التجربة الديمقراطية في المغرب وتايلاند، مبررات المقارنة

التجربة الديمقراطية في المغرب وتايلاند، مبررات المقارنة
الخميس 16 ماي 2013 - 12:54

نشرت جريدة (هسبريس) الإلكترونية مشكورة مقالا حول أطروحتي لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية حول موضوع ” التجربة الديمقراطية في المغرب وتايلاند، دراسة مقارنة ” والتي نوقشت بتاريخ 25 دجنبر 2012 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس أكدال. وتضمن المقال أهم الخلاصات التي خرجت بها هذه الدراسة.

وقد تلقيت مجموعة من التعليقات من عدد من السادة القراء والزملاء الباحثين، أبدت بعضها ملاحظات حول هذا البحث، وتساءلت عن الجدوى من اختيار تايلاند كنموذج، معتبرة أن تمت اختلاف كبير بين البلدين سواء على مستوى السيرورة التاريخية أو الخصوصية الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى البعد الجغرافي، مما يجعل من المقارنة بين النظامين، حسب هاته التعليقات، تفتقد إلى الشروط العلمية.

إن اختيار نموذج تايلاند ومقارنته مع المغرب لم يكن من باب الترف الفكري بل تم طبقا للشروط العلمية الدقيقة التي يتطلبها البحث العلمي السياسي المقارن والذي يشترط وجود قدر معين من التشابه والاختلاف بين الوحدات موضوع المقارنة (أنظر في هذا الصدد :
Armer, Michael / Grinshaw, Allen D « Comparative social research : methodological problems and strategies » New York : Avuley interscience publication, 1973
Badie, Bertrand / Hermet, Guy : « Politique comparée » presse universitaire de France 1990
Bertrand, Badie : “Comparative analysis in Political Science : Requiem or Resurrection”. Translated by: Mott Mackae – Willert Political Studies vol 37 n 3 September 1989

ربما يكون النموذج الآسيوي هو ما أثار استغراب بعض الباحثين بحكم أن اهتمام الجامعات ومراكز البحث بهذه المنطقة من العالم في المغرب والعالم العربي عموما لا زال ضعيفا مما يجعلنا نجهل الكثير عن طبيعة الأنظمة السياسية والاجتماعية لهذه البلدان.

يجب على الجميع أن يعلم أن خصوصية أو طبيعة النظام السياسي المغربي حظيت منذ القديم باهتمام كبار العلماء والباحثين السوسيولوجيين والأنثربولوجيين وعلماء السياسة، أجانب ومغاربة، ولفتت انتباههم عدد من النقاط المشتركة مع أنظمة بلدان عربية، غير أن هذا التشابه مع بلدان المغرب الكبير والمشرق العربي لا يعدو أن يكون جزئيا فقط. فعلى سبيل المثال، يختلف النظام الملكي في المغرب بشكل كبير عن باقي الأنظمة الوراثية في العالم العربي سواء من حيث النشأة أو التطور التاريخي أو أسباب الاستمرار.

لذا، كان لابد من البحث واستكشاف تجارب ونماذج لتجارب ديمقراطية أخرى تجمعها بالمغرب نقاط التشابه الكافية لضمان الشروط لإجراء بحث علمي مقارن. ومن هنا جاء اختيار التجربة الديمقراطية في تايلاند، التي تشكل، في نظرنا، نموذجا قد يكون الأقرب إلى التجربة المغربية. ولعل الجميع، باحثين وأكاديميين ومثقفين، يستحضر، في هذا الصدد، خلاصات الأستاذ عبد الله العروي والتي دونها في كتابه خواطر الصباح حيث أشار إلى أن هناك علاقة عرضية بين المغرب وتايلاند وتجمعهما مجموعة من نقاط التشابه على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي مؤكدا على أهمية إجراء مقارنة بين البلدين.

يقول الأستاذ العروي في هذا الصدد ” في القرن السابع عشر استقبل ملك فرنسا لويس الرابع عشر سفارتين. إحداهما من المغرب والثانية من سيام أي ما يسمى اليوم بلاد الطاي. هناك إذن علاقة عرضية بين البدلين ومن المفيد مقارنة أحوالهما اليوم (..) أشياء كثيرة سياسية، واقتصادية، واجتماعية تجمع بينهما.

الفرق حضور ياباني وأمريكي كثيف وجالية صينية غنية ونشيطة، الأمر الذي مكن تايلاند من نمو سريع وإقلاع اقتصادي حقيقي، عكس المغرب الذي لا يزال يشكو من معوقات بنوية، بعضها مادي وبعضها معنوي، وهنا تنفع المقارنة.

نقطة في غاية الأهمية، منذ سنة 1932 حلت مسألة الحكم (من يتولى السلطة التنفيذية لا من يملك السيادة) بتأسيس نظام دستوري برلماني. عرفت البلاد أزمات سياسية متعددة، ولا زالت، لكن على المستوى العملي فقط.

لا يمكن فصل تايلاند عن جنوب شرق آسيا. الطقس حار وممطر، الغطاء النباتي الكثيف يساعد على تطوير زراعة رأسمالية تسهل عملية الادخار الأولي. من الناحية البشرية يوجد تلاحم فطري يجعل الانضباط سلوكا عاديا تقوى في السنوات الأخيرة بما يشعر به السكان من خوف إزاء طموحات الصين الشيوعية. عاملات إيجابيان يجلبان رساميل وافرة من اليابان وأمريكا وأخيرا من أوروبا وقبل هؤلاء جميعا من صينيي المهجر. لا عجب إذا تكون في ظرف ربع قرن قطب اقتصادي، حالي، تجاري، قائم بذاته. لا توجد مثل هذه العوامل في إفريقيا أو العالم العربي أو أمريكا اللاتينية”. نجهل هذا الواقع بسبب ارتباطنا القديم بأوروبا الجنوبية. همنا الوحيد أن نكون منتجعا لها حسب تحليلات أحمد العلوي وأصدقائه من تجار البيضاء. نشاهد أن أوروبا تتخبط في أزمة منذ1975 نقول معها إن السبب هو ارتفاع سعر الطاقة ولا نتساءل عن علاقة تلك الأزمة ببروز قطب جديد في أقاصي الأرض” (أنظر عبد الله العروي ” خواطر الصباح، يوميات (1974 – 1981) المسيرة الخضراء ما قبلها وما بعدها” المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2003)

1. مشروعية المقارنة بين المغرب وتايلاند

إن إشكالية القابلية للمقارنة وتبريرها شكلا دائما التحدي الأكبر أمام أي بحث مقارن. وقد طرح رواد المنهج المقارن مجموعة من الاستراتيجيات لتجاوز هذه الإشكالية يتم من خلالها تحديد الوحدات القابلة للمقارنة، والتي يمكن أن تسهم في تحقيق هدف المقارنة في الوصول إلى تعميمات أو قوانين عامة بعد استقراء حالات متعددة. ومن بين هذه الاستراتيجيات ما اقترحه كل من هينري تون وآدام برزيفورسكي حول النموذج الأكثر تشابها والذي يقوم على منهجية جون ستيوارت ميل في المقارنة ويركز على اختيار النظم الأكثر تشابها لتحييد الكثير من المتغيرات الموحدة أو المتشابهة في الوحدات موضوع المقارنة، وبذلك يقلل إلى حد بعيد المتغيرات موضع البحث مما يعطي قدرة كبيرة على الضبط والتحكم(أنظر في هذا الصدد، نصر عارف، محمد : ” إبستمولوجيا السياسة المقارنة،النموذج المعرفي – النظرية – المنهج ” مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .

لبنان الطبعة الأولى 2002 ص 106). نموذج النظم الأكثر تشابها هذا هو ما يعطي للمقارنة بين التجربة الديمقراطية في المغرب وتايلاند مشروعيتها حيث تتوفر الشروط المناسبة لإجراء عملية المقارنة بين التجربتين. فهناك مجموعة من نقاط التشابه بين البلدين تساعد على تحييد الكثير من المتغيرات الموحدة أو المتشابهة. (للمزيد أنظر:
Przeworski, A / Teune, H :” Logic of Comparative Social Inquiry” Krieger Pub Co (March 1982) page 31 – 46
Ragin, C, C : « The Comparative Method : Moving beyond qualitative and quantitative strategies” University of California Press, Berkeley pages 36 – 39

فعلى المستوى السياسي، تسود في المغرب وتايلاند ملكية دستورية تشكل مركز النظام السياسي، يدور في فلكها فاعلون تتفاوت قوتهم من بلد إلى آخر. كما يتوفر البلدان على مؤسسات ديمقراطية على الأقل من ناحية الشكل، كالبرلمان، والمجلس الدستوري، والمجلس في المغرب واللجنة في تايلاند المكلفان بحقوق الإنسان.
ونجد في المغرب وتايلاند أيضا سلوكات وممارسات ديمقراطية كالانتخابات التشريعية والجماعية، واللجوء إلى الاستفتاء، كما أن الإعلام قطع أشواطا مهمة في البلدين، وإن بدرجات متفاوتة، حيث برزت الصحافة الحرة وتم فتح المجال السمعي البصري أمام رساميل الخواص.

ورغم وجود تشابه على مستوى بنية النظامين نجد أن تايلاند قطعت أشواطا مهمة على مستوى التنمية السياسية بعد ثورة 1932 التي وضعت حدا للملكية المطلقة، فكانت بذلك الانطلاقة الفعلية للمسلسل الديمقراطي الذي، وإن كان لا زال يعرف مجموعة من الصعوبات، المرتبطة أساسا بطبيعة الثقافة الآسيوية، التي تميل إلى السلطوية وتفرض تراتبية صارمة على بنيات المجتمع، فإنه يبقى نموذجا متطورا مقارنة مع التجارب الديمقراطية في العالم العربي خاصة على مستوى الفصل بين السلط وآليات انتقال السلطة.

وتعتبر تايلاند من الملكيات غير الأوروبية النادرة التي استطاعت، على الأقل في بعض الفترات من تاريخها السياسي، من المزاوجة بين النظام الوراثي والتداول على السلطة. ففي تايلاند تمارس السلطة الفعلية حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع. هذا المعطى يجعل دراسة التجربة الديمقراطية في هذا البلد ذات أهمية كبيرة في ظل النقاش الدائر حاليا في العالم العربي، وفي المغرب حول سبل تطبيق الديمقراطية في ظل أنظمة وراثية.

أما على المستوى الاقتصادي، فإن تايلاند والمغرب تعتمد في سياستهما الاقتصادية على الفلاحة والتصدير وتشجيع الاستثمارات الخارجية ومداخيل السياحة وديون المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسهما البنك العالمي وصندوق النقد الدولي, كما يستفيد البلدان من القرب من العملاقين الاقتصاديين الاتحاد الأوروبي واليابان.(أنظر في هذا الصدد بالنسبة لتايلاند :
Wiworn Kesavatana. « Political Economy of Direct Foreign Investment in Thailand: A Case Study of the Automobile Industry » Ph

D. dissertation, University of Michigan. 1989, 306 pp.

هذا القرب الجغرافي يدر على البلدين استثمارات ومساعدات مالية وتقنية مهمة تساهم في دعم برامج التنمية واستقطاب الرساميل الأجنبية فضلا عن تأثرهما بمستوى العصرنة والتحديث التي وصلت إليهما هاته المجتمعات.

وعلى الصعيد الثقافي، ورغم اختلاف المرجعيات الدينية بين البلدين، فإننا نجد أن الإسلام والبوذية يؤثران بشكل كبير على الضمير والمخيال الجماعيين للأفراد ويوجهان سلوكهم السياسي. فالديانتين، تقومان بدور محوري داخل الحقل السياسي وتشكلان مكونا أساسيا للإيديولوجية والممارسة السياسيتين، ومن ثمة فإن مقارنتنا للتجربة الديموقراطية بين البلدين ستكون غير ذي مصداقية إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار دور الثقافة الإسلامية والبوذية كمحدد أساسي في التجربة الديمقراطية في البلدين، كما أن هناك مؤثرات ثقافية أخرى غير دينية، كثقل النظام الأسري والنظام التعليمي ومنظور المجتمع لمفهوم القانون، تحدد أيضا أسلوب تعاطي الأفراد مع قضايا الشأن العام.

من هذا المنطلق، يأتي اختيارنا للتجربة الديمقراطية في تايلاند. فعلى الرغم من البعد الجغرافي والاختلاف الثقافي غير أن مقارنتها مع التجربة في المغرب تبدو مفيدة من الناحية النظرية والعملية. فالتاريخ والثقافة وطبيعة المجتمع في تايلاند تتشابه بشكل كبير مع المغرب أكثر من أي بلد عربي أو متوسطي آخر.

كما أن من بين الأهداف الأساسية من وراء هذه الدراسة المقارنة هو الكشف عن سبب التقدم الذي حققته تايلاند على مستوى الحكامة الديمقراطية مقارنة مع المغرب. هذا التفاوت بين النظامين يحيلنا على مفارقة أخرى وهي البون الشاسع بين النمو الاقتصادي في تايلاند وارتفاع درجة التحديث في هذا البلد مما جعله أحد النمور الآسيوية الصاعدة بخلاف المغرب الذي لم يجد بعد طريقه نحو التقدم الاقتصادي والتكنولوجي.

‫تعليقات الزوار

2
  • حسن النرويجي
    الأحد 19 ماي 2013 - 11:03

    لم ارد قراءة هذا المقال في اول امر بسبب ان المقارنة بين المغرب والتايلاد تبدو غير منطقية في اول الامر ولانني شككت في ان الكاتب يمتلك منهج علمي للمقارنة بين الدولتين. ولكن فضولي كان الاقوى وكان هذا المقال مفاجئة سارة. فالكاتب استعمل the comparative method وخاصة the most sifferent system design لكل من theune وperzeworski للمقارنة بين الدولتين ولكن حصل عندي ارتباك عندما ادخلت ragin لان ragin ولو انه محسوب على مدرسة المنهج المقارن فهو ابدع منهج اكثر تطورا مبني على fuzzy set methods and set membership. وعلى كل حال فحسب رايي فيجب استعمال the statistical method لان المنهج المقارن يعاني من مشكلة اساسية وهو الكثير من المتغيرات وعدد قليل من الحالات. too many variables, small number of cases. فانت تريد شرح اشكالية التنمية التي تحتوي على عدد كبير من المتغيرات على اساس حالتين فقط المغرب والتيلاند. ومع ذلك فدراستك منهجية واعرف اساتذة في جامعات مغربية لا يتقنون اي منهج. لا يعرفون ان العلم هو المنهج.

  • HASNI
    الإثنين 20 ماي 2013 - 01:00

    آه المغرب و تايلاند لا تجمعهما فقط التجربة الديموقراطية فقط بل "حسن السمعة" أيضا…

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة