للحرية .. أعداؤها

للحرية .. أعداؤها
الجمعة 27 شتنبر 2013 - 15:18

يتعاظم الاهتمام بالحرية كونها قيمة إنسانية عليا، إن لم تكن الأعلى. إلا أن الحرية تبرز أول ما تبرز في الجهاز المفاهيمي للإنسان بصفتها مناقضة للاستبداد السياسي، أو باختزال شديد، كترجمة لحرية الفرد في اختيار من يحكمه. أو بشمولية أكثر هي “حرية الإنسان في أن يفعل ما يريد حين يصمت القانون”.

من هنا يجبرنا الفهم العام على رسم حدود ضيقة جدًّا للحرية، وعلى تعريفات مبتسرة في أحيانًا كثيرة، لذا نجد كثيرًا من الناس يكتفي بقياس الحرية بناءً على الحرية السياسية التي تبدو بمنزلة العمود الفقري لبقية الحريات للتدليل على توفرها واستيفاء شروطها، أو بالحرية الدينية كحفظ هوية الجماعة من خلال حماية رموزها وإقامة شعائرها حيث يُتَعامَى عن الحرية الاقتصادية والاجتماعية بشكل لا يخلو من الريبة.

إن الهستيريا الغرائزية المصاحبة لسطوة الرأي العام المحيطة بنا تجعل مسؤولية توسيع النقاش حول الحرية ونقلها إلى حيز آخر لا يقل أهمية عما ذكرنا هي مسؤولية لا تحتمل التأخير، فهذا الجنس من النقاشات (الحقوق الأساسية للإنسان) و(حكم الشعب لنفسه )تُجُوِز منذ وقت باكر وراح الفلاسفة يغوصون في مُحيطات أعمق في الجانب الساعي لتقديم إجابة شافية عن كُنَه الإنسان الحر. أو ما الشروط الواجب توفيرها لكي يمارس الإنسان حريته، وما الظروف الملائمة التي تحمي حرية الاختيار أو توفر “حرية آمنة”.

إذًن، وببساطة شديدة، لم تعد الحقوق السياسية تحتل المكانة المرموقة ذاتها في جدول أعمال الأندية السياسية في النقاش الدائر بين بعض الليبراليين وبين “الجمهوريين الجدد”. فيما عدا نقطة مقدرة النظام الديمقراطي على تمثيل إرادة الناس وفق حرية آمنة. يكمن الفارق الجوهري في النقاش الفلسفي الذي تدور رحاه بين المدرستين في التالي: بالنسبة إلى الليبراليين عدم تدخل الآخرين في حياة الفرد، وامتلاكه لإرادة كاملة على خياراته التي لا يكرههُ عليها أحدث باستثناء القانون هي كمال الحرية. أما بالنسبة للجمهوريين الجدد فإن الإنسان الحر هو المُنعتق من تسلط الآخر، والمتحرر من التبعية، سواء كان هذا الآخر حاكما مستبدًا أو طغمة سياسية، أم مؤسسة دينية، أو شركة تجارية، فإن الحرية بالنسبة للجمهوريين الجدد نبتةُ خضراء طرية لدرجة يمكن لريح بسيطة أن تقتلها.

في خضم الحديث عن الحرية أود التركيز على نوع محدد من “قتل الحرية” يمارسه المجتمع بحق أفراده عن طريق الهيمنة والتسلط. فالهيمنة تتخذ أشكالا مختلفة، وقد يكون الاستبداد السياسي في بعض النماذج أقلها تطفلا على حرية أفراد المجتمع، فمحاولة تكميم الأفواه وقسر الأفراد على تبني خيارات معينة ليست حكرًا على الحكومة المستبدة التي تملك أدوات القمع، وسلطة تطبيق القانون دون ما أي مساءلة، إنما هناك قمع وإجبار يمارسه المجتمع ضد أفراده، يُسمى ب”الطغيان الاجتماعي”، لا يقل بشاعة عن ما تُمارسهُ السلطة المتجبرة إن لم يفقها. فالإكراه الاجتماعي كما يصفه ستيورت مل “لا يترك وسائل كثيرة للإفلات منه”، ويتغلغل في تفاصيل الحياة الخاصة للأفراد دونما رادع، فيحدد لهم ما هو مسموح وما هو ممنوع الحديث حوله وفيه. ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي. ما هو محبوب وما هو مكروه اجتماعيًّا. أكثر من ذلك، يستأصل هذا التغول باسم الأغلبية الاجتماعية كل رأي يحاول النمو نموا طبيعيًّا خارج هيمنة الجماعة، وبهذا يتحول رأي الجمهور وسطوته إلى استبداد (اجتماعي) جديد.

نقول كل ذلك دون أن نغفل حق الجماعة في الاعتراض على الرأي بالرأي ومقارعة الحجة بالحجة، لكن دون مصادرته أو قمعه، وإن الغاية الوحيدة التي يسمح بها لتدخل الجماعة في حرية الفرد هي حالة الإيذاء المباشر للآخرين، أما ما دون ذلك فيعد تدخل سافر في حرية التعبير، وإن كان هذا الرأي غير ذي قيمة لدى الجماعة. ينبغي السماح للرأي بأن يأخذ مجراه الطبيعي وسط المجتمع المدني مهما بدا ناشزًا، وإلا فإن الكلام عن الحرية والتحرر من الاستبداد عُدَ تسويفا.

وسط هذا الهيجان العاطفي يتكاثر أعداء حرية التفكير والتعبير بشكل غير مسبوق، وهم مستشرسون في قمع خصومهم، ومحاولة النيل منهم بكل وسيلة، لكن ما لا يستوعبه هؤلاء، ويسيئون تقديره دائمًا، أن مسامات الحرية تتوسع باطراد، وأن الاستفراد بالرأي بات مستحيلا، وأن زمن ترهيب المخالفين قيل له ارحل!

‫تعليقات الزوار

6
  • abdelali
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 16:14

    شكرا للأخت.
    "أنت حر في بيتك".هكدا عرف يتيم البجيدي. هكدا يعرف إخوان الشر الحرية. يقول الإخوان بأن الفضاء العام هو لهم وليس لغيرهم بحجة الدستور "الاسلام دين الدولة". قلنا لابأس. لكن ما إن تستضف خليلتك في بيتك تتداهمك الشرطة.

  • ملاحظة
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 16:40

    الاسلاميون اتباع الثقاة الصحراوية العربية و الديكتاتوريون الرافضون لتقاسم سلطتهم المطلقة مع الفرد هم اكبر اعداء الحرية , لهذا يسخرون كل جهدهم لتخويف الناس منها و ربطها بالجنس و الفاحشة .
    مع ان المواطن العاقل يكفيه القليل من التفكير ليقارن وضعه الاخلاقي مع باقي الشعوب التي تحترم حرية الفرد ليرى ان المجتمعات التي ترفض الحرية هي الاكثر فاحشة

  • ابويه محمد
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 19:16

    الى صاحب التعليق رقم (2 اللي كان خوانجي) ويا من يزعجه الاذان ويحب الاكل في رمضان امام الملا وفي واضحة النهار لي طلب واحد عندك وهو يوم تطلع روحك عند باريها ستجد نفسك مدفونا بجوار الشياطين مثلك ….

  • أبـــوأمـــيـن ـــ إيــطالـيـا
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 21:37

    بسم الله الرحمن الرحيم
    2-KANT KHWA
    من شروط النشر:
    عدم الإساءة للكاتب أوللأشخاص أوللمقدسات أومهاجمة الأديان أوالذات الإلهية،والابتعادعن التحريض العنصري والشتائم.
    عذابك الأبدي أيهاالمتنورأنك ولدتَ ببلد إسلامي،ولو أن أغلبنالا يطبق إلا طقوسه.أراك تلهث ومرابط بهسبريس تكيل للإسلام ونبي الإسلام ماجادت به طبيعتك التنويرية ذات القيم الكونية،سبحان الله هناك من يزعجه الآذان وآخرين أسلموا فقط لسماعهم نداء الصلاة.
    ما سرعداوتك المفرطة للإسلام ونبيه ص ؟
    أتفق على ما يقع في السودان سوريا والحجاز،لكن ذلك لا يجعلني أخدش الحياءأوالدوس على معتقدات مليارويزيد ممن تعلن عداك لهم.
    إنك في كل تعاليقك تكادتطيرمن المقلة!أتعجب كيف مكث ببطن أمك حتى الولادة.
    الإعلام الآن مسلط على المسلمين لوإنتبهتَ وفُتِحَتْ بصيرتك لرأيت الغرائب في البلدان التي تقدسها،لقد حققوا تقدماتكنولوجيارائعاويثمنه كل عاقل لكن على حساب الإنسان والطبيعة وإفناءالبروالبحرمن أجل Time is moneyأو Dio Denaro حاول يامن كنتَ KHANJI أن تترفع،وكما قال أعداءك العروبية (السمابعيدعلى إنبيح لكلاب)
    في الأخيرأنبهك أنك تكثر،"إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"
    سلام

  • Karitha
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 23:34

    الحرية….مصدر الفساد و منبع الظلم و الطغيان:ان الحرية بكل المعاني التي وضعت لها هي اساس الديمقراطية,و هي القاعدة التي يبني عليها المشرع تشريعاتة,و يستنبط منها ما يرى معالجة للمشكلة التي يريد ان يضع لها قانونا لمعالجتها.و لهذا كانت الحرية في نظر معتنقي هذا المبدء هي المثل الاعلى الذي يجب تقديسه,بالرغم من القيود الكثيرة التي وضعت لها.و اخرجتها في كثير من الاحيان عن معناها,حتى باتت لا معنى لها,الا في مجالات معينة.و مع ذالك فقد بقيت الحرية مصدر فساد و منبع ظلم و طغيان.ان كل ذي عقل يرى ان الحرية بمعناها المطلق انما تعني الانحدار بالانسان الى درك الحيوان بل احط من ذالك بكثير.فحين يندفع الانسان لاءشباع جوعاته الغريزية و العضوية دون قيد فانه يتصرف طبيعيا كما يتصرف اي حيوان سواء بسواء,لاؤن الدوافع واحدة,فهي جوعات غريزية او جوعات عيضة تدفع بصاحبها بمقدار,ما لديه من طاقة حيوية و قدرة جسدية لا يحول دون ذالك الا قوة اخرى قاهرة تمنعه ذلك.هذا هو الانسان من حيث انه حيوان,اما وقد ميز الله الانسان بالعقل,و اختصه بهذا الفضل وهذه النعمة,فماذا يفعل بهذا الفضل?,وكيف يستغل هذه النعمة?

  • عامــر الدلـــيمــي
    السبت 28 شتنبر 2013 - 09:34

    "الحرية" حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض. ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى:((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال