سلطة الدِّرهم

سلطة الدِّرهم
الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:43

بعث لي أحد الأصدقاء عبر “الفايسبوك” رابطا لأغنية بالدارجة المغربية، وتبين بعد الاطلاع على مضمون الشريط، أن صاحب الأغنية، ليس بينه وبين فن الغناء إلا الخير والإحسان، ويا ليت أمر بث ذلك السخف، اقتصر على موقع اليوتوب، ذلك أن صاحبها، وهو ثري من مدينة العرائش، يُجند الكثير من المال و”الأصدقاء” في أكثر من محطة إذاعية، وقناتين تلفزيتين، ليضمن ل “فنه” ذيوعا أكبر، باعتبار أن ما يُقدمه فتح مبين في مجاله.


الخلاصة، التي تُفيدها قصة “بوجعران” فن الغناء، كما لقبه الصديق، الذي بعث إلي بالرابط المذكور، أن مَن هب وذب، يُمكنه أن يصبح فنانا بخشخشة الأوراق النقدية، حيث سيجد دائما مَن يفسح له مكانا جيدا، في أكثر من وسيلة ذيوع، وليذهب الفن الحقيقي وأصوله إلى الجحيم.


الواقع أن حكاية “بوجعران” ليست سوى الشجرة التي تُخفي الغابة، فلا أحد يجهل (باستثناء الراسخين في الجهل) أن أكثر من مجال اختصاص يوجد في ضائقة إبداع مزمنة، وبما أن امتلاك، الثروات أسهل من التوفر على الموهبة الحقيقية، وبالتالي كثرة الأولين وندرة الأخيرين، لذا فقد تناسل أصحاب الأموال “الفنانين” و”الدكاترة” ووو.. في مختلف فروع العلم والمعرفة، والسياسة والفن… ووو، قلَّ الإبداع والمُبدعون، والسياسة والسياسيون، والعلم والعلماء، والفن والفنانون… وإذا طرح أحدنا هذا السؤال على نفسه: متى سمعت آخر أغنية مغربية، تستحق اسمها؟ أو: في أي عام قرأتَ آخر كتاب جيد لمؤلف مغربي؟ ومتى استمعت إلى آخر خطاب سياسي مقبول.. إلخ، فسيجد الجواب مُحيلا إياه، على زمن قديم يُحسب بعشرات السنين. ورغم ذلك فالناس يُغنون مثل “بوجعران” ويجدون مَن يصفق لهم، ويُطري “موهبتهم” قبل أن يُقدمهم للجمهور الأوسع، عبر محطة إذاعة أو قناة تلفزية، بعدما تكون خشخشخة الأوراق النقدية، قد أتت مفعولها “السحري”، وقل نفس الشيء عن كل المجالات الأخرى.


وإذا ما وسَّعنا دائرة النقاش في هذا الموضوع، وقلَّبنا بعض أوجهها الأكثر بروزا، فسنجد أن “موهبة” التوفر على المال، في مجتمع العوز والحاجة، قادرة على فعل كل شيء، ألا نقول فيما بيننا: “الفلوس كايديرو الطريق في البحر؟”.. فكيف نتعجب إذا انتهت الانتخابات، ووجدنا أن مَن “يمثلوننا” أو بالأحرى يُمَثِّلُون بنا، في البرلمان والمجالس البلدية، والغرف التجارية والصناعية.. إلخ، ليسوا سوى تُجارا عرفوا كيف يشترون مقاعدهم ب”خشخشة” أموالهم؟


هكذا إذن، تنسحب قيمة المال على كل شيء، وتصبح سيدة كل “القيم”.. فالشهادات الدراسية، حتى أعلى المراتب، تُشترى بالمال، والموقع السياسي و “العلمي”.. إلخ يخضع للمساومة، ثم الامتلاك عند دفع المبلغ “المُناسب” للشخص “المُناسب”.. وهكذا تصبح سلطة المال هي المُتحكمة في كل شيء.. وما عداها “غير هضرة لي ما كاتشري خضرة” كما نعلق شامتين فيما بيننا.


الباحثون عن المواقع الأمامية، في شتى المجالات، يعرفون بالسليقة هذه الحقيقة “البديهية” لذا تراهم يستغرقون في جمع أكبر قدر مُستطاع، وغير مُستطاع، من المال ثم يدخلون بسهولة إلى مجالات السياسة والسلطة، والفن.. حيث يلتهمون الموقع تلو الآخر، بينما تنحني أمامهم الهامات، وتُدلل لهم كل العقبات، ليصلوا إلى مراتب النفوذ وجني المزيد من الأموال، وهكذا دواليك، إلى ما لا نهاية لهذه الحلقة المُفرغة.


قد يقول قائل: وما الغرابة في كل هذا؟ إنه تحصيل حاصل.. صحيح، لكن وجه الغرابة، أن أحدنا حينما يعترضه طارئ صحي، أو يجد نفسه لسبب من الأسباب، في حاجة إلى خدمات أحد المحامين، أو يريد لابنه مدرسا جيدا.. إلخ، فلا يجد إلى ذلك سبيلا، يندهش لندرة هذا وذاك، في مجتمع يدور حول خشخشة الأوراق النقدية، من أخمص قدميه حتى قُنَّةِ رأسه.. الفارغة.


لقد قامت سلطة المال، في المجتمعات المتقدمة، على أساس تراكم الإنتاج، أما في بلاد أبي جهل، مثلنا، فإن الثروة “ركبت” على العكس تماما، فوق قلة الإنتاج، وهو ما جعل الدرهم سيد الموقف، فاحتكره المخزن ورجاله، حتى تدور العجلة في الاتجاه المرغوب، أي استعباد الناس، وإفراغ كل قدراتهم، حتى أصبحوا عاجزين حتى عن مجرد “الوقوف” ناهيك عن.. الإبداع.

‫تعليقات الزوار

13
  • adilBahraoui
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:59

    تبارك الله عليك ، موضوع جيد.
    المرجوا أن تنأ بعد الشيء عن ماهو سياسي وذلك بالقيام على تحليل سيسيولوجي مغربي محض لماهية الدرهم في وطننا العزيز الذي كثرث فيه اللهطة ومحبة الدرهم وتقديسيه فالمواطن أصبح يوزن في المغرب بميزان معياره كم عندك من مال ؟ من هو أبوك؟ من هي أمك ؟من هم معارفك أو مغارفك ؟ والمغاربة جلهم إلا من رحم ربي؛ أضحى المال عبادة لهم: فلا مباديء ولاقيم ولاهم يحزنون، حتى إندثرت اللهطة والجشع وأصبح المرء لا يملأ عيونه إلا التراب . وبرأيي أن الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة وجمة في ذلك؛ إذ نجد أن تغيير هاته الآفة، والله لايكلف شيئا ولاميزانيات ضخمة مجرد نية صادقة من أجل الوصول إلى مجتمع يتسيد فيه من هوالأجدر والأقدر للعطاء لهذا البلد من نخب متقفة واعية وصادقة وأصحاب النوايا الصادقة التي تعمل من أجل بناء مجتمع يغلب عليه الطابع الإنساني،لكن هيهات ماهي الا آماني؛ فالواقع يقول أن الوطن أصبح يخرج لنا أناسا حاصلين على شهادات عليا من دكتوراة إلخ لكن عقلهم الباطني وتفكيرهم ونيتهم صفر كبير ؛ أجيال جدي اللذين كانواأغلبهم أميين وعلى الفطرة الربانية يحملون من الحكمة ومن حسن النية وحسن التصرف مالانجده الآن في نخبة أسكنها النظام على رقابنا لا مروؤة ولاحب وطن ولاقيم ولاأخلاق ولاإحساس فيها ؛بئس ما فعلت هاته النخبة المزورة والتي بلغت الواجهة بالمال والزبونية والمحسوبية ولحيس الكابة للنظام وهمها الوحيد هو اللهطة تكديس الحسابات البنكية وشراء الفيلات والقصور والحصول بالمجان بأي قدرممكن وعلى القدر المستطاع لكل ماطيب على ظهر الشعب لحال فموا في المهرجانات والمستلب هو كذلك بنفس العقيدة والذي يتربص ويتحين هو كذلك الفرصة من طابورالإنتظارللإنقضاض عليها…..

  • ولد الزرايب
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:45

    كان حريا بصديقك ان يسميه الفنان “سراق الزيت”
    “سراق الزيت” الدي ينتهي مساره الفني تحت الاحدية هههههههههه
    من منا لم “يبغج” هدا الفنان
    ————-
    ويبقى الفن الراقي

  • نزار
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 16:01

    الواقع ليس بهذه السوداوية والقتامة البالغة،والا فما الحاجة للعمل والبذل والجهد اذا كان الامر محسوم سلفا لذوي المال والنفوذ؟نعم ذوو المال والنفوذ يشقون طريقهم الى القمة بيسر وسهولة،لكن الطريق لا تزال سالكة لذوي الكفاءات والقدرات فس شتى المجالات،من ابناء الفقراء وابناء الطبقة الوسطى…كثيرون من هؤلاء تمكنوا من النجاح في حياتهم اعتمادا على قدراتهم الابداعية ومهاراتهم العقلية، ولم يكن لهم ابدا اي سند اجتماعي او مادي..ما قلته قد ينطبق على المناصب السياسية وبعض المؤسسات الاقتصادية المحجوزة لأل الفاسي وبن شقرون وبناني والتازي..لكن لا يمكن تعميمه على كل المجالات والمهن…لنحذر نشر ثقافة الاحباط والتيئييس في نفوس الشباب، ولنزرع بسمة امل في نفوسهم…

  • السمندل
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 16:03

    لي معندو فلوس كلمو مسوس وجلوس حدا الناس خسارة .الدرهم ينقدك من الهم .

  • أبو ذر المغربي
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:51

    طبعا لن نتكلم عن مفهوم الإلتزام بالمعنى الفلسفي في الفن!؛ و لكن في المقابل قافية المغاربة (فلوس..مسوس) لا تلزم في شيء، اللهم إذا تعلق الأمر ببارونات الأموال و الأعمال؛ الذين يعبدون الدرهم و يقيمون كل شيء بالفلوس.
    فلكم مغربكم و لنا مغربنا ..
    أبو ذر المغربي

  • محب المرابطين
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:47

    موضوع في الصميم والخطير عندما يستغل المال من أمي لدخول عالم السياسة من أوسع ابوابه المال مفتاح للكثير من الأبواب سياسية واجتماعية وحتى ثقافية

  • بوشويكة
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:57

    قل لنا ماذا يمكننا أن نقيم بدون الفلوس نكون لك ممنونين أم أن كلامك أيضا ناقص ملح.
    أتحداك أن تجد على قارعة الطريق ورقة من فئة 200 درهم وتتركها.

  • zorba
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 16:09

    السلام عليكم
    المال يالمال كلشي يدوا بالمال هذا مطلع من اغنية
    لرباح ديرياسا
    غناها ولم ينتقده احد لان الناس متفقون بالمطلق على هذا الدور الذي يؤديه هذا المال وهى وسيلة من الوسائل القديمة في التعامل بين البشر
    وسلطة المال كانت و ستبقى دائما قائمة
    يبقى الاختلاف فقط في توضيف هذا المال
    من ا لمال نبني المساجد المستشفيات الحانات به نؤدي اجر العامل واجر العاهرة به يشتري الصحافي اقلامه واوراقه اذن
    هو سلاح ذو حدين
    اذن الموضوع ليس بجديد
    وهو افراز طبيعي لهذا المجتمع
    وهذه الكائنات الغريبة التي تستغل المال من اجل الوصول الى هدف معين
    تاريخ صلاحيتها قصير جدا والزمان كفيل برمها في المزابل

  • أبو ذر المغربي
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 16:05

    أولا، لست أنا وحدي من سيقول لفضيلتك؛ كيف لا يقيم كل شيء بالفلوس!. بل كل منطق سليم ينحو هذا المنحى (و هذا الواجب أن يكون)
    لكن، مع ذلك يجب أن نكون واقعين؛ و لا ننكر أن المادة عنصر و ليس أي عنصر في الحياة! (الحياة الدنيا لعب و لهو. و إلى حد ما “هي مادة”)
    أما 200 سنتيم أو درهم؛ طبعا سآخذها و لن أتركها لعزيزي بوشويكة ! لأني مثله بشر من لحم و دم.
    أبو ذر المغربي

  • واحد من الناس
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 16:07

    تحية و بعد
    موضوع يستحق التنويه: و جدلية المال قائمة مند القدم حتى الان
    وبتصفح كتب التاريخ تجد جدلية المال و الاخلاق توزع ادوارها و ما اساطير الاغريق و قصص هامان وقارون و احتلال روما الرومانية بمرحلتيه … الا دليل على هده الجدلية
    السؤال الدي يجب التفكير فيه هل المال سيد ام عبد؟؟؟؟؟
    وهل ادا ما تم هناك تكامل بين المال والفضيلةهل سنرى هدا الشدود؟؟؟

  • ولد البلد
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:49

    إذا كان صاحبنا ليس بينه وبين الفن و الغناء إلا الخير والإحسان, كما قلت, فالجمهور راشد و هو الوحيد الكفيل بإفشال مشروعه رغم خشخشة الأوراق البنكية. إو هنينا.

  • أبو ذر المغربي
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:55

    بعد سحب الإشهار الذي يظهر فيه علم الكيان المزعوم المسمى “إسرائيل” من جريدتنا هسبريس؛ لا يسعني إلا أن أرفع عبارات الإشادة و الإمتنان؛ أصالة عن نفسي و نيابة عن أطفال فلسطين المحتلة؛ إلى طاقم المتنورين كتاب و تقنيي و أطر حبيبة الجماهير : هسبريس
    فارقدوا بسلام في نعوشكم يا أطفال فلسطين !
    أبو ذر المغربي

  • تازي
    الخميس 30 يوليوز 2009 - 15:53

    السلام عليكم
    كما جاء في القران الكريم
    < المال والبنون زينة الحيات الدنيا> اذن كلشي طالع على المال عاد البنون اوا كلشي معروف من زمان

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة