هكذا أطمرت كتب التاريخ قصبة "دار بن مشعل" الأثرية في بني يزناسن

هكذا أطمرت كتب التاريخ قصبة "دار بن مشعل" الأثرية في بني يزناسن
صورة: أرشيف
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 03:00

يتحدث الباحث عبد الله لحسايني عن الجدل التاريخي المرافق لقرية “دار بن مشعل” ببني يزناسن، حيث يؤكد أن زحزحة الجغرافيا أدت إلى طمر قرية أثرية من كتب التاريخ، وهو ما عبر عنه بالقول: “المعطيات المتعلقة بالقرية المذكورة متضاربة حتى في نفس المرجع، لكنها أيضا متفرقة، ما يجعل فكرة المقابلة بينها حلا أمثل لاستخلاص المعطى الأقرب للواقع. كما أن أسلوب الرواة الذي تنقصه الدقة، خصوصا الجغرافية، جعل كتابات المتأخرين تتناقض في تحديد هوية القرية بين من يعتبرها قصرا أو منزلا أو حتى شخصا، فضلا عن سوء تحديد منطقتها الجغرافية”.

وشدد الباحث، ضمن هذه المقالة التي خصّ بها هسبريس، على أنه “بتجميع القرائن المثبتة في كتاب الأسير الفرنسي مويت، والخريطة التي تحصل عليها الباحث الفرنسي دوسينيفال، وبوجود عوائل لا تزال تلقب باللقب العائلي “مشعل” أو “لشعل”، فالشك يؤول إلى العدم في كون قصبة “سيدي بوزيد” الحالية بمنطقة بوغريبة هي قصر لقرية “دار بني مشعل”، وأن اسم دار هنا لا يعني المسكن تماما كما هي قرى ومدن تبدأ تسمياتها بمفردة “دار” كـ دار الكبداني ودار بوعزة والدار البيضاء وغيرها من مدن المملكة المغربية المسماة بهذا الوصف”.

وخلص المتحدث، في ختام تشريحه التاريخي للحدث، إلى أن “قصبة دار مشعل هي قرية أثرية لا توجد إلا في منطقة بني يزناسن المحيطة بمدينة بركان شمال شرق المملكة المغربية، والمنطقة المقصودة هي قصبة سيدي بوزيد بين الجبال قرب بوغريبة ضواحي قرية أكليم بإقليم بركان”.

تجدون المقالة كاملة:

يسود اعتقاد مسبق عند قراءة التاريخ، بصحة ودقة ما يُقرأ من أحداث في كتابات المؤرخين، خصوصا حين يتعلق الأمر بمتقدمين عاشوا فترات لا نعلم عنها الكثير، فنتمسك بسرديتهم كما يتشبث الوليد بصدر الأم. والواقع أن تأثير البعد الزماني عن الكتاب والكتاب يضفي عليه شكلا من القداسة غير المبررة، بحيث ينجو في أحايين كثيرة من حاجز المراقبة والتمحيص علمي والنقد الموضوعي.

إن الحالة العاطفية أمام محراب الكتب القديمة مردها أيضا إلى تخيل سائد مفاده أن الماضي حزمة واحدة يغرف منه الماضون، والواقع أن للماضي ماض سابق لم يعشه المتقدمون الذين قد يحطب عنهم المؤرخون المتأخرون وكأنهم ينقلون عن شاهدي عيان.

يضاف على فريضة التحقق من أنباء المؤرخين واجب التدقيق في صحة رقن مخطوطاتهم والحرص على تطابق الكتابة الحديثة مع ما كان في بطون الكتب المخطوطة. والدليل على أهمية تحقيق تحقيقات المخطوطات ما سبق وأشرنا إليه مما اعترض كتابا لابن خلدون من حذف لفقرة كاملة من المخطوطات لكونها تتحدث عن معلومة لا تروق التيار الفكري السائد.

زحزحة الجغرافيا أدت إلى طمر قرية أثرية من كتب التاريخ

ونحن اليوم بحديثنا عن اختفاء القرية الأثرية اليزناسنية من التاريخ نقارب مستوى ثالثا من الدراسة والتدقيق في مضامين المعطيات المتداولة في كتب التاريخ التي يعتبرها معظم الدارسين أمهات الكتب والمصادر، واعتمدها مؤرخون اليوم في تدويناتهم. إذ إن المعطيات المتعلقة بالقرية المذكورة متضاربة حتى في نفس المرجع، لكنها أيضا متفرقة، ما يجعل فكرة المقابلة بينها حلا أمثل لاستخلاص المعطى الأقرب للواقع. كما أن أسلوب الرواة الذي تنقصه الدقة، خصوصا الجغرافية، جعل كتابات المتأخرين تتناقض في تحديد هوية القرية بين من يعتبرها قصرا أو منزلا أو حتى شخصا. فضلا عن سوء تحديد منطقتها الجغرافية.

ابن مشعل الدار واليهودي في كتب التاريخ

يحكي الكثير من الباحثين في مقالاتهم التاريخية عن اسم ابن مشعل كشخص يهودي من تازة له أموال ونفوذ، بل يذهب بعضهم إلى أنه كان يريد إنشاء إمارة يهودية – صهيونية في المغرب. يقول المؤرخ عبد الهادي التازي في مقاله “الدولة العلوية وإقطاعية بن مشعل”: “…. في جملة أولئك الإقطاعيين الذين لم يروا من يأس في الدعوة لأنفسهم أقول في جملتهم هرون ابن مشعل اليهودي في قصبته التي لا تبعد عن تازة إلا بنحو إثني عشر كيلومترا”، ثم يضيف: “كان من الجائز أن تسلم البلاد إلى “دولة إسرائيلية” في ذلك الوقت… نعم، إن دولة إسرائيل كانت بالفعل على وشك أن تقتحم تازة…”.

لكنه منتقدا تحقيق المستشرقين في حقيقة وهوية بن مشعل يقول: “نحن لا نريد في هذه الكلمة القصيرة أن نسافر بكم إلى بسيط أنكاد وجبال بني يزناسن، ولا أن نرجع بكم في التاريخ إلى زمن موسى ابن أبي العافية لنقف على جد ابن مشعل”، وكـأنه أمام دلائل تطعن في هوية بن مشعل- الشخص- التازية حاول التوفيق بنسبته أجداد “بن مشعل” لبني يزناسن.

وهنالك تحليل للباحث عبد الإله بسكمار في مقال له حيث جمع أغلب المصادر والمراجع التي تتحدث عن توطين “بن مشعل”، واعتبر أن يزناسنية هذا اليهودي مجرد رواية شفهية تفرد بها رواة يزناسنيون؛ لكنه هو الآخر حاول التوفيق واعتبر وجود إمارة يهودية بتازة ممتدة إلى حوض ملوية وتريفة أي منطقة بني يزناسن.

إن هذا التخبط في مقاربة حدث واحد والتناقض الذي اعترى هويته (شخصية يهودية أم قصبة أم زعيم يهودي) وجغرافيته (يوجد بتازة أم بمسافة 12 كلم عن تازة أم ببني يزناسن) سببه المؤرخون الأوائل الذين لم يعايشوا الفترة، بل جاؤوا بعد عقود كثيرة من الحدث وإن كانوا يتحدثون عن نقلهم من مصادر كتابية – تقييدات – فهم لم يكشفوا عن مصادرهم بشكل واضح، ما قد يوحي باستعانتهم أو مصادرهم بالروايات الشفهية التي من مميزاتها التناقض والضبابية والانحياز.

لهذا حاولنا دراسة الموضوع دراسة متأنية مستعينين بالمصادر التاريخية الأقرب الحدث مع مقارنتها بالمعطيات التي وضعها المؤرخون المغاربة محاولين فهم سبب التضارب وانعدام الوحدة في أهم معطى في هذه القصة، ألا وهو هوية ومسمى الاسم “بن مشعل”. وموضوعنا المدروس الوحيد هنا هو “بن مشعل المنطقة”، رغم تطرقنا لواقعة مقتل يهودي من اليهود الأثرياء، التي لا تتعارض مع كون بن مشعل منطقة جغرافية قد ينتمي إليها اليهودي أو قد لا ينتمي.

مقتل اليهودي

نبدأ بأهم مرجع – يعتبره أغلب المشتغلين على التاريخ المغربي مصدرا رغم تأخره عن الفترة التي أرخ لها بعد حوالي قرن، فقد كان مولده سنة 1124 بينما كانت آخر كتاباته في هذا المؤلف، أي نشر المثاني سنة 1180هـ بينما وقعت الحوادث سنة 1074هـ .

ففي هذا المرجع الذي زرع الالتباس حول ظاهرة ابن مشعل يقول المؤلف القادري: “وفي حكيه عن مقتل اليهودي يقول صاحب نشر المثاني: “فبينما هو مقيم عنده – أي المولى الرشيد وهو مقيم عند الشيخ اللواتي- إذ رأى رجلا بهيئة من خيل وأتباع ومماليك. وهو يصطاد كهيئة الملوك، فسأل عنه من هو؟ فقيل ابن مشعل من يهود تازا…فاقترح عليه أن يعطيه خمسمائة أو نحوها من إخوانه الأبطال ليفتك باليهودي… فتواعد معهم على أن يدخلوا تازا خفية متفرقين ويلحقوا به بحوز دار ابن مشعل وهي على نصف مرحلة من تازا شرقا في البيداء أو أزيد من ذلك. ثم تقدمهم إليها واستضاف اليهودي ابن مشعل فأضافه… واحتال حتى اتصل باليهودي في خلوته فبطش به وقتله… فاستولى على دار اليهودي وأخرج منها أموالا عظيمة”.

نستخلص من حكي القادري أعلاه ما يلي:

– أن ابن مشعل شخصية يهودية من يهود تازة. رآه المولى الرشيد فلحق به مع رجاله في مقره شرق تازة في الصحراء بحوالي مرحلة أو أكثر. أي إنه بعيد عن تازة نحو الشرق بمسافة لا يمكن للكاتب تحديدها وليست قريبة، وهي التي اعتبرها المؤرخ التازي 12 كلم.

– أنه يسكن بدار ابن مشعل.. يفهم من السرد أنها داره التي استولى عليها وعلى كنوزها المولى الرشيد في الأخير.

لكن بتجميع الفقرات التي تتحدث عن مكان هذه الدار أي المنزل كما يتبادر للذهن ودائما من نفس المرجع نشر المثاني سنجد ما يلي:

يقول القادري: “وذكر لي بعضهم مما هو شائع عند بني يزناسن أن اليهودي المذكور كان بدار له متحصنا بجبالهم، وهم محزبون عليه، فمازال المولى الرشيد يلاطفهم في أمره حتى فهم اليهودي أنهم قد أسلموه، فنزل إليه بهديته، فقبض عليه وقتله ودخل داره واستخرج ما فيها من أموال”. أي أن هذه الدار أو المنزل موجودة بجبال بني يزناسن وليس بتازة. وجبال بني يزناسن توجد شرق تازة كما يذكر المؤلف وعلى مسافة تفوق 200 كلم تقريبا. وبتجميع الروايتين نستنتج أن تسمية تازة هنا ليست دقيقة بالمرة وربما يقصد الراوي أقرب منطقة معروفة له. فإن كان بفاس أو مكناس وأراد التوجه لبني يزناسن فسيأخذ طريق تازة. وبالتالي يطرح هذا التناقض التساؤل مجددا عن هوية هذا اليهودي وما إن كان من تازة أصلا.

بن مشعل اسم لليهودي؟

تقول الرواية السابقة للقادري إن اسمه ابن مشعل: “فسأل عنه من هو؟ فقيل ابن مشعل من يهود تازا”، لكن بتجميع الروايات مع بعضها من جديد نجد أن دار ابن مشعل هذه موجودة قبل عقود من هذه الحادثة ومعروفة كمعلمة ومنطقة تأتي إليها الشخصيات السياسية. يقول القادري حاكيا عن سنة 1017هـ، أي حوالي ستة عقود قبل وقوع حادثة مقتل اليهودي:

“يوم الخميس 27 من شوال عام 1017 – 1608-1609 م …فانهزم السلطان عبد الله وفر إلى محلة أبيه على العرائش ثم رجع إلى فاس…وانتهى إلى دار ابن مشعل من بلاد بني يزناسن”. فمن جهة لا وجود لذكر تازة في معرض الحديث عن دار ابن مشعل كما أن السلطان المذكور فر للمدن والقرى ومنها إلى دار بن مشعل. فهل يعقل أن تكون دار بن مشعل مجرد منزل فخم ليهودي في الوقت الذي يقارنها الراوي في هذه الفقرة بالمدن التي يفر إليها الملوك؟. من جديد نحن أمام تأكيد أن بن مشعل ليس اسم اليهودي المقتول بل هو اسم لمنطقة كباقي المدن يستطيع أن يلجأ إليه الساسة هربا من الهزائم.

وفي فقرة أخرى من نفس الكتاب -للقادري- يوضح الكاتب طبيعة “دار بن مشعل” ويؤكد على أهميتها كمنطقة جغرافية بعيدة، وليست مجرد منزل أو قصر لشخصية ثرية. فيقول: “وفي بعض المقيدات أن مولاي مَحمد لما وصله أن أخاه مولاي الرشيد بويع ببلاد أنكاد والدهرة وتافرطة ومسول وزناتة وملك دبدو ودار ابن مشعل وكارت والريف حرك بمن معه… فالتقى الجمعان على دار ابن مشعل ….ودفن بدار ابن مشعل”.

ويقول أيضا: “خرج –المولى الرشيد- من تافلالت … إلى تدغة….ثم إلى دار ابن مشعل. وسيأتي أن وصوله دار ابن مشعل كان عام 75”. نجد بوضوح هنا أن الكاتب حين يستند إلى مصادر مكتوبة – بعض المقيدات – يؤوب إلى السردية المنطقية والتي حكاها المستشرقون المعايشون للأحداث، أي كون المولى الرشيد أخضع مناطق ومدن من بينها منطقة دار بن مشعل، فأي عاقل يستطيع أن يقول إن الموضوع يتعلق بمنزل أو قصر؟. كما أن ترتيب المدن الخاضعة لسلطة الرشيد توحي بتقاربها الجغرافي، ما قد يعطي إشارة إلى المكان الذي توجد به منطقة دار بن شعل، وهو حسب المقتطف السابق بين دبدو وكارت والريف:

والمقتبس أعلاه يذكر ما هو أكثر فمنطقة دار بن مشعل كانت عاصمة ثورة المولى الرشيد في مرحلة أولى، حيث لحقه أخوه لدار بن مشعل وهناك لقي حتفه بل ودفن حسب بعض الروايات. كما أن التأكيد على هذه المنطقة وإضافة تواريخ مدققة يشي بأهميتها الإستراتيجية في هذا النزال.

رواية أخرى لمؤرخ معتمد كمصدر لدى أغلب الكتاب المعاصرين رغم أنه لم يعايش الأحداث، يتعلق الأمر بالمؤرخ الأفراني الذي كتب “النزهة” في 25 محرم 1139 هجرية؛ أي بعد حوالي سبع عقود بعد الحادث. نقتبس من كلامه عن موضوع بن مشعل ما يلي: “إلى أن أدته – المولى الرشيد- خاتمة المطاف إلى قصبة بن مشعل فوجد بها يهوديا من أهل الذمة له أموال طائلة وذخائر نفيسة وله على المسلمين صولة واستهزاء”.

فالأمر يتعلق إذن بقصبة كما هو حجم ومفهوم قصبة مكناس الإسماعيلية أو قصبة وجدة أو غيرها. المكان الذي أطلق عليه اسم “دار” هو في حقيقته قصبة بمعنى مدينة محاطة بأسوار. وقد حاولنا تفادي النسخة المطبوعة لهذا الكتاب واعتمدنا أحد مخطوطاته لأن هدفنا الاطلاع على شهادة يدوية من تلك الفترة تتحدث عن هوية المسمى.

مدينة دار بن مشعل

إن الروايات المغربية التي يشوبها عدم الدقة تبدو بالتمحيص ناحية نحو يزناسنية منطقة دار بن مشعل. لكنها ظاهريا وبقراءة متعجلة مائلة نحو تازية منطقة دار بن مشعل. وهذا ما اعتمده بعض المؤرخين المرموقين للأسف كالمؤرخ عبد الهادي التازي ربما تلبية لميولات حب الموطن لديه، أو لإضافة موقع قدم لتازة مدينته في تاريخ نشأة الدولة العلوية. لكن التاريخ لا يأبه بالميولات الشخصية للأفراد مهما علا قدرهم، كما أن حب الموطن لا يبرر تزوير التاريخ وزحزحة الجغرافيا.

ولتبيان هذه الكارثة التأريخية ولتدعيم الحجة نستشهد بمصادر كانت عبارة عن شهادات لشخصية قريبة جدا من فترة الواقعة، وخصوصا كتابات الأسير الفرنسي جرمان مويت الذي نشر كتابه بباريز سنة 1683 لكنه جمع مادته بفاس في فترة أسره بين 1670 و1680؛ أي بحوالي 15 سنة من واقعة الرشيد واليهودي؛ وبالتالي فهو أقرب بكثير من كل المراجع السابقة، كما أنه عكس المؤرخين المحليين عرف بمصدره وهي شهادة الطالب بوجيمان الذي كان في صلب الحراك السياسي وتحت سلطة أحد الباشاوات، كما أنه شخصية مثقفة ومدركة لمجريات الأمور.

اليهودي المقتول في سردية الأسير

بالفعل يتحدث الأسير مويت عن أن المولى الرشيد اقتحم قصر دار مشعل بذريعة زيارة حاكم المنطقة لإطلاعه عن الكنوز، ثم يذكر أن الرشيد أخذ من تاجر يهودي يسكن بالقصر ما قيمته 200000 مثقال، لكنه لم يشر إلى مقتل اليهودي بل إلى مقتل حاكم منطقة دار بن مشعل.

من السردية نفهم أن الموضوع يتعلق بشخصيتين اثنتين، الحاكم وقد لقي مصرعه واليهودي التاجر، الذي يسكن بالقصر أيضا. مع الإشارة إلى أن الكاتب لم يشر إلى مقتل اليهودي بل الحاكم؛ مع التأكيد أنه لم يشر إلى ديانته، ما يرجح احتمال كون حاكم منطقة دار بن مشعل وساكن قصرها هو شخصية مغربية مسلمة. كما أن اسم اليهودي التاجر ليس مذكورا بالمرة.

لكن رسالة قريبة من الحدث لأحد البريطانيين نشرت سنة 1669 القصة مع تضارب يشبه تضارب الرواة المحليين؛ فتقول إن أحد اليهود التجار ويسمى “دار بني مشعل Darbinmeshaal ” لقي مصرعه وتم الاستيلاء على كنوزه من طرف المغاربة. ويبدو أن الرسالة رغم قربها من الحدث زمنيا إلا أنها أطلقت اسم دار بن مشعل على اليهودي، وهذا ما يؤكد أن اسم اليهودي ليس “بن مشعل” مطلقا وأنه فعلا ينتمي لمنطقة دار بن مشعل.

دار بن مشعل في الجغرافيا حسب سردية الأسير الفرنسي

في كتابه تاريخ فتوحات مولاي رشيد يعنون الكاتب مويت فقرة تتحدث عن مبايعة الشيخ اللواتي للمولى الرشيد بأنها مبايعة من قبل أعراب دار مشعل. فقد اعتبر الكاتب هذا الشيخ كزعيم لأهم الأسر عوائل ساكنة “دار مشعل”، وقد كان مرفوقا بشيوخ آخرين يتزعمون عوائل هذه المنطقة أي “دار مشعل” دائما حسب الكاتب.. مع التنويه إلى أنه يكتب اسم المنطقة بـ”دار مشعل” وليس بن مشعل كما يسجل المؤرخون المغاربة.

وفي حديثه عن الثورة التي قام به المولى الرشيد على “علي سليمان” حاكم كيفيانا بعد مبايعة الشيخ اللواتي ومن معه له – أي للرشيد -، ما يسمح لنا بإعادة التراتبية الإدارية في حكم المنطقة الكبرى، التي تسمى “مدينة” Quiviana كيفيانة، فتكون منطقه “دار مشعل” هي قرية تقع ضمن نفوذ مدينة كيفيانة ويحكم المدينة علي سليمان بينما يتزعم قرية “دار مشعل” حاكم لم يذكر الأسير اسمه. كما أن هنالك مجموعة من الزعامات العشائرية لهذه القرية من بينها زعامة الشيخ اللواتي.

وفي فهرس العوائل والعشائر المذكورة في نفس الكتاب يتحدث الكاتب عن Alcaladya ويقول إنها قريبة من مليلية. وبتلخيص للمعطيات السابقة فمدينة كيفيانة تقع إذن ضمن كلادية التي توجد قرب مليلية. وبتصويب بسيط Alcaladya بحذف d لاحتمال وقوع خطأ مادي في الرقن نحصل على اسم Alcalaya، نجده يتحدث عن القلعية أو ما يسمى اليوم إقليم الناظور والمحاذية فعلا لمليلية؛ وبالتالي تكون Alcaladyaهي القلعية التي تكتب في الوثائق الإسبانية Kelaia؛ كما أن كيفيانة هي كبدانة لأن V بالإسبانية تنطق شبه باء، وهي مازالت في الخرائط الإسبانية تسمى Ras Quiviana.

هذه التسمية- أي Quiviana كانت متداولة في كتابات الأوروبيين الذين زاروا المغرب، فنجد السفير بيد ودي سانطولون يتحدث عنها أي كيفيانة كوجهة أولى للمولى الرشيد بعد خروجه من الزاوية الدلائية. فهل توجد قرية بن مشعل في منطقة كبدانة؟.

يوحي الكاتب بأن الشيخ اللواتي الذي زاره المولى الرشيد، والذي يوجد بدار مشعل، يوجد على مسافة من مدينه كبدانة تسمح بتنقل الجيش والجواسيس للاستخبار؛ لكنه يعتبر دار مشعل ضمن منطقه كبدانة أو على الأقل منطقه نفوذها، وقد شرح وفصل أكثر في جانب فهرس العوائل حين قال إن “اللواتي” العشيرة توجد مع عائلة Linguet لنكط -والتي أولها الباحث بيار دو سينيفال بأنها أهل انجاد- والتي تلفظ في النطق الدارج “هَلْ اَنْكاد” وتوجد مع عشيرة ولاد الحاج.

فهل في كبدانة أنجاد؟ أم نحن نتحدث عن منطقة قد تضم أو تُحد بأنجاد وولاد الحاج واللواتيين؟. يجب – للبحث عن قرية دار مشعل – التنقيب في منطقة قد تمتد من كبدانة إلى ضواحي وجدة حيث توجد أنجاد. ويضيف الكاتب الفرنسي أن السلطان وبعد رفع حصاره على تازة ذهب إلى إقليم قلعية، هنالك التقى بأبناء الشيخ اللواتي وتملك قصر دار مشعل … فسيادة القصر تعني الاستيلاء على مركز الحاكم وبالتالي على كل القرية. وفي الفقرة تأكيد على الفصل بين تازة وإقليم قلعية “حيث يوجد قصر دار مشعل”، وبالتالي أين توجد منطقة دار مشعل؟.

لقد اعتمدت الخرائط في تلك الفترة على المعطيات المتضمنة في كتابات المؤلفين، لهذا نجد أخطاء كبيرة في كيفية وضع المناطق، فقد تمت إزاحة كبدانة لمسافة شاسعة جنوبا؛ وبالتالي تم وضع منطقة دار مشعل بمحاذاتها في المكان الخاطئ. لكن هذه الأخطاء الجغرافية تؤكد النتيجة التي خلصنا إليها ولا تنفيها، لأننا بتحويلنا لمنطقة كيفيانة أي كبدانة إلى مكانها الحقيقي في الخريطة ستظل منطقة دار بن مشعل لصيقة بها، وهو ما يوجد فعلا، إذ إن بوغريبة ضواحي أكليم، والتي تضم قصر بن مشعل المسمى اليوم على اسم ضريح سيدي بوزيد، بوغريبة هذه توجد في مقابل كبدانة ويفصل بينهما نهر ملوية فقط.

وحسب الوثيقة التي عثر عليها الكونت دوكاستري في الأرشيف الاسباني والمؤرخة بـ15 سبتمبر 1595 فموقع دار بن مشعل « Dar beni Mixad » قرية كبيرة بين تلمسان ومليلية على بعد 20 ميلا من مليلية. وفي المكان المذكور على تراب بني وريمش على بعد حوالي عشر كلم جنوب شرق بركان وعلى بعد 70 كلم من مليلية توجد خرائب دار بن مشعل على منطقة جبلية على الضفة اليمنى لواد بوعبد السيد حوالي 6 كلم عن قصبة بوغريبة نحو الجنوب. كما مازال لقب ولاد مشعل متداولا وربما هم متحدرون من ساكنة القصبة القدماء.

كما أن قصبة المولى إسماعيل ببوغريبة أسفل الجبال على بعد كيلومترات فقط ربما تكون سببا في خراب قرية دار بن مشعل على يد المولى إسماعيل. إذ يذكر القادري أن المولى إسماعيل اعتقل مائة شخص من بني يزناسن وأودعهم سجن مكناس في 28 رمضان سنة 1129 هـ الموافق لـ 1717م.

خاتمة

بالعودة إلى روايات القادري في كتابه نشر المثاني التي تتحدث عن منطقة دار مشعل قبل عقود عديدة من حادثة اليهودي وعن نسبتها في تلك الفترة لمنطقة بني يزناسن، وبإضافة الرواية الموازية التي ذكرها نفس الكاتب بعد سرده رواية مختلفة بما يفيد أن المنطقة توجد ناحية تازة، وباستذكار فقرة من كتاب النزهة للافراني التي تتحدث عن قصر وليس عن شخص مشعل ولتسمية اليهودي في رسالة الشخصية البريطانية القريبة جدا زمنيا من الحدث، والتي هي دار بني مشعل وليس فقط بن مشعل، ما يعني أننا نتحدث عن مكان وليس شخص.

وبتجميع القرائن المثبتة في كتاب الأسير الفرنسي مويت والخريطة التي تحصل عليها الباحث الفرنسي دوسينيفال وبوجود عوائل مازالت تلقب باللقب العائلي “مشعل” أو “لشعل” فالشك يؤول إلى العدم في كون قصبة “سيدي بوزيد” الحالية بمنطقة بوغريبة هي قصر لقرية “دار بني مشعل”، وأن اسم دار هنا لا يعني المسكن تماما كما هي قرى ومدن تبدأ تسمياتها بمفردة “دار” كـ دار الكبداني ودار بوعزة والدار البيضاء وغيرها من مدن المملكة المغربية المسماة بهذا الوصف.

نستخلص أن قصبة دار مشعل هي قرية أثرية لا توجد إلا في منطقة بني يزناسن المحيطة بمدينة بركان شمال شرق المملكة المغربية، والمنطقة المقصودة هي “قصبة سيدي بوزيد” بين الجبال قرب بوغريبة ضواحي قرية أكليم بإقليم بركان.

‫تعليقات الزوار

7
  • علال
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 04:25

    السلام عليكم ورحمة الله هناك قصر مطمور في بلد الزكارة عند مدخل قرية كنفودة من الشمال ولقد قرأت عليه في كتاب les enfants de l’oriental (Oujda) ولم يبق الاتجار على ضفة واد ايسلي فهل من مهتم بهذا التراث

  • علال
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 06:01

    عفوا نسيت ان اقول ان اسمه عاجا وقد كان أجدادنا يطلقون هذا الاسم = عاجا). =على الريح الباردة في الصباح الباكر و القادمة من هاته الجهة جنوب دوارنا =اولاد عمران = بالمهايو

  • تيزي ن تالغومت1
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 10:04

    1.

    اشارات سريعة على وجه السرعة والايجاز. مقالة مفيدة جدا في تسليط الضوء على جوانب غامضة من الخلطة التاريخية والجغرافية لبعض المناطق المغربية على الخصوص ذات الاهمية القصوى في فك طلاسم خريطة تطور الاحداث على امتداد المجال الوطني، وخصوصا في بعض الفترات التي انقطع عنها ضوء المعرفة او شح كثيرا. من هذة المناطق الممرات الجغرافية صعبة المرور للجيوش و السلع و المسافرين عامة، جميع الاماكن التي تبتدئ بعبارة تيزي / تازة التي تفيد في الامازيغية الممر الجبلي الضيق ومرحلة استراحة القوافل ومحطة الزطاطة بين مجالي نفوذ قبلي او غيره.

  • تيزي ن تالغومت 2
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 10:32

    2.

    ممر تازة وتيزي ن تاست (او تادست) و تيزي ن تيشكا وتيزي ن تالغومت، نماذج وغيرها كثير. المهم هنا هو عناصر الخلطة ما حضر وما غاب وما حرف هنا: 1. الأمازيغي المغيب ساكنة ولغة ومراجع شفوية. 2.اليهودي (وليس الصهيوني كما ورد في احدى زلات المقال). 3.سياق الافات مثل الزلازل والمجاعات والقحوط و الاوبئة. و هنا يجب تشجيع البحث الوطني للنبش في كثير مما خلفه المستعمر الفرنسي خصوصا لازاحة اسرار دفينة مثل ممر تازة و ممرات الطلس الكبير والصغير، من امثال وديان الزات (او زدات) وغودات ودمنات (التي تكرر ذكرها مؤخرا)، وافران الاطس الصغير و اطلال تامدولت نو اقا…

  • amin
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 16:27

    كم تأسفت على تحويل إسم شارع بني يزناسن في الرباط إلى شارع المهدي بن بركة ، هذه قبيلة عظيمة وطنية و هذا فرد لم يقدم شي حقيقي للمغرب

  • moha
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:03

    Que signifie ADDAR et THADDARTE en amazigh Rif?
    peut être ceci va vous permettre à résoudre l’énigme
    DAR # ADDARE
    c’est des région amazigh donc c’est fort possible que c’est le mot ADDAR qui doit être inscrit dans vos ressources documents.

  • moha
    الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:07

    A mon avis il faut chercher le nom MECHAAL dans cette région de AÏT Znassen et l’étude anthropologique de cette région

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية