قراءة قانونية فيما سُمي بـ "الحكم التمهيدي"

قراءة قانونية فيما سُمي بـ "الحكم التمهيدي"
الخميس 10 مارس 2016 - 14:55

أصدر قاض بالمحكمة الابتدائية بتطوان “أمرا” قضائيا أثناء ترأسه لجلسة بحث بخصوص إحدى القضايا المعروضة على أنظاره، والذي أمر من خلاله بطرد محام من جلسة البحث المذكورة، بعدما استهل قراره بـ “اسم جلالة الملك وطبقا للقانون”.

وقد خلف هذا الإجراء القضائي ردود فعل مختلفة ؛ فهناك من نفى تأسيسه على أي فصل في القانون، بينما اعترف البعض بشرعيته القانونية وموافقته لصحيح الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية. في حين، نحا جانب آخر موقفا وسطا بين الموقفين السالفين، إذ رغم اعترافه بشرعية الأمر المذكور، فإنه أنكر إصداره في حق أحد مساعدي القضاء والعدالة، طالما أن هناك سبلا أخرى يمكن نهجها لمعالجة ما قد يحدث بين جناحيها.

وبغض النظر عما قد تسفر عنه هذه القضية من تشنجات غير صحية البتة، فإنها تظل جديرة بالمناقشة القانونية الصرف بعيدا عن أي تأثير أو هوى. فهل كان القاضي موفقا، من الناحية القانونية البحتة، في إصداره للأمر موضوع التعليق أم لا؟

قمين بالذكر هنا، ومما يُعلم من بديهيات القانون الإجرائي بالضرورة، فقها وقضاء، أن الأوامر التي يصدرها القاضي أثناء ترأسه وتسييره لجلسة القضاء، هي من طبيعة قضائية ولائية وليست أحكاما تمهيدية أو عرضية، فضلا عن أن تكون إدارية. كما أنها أوامر صادرة بـ “اسم جلالة الملك وطبقا للقانون”، وذلك بقوة ما نص عليه هذا الأخير من جهة، وبقوة العرف والواقع من جهة أخرى ؛ طالما أن أي جلسة لا يمكن افتتاحها أو اختتامها إلا بـ “اسم جلالة الملك وطبقا للقانون”، وأن كل الأوامر الصادرة أثناءها تبقى مشفوعة وموسومة بتلك الصيغة ولو لم يتم ذكرها صراحة، وإلا كانت منعدمة الجدوى وغير ملزمة للإدارة، بَلْه تنفيذها وتحقيق الغاية من إقرارها، والتي لن تشذ عن ضمان “حسن سير العدالة”.

ولعل من بين هذه الأوامر القضائية التي لا ينطبق عليه وصف “الحكم”، هو ما نص عليه الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الرابعة، إذ جاءت كالتالي: “يجوز للرئيس [أي رئيس الجلسة] دائما في حالة اضطراب أو ضوضاء أن يأمر بطرد الخصم أو وكيله أو أي شخص آخر من الجلسة (..)”. فهذه الفقرة، وكما يبدو من قراءتها دون كبير عناء، تجيز للقاضي أثناء ترأسه لجلسة ما، وكلما قَدَّر قيام حالة الاضطراب أو الضوضاء، أن يأمر بصفته “الولائية” بطرد كل من تسبب فيها، سواء كان طرفا في النزاع أو وكيلا له، أو أي شخص آخر كيفما كان موقعه أو مركزه.

ورب معترض على هذا المنحى، يذهب بالقول إلى أن هذه الفقرة لا تنطبق على المحامي، مادام أن الفصل 44 من نفس القانون واضح في مخاطبة هذا الأخير، علاوة على كون المادة 58 من قانون مهنة المحاماة هي الواجبة التطبيق، حصرا، في حق المحامي، باعتبارها نصا خاصا يقدم عن النص العام الذي هو قانون المسطرة المدنية. وهو ما جانب الصواب من عدة وجوه:

أولها: ذكر المشرع في الفقرة المذكورة أعلاه المحامي بصفته “وكيلا”، وذلك انسجاما مع النسق العام لقانون المسطرة المدنية، الذي ما فتئ يعبر على مركز “المحامي” إما بوصف الوكيل (مثلا الفصل 31 إلى 35 والفصل 63)، أو النائب (مثلا الفصل 47)، مما يعني أنه غير مستثنى من تطبيق الفقرة الرابعة من الفصل 43 موضوع التعليق، وأنه هو المقصود عينا من عبارة “الوكيل”.

ثانيها: إن نطاق تطبيق هذه الفقرة، هو فعل “الاضطراب” أو “الضوضاء”، خلافا لما نص عليه الفصل 44 المذكور، المتمسك بتطبيقه بدلا عن الفصل 43، والذي يتحدد نطاقه، حصرا، في “السب” أو”الإهانة” أو”القذف”، وشتان بين مجرد الضوضاء أو الاضطراب، وبين فعل السب أو الإهانة أو القذف ؛ إذ الأول أخف أثرا وضررا عن الثاني لا محالة، ما دام أنه لا يشكل سوى مخالفة معاقب عليها بمقتضى المادة 15 من قانون قضاء القرب، بينما يشكل الثاني جنحة مؤطرة بالفصلين 44 و263 من القانون الجنائي.

ثالثها: إن مما يؤكد اختلاف مجال تطبيق الفصلين المذكورين، هو ما تضمنته المادة 58 من قانون مهنة المحاماة، التي نصت على ما يلي: “لا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة، من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها. تحرر المحكمة محضرا بما قد يحدث من إخلال، وتحيله على النقيب، وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما”. واللافت من خلال هذا، أن مقتضيات الفصل 44 المومأ إليه من الناحية الإجرائية، قد أُلغيت بنص هذه المادة بخصوص أفعال “السب” أو”الإهانة” أو”القذف” لتعارض مقتضياتهما وتعذر الجمع بينهما، دون فعل “الضوضاء” أو “الاضطراب” الذي لا يرقى إلى درجتها، وبالتالي يبقى مشمولا بمقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 43 أعلاه، والذي أجاز للقاضي إصدار أمر بطرد المتسبب فيه كالأمر موضوع التعليق.

وتأسيسا على ما كل ما سلف، يتضح أن نطاق تطبيق الفصل 43 أعلاه، يختلف عن مجال تطبيق المادة 58 التي ألغت الفصل 44، وبالتالي يظل الأمر الذي اتخذه رئيس الجلسة أثناء ترأسه لها، والقاضي بطرد محامي من أشغالها، بالنظر إلى ما قَدَّره من حالة ضوضاء أو اضطراب قام بها هذا الأخير، متصفا بما يلي:

أنه أمر ولائي قضائي، وليس حكما تمهيديا أو عرضيا، فضلا عن أن يكون إداريا ؛

أنه مشمول بـ”اسم جلالة الملك وطبقا للقانون”، ولو لم يتم استهلاله بهذه الصيغة صراحة. وإذا ما تم ذلك، فهو من باب إعمال قاعدة “الزيادة في الشيء إمعانا في تقريره وتكريسه” ؛

أنه محترم للشرعية الإجرائية، وذلك لمطابقته صحيح الفقرة الرابعة من الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية.

*رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة

‫تعليقات الزوار

8
  • مراد
    الخميس 10 مارس 2016 - 16:49

    Omar Haloui
    19 min · Fès

    ملاحظات:
    -يمكن طرد الخصوم لكن المحامي ليس خصما.
    -يمكن طرد وكيل الخصم لكن المحامي ليس وكيلا بمفهـوم قانون المسطرة المدنية.
    -يمكن طرد أي شخص آخر (الشاهـد ) لكن المحامي ليس "شخصا آخر".
    سؤال:
    هـل يمكن لرئيس الجلسة أن يطرد ممثل النيابة العامة اوأحد المستشارين …؟ إذا كان الجواب نعم أمكن طرد المحامي.
    ملحوظة:
    هـذه الواقعة تشكل في نظري مصابا جللا يجب ان يكون له ما بعده .

  • مغربي مكوي بالمشاكل
    الخميس 10 مارس 2016 - 17:52

    أنا ما غاديش ندخل في التفاصيل القانونية و لكن عن تجربة و تتبع لقضية عقارية في المحاكم لسنوات لاحظت بان بعض المحامين ما كيحترموش المحكمة و القضاة و تلقاهم كيجمعو ويضحكوا و الجلسة خدامة فحال التلاميذ فالقسم ملي تيكون الاستاذ كيشرح الدرس و شي محامين كيعجبهم يبانو على ظهر المحكمة ، و يقول لك المحامي إيوا كيف جيتك فالقاضي سكتو و ما خليتلو ما يگول.
    المهم يجب تطبيق القانون على كلشي حيت إدا ما بقات هيبة للمحكمة و للقاضي رَآه غادا تولي السيبة فالبلاد . و زيدون المحامي ما خصوش يبقا يدير التمثيل فالمحكمة فحال موالين البرلمان ملي تيشوفو الكاميرا

  • مؤيد لطرح صاحب المقال
    الخميس 10 مارس 2016 - 18:13

    – إلى الاخ مراد :
    – المحامي يعتبر وكيل خصومة عن الطرف الخصم في الدعوى .
    – فتمثيله للطرف يستمد أساسه القانوني من عقد وكالة بينه وبين الموكل (الطرف)
    – نص المادة صريح في صلاحية الرئيس طرد أي شخص "…. أو أي شخص آخر من الجلسة '' بغض النظر عن صفته أو مركزه القانوني في الدعوى .
    – بالتالي فكل ما ذكرته لا أساس لها من القانون ..

  • مظلوم
    الخميس 10 مارس 2016 - 18:39

    هاد المحامون أرادوا تأسيس دولة المحامون كلما كان أحدهم طرفا في قضية ما إلى وتكالب على خصمه كل المحامون، سبق وأن كنت ضحية تكالبهم لما تعرضت للضرب من طرف محام وقاموا بترهيبيي أمام وكيل الملك الذي حفظ لي حقي في مواجهتهم …………….. نعم لمساواة الجميع أمام القانون…… تحية لرجال القضاء الشرفاء الجريئين الذين يحمون المتقاضين من وكلائهم (المحامون) ….. وتحية كذلك للمحامون الشرفاء المدافعين عن الحق أين ما كان …………. وتحية كذلك لكاتب المقال الذي أجاد وأصاب.

  • محمد
    الخميس 10 مارس 2016 - 19:42

    المحامي ليس هو اي شخص المتحدث عنه في الفقرة الاخيرة من المادة 43 لانه لو كان الامر كذلك لما جاءت المادة 44 وتحدثت بشكل صريح عن المحامي . هذا اضافة الى ان المادة 58 من قانون المحاماة التي تتعلق بحصانة المحامي جاءت صريحة وهى الاولى بالتطبيف على اعتبار انها قاعدة خاصة والخاص يقدم على العام .
    كما ان الوكيل المقصود في المادة اعلاه لا ينصرف الى المحامي بل الى الاشخاص الذبن ينوبون عن الغير بمقتضى الوكالة اما عمل المحامي فلا يحتاج الى الى اي وكالة بل هو مننظم في قانون المهنة
    هذا اضافة الى كون الاتفاقيات الدولية وكذا مبادى الامم المتحدة المتعلقة بالمحاماة المصادق عليها من طرف المغرب لا تسعف مصدر الحكم الطرفة فيما ذهب اليه بل يمكن تصنيف هذا المحضر في باب الطراىف القضائية الشيئ الذي يضيع على بلادنا فرصا كبيرةللاستثمار امام مثل هاته الانواع من االاحكام ويصنف بلادنا في مصاف الدول المتخلفة فضائيا … والادهى ان ياتي قاضي لكتابة مقال لتبرير الفضيحة باسم القانون ….

  • حميد
    الخميس 10 مارس 2016 - 23:05

    بعض المحامين للاسف يتعمدون توجيه كلمات جارحة غير مؤدبة للقضاة ، ويتعمدون الغطرسة دون مراعاة الاخلاقيات التي طبعت المهنة لمدة عقود، ان الاوان لوضع النقاط على الحروف … ولا بد من تطبيق القانون، فالمحامون ليسوا فوق القانون، وليسوا فوق المساءلة …

  • عبدو
    الجمعة 11 مارس 2016 - 00:12

    تمنيت تكون رئيس جلسة فشي قضية كنترافع فيها وغادي نترافع ونعارض وبصوت مرتفع وندير اضطراب فالجلسة…..
    وداك الساعة جرب غيييير جرب طردني مالجلسة

  • ذ الزرود
    السبت 12 مارس 2016 - 15:28

    لا احد بالوقت الراهن يشتغل بردهات وقاعات المحاكم او يتردد عليها يستطيع الادعاء ان السادة القضاة يحسنون فعلا تعليل احكامهم حتى قياسا الى فترة الثمانينات، لقد طغت النماذج والتعليلات البسيطة التقليدية ولم يعد القاضي. قادرا على الابداع الا في النادر، هلا التفت السادة القضاة الى الاجتهاد اكثر في تدبيج وتعليل احكامهم تعليلا كافيا بدلا من اثارة الشقاق بين مكونات العدالة

صوت وصورة
حقيقة خلاف زياش ودياز
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:58 5

حقيقة خلاف زياش ودياز

صوت وصورة
هشاشة "سوق النور" في سلا
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:30 1

هشاشة "سوق النور" في سلا

صوت وصورة
الركراكي والنجاعة الهجومية
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:04 1

الركراكي والنجاعة الهجومية

صوت وصورة
كاريزما | محمد الريفي
الإثنين 25 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | محمد الريفي

صوت وصورة
رمضانهم | الصيام في كوريا
الإثنين 25 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | الصيام في كوريا

صوت وصورة
الفهم عن الله | رضاك عن حياتك
الإثنين 25 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | رضاك عن حياتك