هكذا يتجاهل القادة السياسيون توقعات ومخاطر الكوارث المستقبلية

هكذا يتجاهل القادة السياسيون توقعات ومخاطر الكوارث المستقبلية
الثلاثاء 19 ماي 2020 - 07:00

غالبًا ما يتم وسم الكوارث بأنها أحداث تأتي من فراغ، لكن معظم الكوارث كانت متوقعة على الأقل من قبل البعض، يعرف مدراء الكوارث والباحثون ما هي أكبر المخاطر ويمكنهم تخيل كيفية التعامل معها. ويرجع هذا جزئيًا إلى أن عديدين، كما يمكن أن تلاحظوا، يجيدون فعلًا تخيل الأشياء السيئة التي ستحدث بتفاصيل مؤلمة. ولكن الأهم من هذا هو أن هناك أعدادا كبيرة من الأشخاص الذين يدرسون علم الزلازل وعلم الأوبئة والأرصاد الجوية وعلم الاجتماع والمجالات الأخرى التي تتعامل مع المخاطر والكوارث. ويظهر غالبا كيف تم تصور الكارثة ونمذجتها بدقة مذهلة قبل وقت طويل من وقوعها. خذ مثلا إعصار بام، وهو تمرين محاكاة تم إجراؤه في “نيو أورليانز” قبل عام تقريبًا من إعصار كاترينا، الذي تضمن معظم المشكلات التي قد تسببها العاصفة الحقيقية، أو مشروع 2016 من قبل “تكساس تريبيون” و”برو بوبليك” وكيف تنبآ بالدمار الذي سيسببه إعصار “هارفي” عام 2017، أو زلزال “بالو” عام 2018.

الأمر نفسه حدث مع الأوبئة. لقد عرف العلماء منذ قرن على الأقل، منذ جائحة الأنفلونزا الإسبانية عام 1918، مخاطر المرض في عالم معولم حيث يمكن للفيروس أن يقفز من سوق قرية صغيرة إلى مدن كبرى متصلة (Métropolis) على الجانب الآخر من العالم في غضون أيام. وذكّر تفشي مرض السارس وإنفلونزا الخنازير الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات بوجوب تحديث خططها لإدارة الأوبئة والتغلب عليها. وأجرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية سلسلة من التمارين حول سيناريو الوباء في وقت سابق من عام 2019.

لذا، إذا كنا نعرف ما يدعو إلى القلق، فلماذا تبدو استجابة العديد من البلدان سيئة للغاية في التعامل مع الكوارث؟

الجواب الأول المهم هو أن العديد من هذه التنبؤات تساعد عمليا في مواجه الكوارث، خاصة في البلدان التي تأخذها على محمل الجد، فالخبرة المكتسبة من فيروس السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وأنفلونزا الخنازير جعلت دول شرق آسيا بشكل عام أكثر قدرة على مواجهة فيروس كورونا المستجد. فقد أظهرت توقعات إعصار “بام” وعيًا بما سيُحدثه من مخاطر في نيو أورليانز، بل وسلطت الضوء على مكامن المشاكل التي لم يفكر فيها المسؤولون، مثل صعوبة إجلاء الأشخاص الذين لا يملكون سيارات. لم يتم تجاهلها بالكامل؛ إذ وجد تقرير مجلس الشيوخ عن كاترينا أنه على الرغم من أن الخطط التي يتم تطويرها من خلال إعصار “بام” لم تنته في الوقت المناسب لكاترينا، “أخذ بعض المسؤولين المبادرة لاستخدام المفاهيم التي تم تطويرها في المسودات، بنجاح ممزوج”. المشكلة ليست في معرفة ما يجب فعله، وإنما في الفعل ذاته والاستعداد لدفع تكلفة ذلك قبل فوات الأوان.

إن المشكلة غالبا، كما يوضح مثال إعصار كاترينا، تكمن في التدخل الناجع في الوقت المناسب. لأنه في الوقت الذي نعرف الكثير عن الكوارث المحتملة: أين ستحدث؟ وماذا ستخلف؟ وما هي الكوارث التي ستكون أكثر تأثيرا من غيرها؟ فإننا لا نعرف متى ستقع.

نتوقع الكوارث وفق احتمالات غير مفهومة أو نطاقات غامضة على مدى عقود أو حتى قرون، مثل “فيضانات 500 سنة”. وقد دفع عدم اليقين هذا صانعي القرار إلى تأجيل الاستعداد للكوارث، التي أظهرت الدراسات أن لها عائدًا كبيرًا على الاستثمار في توفير الوقت والمال أثناء الاستجابات الناجعة. يمكن للقادة أن يأملوا بعقلانية إلى حد ما أن الكارثة المتوقعة ستضرب خلال فترة ولاية شخص آخر فيوجهون الميزانيات المرصودة لها نحو أهداف أكثر وضوحًا.

ومع ذلك، لا يتعلق الأمر فقط بالأموال. فبالنسبة للعديد من الكوارث، يعني الإعداد الفعال اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية: إخبار الناس بأنهم لا يستطيعون البناء أو العيش في سهول الفيضانات أو على الساحل، وإعطاء الأولوية للأراضي الرطبة على الصناعة، وتقييد التنقل… أخبرني مدير الطوارئ من كيسنوما باليابان، حيث تسبب النفط المتسرب من خزانات الوقود بالميناء في حريق جد مدمر في أعقاب كارثة تسونامي عام 2011، بأن الأمر لم يقتصر فقط على تجاهل اختصاصاته الولائية في هذا الخطر، بل واصلت خزانات النفط عملها بمحاذاة ساحل اليابان. ورغم معرفتها بحجم خطورة ذلك، ظلت الحكومة مترددة في تقييد هذا النشاط الاقتصادي.

هذا أسطع وأصدق مثال عن الكوارث المتوقعة وتغير المناخ. نعلم ما يتعين علينا القيام به، أو ما يتحتم علينا التوقف عن فعله لمواجهة التهديد، ومع ذلك فإننا نتظاهر بأن هذه ليست مشكلتنا، وأنه يمكن تركها إلى وقت لاحق، ويمكن أن يقوم شخص آخر-سواء في بلد آخر أو جيل قادم-بالتغييرات الضرورية ودفع تكاليفها بالدولار أو بالقلق وغياب الراحة. تظهر إحدى الدراسات أن دولارًا واحدًا يتم إنفاقه على التأهب للمخاطر يخفف ما متوسطه 15 دولارًا من الأضرار لاحقًا-لكن الناخبين سيكافئون الإنفاق على التخفيف من حدة الكوارث بعد وقوعها وليس على الاستعداد للكوارث قبل حدوثها.

حدث هذا مع موجة تلو أخرى من جائحة” كوفيد 19″، فحتى بعد رؤيتها تتفشى في مكان آخر، ورغم الاستيعاب العقلاني الذي تحتاجه الدول للتصرف قبل أن تشعر بالتأثير، ما يزال هناك تأخر وتردد.

إن ممانعتنا في الإيمان بالكوارث تزداد سوءا من خلال الطريقة التي نتعامل بها مع كل كارثة، بعد وقوعها، على أنها الكارثة الوحيدة. التقارير الحكومية والمقالات الإعلامية على حد سواء مرصعة بكلمات غير مسبوقة ولا يمكن تصورها. يفترض أن الغرض من هذه التقارير هو التعلم من الأخطاء (ونادراً ما تحقق النجاح المتوخى) لضمان معالجة الكوارث المستقبلية بشكل أكثر نجاعة. ولكن، مثل تمارين المحاكاة والاحتمالات، نادرًا ما يتم إعطاء تلك الدروس الموثقة بعناية التمويل أو الاهتمام السياسي ليتم تطبيقها. بعد وقوع الكارثة، من المرجح أن يتنفس الناس الصعداء ويعودوا إلى الحياة الطبيعية، وينسون أولئك الذين ما تزال حياتهم تتأثر بالعواقب. ورغم ذلك وجد مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث أن “القبول العام للحد من مخاطر الكوارث وتخطيط الانتعاش يبلغ ذروته بعد الكارثة”. هذه هي النافذة القصيرة عندما نكون مقتنعين بأن الاضطراب المدمر ممكن ويمكن أن يحدث لنا. نحن نعلم أن الكوارث ستقع، بل نعرف حتى كيف وأين ستقع. فدعونا نطالب قادتنا السياسيين بالبدء في استخدام هذه المعرفة بشكل جيد.

*مالكا أولدر Malka Older باحثة بمركز سوسيولوجيا المنظمات مؤلفة لثلاثية مرموقة من قصص الخيال العلمي المثيرة، بدءًا من “ديمقراطية المعلومة” (Infomocracy)، اشتغلت كباحثة في التكنولوجيا والمخاطر في مجلس كارنيجي للشؤون الدولية، واهتمت بقضايا الكوارث والتنمية والديمقراطية

‫تعليقات الزوار

3
  • عمر 51
    الثلاثاء 19 ماي 2020 - 11:09

    أود الإشارة إلى كلمة [مُـدراء] التي استعملها الكاتب، وهو استعمال لا جواز فيه لغة وسياقا، لأنه خروج عن القياس والقاعدة، والصواب[مديرون] والمفرد [مدير] اسم الفاعل مأخوذ من الفعل الرباعي أدار، يُدير، فهو مُدير، ولا يجوز لنا أن نجمع مدير، فنقول: مدراء. فهل يمكن أن نجمع مسلم على صيغة: فعلاء ؟ بل؛ نقول: مسلم: مسلمون, مؤمن: مؤمنون. مدير: مديرون. نقول: مديرو المدارس، مديرو الشركات، مديرو المعاهد. كلمة مدراء على وزن: سفراء، مفرده سفير. وكلاء، مفرده وكيل, عملاء مفرده عميل، وزراء مفرده وزير، وعمداء مفرده عميد …وهي كلمات مأخوذة من الفعل الثلاثي: سفر، وكل، عمل، عمد، أما كلمة مُدراء، فهي مأخوذة من فعل:[مَـدَر] الثلاثي، وهذ الفعل لا علاقة له بالإدارة، ولا بالشأن الإداري. فنقول: مَدَرَ الصبي، أو الشيـخ المسنُ: أي تغوط في ثيابه أو قِماطه. إذن فأية علاقة تجمع التغوط بالإدارة؟ استعمال: مدراء، مكان: المديرين، استعمال ليس في مكانه ولا مبرر له وذلك نتيجة الجهل بالقواعد اللغوية، وانعدام الحس اللغوي، والآن هل يحق أن نقول: مَـديرُ المدرسة ؟ وجمعها مُدراء ؟اتقوا الله في لغتكم يا عرب إن كنتم عربا…

  • موح
    الثلاثاء 19 ماي 2020 - 12:38

    آن الأوان انيصعوا الوطن على سكته الصحيحة.وهي ثالاثية الاركان:
    1)النية
    2)الخبز
    3)التعليم والصحة.
    ذالكم البنيان المرصوص. والسلام

  • عبد الناجي العرعور
    الثلاثاء 19 ماي 2020 - 13:16

    عاش العالم وعشنا معه اياما صعبة لم نتوقع ان نراها حتى في افلام الخيال بل لم نكن نصدقها لو قيلت لنا من قبل ان تخاف من عدو لا تراه وان تسجن نفسك وتتخلى عن عملك وبالموازاة مع ذالك عاشت البشرية كوارت وعاشها المغرب ايضا كالجفاف والفيضانات والزلازل فالمغرب سيخرج من جائحة كورونا منتصرا ان شاء الله لكن عليه ان يكون مستعدا لمواجهة تبعاتها وتبعات سنتان متتاليتان من الجفاف ولهذا وذاك حان الوقت لان نتخذ هذين الامرين محمل الجد فلو تبرع كل مغربي بدرهمين تحت اشراف الدولة لتمكنا من جمع سبعة ملايير سنتيم مبلغ كافي لبناء معهد يشغل كفاءات عالية في الطب والصيدلة والجيولوجيا والميتيولوجياوالاقتصاد والسياسة تكون مهمتهم رصد الاوبئة والكوارت قبل وصولها ووضع برامج استباقية صحية واقتصادية وسياسيةواجتماعية لمواجهتها حتى لا نقع في ارتباكات عند حدوتها كما وقع في بعض دول العالم وبذالك سنساهم في تقليص تبعيتنا لتوجيهات بعض المنظمات الدولية وسنكون متوفرين على خطط مدروسة باحكام وصالحة للتطبيق والتنزيل في كل زمان قبل وبعد وقوع اي جائحة او كارتة لا قدر الله لا سيما اننا اصبحنا نعيش العديد من الاوبئة والكوارت

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات