة…مع مرض السكري مثلا؟
    هل قامت الوزارة بدراسة العدوى خلال الباكالوريا السابقة حيث تخلى الكثير من التلاميذ عن الكمامة؟

  • مصطفى الرياحي
    الإثنين 31 غشت 2020 - 16:17

    أشعر بالغيثان لما أرى مستشارين لوزراء ومسواهم الفكري والتعبيري الدنيئ ، كيف يا رجل تنتقل من "تريسيانélectricien " إلى مستشار وزير ؟ دلوني كيف تقفز من صحافي في صحافة الحزب إلى مستشار ؟ ومن يؤدي الثمن ؟ ها هي نتائج الردائة تجلت اليوم.في تسع سنوات بعض الدول قفزت عشرين درجة مثل الروندا ونحن قفزنا قفزة المنتحر عشرين درجة إلى وراء
    حكومة برنامجها هو الله كما صرح السيد العثماني حكومة تمشي بمشية الله وهو مرساها ها نحن في بحر دون شاطئ ولا أدوات الملاحة ولا نجوم نهتدي بها تمخضنا أمواج عتية ولا ينفع الدعاء لأننا رمينا بأنفسنا إلى التهلكة بفعل غبائنا
    صدق المعلق 3 ء ساخط على الغباء
    لا داعي لتصوير الدروس إذ توجد دروس من الطراز الرفيع ومواقع تصحح التمارين بشكل آي لكنهم حلفوا أن يقتلون الأستاذ كما أشرت إليه في تعليقي الأول
    بيننا ألا يستحق حكيم مثل كاتب المقال الإستشارة لحنكته وحكمته أو مغاربة الخارج المتقاعدين الإنخراط في التعليم عن بعد ولو بالمجان وأعرف منهم المتطوعين قد يخففون على وزارة التعليم وزرها

  • aleph
    الإثنين 31 غشت 2020 - 20:13

    أستاذي الكريم، ومع كل الحب والتقدير الذي نكنه لك، أنت يا أستاذي الفاضل لست باحثا في علوم التربية. السياسات التعليمية يجب أن تكون مبنية على البحث العلمي. لا يجب أن نبني سياستنا التعليمية على ما نظنه صحيحا، وإنما يجب أن تؤسس على ما توصل إليه الباحثون في علوم التربية.
    التعليم عن بعد تخريب لمستقبل وطننا. حتى الراشدون لا يتعلمون عن بعد. لأن للتعلم شروط، وتلك الشروط لا يوفرها التعليم عن بعد.

    تقول سيدي " الحق في الحياة مقدم، دائما، على الحق في التعليم". هذا خطأ في المحاججة. كان سيكون هذا الإدعاء صحيحا لو أن كل من يزور المدرسة سيكون مصيره الموت المحتم.
    الحق في الحياة حق من الحقوق، لا أكثر. نركب السيارة ونعرف أنها تتسبب في موت الكثير منا. ونذهب إلى الحرب ونعرف أننا معرضون للموت. وفي زمن الحرب نرسل أطفالنا إلى المدرسة ونعرف أن صاروخا قد يسقط على المدرسة.

    كل دول العالم المتحضر فتحت مدارسها للتعليم الحضوري، لأنهم يعرفون أن بقاء أمتهم رهين بجودة التعليم، أما نحن فنئد التعليم وكأنه عديم القيمة.

    حكومتنا جبانة، اتخذت القرار الكارثة لأنهم يفكرون في الإنتخابات وأحزابهم أهم عندهم من الوطن.

  • Hassan
    الإثنين 31 غشت 2020 - 23:31

    أتفق مع رأي التعليم الحضوري ضروري للأقسام الصغرى من التعليم الأولي إلى المستوى الرابع إبتدائي (CM1) في هذه المرحلة يتعلم المتعلم السمع و تقنيات القراءة و الكتابة و الحساب تعلم ميداني تصحيح النطق ، مخارج الحرف اكتساب مهارات فكرية حسية و حركية يتفاعل يقلد يتمرن يستنبط و يستثمر مكتسباته و موارده لفهم المقروء و التعبير و توظيف رصيده المعرفي في التعبير الكتابي و العلاقات العددية .

  • Mohammed
    الثلاثاء 1 شتنبر 2020 - 11:59

    لأول مرة أجد أخيرا شخصا متخصص في علوم التربية يتحدث بشكل منطقي و صارح مراعيا الظروف الصحية والاجتماعية التي نواجهها خلال هده الجائحة إضافة إلى مختلف الثغرات السلبية الموجودة على مر السنين في تعليمنا سواء العمومي أو الخصوصي بصفتي أب و مواطن أتفق معك أستاذنا الكريم

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج