معالم نكسة الدبلوماسية الرسمية في تدبير ملف الوحدة الترابية

معالم نكسة الدبلوماسية الرسمية في تدبير ملف الوحدة الترابية
الخميس 16 ماي 2013 - 16:43

بالنظر إلى واقع الموقف التفاوضي المغربي قبل وبعد القرار الأممي الأخير رقم 2099 حول الصحراء نلحظ معالم نكسة دبلوماسية رسمية واضحة، يجسدها تقدم الحليف الاستراتيجي والتاريخي للملكة المغربية في قضية الوحدة الترابية الولايات المتحدة الأمريكية بمقترح خلق جهاز أممي مستقل لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

إن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية بمبادرتها هاته من دون مشاورات مع المغرب يكشف أن قنوات التواصل مع المغرب شبه منقطعة رغم التوقيع بواشطن بين هيلاري كلينتون ووزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني على الحوار الاستراتيجي الأمريكي المغربي.

تراجع التواصل المغربي الأمريكي جسده عدم تبادل المكالمات الهاتفية بين الملك محمد السادس وباراك أوباما اللهم المكالمة الوحيدة بينهما خلال الأيام القليلة أي مباشرة بعد سحب الولايات المتحدة الأمريكية لمبادرتها الحقوقية وصدور القرار الأممي الأخير بالصيغة التي عليها اليوم.

معالم تراجع الدبلوماسية المغربية تجسدت أيضا في كونها تفاجأت بالمبادرة الأمريكية على الرغم من أن المغرب عضو بمجلس الأمن الدولي، أي أن الدبلوماسية المغربية علمت بالقرار كباقي الأعضاء، عنصر المفاجأة في تحرك الدبلوماسي المغربي وتداعياته أيضا وهو ما أورده كريستوفر روس في إفادته أمام مجلس الأمن الدولي يوم 22 أبريل 2013 حين يقول: “كان الملك محبطا ومتأسفا كثيرا، وكان قد سمع بهذا الخبر للتو”.

معالم تراجع قوة المغرب في شبكة العلاقات الدولية كشفه إستبعاد باريس رفع الفيتو في وجه القرار الأمريكي على الرغم من علاقاتنا الإستراتيجية مع فرنسا، ورغم استقبال المغرب بعد أيام على القرار الأمريكي في استقبال رسمي كبير تم خلاله التوقيع على حوالي 19 اتفاقية بين البلدين.

وبناء عليه، فإن الدبلوماسية المغربية واحتفلت بالقرار الأممي الأخير من دون توسيع صلاحيات بعثة المينورسو، فإن ذلك لم يكن أن يتأتي من دون الالتزام بتعهدات مجحفة للموقف التفاوضي المغربي درءا لتداعيات سياسية لها ما بعدها على حد قول رئيس البرلمان الجزائري مؤخرا.

كما أن سحب المبادرة الأمريكية لا يعني أنه تم استبعادها بصورة نهائية، بل إنها تعد تمديدا زمنيا أمام المغرب لتحسين حقوق الإنسان في الصحراء، وقد وردت هذه العبارة بشكل مركز في القرار الأممي 2099 حين ينص “على ضرورة تحسين وضعية حقوق الإنسان في الصحراء في مخيمات تندوف”، وحث الأطراف “على التعاون مع المجتمع الدولي لوضع وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان”.

تضاءل الحضور المغربي على المستوى الدولي، يبرز واضحا في انتقاص شخصيات مصرية اليوم على دور لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، واقع يترجمه التحرك الملكي في الجولة الخليجية قبل شهور، وجولته الأخيرة في محاولة لاستعادة هيبة الدبلوماسية المغربية.

إن المصادقة على القرار الأممي الناسخ لمقترح القرار الأمريكي واستبعاد اعتراض فرنسا على ذلك بورقة الفيتو كشف عن هشاشة التحالف الاستراتيجي الدولي لشبكة علاقات المغرب، وفشل بنية دبلوماسيته التي عاشت على وقع الصدمة لما اقترحت أمريكا قرارا ضد حليفها الاستراتيجي المغرب.

وعلى الرغم من سحب القرار الأمريكي إلا أن القرار الناسخ تبقى له تداعيات جيوسياسية خطيرة جدا على المغرب، ومنها تهديد توازنه في معادلة الصراع الإقليمي لصالح الجزائر، والإضرار بوضعه الجيوسياسي إفريقيا، في حين يمنح الجزائر امتيازا في طموحاتها بالهيمنة على المنطقة المغاربية ويضمن لها نفوذا مجاليا وجيوسياسيا على المستوى الافريقي.

وبناء على ما سبق فإن هذا القرار يهدد الأمن القومي للمغرب شئنا أم أبينا، سيما وأن تداعياته تهدد عناصر القوى السياسية والسيادية للمغرب بما فيها هيبة القوى الأمنية والقوى العسكرية والقوى الفكرية والدينية في المنطقة.

واقع الحال هذا يكشف عن ملامح مستقبل سياسي تتراجع فيه قيم الوحدة والاجماع المغربي بخصوص قضايا الوحدة الترابية والكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، لاسيما أن المغاربة يستشعرون الكثير حيال القضية الوطنية الأولى، المربوطة كما قال الحسن الثاني ببنية العرش. وكذا لما كلفت المغاربة من التعبئة المادية والبشرية والسياسية والأمنية والعسكرية.

إن التراجع عن قرار توسيع صلاحيات المينورسو ليس تراجعا نهائيا، وهو ما يفيد ببداية تشكيل ملامح جديدة للوضع السياسي للأقاليم الصحراوية تتجاوز وضعها السياسي والتاريخي الخاص، في افق تنميطها بمضمون سياسي دولي يجعل منها منطقة نزاع دولي.

وبناء عليه، فإنه يتوقع أن لا ينتج عن المفاوضات التي يستعجلها مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير 2099 الصادر في 25 أبريل 2013 بنيويورك أي حل لنزاع الصحراء، ذلك لأن إطالة أمد النزاع يصب في صالح الجزائر وتنظيم البوليساريو، في انتظار ربح مكاسب حقوقية بزيادة الضغط على المغرب دوليا واقليميا.

وعلى العموم يبقى أمام الدبلوماسية المغربية الكثير من المعطيات القوية لدعم موقفه التفاوضي في الصحراء، حيث أكد روس على وجود كثافة سكانية جد مهمة من المؤيدين لمقاربة الحكم الذاتي، منبها إلى أن حالة التدبير الفاشل المتواصلة في أقاليم الجنوبية ستزيد من شدة الاحتقان الاجتماعي الذي يتصيده انفصاليو الداخل للخروج به نحو مظاهرات سياسية تطالب بالإنفصال عن المغرب.

وللمغرب أيضا إمكانية لاحتواء التظاهرات على قلتها عبر إصلاحات تستهدف الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي، وتطبيق مبدأ الإشراك والمشاركة نحو تحقيق عدالة اجتماعية، لاسيما أن دوافع المظاهرات لا تعدو أن تكون نكاية بحالة الفساد في التسيير وانعدام العدالة الإجتماعية، بدليل أن مطالب العديد منهم للمبعوث الشخصي كريستوفر روس جد محدودة منها المطالبة بحياة أفضل وإشراكهم في المفاوضات على المستقبلهم بشكل معقول، وكذا المطالبة بتطبيق الحكم الذاتي بضمانات أممية.

وعليه فإن للدبلوماسية المغربية الكثير من الدفوعات لإضعاف البوليساريو التي لا زالت تعارض العديد من القرارات الدولية، حيث أعادت التأكيد على مواصلة تعنتها، حينما رفضت حوارا شاملا بين سكان الصحراء لتحديد مستقبلهم، وكذا بعد التأكيد على رفضها طلب روس بشأن التسجيل الفردي للاجئين.

٭محلل سياسي متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي

‫تعليقات الزوار

5
  • خليد
    الخميس 16 ماي 2013 - 23:16

    حل هذا المشكل يكمن في رأيي بتنازلات من كلا الطرفين. نحن نعرف أن المغرب، على أرض الميدان، يسيطر على 80% من الأرض و البوليساريو 20% المتبقية من جانبي الجدار الدفاعي.
    اقتسام الصحراء مع تهجير للسكان، الذين يريدون الإنضمام للمغرب من ناحية و الذين يرغبون للإنضمام لRASD من ناحية أخرى. التقسيم يجب أن يتم مناصفة، النصف الجنوبي لRASD و النصف الشمالي للمغرب.

  • sebbar
    الجمعة 17 ماي 2013 - 02:03

    المشكل عندنا ولا لوم على أحد غيرنا.
    لو حقق المغرب حدا محترما من التقدم في مجال التنمية والديمقراطية والعدالة الإنسانية لما رأيت أحدا من أبناءه يطالب بالإنفصال عنه، بل لرأيت الشعوب المجاورة تهاجر إليه سريا كما يهاجر أبنائه اليوم سريا إلى أروبا.
    منذ أكثر من عشرين سنة ونحن نرى شبابنا الذين انغلقت أمامهم الآفاق يمتطون قوارب الموت فرارا من وطن خيب آمالهم في عيش كريم، فلماذا نعجب من شباب صحراوي يفر بدوره من وطنه إلى كيان وهمي آملا في غد أفضل؟
    لقد سبق لي أن زُرت الصحراء،وكم كانت صدمتي كبيرة عندما اكتشفت أن أعتى الإنفصالين ليسوا سوى أبناء كلميم وطنطان وهي أقاليم غير متنازع عليها أصلا، إضافة إلى الجيل الثاني من أبناء المخيمات الذين استقدم المغرب آباءهم من قلعة السراغنة وسيدي قاسم(أولاد دليم) وسيدي بوعثمان من أجل دعم موقفه في الإستفتاء،فاستقطبت أطروحة الإنفصال جل أبنائهم!

  • خالد الوردي
    الجمعة 17 ماي 2013 - 10:35

    مؤشرات عديدة تنحو بقضية الصحراء نحو حل الانفصال، والمغرب في موقف لا يحسد عليه، ومنذ الآن على المغرب أن يعد العدة لمواجهة الاحتمال الأسوأ، السؤال الذي أطرحه على الأستاذ الفاتحي هو كيف ستتفاعل المؤسسة الملكية مع الاحتمال الأسوأ خاصة إذا علمنا أن قضية الصحراء كانت ولا تزال مسوغا أساسيا للمشروعية الملكية وأساسا من أسس التوافق بين الملك وباقي الفاعلين في الحكم، ومن جهة أخرى ما هو مصير المؤسسة العسكرية في حالة فقدان المغرب للصحراء خاصة وأن قضية الصحراء شكلت على الدوام مسوغا لنوع من اقتسام النفود السياسي والا قتصادي والرمزي بين الملك والمدنيين في الشمال والعسكريين في الجنوب، بمعنى هل سيرضى العسكر بوضعهم الجديد ام ستصبح لديهم مطامع سياسية كما حصل في بداية سبعيبيات القرن الماضي؟

  • lahoumعA
    الجمعة 17 ماي 2013 - 21:06

    STOPهذه هي الحقائق:
    – التراحع و النكوص الأمريكي ،يرجع إلى حزم العاهل المغربي و تحركه السريع لإحباط مسعى أعداء وحدة المملكة المغربية.
    – وصول تقارير إستخباراتية عاجلة و مكتومة عن التعبئة الشعبية الكبيرة غير المسبوقة في المغرب التي تتعاظم ضد الأمريكان ، مرسلة مباشرة من ضباط مخابرات سفارتها في الرباط بحيث تجاوزوا السفير المعتمد، مضمونها:(أن أي “لعب” مع المملكة في شأن سيادتها الفعلية على الصحراء المغربية سيسبب مصائب في المنطقة لأمريكا هي غنية عنها).
    – التراجع الأمريكي سببه تحفظ عبرت عنه فرنسا و إسبانيا و إيطاليا ،إذا ستشتعل المنطقة لخطإ جسيم في تقدير عواقب قلب ظهر المجن للمملكة المغربية، و الكل سيكون خاسرا في آخرالمطاف ..
    – تنبه الرئيس أوباما و بطانته متأخرين،إلى أن أمر الإصرار على تضمين القرار الأممي 2099بـ”مراقبة حقوق الإنسان” في الصحراء المغربية لم يكن بريئا تماما،إثر نشاط اللوبي الأمريكي-الجزائري مدعوما بروس الذي ربط علاقات متينة بنظام جنرالات الجزائر و مهمته تسهيل نشاطات شركات نفط وغاز أمريكية.
    و لكن الأكيد في هذه الواقعة أن جنرالات الجزائر،منوا بهزيمة ديبلوماسية فاقعة و مشهودة !.

  • جواب على السي خليد
    السبت 18 ماي 2013 - 10:14

    – المغرب في صحرائه ويسيطر على 100% من الأرض واستثمر الملايير من الدولارات للإصلاح هذه الأرض
    – البوليزاري تسيطر على عدة كيلومترات داخل الحدود الجزائرية وعدد سكانهل لا يتجاوز 50000 على ابعد تقدير وأغلبيهم محتجزون
    – سير تراجع دروسك وخليك من التعليقات البليدة فهي تضحك هاهاها

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة