محمّد بوبكر .. مغربيّ يحلّ إشكاليات رقميّة كبرى انطلاقا من هولندا

ببساطة وتواضع شخصيّين، وبحنكة مهنيّة كبيرَة، يواظب محمّد بوبكر، بوتيرة يوميّة، على التعامل مع فريق ضامّ لعشرات الخبراء الرقميين وأخصّائيّي التسويق .. متلقيا طلبات استشارَات، وكذا ملاحظات تثير مكامن اختلالات رُصدت حديثا .. وسواء كان وراء شاشة الحواسيب، أو في لقاء مباشر مع طاقم اشتغاله، يحرص بوبكر على تواجد ابتسامته العريضة وهو يولي الانتباه لما يفد عليه، وكذا أثناء إسدائه لتوجيهات لهذا وذاك .. مستمرّا في إيمانه بأن البذل الرصين يساهم في حل الإشكالات.

نور المهجر

ينحدر محمد بوبكر من منطقة تارجيست المتموقعة بقلب فضاء الريف المغربيّ، فإلى هذا الحيز الجغرافي الكائن بشمال المملكة ينتسب والداه المنخرطان مبكّرا في تجربة هجرة قادتهما إلى هولندا، لكنّ محمّد لم يُكتب له أن يرَى النور بالوطن الأمّ وإنما كان ذلك، سنة 1978، بمدينة أمستردام التي ترعرع فيها.

تدرّج بوبكر في تلقّي تعليمه الأساسيّ والثانويّ بالعاصمة الهولنديّة، وأبرز في ذلك تفوّقه بالتعامل مع المواد التعليميّة مقارنة بأقرانه المنتمين إلى ثقافات متنوّعة، خاصّة الهولنديّين .. ويقرّ بوبكر بأن هذه المرحلة العمريّة من عيشه لم تتصادم مع أي شاكلة من الصعوبات، وأنّه عاش الفترة ذاتها بسلاسة تامّة ساهمت في تحصله على نشأة طبيعيّة حددت، بشكل جليّ، ميولاته المستقبليّة.

تأثر الشاب الهولنديّ ذو الأصل المغربيّة بالمناهج الدراسيّة العلميّة التي واكبت تكوينه، كما أن استيلابه تم من لدن التكنولوجيات الحديثة منذ أولى مراحل تسيّدها على إيقاع الحياة العالميّ، ما جعله يختار التوجّه صوب التكوين الأكاديميّ في علوم البرمجيات .. حاسما بذلك ضمن المسار الذي يرغب في أن يركّز عليه بنية نيل النجاح المأمول.

تكوين رقميّ

ولج محمد بوبكر جامعة أمستردام لنيل تكوين في ما يتطلبه التعامل مع العوالم الرقميّة، فكان أن تخرّج منها، أواسط تسعينيات القرن الماضي، مجازا في البرمجيات .. لكنّه لم يتسرّع في البحث عن التزام مهنيّ بالرغم من انخراطه في مراحل تجريبيّة مختلفة ارتأى أن تحقق له المزاوجة بين المعارف النظريّة والخبرات الميدانيّة.

ظفر الإطار نفسه بفرصة لمواصلة تكوينه العالي في جامعة “تِيلبُورخْ” الهولنديّة بعدما قبل مكوّنو هذه المؤسسة ملفّه المرتبط بإنجاز دكتوراه في تطبيقات المعلوميات، ما جعل محمد بوبكر يتخرّج بتفوّق عند حلول سنوات العشرية الأولى من الألفيّة الحاليّة .. وتلقّى، بالتالي، عرضا للاشتغال بإحدى كبريات الشركات الأوروبية والعالميّة في المجال عينه.

تميّز بـ E&Y

يشغل محمد بوبكر مهمّة كبير المستشارين لشركة Ernst & Young بمقرّها في عاصمة الأراضي المنخفضة، وهي المؤسسة المشتهرة دوليا بتسميتها المختصرة “E&Y”، إذ يسهر المغربي الهولنديّ ذاته على ضبط مردوديّة 80 من الوظفين المتعاطين مع كيفية معالجة “البيانات الضخمة”، أو الـ”Big Data” وفقا لتسميتها الأنكلوسكسونيّة المتداولة بين الأخصائيّين.

كبير فريق الاستشارة الخاص بشركة E&Y يعمل، من المقر الكائن بأمستردام، على توفير أنجع الحلول لطلبات تريد التوفر على مُثلى طرق في تدبير “البيانات الرقميّة الضخمة”، وهي التي ليس بالمقدور مباشرة التعامل معها بناء على الأساليب المعلوماتية الكلاسيكّية، وبالتالي سيهر “بوبكر ومن معه” على توفير الحلول لإشكالات متصلة بتجميع وتخزين الـ”Big Data”، زيادة على ما يستلزمه الاستثمار فيها من بحث وتحليل ومشاطرة.

“نسهر على تقديم خدماتنا إلى كبريات الشركات، سواء كانت في هولندا أو خارجها، من أجل التعاطي مع المعطيات الضخمة التي يستدعيها تبني خيار التسويق الإلكتروني لمختلف المنتوجات .. وبالتالي؛ نتعامل مع طلبات ضخمة مردّ وفرتها الكميّة يعود، بالخصوص، إلى الإقبال الكبير على موجَة نقل إسداء الخدمات نحو العالم الرقميّ” يقول بوبكر.

تكوين مستمرّ

يفيد محمّد بوبكر بأنّه لم يجد أي صعوبات في الاندماج ضمن المجتمع الهولنديّ، بالرغم من ثقافة “تامغرابِيت” التي تشبّع بها بالوسط الأسريّ لنشأته، لكنّه يبقى، مثل جميع البشر، ملاقيا لصعوبات تلو الأخرى ضمن حياته الشخصيّة والمهنيّة، ويواجهها بالصبر والعمل وفق جرعات تتغيّر بناء على نوعية العقبات التي يصادفها.

“لست نادما على اختياري المهنيّ لأنّي جمعت بين ما أملاه عليّ العقل والقلب .. لذلك يمكنني التصريح بكوني مرتاحا جدّا في عملي في E&Y، وكذا تخصصي في الـBig Data، لكنّ الاستمرارية يضمنها استمرار انفتاحي على تكوينات يوميّة مستمرّة للتعاطي مع مستجدّات هذا المجال التي تَفِد كلّ ساعة وكلّ حين .. وبهذا أطوّر نفسي وأطوّر فريقي، كما أساهم في رفع مكانة الشركة التي أنتمي إليها” يضيف بوبكر.

طموح وتوجيه

يرى محمد بوبكر أن رغبته في النجاح انطلاقا من موقعه المهنيّ الحاليّ تمنعه من الخوض في تخطيطات معقّدة لمساره على المدى البعيد .. ولذلك فهم يركّز جهده على ضبط أدائه وسط بيئته المهنيّة، وأيضا الأسريّة .. بينما يُبقي للمملكة المغربيّة، باعتبارها وطنه، وأصل والدَيه، ضمن مكانة متميّزة بوجدانه .. مُكِنّا عشقا خاصّا لترجيست والريف، وأيضا لتطوان ومراكش اللتان يواظب في تردده عليهما، بمعيّة انجذابات إلى مناطق عدّة من ربوع المغرب ككلّ.

“لا يمكنني إلاّ أن أكرر ما هو معروف من أجل الوصول إلى وصفات النجاح المختلفة: لا بدّ من الاجتهاد في الدراسة لنيل دبلومات تقصّر المسافات على حامليها، وحتّى إن حضرت الشواهد أو غابت فإن المفتاح يتواجد وسط معادلَة قُطباها هما العمل والتضحيّة” يقول محمد بوبكر في باب تقديم النصح للراغبين في خوض مسارات حياتيّة ناجحة، سواء بالوطن الأمّ أو بدول استقبال المهاجرين .. قثمّ يردف: “تتواجد عدد من المبادرات المهنية الخاصّة المتألقة في هولندا .. وعدد كبير منها وراءه أناس لم يتألقوا تعليما، لكنهم لمعوا في بذل الجهد الذي لا ينضب”.