هل يفعلها حزب "بوديموس" ويفوز بالانتخابات العامة الاسبانية؟

هل يفعلها حزب "بوديموس" ويفوز بالانتخابات العامة الاسبانية؟
الخميس 23 يونيو 2016 - 02:00

بعد انتخابات 20 دجنبر الماضي، والتي لم تسفر عن تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان، يتوجه الإسبان، من جديد، يوم الأحد 26 يونيو الجاري، إلى صناديق الاقتراع من أجل اختيار ممثليهم في مجلس النواب ومن خلالهم الحكومة المقبلة، وكلهم أمل أن تؤدي هذه الانتخابات إلى حلحلة الوضع السياسي الصعب الذي تمر منه البلاد لأول مرة في تاريخها الحديث.

وإذا كانت نتائج انتخابات دجنبر الماضي قد أفرزت، لأول مرة، خريطة سياسية جديدة تقطع مع الأغلبية المطلقة والثنائية الحزبية، وتكرس الصعود الرسمي لحزبي “بوديموس” و”المواطنين”، كقوى سياسية حقيقية، لا مجال لتشكيل حكومة دون التوافق معها، فإن تلك النتائج والمفاوضات التي أعقبتها شكلت أرضية جديدة تأسس من خلالها الأحزاب لإستراتيجيتها وتكتيكاتها في حملة إعادة الانتخابات العامة في هذا الشهر.

فلأول مرة في تاريخ الحملات الانتخابية الاسبانية، تتم المناظرة التلفزيونية بحضور أمناء الأحزاب الأربعة المتصدرة للانتخابات، بخلاف الحملات السابقة التي كانت المناظرة التلفزيونية الرئيسة حكرا على الأمين العام للحزب الشعبي ونظيره في الحزب الاشتراكي، وبالتالي فإنه تكريس لهذا الواقع السياسي الجديد الذي أصبحت الأحزاب الاسبانية تتعود عليه وتتعايش معه.

ولعل ما يميز مرحلة إعادة الانتخابات، وهي مرحلة قصيرة زمنيا، هو مدى قدرة الأحزاب على تحليل المعطيات السياسية والانتخابية المتوفرة والقدرة على توظيف كل ذلك من أجل تموقع وحصد نتائج أحسن في الانتخابات المعادة، وهو ما يمكن أن نستشفه من خلال تكتيكات وإستراتيجية حزب “بوديموس” الذي رغم كونه حزبا حديثا لا يتجاوز السنتين، إلا أنه أبان عن حنكة ودهاء سياسيين، وفاق خصومه ومنافسيه.

تحالف إستراتيجي

أظهرت استطلاعات الرأي العديدة إبان شهري أبريل وماي الماضيين، أي إبان فترة حل البرلمان والدعوة إلى إعادة الانتخابات العامة، أن الانتخابات في حالة إعادتها لن تختلف عن سابقتها من حيث تقارب النتائج وغياب أغلبية مطلقة، لكن في المقابل أبانت تلك الاستطلاعات فقدان حزب “بوديموس” للكثير من الأصوات والمقاعد، لعل من بين تلك الاستطلاعات استطلاع “مركز الأبحاث الاجتماعية” الذي أظهر حينها أن حزب “بوديموس” سينزل من نسبة حوالي 20 في المائة إلى حوالي 17 في المائة من الأصوات المحصل عليها.

وتم تفسير ذلك من طرف العديد من المحللين بكونه عقاب انتخابي لتصلب الحزب وغياب المرونة في مفاوضاته لتشكيل الحكومة، بخلاف الأحزاب الأخرى التي أظهرت مرونة أكبر.

لكن بعد أسابيع قليلة، عادت استطلاعات الرأي لتظهر عكس ذلك، وتبين فوز حزب “بوديموس” بالرتبة الثانية وراء الحزب الشعبي، بحوالي 26 في المائة من الأصوات على حساب الحزب الاشتراكي الذي حل ثالثا لأول مرة في تاريخ الانتخابات الديمقراطية الاسبانية، وهو الاستطلاع الذي تم نشره بحر هذا الأسبوع من طرف “مؤسسة متروسكوبيا”.

هذا المعطى يدفعنا إلى طرح السؤال التالي، ما الذي استجد في غضون الأسابيع الأخيرة ودفع بحزب “بوديموس” في استطلاعات الرأي من منحى ناقص إلى مرتفع؟ وأضحى من خلاله يهدد بإزاحة الحزب “الاشتراكي” من الرتبة الثانية وبالتالي من قيادة اليسار، بل أصبح يهدد حتى بالفوز على الحزب الشعبي بالمرتبة الأولى، وهو ما حذا بزعيم الحزب “ماريانو راخوي”، ولأول مرة، إلى تحذير مناضليه والمتعاطفين مع اليمين من إمكانية حدوثه إن لم يقطعوا الطريق على حزب “بوديموس”.

جزء من الإجابة عن هذا السؤال يكمن في كون حزب “نستطيع”؛ أي “بوديموس”، وبخلاف الانتخابات السابقة قد عقد تحالفا انتخابيا مع حزب “اليسار الموحد”، وسيتقدمان إلى الانتخابات العامة تحت مسمى “موحدون نستطيع”، وهي خطوة تكتيكية ذات أبعاد إستراتيجية قلبت من جديد موازين القوى.

وكما هو معلوم، فإن حزب “بوديموس” الذي كان قد حصل في انتخابات دجنبر على 69 مقعدا، في حين حصل حزب “اليسار الموحد” بصوتين فقط؛ أي إن مجموع مقاعدهما هي 71 مقعدا بفارق كبير عن “الحزب الاشتراكي” الذي حصل حينها على 90 مقعدا. وهنا يكمن مربط الفرس؛ حيث إن التحالف الانتخابي بين “بوديموس” و”اليسار الموحد” سيمكنهما من الاستفادة من الأصوات التي كانت تضيع عليهم وتصب في صالح “الحزب الاشتراكي” بحكم النظام الانتخابي المعتمد في اسبانيا والمعروف “بنظام دونت” وعتبة 3 في المائة.

وبالتالي يكون حزب “بوديموس” قد نجح في تحالف استراتيجي أكثر منه انتخابي، لأن أبعاده ستكون أكبر من مجرد إزاحة الحزب الاشتراكي من الرتبة الثانية، ولكنها ستعطيه أحقية قيادة اليسار ولو على الأقل للفترة المقبلة.

تكتيكات جديدة

إلى جانب الخطوة الإستراتيجية في تحالفه مع حزب اليسار الموحد، جدد “بوديموس” من أدائه ومن تواصله السياسي، ونهج تكتيكات أربكت خصومه ومنافسيه، فبدل أن يتهم بالتعنت والتصلب في مواقفه إبان مفاوضات الحكومة، فإنه نجح في تسويق نفسه على أنه كان منسجما مع قناعاته وإيديولوجيته، وأنه حزب يساري تقدمي لا يمكنه أن يتحالف إلا مع أحزاب تتقاسمه الرؤية نفسها، وأنه لا يمكن أن يتحالف مع أحزاب يمينية على غرار مفاوضات تشكيل حكومة بين “الحزب ألاشتراكي” و”حزب المواطنين” اليميني.

هذا الانسجام الإيديولوجي حاول الحزب تعزيزه كذلك في حملته الانتخابية الحالية؛ حيث تفادى الهجوم على “الحزب الاشتراكي”، وركز هجومه على الأحزاب اليمينية.

كذلك حاول الحزب أخد مسافة مما يجري في فنزويلا ومن محاولات نعته بكونه امتدادا للأحزاب الشيوعية والراديكالية في أمريكا اللاتينية على غرار “حزب تشافس” في فنزويلا، بل أصبح الحزب يسوق نفسه من أحزاب اليسار الديمقراطي الأوربي، وهو ما دفع بزعيم الاشتراكيين “بدرو شانزيس” إلى اتهام “بوديموس” بتغيير معطفه الإيديولوجي.

ولعل أبرز ما قام به الحزب كذلك خلال حملته الانتخابية الحالية، هو اختياره لشعار حملته “الوطنية المواطنة”، وهو ما جر عليه وابلا من انتقادات الأحزاب الأخرى التي اعتبرته حزبا انتهازيا يستعمل شعار الوطن فيما هو حزب يهدد وحدة وكيان اسبانيا في توافقه مع الحق في تقرير مصير “جهة كاتالونيا”.

ويبدو أن شعار “بوديموس” يهدف إلى جر البساط من تحت أقدام الأحزاب الرئيسية التي تسوق نفسها أحزابا وحدوية ووطنية، وتصور “بوديموس” على أنه حزب يؤيد الانفصاليين في كاتالونيا وغيرها ومعادي للوحدة الأوروبية.

والخلاصة أن حزب “بوديموس” ورغم حداثته السياسية، إلا أنه أبان عن براغماتية سياسية وحنكة في إدارة المرحلة الحالية وقدرة على مفاجأة خصومه، وهو ما تجلى في استطلاعات الرأي التي تبوؤه المرتبة الثانية على أقل تقدير، وهو ما سيشكل فوزا تاريخيا إن هو تحقق، لأن من خلاله سيسحب البساط، لأول مرة، من تحت أقدام “الحزب الاشتراكي” الذي يتجاوز تاريخه 137 سنة، والذي ستزداد خسارته بخسارة قيادة اليسار، لأن موقعه سيكون بين خيارين؛ دعم اليمين بقيادة غريمه التاريخي “الحزب الشعبي” أو دعم “بوديموس” الذي يهدد كينونة “الحزب الاشتراكي”.

ولعل هذا ما توحي به إحدى الطرائف التي كان قد حكاها “بابلو اغلسياس” حين قال إن إحدى مناضلات حزبه سألت أحد المصوتين الأوفياء “للحزب الاشتراكي” لمن سيعطى صوته هذه المرة، فكان جوابه أنه سيصوت لمن اسمه هو اسم مؤسس “الحزب الاشتراكي”، في إشارة إلى زعيم “بوديموس” الذي يحمل اسم مؤسس “الحزب الاشتراكي” نفسه، ومعه يطرح السؤال: هل يدخل اليسار الاسباني بزعامة وقيادة “بوديموس” عهدا جديدا، أم إن حلقات المسلسل لم تنته واحتمال إعادة الانتخابات للمرة الثالثة قد يظل موجودا في غياب التوافق وتضارب المصالح؟

* دكتوراه الدولة في القانون الدستوري، جامعة فالنسيا – مهتم بالشأن الإسباني

‫تعليقات الزوار

8
  • محمد الجزر البليار.....مايوركا
    الخميس 23 يونيو 2016 - 02:42

    السلام عليكم
    على ما اظن يفوز الحزب الشعبي في اسبانيا لانه لديه الاغلبية الساحقة.والله اعلم
    لان هو ظد العمال …….هو ايظا مع الشركات …..

  • متتبع
    الخميس 23 يونيو 2016 - 02:47

    ان التجربة اثبتت عبر التاريخ كلما احس المواطنون بازمة اقتصادية او اجتماعية يلجؤون الى التحزاب اليسا ية لتجاوز الازمة لان طبيعة اليسار يعتمد على مبادئ التضامن و التاميم و التعميم مما يقلل الفوارق الطبقية و يقلص المصاريف الزائدة و اعتماد سياسة شعبية مواطنة. و مع نفس المقا ربة يبقى اليسار الموحد جزء من حل الازمة بالمغرب

  • اسبانيا
    الخميس 23 يونيو 2016 - 03:03

    ستنجح الشفافية والمسؤولية بلا بيع او شراء المواطن .
    ديموقراطية ناجحة وشعب متحظر ومسؤول .
    لانه في الأخير هو المستفيد .

  • عبد الرحيم فتح الخير
    الخميس 23 يونيو 2016 - 03:16

    بسبب اغلبيته الضعيفة لم يتمكن الحزب الشعبي من تشكيل الحكومة كان عليهم استشارة وزارة الداخلية للجارة الجنوبية ماكانو ليضطرو لاعادة الاقتراع ففي هده الجارة حدث مرة ان حكمت الاقلية يا ايها الاسبان ما خاب من استشار

  • ولد حميدو
    الخميس 23 يونيو 2016 - 03:34

    حتى هم يضيعون وقتهم في اعادة الانتخابات التي لن تغير شيئا من نتيجتها السابقة فهل سيعيدونها مرة ثانية ادا لم يتوافقوا طبعا لن يتفاهموا لان احزابا تشجع الانفصال عكس الاخرى

  • mre
    الخميس 23 يونيو 2016 - 04:04

    الحل هو "الديمقراطية" على الطريقة المغربية.. المخزن يقرر من يتحالف مع من و من يحصل على اغلبية الاصوات و من يقوم بدور المعارضة و يحول الحزب الشيوعي الى حزب اسلامي و الحزب الاشتراكي الى جثة و ينفخ في الحزب اليساري و يامر بوليسي بتاسيس حزب و يامر شباط بالخروج من الحكومة و يصنع احزاب "كوكوط مينوت" حسب الظروف و الضرورة "الديمقراطية" و يقرر نوع الدستور و يتحكم في تطبيقه و النتيجة لا وجود لازمة سياسية و لا اعادة انتخابات و لا صداع الراس. و لكن المغاربة يستحقون ذلك ما دام بنادم يبيع صوته بثمن عشاء ليلة.كيفما تكونو يولى عليكم.

  • hamid
    الخميس 23 يونيو 2016 - 04:13

    ما يهمنا من هذا هو ان جميع الاقليات في اسبانيا و المهاجرين و اغلب الشباب بدؤوا بالتقرب من PODEMOS لانه يدافع بشراسة على العدالة الاجتماعية..يجب على مغاربة اسبانيا الدخول في هذا الحزب للدفاع عن حقوقهم كما فعل الافارقة و اللاتينيين و الاوروبين الشرقيين,,يكف ان من خلالهم اول برلمانية من افريقيا جنوب الصحراء اصبحت برلمانية اسبانية, كما اني شاهدت كيف ان افرادا من الحزب يعترضون الشرطة التي كانت ستقوم بالحجز على منزل عائلة مهاجرة فقيرة

  • andalus
    الخميس 23 يونيو 2016 - 12:31

    بودموس سيفعل بإسبانيا ما فعله سريزا باليونان ، فالوعود الإنتخابية تختلف عن ا لتطبيق على ارض الواقع ولا اعتقد أن بوديمس سيجد الموارد المالية لكل تلك لكل تلك الوعود وتوفير اجر 700أرو لكل مواطن ،إضافة الى كون هذا الحزب يدعو الى تقرير مصير كتالونيا ،والى تقرير مصير الصحراء المغربية وحثما سيصتدم مع المغرب الذي بدوره سيلغي اتفاقيات كثيره مع اسبانيا منها محاربة ما يسمى بالإرهاب ،ومحاربة الهجرة السرية وبالتالي سيخضع بوديموس كما خضعت اليونان لمركل وصندوق النقد الدولي الذي الزم الدولة اليونانية على التقشف حتى وصل بهم الحال الى تقليص اجور المتقاعدين ب 200 أرو

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 7

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير