في فهم السخاء السعودي نحو مصر

في فهم السخاء السعودي نحو مصر
الأربعاء 18 يونيو 2014 - 18:40

إلى أولئك الذين ماتزال تخامرهـــم شكوك في تداخــل وتــشابك العلاقات الدولية، فمــا عليـــهم سوى الاقتراب مما يقــــع في الجــــارة مصر، حيث بدا باديا للعيان بأن نظام المشير عبد الفتاح السيسي ما هو إلا نتاج وصنيعة لكبريات دول الخليج وعلى رأسها العربية السعودية، التي لم يرقهــــا أن تبقى مكتوفـــة الأيادي أمام ما يحصل في دولة الكنانة، حيث من الممكن جدا أن يؤدي صمتها على الأوضاع هناك إلى أن تتهدد مصالحها على أكثر من صعيد.

لقد رأت بعض دول الخليج في انتخاب الرئيس مرسي تهديدا لاستقرارها ولمصالحها بشكل مباشر. وإذا كانت هذه الدول قد انحنت بدهــــاء لعواصف الربيع العربي التي كانت من القوة بحيث تمكنت من اقتلاع أنظمة جد عريقة كنظام تونس وليبيا، فإنها وعندما استثب الأمر مع عدم “نضج” التجارب التي تم إحراز فيها نجاحات على الأنظمـــة التسلطية، خاصة المآسي التي عرفتها كل من ليبيا وسوريا وحتى تونس مع موجات الاغتيالات السياسية التي عرفها البلد، نفس الأمر ينسحب على نظـــام الرئيس مرسي الذي وفي غمـــرة الحماس العام، لم يكن في مستوى الانتباه إلى أن انتخابه لم يكـــن إلا بفارق بسيط من الأصوات علــى خصمه، وأن نظام الرئيس المعزول حسني مبارك لازال موجودا ويقظــا يفعل فعلته تحت الأنقاض، وأن التراكمات الاقتصادية الصعبة مازالت ترخي بظلالها على المشهد المصري، فضلا عن تحريك خصوم التيار الإخواني لبعض القضايا المرتبطة بالحقوق والحريات.

في أول خروج للشعب المصري للتظـــاهر والاحتجاج، كان العسكر وعلى ما يبدو قد قام بالترتيبات اللازمـــة “لتنزيل السيناريو” الذي قد تم التفـــاهم حولــــه بإحكـــام مع نفس دول الخليج، حيث تم تنحية الرئيس مرسي من منصب الرئاسة، وتعويضه بالسيسي مع العمل على دعم نظام الانقلاب بكل الامكانيات المتاحة وبخاصة في الجانب المرتبط بالدعم السياسي والاقتصادي.

فلم تنفـــع أصوات الرفض، ولا اعتصامات رابعة العدوية مع مجمل المآسي التي تم صاحبها، كما لم تنفع وسائل الإعلام الحديثة المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة المتوفرة بقوة، لثني الانقلاب عن المضي في فعلته، إذ الواضح أن نظام الانقلاب كان مسنودا بتطمينات من أعلى المستويات وعلى درجة كبيرة من الأهمية، بحكم قيمة الأدوار التي يلعبها. مادام الأمـــر يتعلق بدولة عظمى اسمها مصر، تتمموقع وسط العالم العربي تقريبا ومحاذية لمنطقة الصراع العربي الإسرائيلي، وبحكم كون التخوفـــات تلازم نظام الرئيس مرسي ذي الخلفية الإسلامية والذي تربطه بالنظام السعودي “حرب باردة” غير معلنة بحيث سبق وعلى سبيل المثال فقط لحركة الإخوان المسلمين أن عاكست إرادة النظام السعودي حين اصطفت إلى جانب نظام صدام حسين عند اجتياح هذا الأخير للجارة الكويت في حرب الخليج الثانية.

كل هذه الأشياء قد تلعب لامحالة في الأمد المتوسط أو البعيد في قلب المعادلات في المنطقة والتي قد تمتد تداعياتها إلى دول الخليج، كما أن وجود نظام ذي خلفية إسلامية في مصر قد يخلط الأوراق في المنطقة وقد يعزز استقطابات وتموقعات جديدة لفاعلين جدد في الساحة كتركيا وإيران كما قد يلعب في صالح انتعاشة بعض الحكومات التي أتى بها الربيع العربي كالعدالة والتنمية المغربي وحركــة النهضة في تونس.

ولذلكم فلقد شمرت العربية السعودية على سواعدها لسقي شجرة السيسي بكل ما أوتيت من قوة، حيث اعتبرت أن أمان مصر السيسي جزء لا يتجزأ من أمن العربية السعودــية، وبادرت للمزيد من الدعم السياسي للنظام الجديد من أجل تجنيبه لجانب من العزلة التي يلاقيها باعتباره نظاما انقلابيا بينا، خاصة من جانب محاولة تعبيد الطريق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية والعربية. أكثر من ذلك وفي رسالة التهنئة المبعوث بها إلى السيسي بعد ربع ســـاعة من إعلان فوز هذا الأخير فقط في الرئاسيات، استعمل النظام السعودي نفس قاموس الرئيس الأمريكي بوش بعد ضربات الحادي عشر من سبتمر حين تم تقسيم العالم إلى “خيرين وأشرار من معنا ومن ضدنا” حيث اعتبر النظام السعودي بنبرة جد حادة إلى أن “عدم تلبية واجب نصرة مصر في هذه المرحلة وهو قادر مقتدر، لن يكون له مكان غدا بيننا إذا ما هو ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات”.

وهو ما يؤشر إلى أنه أمام العالم العربي العديد من الحواجـــز التي عليــه تخطــيها إذا ما هو أراد أن يتمتع بحريته وضمان استقلال قراره، فالنظام العربي على درجة كبيرة من التعقد والتداخل، إذ أمام ما يسمى بالدول العميقة للدول القطرية هناك دول ضاربة في العمق وتعتبر نفسها وصية وحامية للأوضاع العامة في العالم العربي والإسلامي بحكم ما يتوفر لديها من إمكانيات وأموال وبعض أدوات الضغط، مستفيدة في ذلك من الإنهاك والتغير النسبي الحاصل في السياسة الخارجية على عهد الرئيس أوباما بحكم واقع الحروب التي سبق وأن عاشتها أمريكا في المناطق العربية الإسلامية خاصة ما تعلق منها بالعراق وأفغانستان.

…قد يفيدنا الدرس المصري في فهم حيثيات حدث عابر لكنه على درجة كبيرة من الأهمية لفهم واقع التداخل في العلاقات بين الدول، حين تمت التضحية بوزير الخارجية المغربي في النسخة الثانية لحكومة بنكيران باعتبار سعد الدين العثماني لن يستطيع أن يكون رجل المرحلة لعدم قدرته على عزف المقطوعة “السعودية المصرية” إبان تنحية مرسي وتعويضه بالسيسي، لأن السياسة الخارجية للمغرب مضطرة ومعنية بمسايرة “المنطق التاريخي المغربي” الذي يتميز بخاصية القرب والتناغــم مع سياسة العربية السعودية ومع منظورها لمفهوم الأمن والسلام الاستراتيجي في المنطقة العربية.

– باحث في المشهد السياسي

[email protected]

‫تعليقات الزوار

9
  • rachid
    الأربعاء 18 يونيو 2014 - 21:51

    حفظ الله اللملكة السعودية بلد الرسالة والتوحيد عصية على الأعداء ضد كل ما يحاك ضدها من طرف الروافض و الإخوان المفلسين والخوارج التكفيريين.
    أما السعودية فلم تقم سوى بتحمل مسؤليتها التاريخية اتجاه مصر ولم تدع قط إلى الخروج على مبارك ولا مرسي ولا السيسي.
    قوة العربيت السعودية والمغرب في ملكيهم وشعبيهم وعدم انجرارهم دعوات الفتنة التي أتى بها الخريف العربي.

  • بشير سعدون
    الأربعاء 18 يونيو 2014 - 22:02

    الماء الذى يسقى الزرع اذا كان مصدره غير ملوث والتربه صحيحه وسمادها
    عضوى تنتج والثمره تكون سليمه
    والماء الملوث الغير صالح للزراعه وعلى ارض تربتها صبخاء لا تنتج
    وان انتجت ثمر يكون غير ناضج
    مال مسروق يذهب الى غير اهله النتيجه فشل
    اما المغرب لديه حكمه وصبر والله مع الصابرين

  • amazighia
    الأربعاء 18 يونيو 2014 - 22:20

    تحليل في العمق و بالمناسبة نستضيف الجمعيات و الاحزاب التي تسمي نفسها بالتقدمية التي تعتبر الخاءن سيسي بانه رءيس شرعي ان تقول رأيها في الموضوع

  • arsad
    الخميس 19 يونيو 2014 - 02:12

    لمذا لا نطرح سؤال على عكسه مذا لو لم تقدم السعودية والامرات الدعم الكامل لاعادة نضام مبارك بصيغة السيسي تقول ان مجيء الاخوان فيه تهديد للانضمة الخليجية جيد وهل كان الاخوان الاغلبية في مصر طبعا لا فمذا لو دخلت قوة معادية لدول الخليج والعالم العربي والاسلامي معا في تاجيج الاوضاع كما حدث في البحرين وفي بعض المدن الشرقية وفي الكويت فهل على الانضمة الخليجية ان تبقى مكتوفة الايدي حتى يشتعل الوطن العربي بكامله كما يحدث الان في دول الربيع نعم مرسي جاء بانخاب ديموقراطي ولكنه عجز على ان يصبح رئيسا لكل المصريين ثم ان سياسته في اتجاه ايران لم تكن صائبة في ظل الاحداث التي يعيشها الشرق الاوسط ومن اخطائه ايضا انه لم يكن صائبا في التوجهه الاقتصادي والسياسي في الظرفية التي تسلم فيها الحكم وعليه تكون دول الخليج السعودية والامرات قد ردت الفتن وعملت على انقاد لانضمتها وكذلك عملت على حيلولة دون وقوع المزيد من الحروب والضحايا من الشعوب التي لا حول لها ولا قوة اما مصر فهي لن تكون على قلب رجل واحد فمن التفضل ان تعود لنضام عسكري بزي مدني والحمد لله على الفول والملخية.

  • mantiqui
    الخميس 19 يونيو 2014 - 03:07

    Il y a un conflit qui oppose L iran a l Arabie saoudite…
    l iran dans ce conflit disposait d un avantage sur l arabie saoudite …elle avait plus de credit aupres de l opinion musulmane qui la considerait comme anti americaine grace a son soutient au hezpbollah et au hamas et ses discours anti americains..
    mais l episode irakien est venu pour montrer la vrai face des iranniens qui sont dans les faits tres alliés avec les americains et ble dernier episode avec da3ish en irak va le prouver encore plus ….
    l iran ayant perdu le soutient de l opinion publique musulmane les usa intervenerent pour aider l Iran et creerent le printemps arabe qui devait deboucher comme on l a vu par la prise de pouvoir des ikhwans al mouflissine alliés de l Iran…
    vous remarquerez que les ikhwans sont allié de l iran et que Morsi a acueilli ahmedinajad malgré que l iran massacrait des sunnites en irak et en syrie..
    Aujourd hui les ikhwans soutiennent maliki en Irak..
    voila pq L A.Saoudite soutient sissi

  • ناشر
    الخميس 19 يونيو 2014 - 09:58

    قرانا الفاتحة على روح الاخوان جملة قالها رئيس الوزراء المصري وهو يعني ما يقول فصورتهم اهتزت امام الشعب المصري وامريكا تراجعت عن دعم الديمقراطية في مصر ولم يعد لهم من نصير لا في الداخل ولا في الخارج وعليهم الان انتظار ثمانين سنة اخرى لعلهم يحكمون مصر لسنة اخرى ولله في خلقه شوون.

  • كريمي
    الخميس 19 يونيو 2014 - 13:28

    الاخ الكريم – تعليق رقم 6 – مصرى وطنى: المغاربة لا يحقدون على مصر – انت غلطان اوي. ارجوك ان تراجع قناعتك نحونا. نعم هناك من لم يفهموا الوضع عندكم يقرؤون الواقع من الخارج كاتب هذا المقال لولا حبه لارض الكنانة ما كلف نفسه ذلك العناء ولكنها وجهة نظره نحو الاخوان- ولولا اهتمامك انت بالمغرب ما كت ستقرء هيسبريس- هناك تاطف في الشارع المغربي معهم – وهناك تعاطف ايضا مع الدولة الحديثة. ان قولك { وليس بغريب عليكم حقدكم وغباؤكم على مصر } جرحني لان في ظلما واليهود المغاربة ليس مسبة لنا هم مواطنون مثلي كما ان اقباط مصر اوصى بهم رسول الله ص. ان ملكنا محمد السادس مع الدولة الحديثة في مصر وهذا مهم. وقولك {سيظل اهل المغرب متاخرين فى فكرهم} كلام صعب علي استساغته. لكن انت حر في احكامك علينا.

  • سعودي يحب المغرب
    الجمعة 20 يونيو 2014 - 13:03

    اعتقد بأن الكاتب جانب الصواب .. فلم يكن للسعودية اي دور سلبي في مصر ..
    مصر كانت مقبلة على حرب اهلية بين مؤيدي مرسي ومعارضية .. المؤسسة العسكرية كان لها دورها في حفظ استقرار مصر و عزل مرسي .. السعودية تدعم الامن والاستقرار لكل بلدان العرب .. و الملك عبدالله كان له الدور الكبير في دعم الشعب المصري .. بشكل ايجابي و مثمر ..
    مرسي لم يكن قادرا على ادارة مصر .. فجميع قراراته الداخلية والخارجية كانت بعيدة عن الصواب .. ايضا تقاربه من ايران كانت سقطة كبيرة منه ..

  • lahcen chebough
    الجمعة 20 يونيو 2014 - 21:53

    مع الاسف التحليل الدي قدمته الغى دور الشعب بشكل كامل فلا اعرف كيف غيبت حوالي 10 ملايين مصري التي خرجت للشارع لكي تطلب مورسي بالتنحي و كيف جعلت من عقيد يبدوا للمصريين وطني تابع للسعودية، و كيف منحت للدكتور العثماني قوة تحريك السياسة الخارجية مع العلم انك تعلم أن الحاكم الفعلي في العلاقات الخارجية هو الملك و محيطه، مع الاسف مصر اكبر من ما استنتجت

صوت وصورة
ليالي رمضان في العيون
الجمعة 29 مارس 2024 - 15:57

ليالي رمضان في العيون

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج