الوجه الآخر لسباق البيضة

الوجه الآخر لسباق البيضة
الجمعة 14 فبراير 2014 - 15:00

الأحد 09 فبراير 2014. وصلتُ إلى عين المكان عند 7:58 صباحا. لمحت الوجوه المألوفة وبذلات المولودية الخضراء الجميلة لأصدقائي في التدريب. غمرتني الإثارة عند رؤية المنصة العالية، والرايات الملونة، والشاشة الكبيرة التي تنبعث منها زركشة متحركة، والفرقة النحاسية وفرقة العلاوي المحلية، ولافتة الانطلاق عالية، وبضع خيمات نصبت جهة باب عبد الوهاب. استغربت قليلا لرؤية حشود من الناس، فأهل المدينة عادة لا يستيقظون باكرا صباح الأحد.

لفت انتباهي رجل يضع “الصابو” لسيارة كانت واقفة بالقرب من نقطة الانطلاق. انحنى وانكب على تركيب الجهاز الحديدي بيده اليسرى، وحين نظرت إلى يده اليمنى متعجبة لعدم استعانته بها وجدته يحمل بين أصبعيه سيجارة شارفت على الفناء. تتابعت الشاحنات المحملة بالبيض وتوقفت قرب مركز الحدث. بعد مدة حصلتُ من مدربي على قميص الفريق الذي سأُجري به السباق، ثم على الورقة التي تلصق عليه، مكتوب فيها رقمي: 2118. رقم دال وكان علي التفكير فيه لوهلة. كتبت على وريقة لاصقة ملحقة بالأولى اسمي والحروف الأولى للمولودية الوجدية لألعاب القوى والفئة العمرية التي أنتمي إليها. أوصاني المتسابقون بالحفاظ على هذه الوريقة من السرقة !؟ وضعتها في جيبي وأبقيت على يدي داخل جيبي، ثم أخرجتها ولم تبرح راحة يدي بعد ذلك.

بعد حوالي ساعة من الزمن بدأنا نتساءل. تساءلنا عن المسافة التي من المفترض أن تتنافس فيها كل فئة. تساءلنا عن مسار السباق. تساءلنا أين سنغير ثيابنا. تساءلنا أين سنضع حقائبنا. تساءلنا من هي الفئات التي ستحصل على الجوائز المالية الخمس الأولى. تساءلنا إن كان الذكور والإناث سينطلقون معا. تساءلنا إن كانت الفئات ستقسم أم تخلط معا في آخر لحظة. تساءلنا أين اتجاه الانطلاق أهو الشرق أم الغرب. لا أعلم لماذا لم تُستغل القدرات الرقمية للشاشة الكبيرة لإزالة العشرات من الالتباسات. زادت الحشود اكتظاظا واختلط الجميع بالجميع. أوصيت صديقين بإعلامي حين يبدؤون الإحماء.

قطعتُ مسافة 8 كيلومترات في ظرف 36 دقيقة و00 ثانية. توجهت بعد وصولي إلى غرف الوضوء العمومية التابعة لفضاء المسجد والمركب التجاري. خرج من فمي كلام حين رأيت الحارس ينظر إلي: “وجعوني جنابي بالتخلف، ماشي بالجرى”. دخلت تاركة إياه يضحك، فألهيته عن الأفكار التي أظنها تزاحمت في رأسه حين رآني. غسلت وجهي ويدي بالماء الفاتر مرات عديدة حتى ارتوت بشرتي، ثم ملأت قنينتي بالماء ورحلت.

تمنيتُ حين كنت على وشك الانطلاق لو أنني أؤدي مناسك الحج، فالتزاحم هناك بركة. دفعتني الحشود وقد اختلط فيها الجميع بالجميع، وإن كان المنادي قد نادى على الفئات ما بين 18 و 39 سنة فقط. شيئا فشيئا وجدت نفسي بعيدة عن نقطة الانطلاق الرسمية بحوالي 30 مترا. تراكم حولي العشرات والعشرات من المراهقين والكبار، ذكورا وإناثا، من المنتمين إلى النوادي الرياضية ومن غير المنتمين وما أكثرهم، وذوو الاحتياجات الخاصة، و”منظموا” السباق، وبعض الآباء والأولياء وبعض الجمهور، وربما بعض مالكي البيض أيضا. بح صوت المنادي وهو يكرر طلب إخلاء سبيل المتسابقين، وكأنه يكلم صحراء خاوية.

انطلقنا كركب الحضارة. سمعت وشعرت بتهكم الجمهور على جانبي الطريق. تساقط المتعبون فرادى ومجموعات كأوراق الخريف على طول المسار. تحملَتْ ساقاي عناء الانطلاق بقوة وأنا بعد لم أقم بأي إحماء ولا حركات استعداد. قررت أنه سيكون كبقية حصص التدريب التي أتمكن فيها من إكمال 9 أو 10 كيلومترات دون أن أحتاج إلى قنينة ماء ولا إلى التوقف. حضرَتِ الأطر التقنية بأقمصة خضراء لامعة كل وحد منهم في نقطة من نقط المسار يشيرون إلى الاتجاه ويراقبون سير السباق. تجاوزتُ أعدادا كبيرة من الناس وتجاوزتني أعداد كبيرة. شاهدت العشرات من المتسابقين يسلكون طرقا مختصرة حتى كدتُ أتيه الطريق بسببهم.

اقترب الوصول واختلطت المشاعر في النفس: ترى ما ترتيبي بين الإناث؟ أهناك أمل في أن أكون من بين الأوائل؟ زدت في السرعة حين اقتربتُ وزاد الضغط والترقب. وصلت. لا أحد. من سيأخذ عني وريقة الاسم؟ من سيخبرني كم ترتيبي؟ من أنا وسط الجموع؟ كان الناس ما يزالون متجمعين في منطقة الوصول بنفس الكم ونفس اللامبالاة التي لاقيناها منهم عند الانطلاق. لا أدري ما تبقى لعلم الاجتماع من مفاهيم ليفسر ذاك الاتفاق الجماعي الصامت على إفساد ما يمكن إفساده حين يمكن إفساده. ترك “رياضيو” المدينة الشباب الشوارع تتلألأ بقنينات الماء الفارغة وساحة المعركة مليئة بالورق الذي نزعوه من ملصقات صدرياتهم، ولكن الحاجة إلى التنبيه إلى هذه الجزئية هي عين المشكلة. حمدت الله أن وجدت على الأقل حقيبتي في الأمان عند إيمان ب. التي وافقت مشكورة على الاحتفاظ بأغراضنا إلى حين عودتنا. وجدت الصديقين اللذين كنت قد طلبت منهما إخباري بموعد الإحماء واقفين لا تظهر عليهما علامة تعب. حين كانا يستعدان رحل ركب الحضارة دون أن يخبرهما بموعد انطلاقه.

سمعت أن النزاع قائم حول من احتل المراكز الخمسة الأولى، أي حول من سيجني الـ 5000 درهم وما تلاها من جوائز. سمعت أيضا أن عددا كبيرا من الصغار والفتيان والشبان قد أكملوا الكيلومترات الثلاثة التي كانت مخصصة لهم ليجدوا أنفسهم وحيدين مثلي. أخبرهم “المنظمون” (من هم وأين كانوا؟) أن موعد الانطلاق “الرسمي” لم يكن قد أعطي بعد. سمعت أيضا أن الجوائز ستوزع بعد الزوال. رأيت أهل المنصة جالسين ينظرون إلى الجموع البشرية أمامهم وهم في أمان مما يمكن أن يقع هناك في الأسفل. لم أر بيضا ولم أرغب في رؤيته. شيء من الكرامة أغلى وأحلى. نظرت مرة أخيرة إلى الشاشة الكبيرة التي لم تزل مشتعلة بالزركشة المتحركة وتأسفت لعدم استغلالها في استبدال التساؤلات والإشاعات التي أرهقت الجموع بما تحمله جعبة “المنظمين” من نيات.

‫تعليقات الزوار

3
  • الرياحي
    الجمعة 14 فبراير 2014 - 18:49

    إختراعات لغوية وتشبيهات أسرع من "ركب الحضارة" أستمتعت بقرائة نص لشابة واعدة ورياضية تشبعت بروحها.
    الرياحي

  • said
    السبت 15 فبراير 2014 - 12:05

    سئمت هذه الحياة التي هي أشبه بحمل سلة بيض . ويليام فوكنر. شكرا .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين