كورونا والمفهوم الجديد للمعرفة

كورونا والمفهوم الجديد للمعرفة
الثلاثاء 14 أبريل 2020 - 00:14

إذا كانت آلة الإنتاج الاقتصادي قد توقفت بشكل كبير في أرجاء العالم، فإن إنتاج المعطيات في العالم الافتراضي بمختلف أشكالها: رسائل، صور أو فيديوهات، قد تطور بشكل غير مسبوق، ووصل كم الإنتاج درجة تطرح أكثر من سؤال. المعطيات التي يتم تداولها في منصات التواصل الاجتماعي تهم بالخصوص جائحة كورونا. والغموض الذي يلف هذا الفيروس القاتل وحيرة الباحثين والمختصين في تحديد ملامحه، وضبط سماته، ساهما بشكل كبير في بروز ظاهرة غريبة يمكن أن أسميها “معرفة الاعجاب والمشاركة”.

فالكل أصبح يتحدث عن الفيروس، ويطرح كيفية مواجهته، وطريقة التعامل معه، بل هناك من يدعي توصله إلى وصفة نسجتها مخيلته تجعلك بكل يقين في مأمن شر هذا الوباء. حين تتابع الوصفات التي تدعي الوقاية من هذا الفيروس المنشورة في جميع وسائط التواصل الاجتماعي، تجد أن الكل، في لمح من البصر، أصبح باحثا ومتخصصا وعالما بل وحتى مخترعا لكن بدون براءة اختراع.

السبب في ذلك يعود إلى أمرين: من جهة، الغموض الذي يلف هذا الفيروس الذي ما زال الباحثون ومراكز البحوث والمتخصصون في علوم الأحياء يجتهدون في دراسته. ومما زاد الأمر تعقيدا هو أنه فيروس مستجد ولا يستقر على طبيعة واحدة، وله قدرة على الانتشار فاقت إدراك العقل البشري والمستوى الذي بلغه البحث العلمي.

من جهة أخرى، هناك عامل ثاني يتجلى في الحجر الصحي، الذي جعل نصف سكان العالم يمكثون في بيوتهم ويبحثون عن وسيلة لقضاء وقتهم، ومن بين هذه الوسائل إنتاج الإشاعة والمعرفة الافتراضية غير الخاضعة للضوابط العلمية أو الدراسات البحثية لأنها لا ترتكز سوى على مرتكز واحد يتحدد في عدد من يسقطون في فخها بالضغط على زر الإعجاب وتقاسمها مع الأصدقاء. فتنتقل الإشاعة وربما الخرافة من منشور بسيط إلى حقيقة علمية بعد تداولها على نطاق واسع.

جائحة كورونا أفرغت المعلومة من محتواها، وجعلتها مرتبطة بعدد القراء وعدد من يتقاسم المنشور وليس بالقيمة العلمية والمعرفية. فضاعت المعرفة العلمية وحلت محلها معرفة الإعجاب والمشاركة. فيكفي أن تبلغ عددا معينا من المعجبين الذين يتقاسمون إنتاجك الافتراضي لتصبح مختصا بلا شهادة، وباحثا بلا مختبر وعالما بلا تخصص، ومخترعا بلا براءة اختراع. في زمن وسائط التواصل الاجتماعي، أو ما يُعرف بالسوسيال ميديا، أصبحت المعرفة سلعة كباقي السلع، يحدد قيمتها إقبال الناس الافتراضيين عليها وعدد المعجبين بها. فإذا كانت الأغنية الناجحة هي تلك التي تُحقق رقما عاليا في نسبة المشاهدة، فكذلك أصبحت المعرفة المتداولة في العالم الافتراضي.

المصادر التي نجدها تتحدث عن فيروس كورونا بشكل عام يمكن إجمالها في ثلاثة أقسام:

1. الباحثون والمتخصصون: ويعتبرون من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها، لاستعمالها الأدوات العلمية ولتاريخها العلمي في مجال تخصصها. وهذه المعارف تجدها في المواقع المتخصصة أو في مواقع المنظمات العالمية، كمنظمة الصحة العالمية.

2. الحكومات والدول: هي كذلك مصادر موثوقة لأنها تعتمد قرارات وإجراءات لتحمي شعوبها وتحفظ صحة مواطنيها. وهذه الحكومات تعتمد على خبرائها المحليين وما توصل إليه الباحثون على الصعيد الدولي وكذلك توصيات المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية.

وما دام البحث في طور التطوير بخصوص هذا الوباء، فإننا نجد إجراءات هذه الحكومات تتطور حسب ما يتم التوصل إليه من أبحاث ودراسات. فمثلا موضوع مادة الكلوروكين كان محط جدال بين المختصين وفي أعلى هرم السلطة الحكومية على الصعيد الدولي، وأبرز مثال على ذلك ما وقع بين الخبير الدولي “ديديي راؤول” الذي يعتمد وصفات هذا الدواء في المركز الاستشفائي بمارسيليا، ووزارة الصحة الفرنسية التي تعترض على ذلك.

وبخصوص استعمال الكمامات، نجد أن أغلب الدول اعتمدت في البداية على ما هو متوفر لدى مراكز البحث وما توصل إليه خبراء المنظمة الدولية للصحة، وأخبرت مواطنيها بأن الكمامة لا جدوى منها وأن الأهم هو العزل مع تجنب المخالطة والمكوث في البيت. لكن بعد بروز دراسة يابانية باستعمال تقنية حديثة باستطاعتها تتبع كيفية انتشار الرذاذ في الهواء اعتمادا على أشعة تحت حمراء متطورة، تبين أن الكمامة ضرورية للوقاية من الإصابة بالفيروس. وقد توصلت هذه الدراسة العلمية إلى أن الرذاذ المنبعث من الفم إذا كان يمكث في الهواء مدة ثلاث ثواني في الفضاءات المفتوحة، فإنه يمكث حتى 20 دقيقة في الهواء بالنسبة للأماكن المغلقة وناقصة التهوية. لذلك عدلت الحكومات عن قرارها الأول وتبنت هذه التجربة العلمية وفرضت إلزامية الكمامة على مواطنيها.

3. وسائط التواصل الاجتماعي وما يتم نشره من أخبار يمكن الاصطلاح عليها بـ”معرفة الإعجاب والمشاركة “. وهي مصادر غير موثوقة ولا يجب الاهتمام بها، لأنها مجهولة المصدر ولا نعرف شيئا عن صاحبها. وكل ما في الأمر أن المعلومة يتم تداولها بشكل مكثف في وسائط التواصل الاجتماعي، وتصل لدينا من جهات عدة، بل نجد أنفسنا محاصرين بهذه المعرفة في عالمنا الافتراضي، الأمر الذي يؤثر على سيكولوجيتنا ويجعلنا نتبنى ما يتضمنه ذلك المنشور من محتوى لتنتقل في ذهننا تلك المعلومة من معرفة افتراضية إلى معرفة علمية نصير نسوقها على أساس أنها نتاج أبحاث ودراسات. إنها “المعرفة الجاهلة” أو بالأحرى “معرفة الإعجاب والمشاركة” أو بصيغة أخرى “معرفة نسبة المشاركة” على غرار الأغاني التي يُقاس نجاحها بنسبة المشاركة.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة