هل حقق البغدادي حلم رشيد رضا؟

هل حقق البغدادي حلم رشيد رضا؟
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 07:11

من غير المستبعد أن يكون أبو بكر البغدادي، زعيم حركة “داعش” وأمير الدولة في العراق وسوريا، قد قرأ كتابات محمد رشيد رضا، الشيخ الذي يعود له الفضل في التعريف بالفكر السلفي ورسائل الحركة النجدية في العالم الإسلامي في بدايات القرن الفائت، والذي شكل حلقة وصل بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، زعيم ما صار يعرف بالوهابية، وحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، إذ كان رشيد رضا هو مدرسة البنا الفكرية، إذ منه تشرب النزعة السلفية التي زرعها في فكر الإخوان، حتى إنه وصف الجماعة التي أنشأها بأنها “دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية”.

عاش رشيد رضا في حقبة تميزت بالشد والجذب، ما بين محاولات إنقاذ الخلافة العثمانية قبل السقوط وإعادة إحيائها بعده، في بدايات العقد الثاني من القرن العشرين، وأصدر جريدة”المنار” الشهيرة التي حملت لواء التبشير بهذه المبادئ التي دافع عنها، وفي عام 1922 أصدر كتابه”الخلافة”، الذي ضمنه تصورا شاملا، أو برنامجا، لإعادة بعث الخلافة العثمانية، بشكل متزامن مع قرار الفصل بين الخلافة والسلطنة الذي اتخذه كمال أتاتورك في تركيا، تمهيدا لإسقاط الخلافة بشكل نهائي بعد عامين من ذلك التاريخ، أي 1924.

وقد جاب رشيد رضا أطراف العالم الإسلامي، مثلما فعل قبله جمال الدين الأفغاني، بهدف إقناع زعامات العرب والترك بإعادة بناء الخلافة والتوافق عليها، واقترح على الطرفين التعاون فيما بينهما لهذا الغرض، ووضح بأن الصراع بين العرب والترك على المفهوم الحقيقي للخلافة هو الذي كان سبب انهيارها. ولما أعياه الأمل في الوصول إلى مراده كتب هذا الكتاب شارحا فيه الخطوات التي يتعين اتباعها من أجل بناء نظام جديد للخلافة، على أنقاض الأولى، كل ما يمكن القول فيها اليوم أنها كانت أحلام رجل إما أخطأ في قراءة الواقع آنذاك أو أراد إقامة الحجة.

وكان من بين الاقتراحات التي تقدم بها إقامة نظام للخلافة في بقعة محدودة من الأرض بحيث تكون مرحلية فقط، يتم فيها اتباع برنامج دقيق لتخريج العلماء، على أن يجري بعد ذلك اختيار الخليفة منهم بعد أن يكون قد حاز شرائطها. وما اقترحه رشيد رضا في ذلك شبيه بـ”كومونة باريس” التي أنشأها الاشتراكيون الفرنسيون في نهاية القرن التاسع عشر، لتكون بمثابة منطقة وسط تدار منها شؤون فرنسا في فترة الحرب مع البروسيين وتفكك الدولة، والتي اعتبرها ماركس إرهاصا بالثورة البروليتارية العالمية. فمن الجائز أن يكون رشيد رضا قد اطلع على تلك التجربة أو وصلته أصداؤها، وكيفما كان الحال فقد عقد فصلا في كتابه تحت عنوان”إقامة الخلافة في منطقة وسط”.

نصح رضا بإعلان الخلافة في الموصل، التي رأى أنها تشكل المنطقة الوسط، وذلك لسببين، الأول لأنها منطقة متنازع عليها بين العراق وسوريا وتركيا، والثاني لأنها”يكثر فيها العرب والترك والكرد”، فتكون الموصل بذلك”إسما وافق المسمى”، أي نقطة وصل، وقد أطلق على ذلك الوضع تسمية”إمامة الضرورة”، وأهاب بالحزب الذي سيتولى تلك المهمة، وهو حزب الإصلاح، إقامة”الدولة الإسلامية”، من أجل رد الاعتبار للدين وحراسة الدنيا وإظهار صلاحية الإسلام للعالم، كما كتب بقلمه. ويبدو ذلك غريبا اليوم، لأن رشيد رضا لم يقترح أيا من العواصم العربية التي كانت تتزاحم من أجل نيل حظوة احتضان الخلافة، بل اقترح منطقة لم تكن مطروحة آنذاك لتكون مهدا لمشروع ضخم مثل مشروع الخلافة الإسلامية. ومع ذلك، وربما لهذا السبب، لم يتحقق حلمه، ففي نفس العام اعترفت الدول الغربية بتركيا فانتهت الخلافة العثمانية عمليا على مستوى الواقع الدولي، وتكرست الدول الوطنية المستقلة، ودخل العراق في دائرة من المآسي بدأت قبل ذلك بعامين مع تنصيب الملك فيصل، ولم تنته مع اغتيال العائلة الملكية عام 1958.

وضع هذا التصور عام 1922، وفي يونيو 2014 أعلن أبو بكر البغدادي، الذي خرج من فكر تنظيم القاعدة، إقامة الخلافة والدولة الإسلامية في الموصل نفسها، وذلك بفارق زمني مقداره إثنتان وتسعون سنة. قد يكون الأمر مجرد مصادفة تاريخية فحسب، ولكن الرؤية الاستراتيجية التي حكمت رشيد رضا في اختيار المكان ربما كانت هي نفسها بالنسبة للبغدادي ومقاتليه، بالنظر لموقع الموصل على الحدود مع سوريا وتركيا، فقد اختار الموصل لتكون منطلق دولته، والمدينة التي ألقى منها خطبة الجمعة في أول ظهوره أمام العالم. ولكن الفرق أن رشيد رضا أراد إحياء الخلافة التي كانت موجودة وفق آليات متوافق عليها بين الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك تركيا، دون حروب عسكرية، وعلى قاعدة التفاهم بين مختلف الأجناس في الموصل، ليكون التعدد العرقي عنصر إثراء لمفهومه عن الخلافة وتجربة نموذجية يتم التبشير بها لضمان نجاحها، بينما جاءت خلافة البغدادي ثمرة فكر متطرف تكفيري يبدأ بالحكم على أهل السنة بالردة، ويحكم على الشيعة بالكفر فيخرجهم من الدين، ويحكم على المسيحيين بالكفر فيخرجهم من الأرض. أما الفرق الثاني فيكمن في أن رشيد رضا كان رجلا إصلاحيا وتصالحيا نال الاعتراف الرسمي والشعبي به، بسبب الحظوة العلمية التي كان يتمتع بها، كما أنه كان ابن المؤسسة الدينية، بينما جاء البغدادي من تنظيم تكفيري مسلح أعلن الخروج على المنظومات السياسية في الدولة المعاصرة، ومن خارج المؤسسة الدينية الرسمية، وهذا ما جعل الصورة في النموذجين مختلفتين تماما في الرؤية والمنهج.

[email protected]
[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • منا رشدي
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 11:32

    من حيث المبدإ ، أنت مع مشروع إحياء الخلافة الإسلامية بشرط تتبع خطى " رشيد رضا " ! لكنك لست موافقا على قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام بمواصفات " البغدادي " . تناقض مريب ! " رشيد رضا " سلسلة في عقد ( الفكر ) الوهابي التكفيري الذي نظر له " محمد بن عبد الوهاب " وهو ما لا يتناقض ومرجعية القاعدة التي خرجت " البغدادي " الذي إتخذ من الموصل عاصمة الخلافة ! ليس لتعدد الأعراق داخلها إنما لتشكل تميزا عن مراكز حكم الخلافة دمشق وبغداد ( مجازر داعش داخل كوباني ضد الأكراد مثالا منافي للتعايش العرقي الذي سوقت له دون نسيان ما تعرض له الإيزيديين ) .
    بعد أكل أكباد قتلى الجيش السوري بأنياب داعش وأخواتها ، حان وقت أكل مخاخ بشرية من منظري الإسلام الدموي وبعض المغاربة مؤهلون ليكونوا ضحايا المرحلة ! مع العلم أن المغرب لم يكن في يوم من الأيام تابعا لخلافة الأتراك ولا العباسيين قبلهم ، أما الأمويون فلن يطل مقامهم بالمغرب الشرقي فتم طردهم غير مأسوف على رحيلهم .

  • أمــــــــ ناصح ــــــيـــــن
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 14:26

    موضوع الخلافة أصبح مثارا للسخرية والهُزء خصوصا بعد أن اطلع الناس على مآسي الخلافة الشّاردة وما رافقها من انحرافات ومآسي وجرائم يرقى بعضها إلى مرتبة الجرائمة ضد الإنساسية ، والتي تستوجب محاكمة وتعويضا واعتذارا للشعوب التي تم غزوها والتنكيل بها باسم الفتح الإسلامي ، وبعدما رأى الناس رأي العين سليل مدرسة الخلافة وهو يطبق عمليا ما اطلع الدارسون على شيءٍ فقهه متناثرا هنا وهناك بين طيات كتب الحديث والتفسير السيرة والتاريخ والآداب السلطانية ….(الكثير منه نسب زورا وبهتانا لله ورسوله).
    المستقبل للدولة الوطنية القائمة على الحرية والديمقراطية والعدالة واستقلالية القرار السياسي والإقتصادي ، أي على السيادة الكاملة ، لا المتحكم فيها عن بعد .

  • khalid
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 15:16

    مقال عميق أتحفنا به هذه المرة المفكر الكنبوري، الذي أعرف عنه دقته واحترامه للفكرة التي يتبناها دون تسرع وبلا حماس زائد، فأنا قرأت كتاب رشد رضا قبل سنين لكن الربط الذي قام به الأستاذ ادريس عميق جدا

  • صوت من مراكش
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 17:49

    كلا الخلافتان خرجتا من رحم الماسات الاولى بعد دفن الرجل المريض اما الثانية فعقبت عقدا من حصارالشعب العراقي فتجويعه تمهيدا لاحتلاله فتقسيمه مذهبيا وعرقيا ثم اقتتاله ببعضه ماذا ننتظر من شعب تكالب عليه الاخوة قبل الاعداء من شعب عومل بلا رحمة طردوه من الرحمة جعلوا منه نقيض الرحمة سوى ان ينتج لنا نظاما كيف ما كان مسماه لكن بلا رحمة
    شكرا للسيد الكنبوري ومزيدا من العطاء

  • sifao
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 19:39

    اي مخطط استراتيجي هذا الذي نظر لانقاذ نظام الخلافة في الاسلام من الاتلاف التام ولم تتحقق رؤيته الا بعد مرور 92 سنة ؟ هذا الرجل كان سابقا لاوانه بكثير حتى وان كانت خلافة البغدادي تفتقر الى السند الشرعي ، حسب فهمك ، الا انها تحققت جغرافيا وتنظيميا على الاقل ، مفاد هذا الكلام ان نظام الخلافة في الاسلام يملك كل المقومات الذاتية للحفاظ على وجوده والاستمرار في الزمان ، فبعد قرن تقريبا ، انبعث من الرماد مثل طائر الفنيق تماما…
    الطريقة التي احيى بها البغدادي دولة الخلافة في الاسلام كانت ضربة قاضية لنموذج الدولة الاسلامية التي ظلت حلما يراود الاسلاميين على مختلف تشكيلاتهم وتلويناتهم الايديولوجية لقرون من الزمن ، فلا اعتقد ان هذا النوذج سيستمر او سيُحيى من جديد بعد ان يتم اقباره ، لا يمكن لدولة تقوم على اساس عقائدي ديني أوعرقي ان تحيى في عالم يتجه نحو الاختلاف والتعدد ، انهيارالاتحاد السوفياتي نموذجا ، بذلك يكون رشيد رضا قد نظر لاسوء نموذج للدولة في الفكر السياسي الحديث…لا تحلموا بميلادها من جديد
    او اعادة احيائها ، حسب التعبير الذي يروق لكم .

  • al3a9l
    الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 21:43

    مقارنة طريفة لمصادفة تاريخية!! أحسنت سيد كنبوري! لكن الفرق بين منهجي الرجلين يبلغ مبلغ النقيضين. لم ترى الانسانية توحشاً من طرف عصابات مند Cambodge الخمير الحمر الشيوعيين ! لكن هده المرة بسبب الاتصالات والنقل الأني، تمكنا من رصد حماقات المجرم البغدادي وعصابته في وقت وجيز. مما مكن الانسانية من التدخل لإنقاد ما يمكن انقاده. للاسف تركيا تناور كتيرا و تقامر بأرواح الأبرياء لأجل ثارات تاريخية مع الكرد. سي اردوغان لم يكن في المستوى الانساني هده المرة للاسف.

  • mohammadine
    الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 - 08:58

    يذكرني البغدادي بمحمد عبد الوهاب -ليس صاحب النهر الخالد- كما حكاه الجاسوس البرطاني يMr Hempher في مذكراته .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين