كورونا، الشجرة التي تغطي الغابة...

كورونا، الشجرة التي تغطي الغابة...
السبت 14 مارس 2020 - 17:01

يعيش العالم في عولمة شاملة. لقد تعددت مجالاتها، فبعدما ارتبطت طيلة القرن الماضي بالمجال الاقتصادي والمجال المالي والمجال السياسي، فإنها انتقلت بعد ذلك إلى مستويات أكثر عمقا، كسرت معها الحدود الثقافية والاجتماعية؛ لتنضاف إليها في سنة 2020 المجال الوبائي أو العولمة الوبائية.

الوباء ظاهرة مَرضية ومُعدية، ليست بجديدة في التاريخ البشري. لقد عرف الإنسان انتشار الوباء على مرِّ السنين واختلفت حِدَّته حسب نوع الفيروس؛ وأزهق معه أرواح العديد من الناس. بَيْد أن جديد وباء 2020 أنه سريع الانتقال لاستفادته من وسائل النقل الحديثة وكذا تغير وتطور سلاسل القيمة العالمية (Chaines de valeur mondiales ‘GVCs’).

لا تهمني كيف انتشر الفيروس أو أسبابه، ما يهمني أن كورونا أكدت للجميع (حكومة وشعبا) أن المصير الإنساني واحد يجمعنا كلنا أينما كنَّا في دول الشمال أو دول الجنوب، في دول مصنفة متخلفة أو في طور النمو أو في دول تعتبر نفسها متقدمة ومتطورة.

كورونا، وَحدَّت المواطنين(ات) بغض النظر عن انتماءاتهم(هن) وعاداتهم(هن) وأديانهم(هن) وصلواتهم(هن) ولغاتهم(هان وأيديولوجياتهم(هن) على كلمة سواء: الحد من انتشار الفيروس والقيام بنفس الإجراءات الوقائية للتصدي لهذا الوباء الذي يذكر الإنسان ب”ضعفه” أمام الطبيعة. مهما يكن مصدر كورونا، هل هو إنتاج بشري أم تطور وتحول طبيعي لفيروس، المهم أن سياسات وأنظمة كل الدول تواجه هذا الامتحان العصيب لتنقذ مواطنيها ومواطناتها.

الأكيد أن كورونا أثَّر على عدة قطاعات، لكن الاقتصاد العالمي لم يصل بعد إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي. وفي حالة حدوث أزمة عالمية، لن تكون كورونا السبب، بل ستكون فقط الشماعة التي سيعلق عليها كل إخفاقات النظام الاقتصادي العالمي.

يرجع الفضل لكورونا في إخفاء معالم الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترتكب كل يوم منذ مطلع القرن الحالي والتي تسارعت حدتها منذ انتشار الوباء لانشغال الرأي العام بها. فنتائج هذه السياسات أخطر وأعمق من كل الألم الذي تسببه كورونا، كحرب أسعار النفط بين أمريكا والسعودية وروسيا، ملف اللاجئين السوريين والأرباح المالية والاقتصادية والسياسية التي تجنيها تركيا من وراء ذلك، أزمة الساحل والتدخل الفرنسي في الشؤون الإفريقية للدفاع عن مصالحها في افريقيا، ملف ليبيا وسوريا والتدخلات الدولية في تقرير مصيرهما وما يسببه من أزمات إنسانية وخيمة (الهجرة، الإرهاب، تجارة البشر، الخ)، ملف الشرق الأوسط واتفاقية القرن وما سببته من عزلة للقضية الفلسطينية، التقلبات المناخية وأضرارها على الدول الإفريقية، انهيار منظومة الحماية الاجتماعية في العديد من الدول، انهيار المنظومة الديموقراطية، عودة شبح ارتفاع الديون الخارجية في العديد من الدول الفقيرة والنامية، وباقي مختلف القضايا العالمية الأخرى.

مهما كان وسيكون عدد ضحايا فيروس كورونا، فلن يكون بحجم الضحايا اليومِيِّين للنظام العالمي الحالي. مهما كان ألَم ومُدة معاناة المرضى مع الفيروس، فلن تكون بمثل ألَم ومُدَّة معاناة اللاجئين والمهاجرين السريين والجائعين والمعدومين والمهمشين وضحايا الحروب، وغيرهم.

في الظاهر لا يوجد فرق بين العولمة الوبائية وباقي أنواع العولمة، حيث أنها تصيب الفقير والغني، والذكر والأنثى، والصغير والمُسن، ودول الشمال ودول الجنوب، وأكبر اقتصاديات العالم وأصغرها. بيد أن في جوهرها هناك فرق كبير بين العولمة الوبائية وباقي أنواع العولمة، حيث أن في انفتاحها (اكتساحها) بقاع العالم فيه عدل ومساواة، لكن في استقبالها (مواجهتها) فيه حيف وظلم. كيف لا وهناك من هو مُجهز بأحدث المعدات المخبرية ويملك المستشفيات والأطقم الطبية والأَسِّرَة اللاَّزمة، ويستطيع بناء مستشفى أو مستشفيات في أيام قليلة ويتوفر على كل الموارد المالية والبشرية لتدبير الأزمة. وبالمقابل، هناك من سيواجه كورونا ب “جافيل” وصابون “الحَجْرة”.

نظام عالمي أنتج الفوارق الاجتماعية والتهميش، فأصبح من يتعايش مع الأوبئة وموت أفراد عائلته وأولاده جراء نقص للعلاج أمراً طبيعياً وصَنَّفه أنه قضاء وقدر. مواطنين/ات يواجهون الأوبئة/الأزمات بالتعويذات والشعوذة.

هناك فرق بين شعوب اعتادت على الأوبئة لأنها تكيفت معها بحكم سياسات لم تجعل الاهتمام برفاهية الفرد والجماعة ضمن مخططاتها الاستراتيجية، فخلقت إنسانا لا يثق في المصادر الرسمية للأخبار، يتعامل مع الخبر الرسمي أنه نصف المعلومة أو جزء ضعيف من المعلومة. فخلقت بالتالي إنسانا يتضامن فقط مع نفسه ومع محيطه القريب. ومن جهة أخرى، شعوب تعتمد على مسؤوليها، تثق في قراراتهم وأخبارهم، وتنضبط إلى كل الإجراءات لأنها تؤمن بأن مستقبل الفرد هو مستقبل الجماعة، الذي هو مستقبل الوطن.

فرق كبير في التعاطي مع العولمة، هناك السيد والعبد. فالسيد يملك من القوة من يجعله يتحكم في زمام الأمور مهما بلغت قساوة النتائج، لأنه يستفيد في كل الأحوال من الأزمات، أو كما يعبر عنه المَثلُ الشَّعبي مثل المِنشار: “نَازِلْ وَاكِلْ هَابِطْ وَاكِلْ”. أمَّا الدول التابِعة في المنظومة العالمية، فهي من ستتحمل أعباء كل الخسائر المنتجة عن الأزمة كيفما كانت طبيعة الأزمة مالية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو وبائية، كالتي مرت في 2008 وتداعياتها لازالت ترخي بظلالها على العديد من الدول الفقيرة والنامية، لأنها وبكل بساطة لم تستطع أن تجيد التفاوض على مصالحها الوطنية، اختارت مُكْرهة تحالفات إقليمية هشة أو صراعات حدودية مستنزفة لطاقاتها ولخيراتها. ألم يئن الأوان أن تخلق هذه الدول نظاما اقتصاديا يدعم سيادتها الاقتصادية الوطنية ويحقق بالتالي أمنها الاقتصادي والاجتماعي والصحي. للأسف، مرة أخرى يتعرَّى واقع هذه الدول ذات اقتصاديات تابعة وهشة، وهذه المرة بكورونا.

أكيد لن تستفيد أية دولة في إفريقيا من كورونا، بل ستتضرر من التبعات الاقتصادية لهذا الوباء. البداية كانت في جنوب افريقيا حيث تعتبر الصين من أهم الدول في تعاملاتها التجارية، وستليها أكيد دول شمال إفريقيا خاصة المغرب الذي سيتضرر كثيرا من سياسة غلق المطارات والمَوانئ والمؤسسات التعليمية. وإذا أضفنا إلى هذا الضرر الكبير للإنتاج الفلاحي المرتقب لهذه السنة جراء الجفاف، فالنتيجة ستكون كارثية خاصة مع تراكمات سلبية طيلة السنوات الأخيرة. أما المستفيد الأكبر من الأزمة الوبائية فهم دول القُطبين المُسيطِرَيْن على اقتصاديات العالم ومنها الصين حيث ستُحوِّل خسائرها الظرفية إلى أرباح طويلة المدى. وهذا الأمر بَاشرتْ فيه بالفعل منذ الأسابيع الأولى لانطلاق الوباء. لم يكن فقط القطاع الصحي الصيني من يواجه الوباء، بل كل القطاعات، حتى أنه عندما ستعلن الصين عن القضاء النهائي عن الوباء، فإنها ستكون قد غزت كل الأسواق ومنها الأسواق المالية وضاعفت أرباحها حتى في الولايات المتحدة الأمريكية؛ كأن شيء لم يحدث في الصين.

*أستاذة جامعية باحثة في الاقتصاد وفاعلة مدنية

‫تعليقات الزوار

6
  • عاجل
    السبت 14 مارس 2020 - 17:59

    المغأربعة شعب ساذج غير ناضج عندما يقرأ خبرا ولو في مواقع التواصل الاجتماعي يصدقه كما لو أنه خبر حقيقي لذالك على الدولة بكامل مكونأنها السمعية البصرية أن تسارع لبث إعلانات تحذر المقدمين على نشر هذه الأخبار الكاذبة وتتوعدهم بالقصاص وعليها أن تتدخل ضد احتكار السوق واختلاق أزمة اقتصادية مزيفة مخيفة لكل المغاربة كرونا جائحة عادية ستأخذ وقتها وترحل إذا كنا عقلاء وتكاثفت جهودنا مع جهود الدولة في تمكين كل أطياف المجتمع من نصيبها من المواد التموينية ولو بسلطة القانون وعليه علينا أن نكون في مستوى هذه الجائحة على مستوى المسؤولين أولا وثانيا وثالثا وعلى مستوى المواطنين رابعا وخامسا فكلنا في نفس السفينة وعلينا الرسو بها على بر الأمان بأقل أقل الأضرار الممكنة .

  • amahrouch
    السبت 14 مارس 2020 - 18:45

    Un meilleur monde=réforme de l islam et du capitalisme sauvage,je ne cesse de vous le dire depuis des années.le premier est comme du pétrole puisé brut du puits que l on verse dans le réservoir d une voiture,ça ne marchera jamais !Le second est comme une voiture qui consomme trop et ruine le budget de la famille(monde).Les problèmes que nous vivons aujourd hui de là

  • الحب زمن الكورونا ..
    السبت 14 مارس 2020 - 18:48

    المضاربة في زمن الأزمة منتهى الخسة ومنتهى الهمجية وعليه فالعقاب للمتورطين يجب أن يكون فوق الصاع صاعين وفوق الصاعين صاعين ولعنة وتف وعلى الوجوه ..

  • متتبع
    السبت 14 مارس 2020 - 20:12

    كنت أريد متابعة قراءة المقال لكن حينما وصلت إلى قولها ( ب"ضعفه" أمام الطبيعة. ) علمت أن صاحبتنا من الطبائعين، وقلت في نفسي (واش مزال مهدناش الله نعترفوا بقدرته وربوبيته) ايوا سيري للطبيعة تسلكك من كورونا

  • ياشفي يامول اللطف الخافي
    الأحد 15 مارس 2020 - 15:27

    زكام مثل باقي أمراض فصلي الخريف و الشتاء وسينتهي مع بداية ارتفاع درجة الحرارة ببداية الاسبوع الثاني من فصل الربيع على أبعد تقدير والله يلطف بالجميع .

  • محمد العربي الامازيغي
    الإثنين 16 مارس 2020 - 12:56

    خلط في كل شئ ..اية قدرة واية ربوبية يا مغفل ?? ..تحليل رائق ..رائع .. يضع الملح في الجرح.. ينبش في المتخفي و المستور..شكرا للاستاذة

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات