منار التربية الإسلامية بالمغرب: جاء يكحلها فعماها

منار التربية الإسلامية بالمغرب: جاء يكحلها فعماها
الأحد 18 دجنبر 2016 - 17:10

في 26 ربيع الثاني 1437 هجرية الموافق لـ 06 فبراير 2016 صدر بلاغ ملكي بمدينة العيون أقر فيه الملك محمد السادس على ضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الاسلامية بالمغرب، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، و الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية .

بعد مرور ما يقارب السنة على هذا البلاغ صدر المنهاج الجديد للتربية الإسلامية ملفوفا بجدل واسع حول مداخله المتعددة وأهدافه الكبرى والصغرى ، لتتبعه إلى الخروج مقررات حطمت الرقم القياسي في سرعة ” المخاض ” و ” الولادة ” حتى إذا تلقفها المهتمون بالمادة والمدرسون لها، وقفوا على كم هائل من الأخطاء المنهجية والموضوعية من غير استثناء بينها ومن غير تمييز في المستويات الدراسية ، فمن التعليم الابتدائي ومرورا بالاعدادي ونهاية بالتعليم الثانوي لا يوجد مقرر من مقررات التربية الإسلامية المستهدِفة لهذه الأسلاك التعليمية خلا من اللحن والخطأ ، وهذا أمر كان متوقعا ما دامت عملية مراجعة المادة ككل قد انطبق عليها المثل المغربي : ” قالو باك طاح قالوا من الخيمة خرج مايل ” .

وإذا كانت السرعة قد قتلت في غير ما موضع من هذه المقررات جانب السلامة اللغوية والإملائية ، فإن الانفراد بالرأي وتغييب من يهمه الأمر من مفتشي و أساتذة التربية الإسلامية والباحثين والمهتمين بهذه المادة من قريب ومن بعيد عن المشاركة في إنتاج هذه المقررات وعدم التنسيق بين مؤلفيها وما صاحب ذلك من ارتجالية في اتخاذ القرارات أفرزت لنا تناقضات في المحتوى والمضمون بين كتب مقررة موجهة لمستوى دراسي واحد وضعت أساتذة المادة في تيه وحيرة ، وجعلتها وإياهم في مرمى نيران المتربصين بها وبهم الدوائر ، وما درس ” الايمان والفلسفة ” في السنة الأولى باكلوريا إلا خير مثال على هذا الأمر ، فقد حبل ـ خاصة في كتاب المنار ـ بمفارقات ومغالطات ابتعدت عن مرجعيات وأسس بناء المنهاج الجديد للتربية الاسلامية وتجاوزت أهدافه لتقدم تصورا للفلسفة لم يوفق أصحابه في تجاوز الخلافات الكلامية حولها بقدر ما وفقوا ـ بقصد أو بغير قصد ـ في إشعال فتيل صراع قديم بين أساتذة الفلسفة وأساتذة التربية الإسلامية تجلت أولى شراراته في إصدار الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة لبيان ناري حاد عن قاعدة ” لا تزر وازرة وزر أخرى ” وجمع كتب وأساتذة مادة التربية الاسلامية في سلة واحدة وصفها بأنها ” متطرفة ” و” إرهابية ” ، ” تدعو ﻟﻠﺘﻌﺼﺐ ﻭﺍﻟﺠﻤﻮﺩ ﻭﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﻭﻻ ﺗﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻜﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻬﻮﻳﺔ ﺃﻣﺘﻨﺎ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﺪﺀ ﺑﺄﺟﺪﺍﺩﻧﺎ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻎ ﻭﻣﺮﻭﺭﺍ ﺑﻜﺒﺎﺭ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ” ـ وفق ما جاء في البيان ـ .

إن من يطلع على درس الإيمان والفلسفة في مقرر منار التربية الاسلامية ويقرأ مواقف فيه لعلماء وفقهاء سابقين تعتبر الفلسفة” أُسّ السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة ” وترى أن ” من تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ” سيدرك لا محالة أن منار التربية الإسلامية جاء يكحلها فعماها ، فكلام كهذا يوجه للمتعلم لن يكسبه أي مهارة أساسية أو ثانوية من المهارات التي يروم المنهاج الجديد للتربية الاسلامية تحقيقها لهذا المتعلم ، ولن يكرس لديه إلا قيما بعيدة كل البعد عن قيم التعايش والتسامح والانفتاح واحترام الآخر وغيرها من القيم التي سطرت تحت الأهداف العامة لنفس المنهاج .

وإن من يتصفح نفس الدرس ويطلع على محتواه من بدايته إلى نهايته في مقرر ” رحاب التربية الاسلامية ” والذي يستهدف نفس المستوى الدراسي سيقف حتما على حقيقة غياب التنسيق بين مؤلفي المقررات الجديدة لهذه المادة ، فإذا كان المنار يشيطن الفلسفة ويعتبرها سليلة الإنتاج الفكري المخالف للإسلام ، فإن من ساهم في ” رحاب التربية الإسلامية ” استندوا في بنائه إلى فكر الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن ،وخلصوا إلى أن الفلسفة : ” آيةٌ مثل غيرها من الآيات التي يمكن للمؤمن أن يجعلها موضوعا للنظر الملكوتي، فتزيده إيمانا، وينتفع بها أيما انتفاع، إذ هي في مجملها تحكي قصة الكدح الإنساني الشاق والمحفوف بالمخاطر والمزالق عبر العصور، لإدراك الحقيقة… والقصة تتضمن فصولا مثيرة ، وعبرا كثيرة ، وتؤكد شدة تعلق الإنسان بالمطلق ، وشغفه بالمثل العليا ، وتشبته بغائية ،الوجود وخوفه من العبثية ، وتشوقه لإدراك المعاني العميقة . …” .

إن هذا التناقض الحاصل بين مقررات مادة واحدة ، والتخبط في العشوائية الذي سبق وتلا إصدار هذه المقررات هو ترجمة فعلية لواقع التعليم بالمغرب ، وصورة بسيطة ومصغرة عن أوضاعه ،ومن حسن الحظ أن السنة الجارية بخصوص كتب التربية الاسلامية هي سنة تجريبية فقط ، وعليه فإن المطلوب من المهتمين بهذه المادة الجليلة هو الابتعاد عن ردود أفعال لا تسمنها ولا تغنيها ، وتطوير طرق تدريسها ، والمساهمة الفعالة في تنقية مقرراتها وإبعاد السوء عنها وكشف ما فيها من أخطاء ،فالأخطاء داء وضرر ، و ” من كتم داءه قتله ” ، …و” الضرر يزال ” .

‫تعليقات الزوار

4
  • الحلاج
    الثلاثاء 20 دجنبر 2016 - 23:44

    اذا تمت دراسية إحصائية في صفوف تلاميذ الثانوي التأهيلي حول مدى حبهم وشغفهم لمادة التربية الاسلامية سوف تجد ان نسبة %90 يكرهون هذه المادة ولا يتفاعلون معها إطلاقا ويعتبرونها ماد لا قيمة لها والأكثر من هذا يكرهون حتى أساتذتها الذين يستنزفون ميزانية الدولة دون ان يقدموا للتلاميذ أية قيمة معرفية مضافة تساعد وتدعم رصيدهم المعرفي العلمي والتكنلوجي،فكل التلاميذ والحمد لله مسلمون يعرفون أركان الاسلام ويمارسون عبادات وشعائر الدين انطلاقا من ما تعرفوا عليه في أسرهم الاسلامية وما يتلقونه من خطب ودروس الوعظ في المساجد وهذا كاف للتلاميذ في مجتمع إسلامي وعليه وجب حذف التربية الاسلامية بشكل نهائي وتعويض حصصها بما ينفع الناس في مسيرهم الدراسي من تكنلوجيا ولغات اجنبية اما الدين راه كبرنا فيه وسط أسرنا ونتعلمه في المساجد.

  • عبد الكريم سفير
    الجمعة 23 دجنبر 2016 - 10:52

    شكرا استاذ على حسك وتحليلك الموضوعي. لولا انك جانبت الصواب في قولك بان الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة وضعت الجميع في سلة واحدة. والحق أن عملنا بمدإ أدخلوا من أبواب متفرقة. ولم نتوجه في البيان لا للمؤلفين ولا للمدرسين ولا للنفتشين بأي نقد او عتاب او مؤاخذة بل حييناهم على رسالتهم التخليقية والتربوية التبيلة وكنا سعداء لتضامنهم معنا. هذا لاننا نعرف ان الدولة والوزارة هي من أشرت على الكتب وتتحمل مسؤوليتها وعليها ان تتحملها وقد حملناها اياها بلغة واضحة ومباشرة.
    مع تحيات الكاتب الوطني للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة.ذ.عبد الكريم سفير

  • محمد العيون - تاوريرت
    الجمعة 23 دجنبر 2016 - 12:07

    وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من تتحمل المسؤولية المباشرة في الجدل الذي طفى على السطح هذا الموسم، لانها من أشرت على هذه الكتب. وكتاب منار التربية الاسلامية يحمل عبارة لا اجتهاد معها وهي " مصادق عليه من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني.
    أما الذين يريدون اشعال فتيل الفتنة بين مدرسي الفلسفة ومدرسي التربية الاسلامية فلن يفلحوا لأن الرسالة التربوية مشتركة والهم مشترك والغاية كذلك مشتركة…

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات