تكريم رجل رفض التكريم قيد حياته

تكريم رجل رفض التكريم قيد حياته
الأربعاء 18 يونيو 2014 - 17:41

قصة من المريخ (2)

في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، سأل الصحفي الرجل رحمه الله لماذا لا يقرّ بأن هناك تحسن في البلد في ما يتعلق بحرية التعبير مثلا… فأجاب الرجل بأنه لا ينكر بأن هناك تحسن، ولكنه تحسن غير كافي، و شرح وجهة نظره… رحم الله الرجل.

و من أجل تكريم الرجل لا بد من متابعة المسيرة و الدينامكية التي كان لا يريد لها أن تتوقف، فيمكن تعميق الفحص و التمحيص و التحليل و التدقيق بالمحاولة المتواضعة التالية:

في ما قبل كان الناس على طبيعتهم الصلبة الأولى بمروءتها و نخوتها، فكانت أدنى كلمة حق تثير النفوس التي كانت لها غيرة على الوطن، و لكن اليوم و بعد أن فسد المجتمع بفعل فاعل على مدى عقود بمخطط ميكيافليي رهيب، اتضح للمتحكمين أن لا داعي للاستمرار في قمع حرية التعبير إلى أقصى حد لأن الناس أصبحوا لا نخوة لهم و بلا عزة نفس تذكر، فلقد أضحوا يمتازون بقلة النفس و باضمحلال النخوة و المروءة لديهم.

فالصحفي مثلا الذي كان بإمكانه أن يزعزع الأركان بأبسط كلمة حق ولو متخفية في ترميز إبداعي جميل في زمان الرجال، أصبح لا يثير و لو زوبعة في فنجان في زمن أشباه الرجال، و بالتالي فلقد أبان المتحكمون على فطنة لا يستهان بها لما سمحوا بقسط من حرية التعبير التي في زماننا هذا لا تهدد أية وحدة من تجمعات المرتشين و لا أي نظام من أنظمة المحسوبية و الريع، و ذلك لأن الناس فقدوا نخوتهم و القسط الأكبر من مروءتهم.

إذا، فكلام المطبلين المزمرين المهللين، من “متحزبين إسلامويين” و “حداثويين علمائيين” اليوم بالذات كلام مرفوض.. مرفوض.. مرفوض.. يا… أيها الناس النزهاء الشرفاء.

و لهذا، ففي زماننا هذا الذي نحن فيه أشباه رجال، فلا خوف على وحدات تجمعات المرتشين و لا على أنظمة المحسوبية الوقحة لأن حرية التعبير المتاحة لا تحرك فينا شيئا. ولكن، إذا كان الناس قد فقدوا نخوتهم و مروءتهم فلأن الميكيافلية المستعملة كانت خطيرة لا يصفها الواصفون. فحرية التعبير مثلا، بل وسائلها، أتيحت أولا و بحذر لبعض من كان له ربما بعض الماضي مع الرشوة أو النهب و لو كان من التائبين منهما و الله أعلم، حتى يسهل الطعن في مصداقية ما يقوله “الأحرار الجدد” من بعض الصحافيين بجرة قلم لو اقتضى الأمر ذلك.

بل حنكة المتحكمين كانت أكثر ميكيافلية لما علمت أن لن يجرأ على التعبير في الصحافة باسم حرية التعبير سوى من كان يحب المال حبا جما، و بالتالي لن تكون له أدنى مصداقية في بلد علم الناس فيه أو تيقنوا أن الأوفياء المخلصين النزهاء الشرفاء انتهوا جميعهم مهمشين فقراء أذلة بعد أن كانوا أعزة، ثم ماتوا في عزلة تامة.

ففي مخيّل مجتمعنا، الصحفي، مثلا، الذي يسعى لاقتناء العقار و امتلاك الأشياء بكل الوسائل مجرد رجل أعمال شرس لا علاقة له بالصدق و لا بالحقيقة و لا يسعى إليها، فهو مجرد قلم مستأجر لخدمة هذا أو ذاك من “الظالمين”، و أما الذي لا شيء له فهو بئيس فقير يتسم بالكراهية فلا يقتدى به و لا مصداقية في كلامه هو أيضا.

و لما توالت النكبات، من تناوب توافقي خذل الجميع حتى أصبح رئيس ثقافتهم الاشتراكية الشيوعية يمتلك الخيول الأصيلة و الضيعات الممتدة، -بعد أن كان فقيرا تعيسا بئيسا-، إلى أن اشترى في ما بعد عمودا للتعبير عن كذبه في صحافة العار و الخذلان و الانتهازية و التملق و الانبطاح، و من تسلط “متأسلمين متحزبين” الذين أطلقوا طلقة الرحمة على آخر قلاع المصداقية في ما يتعلق بالعنصر البشري المحلي، بما أنهم أطلقوا العنان لكل من هبّ و دبّ من حثالة المريخ و أعداء الطبيعة البشرية للتمسح بالعلم الوطني، -الذي اشتد احمراره خجلا -أو غضبا-، مع الإشادة بمن رفعن اللواء الملوّن الخبيث البشع الملطخ بالقذارة القصوى غير المحتشمة و غير المتسترة أمام الملايين في البلد الذي تسلط عليه “المتأسلمون المتحزبون” و “الحداثويون العلمائيون” في مسرحية ميكيافلية خطيرة مقيتة عفنة تشمئز منها كل نفس صادقة ولكنها ضعيفة خائفة مقموعة مجروحة مقهورة لا حول لها و لا قوة.

لمّا توالت كل تلك النكبات و نكبات أخرى كثيرة كثيرة، سقطت النخوة و المروءة بعد أن فقد الناس الثقة في كل متكلم و في كل خطيب.

ولكن المستقبل مستقبلنا.

رحم الله الرجل.

يكفي أن نفهم ما الذي يجعلنا أذلة لا نقوى سوى على السب و الشتم في بعضنا البعض. فالذي يجعلنا كذلك هو عدم إعمال العقل، مع أن المسألة سهلة للغاية:

التفرقة هي عدوتنا التي تجعل مطالبنا لا تلقى آذانا صاغية من طرف الحكام. فإذا كان هدفنا حقيقة هو العدالة المستقلة، و الإنصاف، و انتخابات نزيهة بمشاركة كل الناخبين بمجرد إدلائهم بالبطاقة الوطنية، و إذا كنا نسعى إلى عقلنة نظام التعيينات في الوظائف المتحكمة حقيقة في الإدارة الترابية و بالتالي في مسيرة الوطن نحو كل ما فيه حقيقة خيرا له، إن عن طريق انتخابات شفافة داخلية أو عامة، و إذا كان همنا جميعا حقيقة هو الديمقراطية مع إمكانية المحاسبة مع فصل السلط، و إذا كانت غايتنا حرية التعبير الحقيقية، فما علينا إلا أن نتفادى إثارة كل ما يفرقنا و الانكباب على كل ما يجمعنا. فالحكام براغماتيون و لقد أثبتوا ذلك في محطات عدة، فلن يمنحونا سوى ما نستحق، و لن نستحق شيئا ما دمنا متخلفين متفرقين يستفز بعضنا البعض.

رحم الله الرجل الذي رفض التكريم قيد حياته. و تلك قصة أخرى طويلة…

في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، الوضع حرج للغاية و إن كانت الأمور تبدو هادئة…

المستقبل مستقبل النزهاء الشرفاء، أحب من أحب و كره من كره. فالمستقبل بيننا سواء كنا من الشاهدين أو في عفو الله عز و جل في علاه. سننتصر. سنهزم الرشوة و المحسوبية و الريع و كل عصابات نهب المال العام. المستقبل مستقبلنا بكل أطيافنا، المستقبل لنا لا لغيرنا.

أيها القراء الشرفاء الأعزاء، الرواية الأدبية الإبداعية.. روايتكم، فاكتبوها بصدق و بإخلاص و بذكاء يرحمكم الله… سينتصر الأدب على العجرفة و التكبر و الوقاحة و الاستبداد بإذن الله عز و جل في علاه.

‫تعليقات الزوار

6
  • marrueccos
    الأربعاء 18 يونيو 2014 - 23:07

    لا أعلم شيئا عن المرحوم " المنجرة " وبما أن معظم من كتبوا شهدوا له بحسن الخلق والإستقامة وعدم الإنبطاح للمال ! فلا يسعني إلا تعزيتهم في المصاب الجلل في فقدان " رجل " في زمن قل فيه الرجال !
    إعلم أعزك الله ! أن " كونفوشيوس " مات بحصرته على تردي أخلاق الصينيين ! فما ٱمن بأفكاره إلا قلة تحسب على أصابع اليد ! إتفقوا أن يوثقوا أفكاره في كتاب ! فرضه فيما بعد إمبراطور الصين على الصينيين لتقويم المجتمع ! تحولت الكونفوشية إلى ديانة ! مات " ماو " وبقيت تفعل فعلها ! فروح الإنضباط لدى الصينيين عالية والمرتشي يعدم رميا بالرصاص كم مروج المخدرات وخائن وحدة الوطن الصيني ! الصينيون أصيليون أدمجوا الحداثة بمقدار ! ونجحوا في كسب الرهان !
    من ٱمن بفكر " المنجرة " عليه تنزيله ! فكره لم يناهض الدين لكن بشرط إحضار الإسلام الإنساني الداعي إلى العلم لا سقف للزمن ( من المهد إلى اللحد ) ! الإسلام الداعي لمكارم الأخلاق وليس أرذلها ! الإسلام الذي لا يميز إلا بالتقوى وليس عصبية الإنتماء للقبيلة إسلام العمل عبادة وليس الريع عبادة ! إسلام تحرير الطاقات وليس إعطابها بالتخاريف ! إسلام تمجيد الحياة وليس قتلها !

  • الطنجاااوي
    الخميس 19 يونيو 2014 - 01:57

    المنجرة…تكريمه هو الدعاء له..

    أما تكريمه عندما كان حيا فلم يكن محتاجا إليه فهو لم يكن فنانا يطلب موائد علّية القوم، بل عالما لو أخذنا بعلمه ودراساته ونصائحه كان سيكون تكريما لنا وليس له.

  • AnteYankees
    الخميس 19 يونيو 2014 - 07:43

    إن سقطت النخوة و المروءة عن شبه الرجال أو بالأحرى الذين وضعوا أنفسهم في سوق النخاسة بدون إكراه ؛ فإنها تبقى سيمة الرجال النزهاء الشرفاء ومن شيمهم. و يبقى ة الرجال أوفياء لوعودهم في القول و الكلام بالالتزام، والمعروف عن الرجال قلة الكلام و الجدال في الترهات، حتى لا يفقدون الثقة التي تميزهم عن غيرهم من الأشباه للبشر. فكم من رياح ولو كانت عاتية، مرت بجبال عالية شامخة و لم يبقى لها أثر بعدما همدت، و لكن الجبال لم تتحرك من مكانها. فلا خوف على الجبال التي لها الفضل على البشر من حيث لا يعلمون.

  • الحسين إبراهيم زاهدي
    الخميس 19 يونيو 2014 - 10:07

    المهدي المنجرة رحمه الله كان نبراسا وقدوة لشباب السبعينات والثمانينات، وكانت أفكاره وتحليلاته ومواقفه الرافضة للاستكانة والانهزامية مبعث تقدير الجميع ممن يشاطرونه عمق الملاحظة والأفكار المستقبلية النيرة أو ممن بحثوا عن "الهمزة" الآنية، ولم يكن يدور بخلدي أن الأجيال الحالية لا تعرف الرجل وقيمته العلمية والإنسانية إلا بعد أن طرح علي ابني الشاب ذو العشرين ربيعا سؤالا حول من يكون "هذا المهدي المنجرة" الذي تتحدث عنه الجرائد والإذاعات هذه الأيام بعد موته ؟ فاكتشفت أن طمس الحقيقة وتبخيس عمل الرجال الأفذاذ ممكن بفعل الزمن وبفعل "فاعل" لا يضيره تغييب من ينافسه الريادة من وجدان وعقل أجيال كاملة من شباب المغرب التائه حاليا بين الأصالة والمعاصرة وبين الفكر الصوفي والانفتاح على تقليعات وموسيقى العالم الجديد.
    لقد كان المهدي المنجرة تقبله الله في الصالحين قدوة لعدد من البلدان لإصلاح نظامها التعليمي وعلما من أعلام الفكر الإنساني بمفهومه الكوني الشامل، وعلى مجايليه وتلامذته المعول لنفض الغبار عن أفكاره وتحليلاته لبسطها وشرحها لأجيال لا تعرف قيمة الرجل. " إنا لله وإنا إليه راجعون" صدق الله العظيم

  • marrueccos
    الخميس 19 يونيو 2014 - 10:51

    أعز الله المسلمين لما كانت مساجدهم جامعات تخرج العلماء بالإظافة إلى كونها بيوتا لعبادة الله ( عبادة وليس إستعباد ) ! كل أعلام المسلمين من ٱسيا إلى الأندلس لم تعرف جامعات ولا معاهد ولا مدارس تحصيل العلم !
    أنظر حال مساجد اليوم ! ثكنات تتصارع عليها قوى الأيديولوجيا !
    قارن بين من يعتبر قدوة للمسلمين محمد ص وبين مسلمي اليوم ! يروى أنك لا تكاد تسمع صوته تواضعا حتى نزلت ٱية مفادها ( يا أيها اللذين ٱمنوا لا ترفعوا صوتكم فوق صوت النبي ) ! وإنظر إلى من نصبوا أنفسهم وكلاء الله على المسلمين من جماعة الإسلامويين ! إنطبقت عليهم ٱية مفادها ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ! " فنيش " سلاوي والله أعلم ! قم بجولة داخل المدينة العتيقة بالرباط ! وبخاصة جوار دار " المريني " الذي إقتنته ولاية الرباط وصرفت عليه الملايير ليكون ملتقى الثقافات ! البيت أصبحت أعتابه ملتقى المقرقبين ومراهقين فاقت أصواتهم صوتالحمير ! يلعبون بكرة الملاعب الرياضية داخل أزقة ضيقة ! لو حصل هذا في أي دولة تحترم مواطنيها لتحولت إلى فضيحة سياسية وأمنية عنوانها كيف تصرف ملايير دافعي الضرائب لتحقيق نقيض الشعارات المرفوعة !!!!

  • Bruxelles
    الجمعة 20 يونيو 2014 - 12:49

    المهدي المنجره لا يباع ولا يشترى، رجل رفض التكريم قيد حياته !
    اردنا ان نكرمه في بروكسيل، فأبى !
    قال لي، ولما التكريم، وانا ما زلت على قيد الحياة !
    كان دايما بعيد عن فلك المخزن، وكما قال لي بإبتسامته الصادقة، النابعة من القلب، ان والده نصحه و قال له:" إذا إبتعدت عن المخزن بمتر، كأنك إبتعدت عن جهنم ب 100.000 كلم"

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة