ما بعد الاستفتاء: قراءة في صورتين

ما بعد الاستفتاء: قراءة في صورتين
الأحد 3 يوليوز 2011 - 14:05

لا تهم نتيجة الاستفتاء و لا تحتاج الى تحليل ولا استطلاعات رأي ولا تكهنات ، فالشعب قال كلمته مند الخطاب الملكي ل17 يونيو حين كان صوت ال(نعم) اقوى على كل المستويات، ولم نرى سقوط الاحزاب ونهايتها كما حلم البعض. فكان بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية الرجل الاكثر انتقادا واتهاما يمينا ويسارا – بخيانة الشعب- يجوب المغرب شمالا وجنوبا ويحتشد حوله الالاف في كل مكان ، فإن سلمنا بأن الدولة جيشت ما يناهز9 مليون مغربي للخروج للتصويت بنعم فهل يصح هذا مع الاحزاب، انها رسالة قوية لمن يتحدثون عن الشعب وباسمه، فإنما يتحدثون عن شعب أخر والا فماذا نسمي هذه الحشود التي تساند هذه الاحزاب.

هذا النقاش انتهى اليوم بعد هذه النتيجة التي فاقت التوقعات ،والتي كانت لا تتجاوز 50 في المائة من المشاركة ، والاهم الان هو ما بعد الاستفتاء وكيف ستكون سلوكيات السلطة بعد أن تم إقرار الدستور الجديد ، وربما يمكن اعتباره الاستفتاء الاول الذي شهده المغرب ولم يتم التلاعب بنتائجه بشهادة الاعلام العالمي بما فيه الجزيرة المغضوب عليها .

خلاصة القول انتصرت (نعم ) بقوة ، ويجب ان يستمر مسلسل الاصلاح بشكل طبيعي بحيث تتكفل صناديق الاقتراع بتقويم الاعوجاج في طريقة إدارة شؤون المغرب وإرساء مبادئ العمل السياسي المسؤول الكفيل بتقديم نخب سياسية قادرة على تسيير الشأن العام والاستعداد لتقديم كشف الحساب أمام الشعب وممثليه .
ولا ننسى ان كل من قالوا لا وتشبتوا بها مع قلتهم لهم كل التقدير والاحترام من خلال مساهمتهم في تعبيرهم عن رأيهم ، وعلى جرأتهم على قول (لا) في وسط كانت (نعم )هي السائدة في كل شيء، فلولا التشهد لكانت كل حياتنا نعم. أما الرسالة الاخرى للمقاطعين فالنتيجة درس يجب استخلاص العبر منه ، وأتمنى أن تكون فرصة لمراجعة تصوراتهم ووزنهم الجماهيري الخداع الذي لا يظهر الا عند الامتحان . قد يتوهم البعض أن 30 في المائة المقاطعة هي ترجمة لقناعة راسخة وعن وعي سياسي ، لكن ذلك ناتج عن اسباب متعددة ،بحيث في ارقى الديموقراطيات لا تتجاوز نسبة المشاركة في أحسن الاحوال 50 في المائة، بمعنى أن نصف نسبة من يحق لهم التصويت غير مهتمة بالعمل السياسي ، وهذا لا يعني انهم معارضون للنظام السياسي وتوجهاته . كما يحاول البعض ان ينشر أن حوالي 63 في المائة قاطعت التصويت بما تحمله المقاطعة من معنى سياسي وهو تغليط وافتراء على الشعب .

فثقافة العزوف عن صناديق الاقتراع غير مبنية على أيديولوجيا معينة، بل هي غالبا ما تكون ناتجة عن لامبالاة من بعض المواطنين تجاه الكثير من الامور ليس التصويت فقط ،وانما تسجيل الاولاد في الحالة المدنية وتسجيل عقود الزواج الخ ..فلا يمكن القول ان كل هؤلاء رافضين للقانون أو النظام السياسي.
ما بعد الاستفتاء يمكن اختزاله في صورتين لسلوكين مختلفين لرجال السلطة يوم الاستفتاء .

الصورة الاولى :صورة معاق تم رفعه بمشقة حتى يبلغ الصندوق لرمي الظرف

الصورة الثانية : لمعاقة تم إنزال الصندوق اليها حتى تتمكن من رمي الظرف

الصورة الاولى: تعكس العقلية القديمة للإدارة البيروقراطية المتشبثة بالقوانين بحذافيرها وعدم القدرة على التفكير ، رغم المشقة والصعوبات التي كانت تواجه القائمين على الصندوق من خلال حمل المعاق حتى يبلغ الصندوق وهو نتاج لعقلية غير قابلة للاجتهاد و على التغيير من خلال (اللي قالها المخزن هي اللي كاينة ).
هذا الصورة تختزل عقلية جزء كبير من رجال السلطة والساهرين على تسيير دواليبها في كل الادارات والمسؤوليات ، مما يجعل المواطن يعاني كثيرا من شتى اشكال البيروقراطية المملة التي تتشبث بالقانون كشكل وتنسى روح القانون التي مهمته التنظيم والتيسير والتسهيل وقضاء حاجة المواطن وخدمته بشكل جيد وفي طروف أمثل.
كل ذلك ليس في حساب الادارة القديمة والسلطة التي يٌتحدث عن مفهومها الجديد ،الذي لم يصل بعد الى الكثيرين الذين لا زالوا يتصرفون بنفس الطريقة ، ومن ذلك طريقة التعاطي مع المتظاهرين و مع حملة الاستفتاء ، من خلال اللجوء الى نفس الاساليب القديمة المعتمدة على البهرجة والزغاريد وتجييش الناس وتخوين المعارضين، في حين كان من المطلوب ترجمة روح الدستور و اعتبار ان المعركة هي معركة السياسيين وليست معركة الدولة ، فعندما تجعل الدولة نفسها طرفا في المعارك السياسية تفقد الديموقراطية معناها ويكون الصوت المعارض خارج الاطار وهو أمر يجب تداركه في الاستحقاقات المقبلة، وإلا فسيكون الدستور الحالي و ما جاء به مجرد حبر على ورق. كما ان رجال السلطة الخالدين في دواليب الادارات يجب زعزعتهم من أماكنهم قبل الدخول في أي استحقاقات انتخابيه ، هذا إدا اردنا بالفعل وضع المفهوم الجديد للسلطة حيز التنفيذ.

الصورة الثانية : تمثل الجانب المشرق وتعبر عن وجود بعض الأشخاص في السلطة لديهم القدرة على الابداع والتفكير ، فتحريك الصندوق أمر سهل وميسر ،رغم أن البعض سيرى فيه خرق للقانون وانتقاصا من مبدأ الشفافية من خلال استحضار سلطة القانون وجبروته ، فهذه الحالة تضع مسؤول السلطة أمام مواطن يريد أداء حقه في التصويت ،الأمر الذي يقتضي على الدولة أن توفر له شروط ذلك، وهذه المسؤولية الملقاة على عاتق السلطة هي ما يجعلها مضطرة للبحث عن الحل فيكون المواطن في حالة طلب حق يجب أن يضمن. في حين أن في الصورة الاولى ترى الدولة أن التصويت واحب ومسؤولية تجاه الدولة يجب على الكل القيام به حتى ولو استدعت الضرورة تعليقه او رفعه باي وسيلة . كما ان الدولة حسب هذا المفهوم لا تقع عليها أي مسؤولية كأن هذا المعاق هو من اختار أن يكون كذلك.

قراءة الاعلام الرسمي لهذه الصورة كانت مختلفة عن هذه القراءة ،صورتان إذن لمغرب ما بعد الدستور الجديد ، صورة من يريدون ان يبقى الدستور ودولة القانون معلقين وعلى المواطن ان يرقى اليهما ما استطاع .

والصورة الاخرى التي تقتضي أن ينزل الدستور والقانون الى الناس والى حياتهم ليكون اقرب اليهم، انها انتظارات الشعب المغربي الذي قال (نعم) والتي لا تحتاج الى مزايدة سياسية فارغة . لقد عبر الشعب عن رغبته في تنزيل مضامين الدستور وتطبيقه في الواقع ،فالكرة الان في ملعب السياسيين والدولة معا .

‫تعليقات الزوار

1
  • يوسف العزوزي من تازة
    الأحد 3 يوليوز 2011 - 19:37

    أتفق مع كل ماكتبت أيها المواطن المغربي وأضم صوتي لصوتك، و أدعوك لنعمل على تجميع كل الأصوات المتقاطعة معنا في هذا التصور السياسي، لرد الاعتبار لدور المثقف المغربي في إبداع الحلول المناسبة للأزمات عوض استيراد بضائع مشبوهة، لأجل هذا أسست رفقة ثلة من الشباب مجموعة فايسبوكية سميناها( حركة الفاتح من يوليوز للمغرب الجديد)،تتوخى إشراك الشباب الذي صوت بنعم على اعتبار أن المهمة ابتدأت في تاريخ التصويت ولم تنته،فكان الصوت مسؤولية جسيمة تستدعي من قائلها القيام بالمراقبة و المحاسبة للنسق الذي ارتضاه لنفسه،

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين