وما تحقيق الإصلاح بالتمني والدعاء

وما تحقيق الإصلاح بالتمني  والدعاء
الإثنين 1 يوليوز 2013 - 20:43

مع توالي الوقائع السياسية، وبالنظر إلى تسارعها وعدم انتظامها، سواء من حيث مجالات الاشتغال، أو من حيث كثرة الانزياحات الحاصلة على مستوى الفعل والقراءة والتحليل، أصبحت الضرورة تقتضي العمل على مواكبة واقع المشهد السياسي من الزاوية الاستراتيجية، اعتمادا على نقط ارتكاز أساسية فيما يخص حجم التأثير المحتمل للتفاعلات السياسية الجارية على المستويات المدنية والسياسية والاجتماعية، وعلاقتها بالآفاق المستقبلية.

المتتبعون اليوم، ينطلقون من ملاحظة عينية، متمثلة في هذه الرجة السياسية، التي ما عاد يتم حصرها في فاعل واحد (الدولة) فقط، بقدر ما تعدد فاعلوها. فقد يكون لهذا التحول السياسي مفعول إيجابي، من حيث الرواج الذي بدأ يعرفه السوق السياسي، على مستوى ترويج المواقف، أو من حيث سريان مفعول الدينامية التي قد تفضي إلى فرز تقاطبات واضحة بين القوى السياسية في القادم من الأيام.

غير أن الأمر، قد يحتاج إلى الكثير من التبصر، خاصة إذا ما تم استحضار عوامل الانزياح الكثيرة المصاحبة للفعل السياسي في هذه المرحلة، والتي تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كنا فعلا نخطو خطواتنا اليوم على الطريق السليم.

وأكبر سؤال يمكن أن يروادنا، في علاقة بقضية فصل السلط، هو: ما هي التغيرات الأساسية ـ أو على الأقل ملامح هذه التغيرات ـ التي حدثت في بلادنا منذ أن صَوَّتْنَا على دستور 2011، الذي حظي فيه رئيس الحكومة باختصاصات وصلاحيات أوسع، والذي حظيت فيه المعارضة بمكانة خاصة؟

وطرح هذا السؤال، يتغيى محاولة تحديد القضايا ذات الصلة بموضوع التغيير ببلادنا، والتي هي في نهاية المطاف قضايا تهم شعبا بكامله، ولا يمكن قصر ارتباطها على اهتمامات النخبة السياسية التي هي في نهاية المطاف لا تشكل سوى جزأ من هذا الشعب.

وفي اعتقادنا، لا معنى للمواطنة إن لم تكن مقرونة بتمكن هذه النخبة من الفاعلية الإيجابية والمسؤولية تجاه قضايا الوطن، وأيضا لا معنى لها إن لم تكن مقرونة بممارسات هذه النخبة من أجل تمكين باقي المواطنات والمواطنين ليصبحوا فاعلين ومسؤولين.

كما لا يمكن الوصول إلى هذه الدرجة من الجدية في التعاطي مع قضايا الوطن، إذا لم تكن النخبة السياسية على خط إرساء قواعد الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، وعلى خط إعطاء مدلول عملي وواقعي لمفهوم المواطنة.

فالمواطنة تقتضي العمل على احترام العنصر المدني الذي يُعنى بحقوق هي من صميم التعبير عن حرية الفرد أولا، والعنصر السياسي الذي يُعنى بالحق في المشاركة في ممارسة السلطة والتصويت في المؤسسات المنتخبة والمشاركة فيها ثانيا، والعنصر الاجتماعي الذي يُعنى بالحق في مستوى العيش اللائق والمساواة في الحصول على التربية والعناية الصحية والمسكن والحد الأدنى للدخل ثالثا.

وهذه العناصر الثلاثة هي التي تطال كل مظهر من مظاهر حياتنا كمواطنين ومواطنات، بل هي ما يجعلنا مقبلين جميعا بشكل نهم أو شره على تناول قسطنا اليومي من متابعة التفاعلات الجارية على المسرح السياسي لبلادنا، لأن واقعنا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن انتهاكات حقوق الإنسان في سياق هذه العناصر الثلاثة تكمن في أساس كل المشاكل التي نواجهها كمغاربة، من قبيل: العنف والفقر وعدم المساواة الاقتصادية وانعدام سلطة القانون…

إن المواجهات الحادة والعنيفة الجارية بين الفرقاء السياسيين، والعنف الممارس في الخطاب السياسي، خاصة من موقع العمل الحكومي الحالي، والميل نحو المزايدات السياسية وإهمال القضايا المصيرية للشعب المغربي، ومنسوب قيمتي الحقد والكراهية الذي يتم تصريفه في الفعل السياسي داخل مؤسسات الدولة أو خارجها، كل ذلك يعطي صورة أشبه بدخولنا إلى نفق حروب ونزاعات يمكن أن تسيطر على المشهد برمته، سواء على المستوى الوطني، أو على المستويين الجهوي والمحلي، خاصة والكل ينتظر الاستحقاقات الجماعية التي لا تفصلنا عنها مدة زمنية طويلة.

فهل يمكننا الحديث اليوم عن مؤشرات تسير في اتجاه ترجيح كفة المصلحة الوطنية العامة، عبر البحث عن سبل معالجة القضايا المصيرية للشعب المغربي؟ وقبلها هل بالإمكان التكهن بالقيام بانعطاف كبير في محاولة من الجميع قصد بناء ثقافة ترتكز على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته؟

فلا التموقع في الحكومة، ولا التموقع في المؤسسة التشريعية، ولا التموقع في المؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا، أهم من الإنسان في حد ذاته. وعلى جميع الفاعلين أن يدركوا، قبل فوات الأوان، أن الإنسان والتنشئة والتكوين والإعلام هي قضايا تحتل الأهمية الكبرى في تعزيز أواصر علاقات مستقرة ومتناغمة بين الجماعات والأفراد داخل مجتمعنا، بعد أن نكون قد اتفقنا على القوانين التنظيمية وصيغ تعديل وملاءمة القوانين العادية.

وما تحقيق الغايات الكبرى بالتمني، بل يتطلب منا استحضار الأهمية البالغة لقيمتين أساسيتين في حياتنا العملية: العمل والزمن، بهما تتقدم الدول والشعوب والحضارات، وبسببهما قد تتعثر وتخطئ موعدها مع التاريخ فتتخلف.

‫تعليقات الزوار

4
  • احمد ربا ص
    الثلاثاء 2 يوليوز 2013 - 04:51

    عنوان المقال يوحي بان كاتبه انسان واقعي وعملي لانه يعي ان الاصلاح لن يتم بالتمني والدعاء; في اشارة ضمنية الى اعتمادالنظرة الدينية في ادارةالشان العام من قبل الحزب الحاكم -نسبيا,لكن بمجرد التوغل في قراءةماكتبه ابوالقاسم يجد القارئ اليقظ ان الكاتب,رغم ذلك,ظل سجين طوباوية حالمة بعيدة عن التحليل الملموس للواقع الملموس.في مقام اول,جرى التاكيدعلى"مواكبة المشهد السياسي من الزاوية الاستراتيجية"استنادا على ضبط مجالي تاثير الحرب الكلامية الدائرة رحاها حاليا بين الفرقاء السياسيين.في هذا الاطار,قسم الكاتب تلك المجالي الى ثلاث مفاصل وهي المدني والسياسي والاجتماعي مع الانتباه الى علاقة التصادمات والتدافعات السياسية الجارية بالافاق المستقبلية.وهكذا يمضي ابوالقاسم الى جمع المفاصل او المستويات الثلاث تحت عنوان واحد وهو المواطنة محملا النخبة السياسية مسؤولية الاستجابة لانتظارات الشعب المغربي وفق الخطاطة النظرية المرسومة قبلا دون نسيان التنبيه الى ان المسؤولية اياها واقعة لامحالة في جزئها الاكبر على عاتق الشعب.من اجل رفع اللبس والحرج عن دعواه,كان مطلوبا من الكاتب تحديد مكانة النخبة الثقافية في رهاناته..

  • abdelali
    الثلاثاء 2 يوليوز 2013 - 07:43

    "وقبلها هل بالإمكان التكهن بالقيام بانعطاف كبير في محاولة من الجميع قصد بناء ثقافة ترتكز على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته؟"

    آخر حاجة يفكر فيها المتدين المتطرف هي الإنسان. إن من يعتبر نفسه جندي الله لاتنتظر منه أن ينصف الأم العازب أو يؤاخي الملحد أو يساوي بينه وبين المواطن اليهودي أو المسيحي…

    إن همه الوحيد هو إرضاء الله ولو بدبح المواطن المرتد وتقديمه كقربان بغية دخول الجنة ويده ملطخة بالدماء… إرضاء الله ولو بتجويع الرضيع وأمه العازب…ولو بتجويع عائلات المعطلين بدعوى "العدل" …. إرضاء الله ولو أدى دلك إلى عزلة المغرب وهدم كل مانسجه المغرب من علاقات مثمرة (الصحراء) مع المؤمنين بدينهم كفرنسا وأمريكا وإسرائيل ووو … إرضاء الله بالبقاء في الحكومة ولو بدون أغلبية برلمانية لأن في البقاء "جهاد" وفي الإستقالة "إثم" باعتبار مهمة رئيس الحكومة تكليف من الله ورزق ساقه الله إلى بنكيران من حيث لم يكن ينتظر…ولو أدى دلك إلى فرملة عجلة المغرب… ألم يقل الرجل "إما أن أستمرإما الشهادة …" …في غفلة من طرف المحللين

  • ziyad
    الثلاثاء 2 يوليوز 2013 - 11:01

    يا عجبا و يا عجبا ,ترجيح كفة المصلحة العامة للوطن ,اصبح في قاموسكم شئ اسمه الوطن انتم الدين الى الامس القريب ركبتم سفينة الاصالة و المعاصرة متنسين هموم هدا الوطن ,

  • السعيد
    الثلاثاء 2 يوليوز 2013 - 11:37

    صحيح الاصلاح لا يمكن تحقيقه بالدعاء بل عن طريق:
    1. ان يتنكر الانسان لهويته و قيمه التي دافع عنها سنين
    2. ان ينخرط في حزب مخزني يوصله لتحقيق مصالحه الخاصة و بسرعة لان الاشتراكية و الشيوعية و لنين اضاعوا كثير من وقتكم
    3. المساهمة من وراء السطار في المواجهات الحادة والعنيفة الجارية بين الفرقاء السياسيين قصد افشال التجربة الديموقراطية التي تبناها المغرب كما فعلتم مع الحسن الثاني رحمه الله
    خربتم المغرب 50 سنة و لازلتم تبحتون عن تخريبه

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج