أحلام التهم الحوت عيونها

أحلام التهم الحوت عيونها
الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:31

“أردتُ السفر إلى الخارج من اجل العمل نظرا لظروفي العائلية، ولكن الوسيلة التي بها السفر هي عقد زواج مع رجل أجنبي، وهو زواج صوري لا تتحقق فيه الخلوة بين المتزوجين، وبعد الوصول إلى البلد المقصود يتم الطلاق، فهل هذه الطريقة مشروعة؟”


هذا هو السؤال الذي وجهته إحدى الشابات إلى الشيخ الذي كان يفتي على صفحات جريدة “التجديد” الإسلامية، وقد رد الشيخ بكامل الجدية “لا يجوز للمسلمة أن تعمل بهذه الوسيلة من أجل سفرها إلى الخارج، لأن زواجها من رجل غير مسلم عمل محرم وعقد باطل، ولو كان صوريا وغير جدي”.


هكذا أنهى الداعية عبد الباري الزمزمي المسألة، لكن لم يُفت في حكاية شهيرة حصلت منذ ثلاث سنوات لغلام مغربي كان يعيش كمهاجر سري مع عشيق أوروبي، لكن الشرطة ضبطته وطردته، فتبع الأوروبي صاحبه المغربي وتزوجه في قنصلية غربية بالدار البيضاء لتحقيق التجمع العائلي.


هذه كوارث، ولكن ما يجري أفظع، والدليل أن عشرات آلاف الشبان المغاربة، قد تجاوزوا الاختيار الإرادي بين الحلال والحرام، وانخرطوا في الاختيار الإجباري بين الموت والحياة، حتى أنهم يتكدسون في زوارق صغيرة مهترئة لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى الالدورادو الأوروبي. مفضلين الموت على الفساد وذل الفقر، وهم متشبعون بالمثل المغربي “قبر غريب ولا شكارة [محفظة نقود] خاوية”.


تتزايد مثل هذه المهالك كلما تقلصت السبل الأخرى، وهي:


1- محاولة شراء عقد عمل أو فيزا حقيقية أو مزورة، ويقارب المبلغ تسعة آلاف دولار، وقد ضبطت صدفة سفينة تقل 50 مغربيا وصلوا برشلونة بوثائق مزورة.


2- التسلل على شاحنة او سفينة للعبور من شمال المغرب إلى أوربا.


3- الزواج من قريب في نفس السن مقيم في أوروبا وله جنسية غربية وجواز سفر أحمر (فرنسي).


4- الزواج من شيخ أو شيخة أوروبية، ويزداد هذا الاحتمال بفضل اعتراف الأوروبيين بالفعالية الجنسية لسكان المناطق الحارة، لذا تمتلئ مقاهي المدن السياحية المغربية بثنائيات مائلة: شاب مغربي أسمر شديد وأوروبية شقراء هرمة سعيدة بالرفقة وهي تنفق من جيبها.


تستخدم هذه الخيارات الأربع رغم أنباء الأزمة الاقتصادية في الغرب والقلق المتنامي هناك مما يسمى أسلمة القارة الأوربية… مما يغذي العنصرية ويفضح صعوبات الاندماج، وقد كانت مشاهد إحراق السيارات في الغيتوهات الفرنسية صيف 2005 حدثا مذهلا، لكنه لم يخفف من حلم الهجرة، لأن كل ذلك لا يفند حقيقة أن الدخل الفردي في الضفة الشمالية للمتوسط هو أضعاف نظيره في الضفة الجنوبية.


أمام هذه الحقيقة التي لم يغيّرها مسلسل برشلونة، فإن الحالمين، وهذا لفظ مناسب، لأنه عندما يتحدث أحدهم عن هجرته – وحياته في الغرب وعودته في العطلة إلى المغرب – فإنه يفعل ذلك بطاقة جامحة ويقين راسخ ووضوح رؤية مدهش يقدم من خلاله معلومات عن ملابسه ولون ونوع السيارة التي سيشتريها… بحيث أن المستمع يصاب بالذهول من درجة انغماس وتعايش المتحدث مع الوهم.


حين يفشل الحالمون في شراء عقد عمل أو فيزا أو تدبير زواج مائل، يجلسون في زوايا الشوارع يحلمون، أو على حائط “الكسلاء” في قلب مدينة طنجة، وقد سمي بذلك نسبة للذين يجلسون عليه، لا يفعلون شيئا غير الحلم، ظهورهم للمغرب ووجوههم مشرئبة نحو الضفة الأخرى، حيث تظهر الشواطئ الإسبانية لتشحن الأحلام بغد أفضل.


تكون الأحلام رائعة بين ثمانية عشر وثلاثين سنة، لكن حين يقترب الحالم بالهجرة من سن الأربعين، ويشعر أن مستقبله يكاد يصبح خلفه، تتعطل كوابح العقل لديه، يتخضب الأمل بالشك ثم اليأس، فتبدأ الرحلات المميتة، يجمع الوسطاء عددا من المتهورين مقابل ألف أورو ويكدسونهم في زوارق خشبية، يتسللون في الليالي المظلمة قاصدين شواطئ أوروبا، حتى أنه من بين كل ثلاثة مهاجرين سريين يتم توقيفهم في إيطاليا، يوجد مغربي واحد.


النتيجة:تتحدث الإحصائيات عن 20000 مغربي غرقوا منذ 1988، وتعرض القنوات التلفزيونية باستمرار صور جثث لفظها البحر، بطون منتفخة ورؤوس بدون عيون ولحم متحلل نتن وهياكل عظمية مرعبة… صور مريعة تسبب الغثيان وحتى القيء، لكنها لا تردع، فالزوارق السرية لا تتوقف عن التسلل في الظلام، وقد غرق أحدها نهاية مارس 2009 قريبا من الشواطئ الإيطالية وعلى متنه أكثر من 300 شخص ضمنهم مهاجرين من دول جنوب الصحراء، مهاجرون قطعوا آلاف الكيلومترات مشيا من ساحل العاج والكونغو ليصلوا شمال المغرب وشمال ليبيا… وهكذا أصبح شمال إفريقيا منطقة عبور أيضا بعد أن كان مصدّرا للهجرة فقط….


تدفن تلك الجثث المتحللة التي التهم الحوت عيون أصحابها في قبور مجهولة، لا يعرف حفارو القبور من مات ولا من أين جاء… لهذا تعرض القناة الثانية برنامجا ناجحا إسمه “مختفون”. لا يجد معدو البرنامج، ومنذ سنوات، مشكلة في عرض حالات اختفاء جديدة، وبالنظر لكثرة الحالمين، فإن أمام البرنامج سنوات زاهرة.


كيف وصلنا إلى هذه الوضعية؟ ما الذي يجعل الشبان يذلون أجسادهم وأرواحهم لليعيش في أوروبا؟


أكيد أن المهاجر السري إنسان أذلته الضرورة العمياء ودفعته ليختار الموت على أمل كسب الحياة. وسيتزايد هذا الإذلال بسبب الفوارق الطبقية الصارخة في المغرب، وربما كان ذلك ذاك الإذلال مجزيا.


فحسب جريدة لموند 10-5-2006يمثل المغرب أكبر بلد يستفيد من تحويلات المهاجرين بإفريقيا، إذ يحصل على 4218 مليون دولار، بينما لا تحصل مصر سوى على 3341 مليون. والحقيقة أنه منذ الاستقلال، كانت الهجرة مصدر تنفيس للمشاكل الاجتماعية، فعشر المغاربة مهاجرون دون أن يعرف حربا أهلية، وقد حكى لي شيخ من جيش التحرير، أنه بعد الاستقلال في 1956، وأثناء جهود الحكومة لتفكيك المقاومة لإنشاء الجيش النظامي، كان الضباط يمكنون المقاومين العنيدين من جواز سفر للهجرة فورا. ومؤخرا نشرت جريدة مغربية اعترافات عميل للموساد عن ملايين الدولارات التي قدمتها إسرائيل لعدد من المسؤولين المغاربة لتسهيل تهجير عشرات آلاف اليهود من المغرب إلى إسرائيل، منهم دافيد ليفي وعمير بيريتس، وزيرا الخارجية والدفاع الصهيونيين.


حتى في أوروبا الغربية يوجد وزراء من أبناء المهاجرين المغاربة، وتمثل رشيدة داتي النموذج الأبرز الذي يشحن الأحلام، فلو بقيت في المغرب لكان أقصى ما وصلت إليه في سن الأربعين هو محررة أحكام قضائية في قبو محكمة، أما وقد هاجر أبوها فقد أصبحت وزيرة، وهي تحظى بمتابعة يومية في الصحافة المغربية، إنها مصدر فخر لنا نحن المغاربة، لأن وزير العدل عندنا شارف على الثمانين.


مع صور رشيدة داتي بخواتم الماس، لا أتوقع أن تصدق الحالمة المستفتية أقوال الشيخ، فمن حق الإنسان أن يحلم ويناضل ليحسن أوضاعه شرط ألا يرتمي في البحر، وهو ما فعله المفتي، إذ ترشح في الانتخابات التشريعية وصار نائبا يتقاضى 4000دولار شهريا. وهو المبلغ الذي تحلم الشابة بربعه، وهو حلم حلال حتى إن حرم المفتي الطريق إليه، لأنه خمن أن رجل أجنبي تعني غير مسلم. مع ذلك ستتزوج الشابة وستدخل الخلوة وبعدها أوروبا بعينيها مفتوحتين، هذا أفضل من حال الشبان الذين يستحسن لهم أن يصنعوا لأنفسهم مستقبلا هنا، في الوطن.

‫تعليقات الزوار

5
  • يوسف ماليزيا
    الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:35

    المغاربة ضياع لان النخبة رضوا بدراهم الانتخابات المعدودة و كانوا في الديمقراطية من الزاهدين. غياب الديمقراطية تعني غياب المراقبة و المحاسبة و الشفافية و العدالة. و مادام ارتضينا بالدمقراطية المخزنية التي تعني السلطة بيد من لا ينتخب فقد حرمنا من ديمقراطية الاحرار الحقيقية التي تعني الكل سواسية امام القانون. الى ان نترجل فسنبقى كاليتامي في موائد اللئام.

  • deporté75
    الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:41

    رشيدة داتي لم تكن منتخبة من الشعب الفرنسي زد عن ذلك و كمغربي مثلك فلا أعتز بها كمغربية تشرفنا و تشرف البلاد.بقدر ما أنني أتوارى من مغربيتي أمام الأجانب عربا و عجما من سوء ما اقترفت من إثم يخدش السمعة..سمعة المغرب التي يسير عليه المثل القائل: سيدي مليح و زاده الريح

  • واحنا عايقين فيك
    الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:39

    هذا “الكاتب” دائما يتبجح بالإنتخابات ويحاول أن يوصل للجمهو ر ضرورة المشاركة في الإنتخابات حذاري ثم حداري من هذا البوق الذي تسخره الآجهزة …… من أجل تمرير خطاباتها المملة وأنا على يقين أن الشعب المغربي واعي كل الوعي ويرفض المشاركة والدخول في اللعبة التي كانت نتائجها معروفة سلفا فما دام الوضع هكذا متأزما من جميع النواحي وخاصة تلك المتعلقة بسيادة الفكر البورجوازي المتعفن وحجب الشمس بالغربال باستعمال كل الوسائل فالمغرب ليس بخي ر وينحوا نحو الهاوية التي سوف تأكل الآخضر واليابس

  • السعيد
    الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:33

    أنا شخصياُ أشاطر الأخ نور الدين ناجي رأيه حين يقول بكون العاطلين ليسوا هم فقط من يحلمون بمغادرة البلاد. فأنا لست عاطلا عن العمل وأتقاضى أجراُ رغم كونه لايمكنني من الاستجابة لجميع متطلبات أسرتي إلا أنه يمكنني من العيش في أمان ،ومع ذلك أقول: لو أتيح لي أن أغادر هذه البلاد لما ترددت في ذلك ،بسبب ما أراه يومياً من من ظلم وفساد واستنزاف لخيرات البلاد، حتى كدت أصاب بالاكتئاب وأنا لم أتجاوز بعد عقدي الرابع ،ولست أدري إلى أين يريد آل الفاسي أن يصلوا بهذه البلاد؟

  • sir sir ;matwlich
    الإثنين 27 أبريل 2009 - 18:37

    لو تم الرجوع الى المواضيع التي تطرق اليها الاستاذ
    المشكور لوجد كل من المعلقين اجوبة كافية لما تم
    طرحه
    ملاحظة : يعد الاستاذ من القلائل الغيورين على مستقبل
    هذا البلد لاحظت ذلك من خلال 3 سنوات درسني اياها
    (اضافة الى ما في المقرر) كيف يكون الشخص نظرة
    خاصة به حول ما يحيط به
    ارجو ان تقدروا هذا الاستاذ لا نه يستحق ذلك

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين