من حياته في موت المشترك الوطني؟

من حياته في موت المشترك الوطني؟
الثلاثاء 14 يناير 2014 - 23:52

نكتة تلوك الألسنة العشرات منها في جلسات حميمية وخاصة دون أن يكون المراد منها، بالقصد الأول، إهانة أو احتقار شريحة أساسية من شركاء الوطن، تعتبر مثالا للاستقامة والجد والكد والادخار، تحسبا من عائدات الزمن الغدار، وحذرا من سوق الاستثمار الذي لا يعرف الاستقرار، والمهدد بالانقلاب، في أي لحظة، إلى حالة شبيهة بقانون الغاب، تسوغ للحيثان الكبيرة أكل الحيثان الصغيرة.

لقد أثبت شعار “الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود” فائدته الجليلة في فترات حالكة من التاريخ المغربي، ولو عملت به الحكومات المتعاقبة لما وصلت إليه معظم صناديق البلاد من إفلاس نتيجة تدبيرها للمال العام بمنطق “المال السايب” الذي أريد لصنابيره أن تصب في جيوب قلة متنفذة في دوائر القوة والسلطة.

لا شك أن جميع المغاربة يتمنون اليوم أن يعود المغرب سنوات إلى الوراء، ويعاد تسيير ماليته العمومية بمنطق التدبير السوسي، الذي يسكن مخيالهم الفردي والجمعي، ويعبر عن مكبوتهم السياسي-الاقتصادي، حسرة على ثروة وطنية، يفترض أنها مشتركة، لكن عاتت فيها القلة المحظوظة تبديرا وفسادا.

لسنا في معرض الانتصار لهذه القبيلة أو تلك، أو إحياء لنزعة عرقية مقيتة، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لزرع بذور المواطنة، التي تتعالى على كل الانتماءات الإثنية والعرقية والقبلية، وتنظر للإنسان بما هو إنسان، وتعامل الناس على هذا الأساس العقلاني، سواسية كأسنان المشط.

ولكن هالنا هذا الكم الهائل من مخزون القابلية للحروب الهوياتية القاتلة، المستعدة للذهاب إلى أقصى حد في معارك نحسبها جانبية وثانوية، حتى لا نقول وهمية، بالمقارنة مع معارك أخرى كبيرة وحقيقية يفترض أن تجمعنا جميعا، يدا في يد، ضد فلول الفساد والاستبداد، وبقايا التجزئة والاستعمار.

من أجل ذلك، نعتقد أن المبالغة في إعطاء ما بات يعرف بقضية “نكتة أبي زيد”، حجما أكبر من حجمها، واعتبارها معركة مقدمة على غيرها من المعارك التي يخوضها شعبنا من أجل العيش الكريم، لا تخدم أي مصلحة طرف من أطرافها.

فيكفي الذين وجدوا فيها نوعا من التحقير والإهانة أن الرجل تحلى بشجاعة الاعتذار، علما أن تاريخه الخطابي لا يتضمن أي نزعة عنصرية اتجاه أهل سوس العالمة، وله فيها أنصار ومحبون يتفاعلون مع مهرجاناته الخطابية، بشكل لا يقل حماسا وانبهارا، عن غيرهم من أبناء المناطق المغربية الأخرى، بنفس القدر الذي له خصوم ومناوئون من كل الجهات، وهو أمر عادي في مجتمع نريده أن يكون منفتحا على كل الآراء ووجهات النظر، طالما أن تدبير ما تفرزه من اختلافات يتم على أرضية وطنية وديمقراطية، تقر الحق في التعدد والاختلاف.

لقد سال مداد كثير حول هذه القضية، كان يفترض أن يسيل في الكشف عن جذور الاستبداد والتعرية على براثن الفساد، والتأسيس لنموذج مجتمعي ديمقراطي يحتضن نعمة الاختلاف وينبذ فتنة الاحتراب العرقي والاستقطاب الهوياتي.

هكذا أصبحنا نرصد يوميا، في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية أشكالا من التضخيم والتهويل، تهدد، إذا ما استمرت، لا قدر الله، بعواقب يصعب التحكم في مساراتها ومآلاتها المجهولة. فقد رسم بعضهم للسيد المقرئ الإدريسي أبو زيد، صورة العدو الأول للقضية الأمازيغية، بلغ حد تهديده بالقتل وتهديد إحدى بناته بالاغتصاب، وهو الرجل الذي ينحذر من قبيلة تقول كل الروايات التاريخية أنها قبيلة أمازيغية تعربت، في ظروف التفاعل والتثاقف التاريخي بين مختلف مكونات الشعب المغربي.

وفي الجهة الأخرى، كثرت كتابات وحملات التضامن مبلغا من الشحذ والحشد، نعتقد أن الوقت قد حان للتخفيف من حدته إلى أقصى حد، لأن استمراره سيصب في مصلحة قوى حريصة صب الزيت في نار الفتنة الحارقة.

فيكفي ما رسمته بعض أقلام المعجبين بأبي زيد، من صورة “المفكر الألمعي”، “والمجدد الفكري”، الأشبه ب”المعلم النبي”، وغيرها من الأوصاف والصفات التي لا يمكننا، إلا أن نعاملها كوجهات نظر نقبلها ونحترمها مهما اختلفنا مع أصحابها، ولكن نستنكر ما تخللها من ألوان من التشكيك والتخوين، في كل من انتقد أبا زيد بسبب “النكتة اللعينة”، أولم يطف إلى جانب المدافعين عنه، عملا بمقولة من “ليس معنا فهو ضدنا” !.

حاصل القول أن الأزمة المفتعلة، من الجانبين المتعاركين، بينت ما ينتظرنا من استحقاقات ثقافية وسياسية؛ حيث على المثقفين بذل مجهودات كبيرة على طريق مواجهة ثقافة القطيع والأتباع والأشياع، التي تتغذى من النبذ والإقصاء، القائم على مبدأ “أنت لا تفكر مثلي إذن فأنت عدوي” !؛ كما ينتظر من رجال السياسة، أن يتصرفوا بمنطق رجال الدولة، ويركزوا اهتمامهم على الأولويات الوطنية في التحرر والانعتاق والديمقراطية والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية.

لكن وبما أن مشهدنا الوطني يتميز بسلبية غير مسبوقة من طرف جل المثقفين، الذين غادروا ساحة النضال الوطني إلى ساحات الاسترزاق على موائد السلطة والمال، كما يعرف حالة تمييع من طرف “سياسيين” من الدرجة الدنيا، ولا علاقة لهم بالسياسة، كفن نبيل لمعالجة أمراض الواقع، بل هم يشكلون جزءا لا يتجزأ من أمراضه المزمنة والمتعفنة.

أمام هذه الأجواء لم يتبق لنا سوى التعويل على أولئك الربيعيين الذين تنادوا في العشرين من فبراير، في السنة الأولى، من العقد الأول للألفية الثالثة، التي نقترب من ذكراها السنوية، إلى الالتقاء من جديد، لدق ناقوس الخطر مما يهدد معركة الانتقال الديمقراطي من معارك للإلهاء هدفها الأول والأخير قتل مشتركنا الوطني.

‫تعليقات الزوار

5
  • الخلاقي حمادي
    الأربعاء 15 يناير 2014 - 01:37

    النفاق وما أدراك ما النفاق؟ ظاهرة أصبحت جزءا من حياتنا- ظاهرة المناصب ظاهرة المنافع ظاهرة التملق -. النفاق يتجسد بالدعايات الكبيرة وشكر و تمجيد و تقديس شخصيات معينة لاعتبارات ذاتية بحجة إننا نقدر ونجلهم -بات النفاق امراً طبيعياً عندنا وأسلوب حياة، و صار الصدق مرفوضاً وعملة نادرة!.فليس كل ما يلمع ذهباُ.- كم نحتاج الى الجرأة والمصداقية والمواجهة العنيدة ومحاربة كل مظاهر النفاق وإجتثاثه من جذوره . لقد اّن لمجتمعنا النهوض من سباته بالتنوير والتثقيف والتوعية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة بهدف التخلص من العادات الاقطاعية التقليدية والظواهر الاجتماعية الضارة والعمل على بناء حياة مدنية عصرية على أسس جديدة يحكمها العقل والتفكير العلمي وقائمة على الصدق والنقاء والقيم الاخلاقية الحضارية الصحيحة – حتى ان تتبعنا منطق "تجار الدين": الم يفضح الله ذلك العنصري المتخفي في عباءة التدين المزيف؟

  • من السمارة
    الأربعاء 15 يناير 2014 - 02:57

    "هدفها الأول والأخير قتل مشتركنا الوطني" : ما هو هذا المشترك آ أستاذ؟

  • المأزق المغربي
    الأربعاء 15 يناير 2014 - 08:13

    المأزق الامريكي انه عنوان بحت اجتماعي أمريكي شهير عن علاقة السود والبيض في بلاد العام سام ،حيت ان كل اجتماع يشمل ملونين ينتهي بمحاكمة لأحدهما،الأبيض لا يستطيع ان يقول عن الأسود اسود بل اسمر ،اي احتجاج من الأسود امام الأبيض يفهم على انه من سلبيات الماضي ،اكتر مجرد المصافحة او الفاء التحية بينهما هي مفاوضات سلم او حرب ،وكدلك الحال بيننا في المغرب ،نشترك تاريخا ودينا ووطنا ،نقطة الى السطر ،لا نشترك اي لغة سطر عليها بالأحمر ،لا نشترك تقويما سنويا تقويمنا فلاحي ،قلتم وهمي عرقي دلك شأنكم ،لسنا عرقا اخر بل قومية اخرى ليست لنا أساطير مشتركة ،لا عودة الى الدساتير السالفة دساتير الوحدة والتوحد ،بل دساتير الاختلاف ،لا نريد احتراما من احد لتقأفتنا المتواضعة بل نريد قوانين تصونها ،ليس السؤال هو الى اين يتجه المغرب ،ببساطة انه يتجه الى تنائيته القومية او العرقية او الاتنية او الشعوبية ،،،اختاروا ماشئتم من مصطلحات سياسية ،دينية ادبية تاريخية ما فبل غلمية ،اما مأل متقفوا البعد الواحد ان لم نقل اللغة الواحدة فسيجدون دائماً من يستمع اليهم في مغرب الغد ولكن فقط واحد من اتنين من المغاربة،

  • AMANAR
    الأربعاء 15 يناير 2014 - 10:28

    أكبر مشترك وطني هو الهوية المغربية،أليس كذلك يا أستاذ؟
    إذن على هؤلاء الدين يطعنون في الهوية الأمازيغية للمغرب أن يظهروا غيرتهم على المشترك الوطني ويعلنوها جهارة أنهم مع احترام مختلف الأبعاد الهوياتية للمغرب وأولها الأكثر أصالة وهي الهوية الأمازيغية عبر الدفاع عن إصدار القوانين التنظيمة للأمازيغية ورفع الحيف عنها وعن مختلف المناطق الأمازيغية والتاريخ والثرات الأمازيغي.
    أما ونحن نرى كيق يستمر الإستيلاب المشرقي للهوية المغربية بدعوى الإسلام ثارة وبدعوى القومية العربية ثارة أخرى ويتم تدمير هذه الهوية رغما عن كل القوانين الإنسانية ثم يستزاد بعد ذالك بالسخرية من الأمازيغ أمام بدو المشرق ثم يستمر المسلسل عبر بعث نبي جديد إسمه بوزيد وسبغه بأوصاف لم تصف به الكتب السماوية أيا من الأنبياء والمؤسلين فهذا يؤكد صحة فهم المنتفضين ضد هؤلاء ولا يزيدهم إلا إصرار على طرح قضيتهم وفضح المستلبين وخططهم لمحق ثرات وهوية المغرب وإحلال هوية مشرقية بدلها وأولى محطات الإصرار هو ضرورة محاكمة بوزيد عما صدر منه وسن قوانين تجرم العنصرية والتكفير في هذا البلد الذي كان عبر التاريخ مستقلا عن المشرق وأكثر انفتاحا منه.

  • الجيلالي الدكالي
    الأربعاء 15 يناير 2014 - 21:41

    نعم هي حروب على الهوية من الآخر
    والمهزوم فيها من لا هوية له
    هتلر ذكر في ( كفاحي ) أنه كان لا يلبس اللباس النمساوي ولا يغني الغناء النمساوي وهو في طور التعليم الثانوي وكان يحرص على فعل ذلك كله بالجرمانية لأنه يعتقد أن النمسا ليست وطنا وإنما هي جزء من المانيا ..
    والتاريخ شاهد
    لكن الحفاظ على الهوية لا يقصي باقي الهويات وهو مبدأ التنوع في إطار الوحدة ( الوطنية ) لكن مشكلتنا اليوم : أنني أعتبر الآخر أخا لي بينما الآخر لا يعتبرني أخا له ؟ يعتبرني دخيلا أعرابيا قادما من الصحراء
    أستاذي ( الحري ) أنا اقتنعت أن الأمازيغي أخي فأقنع الأمازيغي بأني أخوه
    لك مني أجمل تحية استاذي الفاضل وشكرا لكم على هذا الطرح البنائي الجميل .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة