بطل بدون مجد، لماذا تتستر الجزائر على نهايته؟

بطل بدون مجد، لماذا تتستر الجزائر على نهايته؟
الجمعة 24 ماي 2013 - 15:16

من أرشيف المخابرات الفرنسية: بطل بدون مجد، لماذا تتستر الجزائر على نهايته؟ (1)

في صبيحة 2نونبر.1916,استفاقت قبيلة أولاد زكري(الزكارة) ,الواقعة على بعد25كلم جنوب غرب وجدة ،ضمن شعاب الكتلة الجبلية التي تحمل اسمها,على خطب جلل تمثل في اقتحام كتيبة عسكرية فرنسية لتحصيناتها الطبيعية ,وسعيها الحثيث صوب مركز قيادتها بوادي مسفركي (ديار أولاد بوريمة)؛حيث اعتقلت قائدها بلعيد ولد رمضان الزكراوي وبطانته المكونة من أعيان وشيوخ الدواوير ؛وقد بلغ عدد المعتقلين اثني عشر فردا(12)؛ اطلق سراحهم فيما بعد عدا القائد.لا يزال كبار السن ,الى اليوم, يؤرخون بهذا الحدث فيقولون:عام الميعاد؛والميعاد عندهم يعني جمع الأعيان.

اسقط في أيدي الناس ,رغم شراستهم المعروفة ,كسكان جبال شماء, لا يرضون باستباحتها من أحد ,وبالأحرى من هذا العدو النصراني المتعجرف.اقتيد القائد وهو يرسف في أغلال العسكر الفرنسي؛فكان أقرب ما يكون الى سلالته من الشهداء :عمر المختار ,موحا وحمو الزياني,الحنصالي, وغيرهم.. .

لماذا اعتقل هذا القائد ؟ وكيف انتهى به الأمر سجينا ؟ وبأي مكان ,وبأية طريقة فاضت روحه الوطنية الأبية؟ على مدى عشرات السنين لم يتعد الأمر أقاويل غير دقيقة تروج بين أفراد القبيلة:

من قائل بأنه رحل أسيرا الى سجون كاليدونيا الجديدة ,وعاش بها بقية حياته ؛مخلفا ذرية لا تزال هناك ؛ومن قائل بأنه اعدم بعد شهور من اعتقاله بسجن تلمسان بالجزائر؛ومن قائل بأنه مات في سجون فرنسا ودفن بمونبوليي.

ظل لغز القائد بلعيد قائما ,ومع توالي السنين طوى النسيان الحدث,ولم يعد سوى ذكرى مؤلمة في أذهان كبار السن ,وذوي المعرفة بتاريخ القبيلة.أما بالنسبة للبعض فقد طفقوا يبحثون عن كنز يحمل اسم “لويز القائد بلعيد” اذ شاع وسط الباحثين عن الكنوز بأن القائد طمر كنزا كبيرا في مكان ما من القبيلة.

.لنترك هذه الفئة فيما هي فيه ,الى اليوم,لأن التاريخ والبطولات والوطنية أمور لاتعنيها.

في بحر سنة 1973 ستنجز أول خطوة جدية لمعرفة الكيفية التي انتهى بها قيدوم شهداء الوطنية هذا ؛وقد تمثلت في مراسلة السيد محب أحمد الزكراوي الريماوي،رحمه الله, للسلطات الفرنسية المختصة ,في الموضوع ،فتوصل بالجواب

الأتي:

الترجمة:

” الضابط ,الموثق العام رئيس الأرشيف المركزي للعدالة العسكرية بمدينة مو؛يشهد أن: بلعيد ولد رمضان؛ ابن رمضان ولد محمد والزهرة بنت رحو. المولود حوالي 1871 مهنته فلاح ,والساكن بمسقط رأسه ,حيث كان قائدا؛ ادين في 28 أبريل 1917، من طرف المجلس الحربي الأول المنعقد بعمالة وجدة ،بعقوبة صدر بخصوصها عفو بموجب قانون
26 دجنبر1931 ؛والذي صار مطبقا في المغرب بموجب المرسوم 3يونيه 1932.

وقد اعتقل ،بموجب هذا ،من 2نونبر1916 الى 5ماي 1917 بالسجن العسكري بوجدة ؛وفي هذا التاريخ الأخير نقل الى السجن المدني بتلمسان.”

في 5مارس1973 الطابع وبداخله:العدالة العسكرية/المخزن المركزي للأرشيف/مو .

تنتهي المراسلة بالملاحظة الآتية: يشرفنا أن نحيط الطالب علما بأن المخزن المركزي لا يمسك أرشيف السجون المدنية. يفهم من هذه الوثيقة الرسمية أن الرجل بقي أسيرا من 2 نونبر 1916 الى 26دجنبر1931(أي أربعة عشر عاما وثلاثة أشهر).

اذا كان ما تورده الوثيقة ,بخصوص استفادته من العفو,صحيحا فلماذا لم يعد الى قبيلته وعشيرته؟

لم يكن القائد بلعيد ايا كان حتى يختار عدم الرجوع الى قبيلته ،يضاف الى هذا أنه كان شديد الثراء.

يقول التقرير المخابراتي ،الذي أعتمد في ادانته-وهومحرر من طرف القبطان جوليا؛المكلف بتسيير دائرة الاستعلامات بوجدة؛و موجه الى مندوب الحكومة الفرنسية لدى المجلس الحربي بوجدة(بطلب منه):

” يمكن أن نقول أيضا بأن كل مستبد يخفي بين ثناياه طامحا :ربما كان بلعيد يتمنى ,بفعل توجيه من ذكريات هيمنة والده,أن يرى في مستقبل قريب أو بعيد ,انبعاث عهد الاستقلال ,عهد الحرية ,الذي يجب أن يعقب طرد النصراني ؛الممقوت دوما من كل مسلم جيد” ويواصل التقرير:” هذا ما يبدو لنا السبب الذي دفع بلعيد الى اقتراف أقبح الأخطاء ,بالتآمر مع سليمان بن سليمان ,وفرض هذا المغامر على أفراد قبيلته ؛والاحتفاظ به ,رهن يمينه, لاستغلاله في الوقت المناسب ,واستخدامه في بث التعصب (ضد النصارى طبعا:المترجم) في قبيلته.

نعم كل هذا النضج والتبصر من الرجل؛ والمغرب لا يزال حديث العهد جدا بالاستعمار.يخطئ كل من يعتقد ,بل يرسم, أن الحركة الوطنية ولدت في المدن الكبرى على أيدي النخبة،في ثلاثينيات القرن الماضي.لم يكن القائد بلعيد سوى قائد قبلي أمي ؛لكنه صمم واستعد للمنازلة ؛ولو لم يجهض مشروعه بفعل أذناب المستعمر ؛كما يؤكد ذلك التقرير ألاستخباراتي،إياه ,لكان تاريخ الوطن ترصع بملحمة قتالية زكراوية,على غرار الملاحم الزيانية والباعمرانية والريفية وغيرها.

يستمر اللغز ,ويستمر الجهل بالرجل ؛عدا بعض الكتابات التاريخية والصحفية ,والتصريحات الحزبية الاستقلالية المناسباتية.ولعل السبب في كل هذا ليس الجحود وإنما ندرة المعلومات؛ان لم نقل انعدامها. ولا بد أن أحتج هنا على العدالة الجزائرية ,القابضة على أرشيف سجن تلمسان؛حيث نقل الرجل ,كما تؤكد ذلك الوثيقة الرسمية.لقد راسلتها مباشرة ,وعبر الصحف منذ قرابة الخمسة عشر عاما,دون أن أحصل على أدنى اجابة تخص الرجل؛خلافا للعدالة الفرنسية – وهي الجانية-التي استجابت بسرعة للطالب المذكور.
ورغم بخل الأرشيف الجزائري ,وربما ضعف ذاكرته – كما يعاني منها المغرب اليوم- ستتدخل القدرة الإلهية لجعل الجانب الكبير من اللغز ينكشف:

منذ أزيد من سنة زارني بمنزلي في مسفركي,في مساء يوم رمضاني, الباحث الأنثروبولوجي الفرنسي “أرييل بلانييكس ،ARIEL PLANEIX

؛طالبا لمعلومات تاريخية يستثمرها في موضوع رسالة دكتوراه ينجزها عن القبيلة.
….

وباعتبار القائد بلعيد رقما صعبا في تاريخ أولاد زكري لا يمكن تجاهله فقد حدثته عما كان من أمره ,وكيف صارت قضيته لغزا محيرا ؛ولما لمست منه اهتماما بالموضوع مكنته من الوثيقة المترجمة أعلاه ,والتمست منه أن يساهم في حل اللغز ؛وهو الباحث الذي خبر أرشيفات بلده ,وعرف كيف ينطق دهاليزها ؛ووعدته في المقابل أن أمكنه مما لدي من الوثائق ” علاقة رابح /رابح” هذه جعلتني أتسلم صبيحة يوم 22 نونبر2010 بريدا مهما منه ,تأخر عن الوصول الى مسفركي أزيد من أربعة وتسعين عاما(94) أي منذ اعتقال بطلنا.
يتبع

‫تعليقات الزوار

5
  • ابنادم
    الجمعة 24 ماي 2013 - 16:21

    لسبب بسيط حتى لايعترف ان تلمسان مغربية ولايتم ذكر مساندة شهداء مغاربة في الدفاع عن شرفهم الله يستر من قوم ينكرون خير الجار عليهم
    ونحن في انتظار البقية

  • "From Yad Vashem with love"
    الجمعة 24 ماي 2013 - 20:08

    مشكور اخي رمضان على المعلومات القيمة. كم حاجة اضعناها بتركها.
    بمناسبة ما نشرته سابقا عن تلك الرسومات، اتصلت كما وعدتك بأحد أصدقائي المختصين. وكان رده ان المنطقة المعنية قد استوفت حقها من البحث الاثري سواء ابان الاستعمار الفرنسي أو بعده، وقد تم جرد وتقييد جميع خصوصياتها ومعطياتها الاثرية وايداعها في معهد الآركيولوجيا والمراكز التابعة. المنطقة، حسب أقوال صديقي، مشهورة بالقبور/المدافن الجماعية كما أشرت أنت ايضا.
    تحياتي

  • Ny med man
    الجمعة 24 ماي 2013 - 22:22

    تحية خالصة إليك يا أستاذ وشكرا على إثارة مثل هذه المواضيع التي تثري ولا شك الدراسات التاريخية للمغرب الشرقي والتي لا تزال نادرة ،خاصة ما تعلق بالقبائل والتي ساهمت في محاربة التدخل الاجنبي حتى قبل فرض ما يسمى بمعاهدة الحماية 1912 ،والذي كان قادتها النجوم الساطعة في سماء المقاومة التي عرفتها البوادي.

  • الرياحي
    السبت 25 ماي 2013 - 11:08

    تحية لأخينا الأستاذ الجليل مصباح.أنت لك أكثر من " نَبلة في قوسك" كل مرة تأتينا بموضوع جميل نستفيد منه مرتين.الأولى هي عربية أنيقة لامعة بليغة شعرية.في هذا الصدد أخدنا عنك كثير من الأبيات الشعرية من جُب ولب لغتنا الجميلة.ثانيا المحتوى تجولنا معك من هنا إلى هناك عبر التاريخ والجغرافية.كل المغرب يعرف أولاد زكري .إذا ذكر مصباح ذكرت "أولاد زكري" وإذا ذكرت "أولاد زكري" ذكر رمضان مصباح.نضيف أن عديد من المغاربة قاوموا أيضا بصفة فردية ومنهم من "طرش" مستعمر أو تفل في وجهه أو خرب ماله وزج بهم في السجون وأن المقاومة بدأت في كل أرجاء البلاد , ما إن وطئت رجل المحتل هذا البلد الأمين.
    طاب وقتكم
    ——–
    الرياحي

  • talilit
    السبت 25 ماي 2013 - 15:57

    بارك الله فيك يا أستاذي الفاضل على هذه المواضيع القيمة و اشكر فيك حرصك على التاريخ أدا رمضان في إنتظار التتمة بفارغ الصبر ، رحم الله شهدائنا الأبرار
    tanmmirt tamoqrant

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات