تاريخ العلاقات المغربية المسيحية .. صحوة جهادية أم تعصب ديني؟

تاريخ العلاقات المغربية المسيحية .. صحوة جهادية أم تعصب ديني؟
الخميس 23 يونيو 2016 - 02:00

تطور العلاقات المغربية – المسيحية من العصر الروماني إلى نهاية القرن العشرين، سلسلة تنشرها هسبريس مُنَجمة عبر حلقات يومية في شهر رمضان الكريم.

17. إعادة التوازن النسبي للعلاقات المغربية المسيحية في القرن السادس عشر

بغض النظر عن الفترات التي بلغت فيها الأزمات حدتها، فإن ما ميز علاقات المسلمين بالمسيحيين في المغرب والأندلس هو التسامح المتبادل. وهذه الأزمات كانت بالأساس أزمات يطغى عليها الطابع السياسي وليس الطابع الديني، لكن مع ذلك يجب الإقرار أنه أصبح من الصعوبة بمكان فصل الانتماء الديني عن السلوك السياسي، وبديهي أن دينامكية التطور التاريخي هي التي كانت ومازالت تتحكم في سيرورة هذا التداخل، ومنذ تشكيل النواة الصلبة للأمة المغربية إبان العهد المرابطي ظهرت زوايا، ورباطات، ومدارس كانت تلعب دور مؤسسات ثقافية واجتماعية تتم فيها عملية دمج السياسة بالدين بصفة تلقائية وتحسبا للأخطار الخارجية.

ومما لاشك فيه أن الفتور الذي حال دون تقدم الحضارة المغربية منذ واقعة العقاب (1212م) ازداد تأكيدا في الحقبة التاريخية الموالية، حيث عرفت خلالها العلاقات المغربية مع العالم المسيحي عموما، ومع البرتغال واسبانيا خصوصا، تصعيدا كان على حساب المغرب. ولما اشتد عود التنظيم الديني المسيحي المسمى “فرسان النصارى” طالب برجوع المليشيات العاملة في صفوف الجيش المغربي إلى أوربا، وفعلا تم ترحيلها مع نهاية القرن الرابع عشر، وكان طبيعيا بعد الهجمة البرتغالية الشرسة على المغرب وبعد القضاء على النفوذ المغربي بالأندلس وسقوط غرناطة سنة 1492، أن تلتهب المشاعر الدينية عند المغاربة لتصبح هي المحرك الرئيسي للعمل السياسي من أجل الدفاع عن السيادة المغربية في بعدها الحضاري والاستراتيجي.

لذلك كان القرن السادس عشر متميزا بانتفاضة دينية عارمة موجهة لصد العدوان الخارجي عن المغرب، وكان الفضل في هذه التعبئة المتنامية يرجع بالأساس إلى حماس الشرفاء السعديين وثباتهم، وسرعان ما ظهرت نتائجها الايجابية وتجلت قبل كل شيء في تراجع الاستعمار البرتغالي واسترجاع عدد من المدن المغربية المحتلة : أكادير (1541)، ثم أسفي و ازمور (1542)، أصيلة (1549)، القصر الصغير(1550).

وتبقى معركة وادي المخازن (1578) من المعارك التاريخية التي كان المغرب يحسد عليها في سجل علاقاته مع العالم الغربي، لقد كانت صرخة مدوية في وجه كل المتربصين بالسيادة المغربية، فأكسبت البلاد هيبة جعلت الأتراك العثمانيين يحترمون استقلالها ويخشون بأسها، وغصت السجون المغربية على إثر ذلك بعدة آلاف من الأسرى البرتغاليين.

وكانت بحق ضربة تاريخية أعادت الاعتبار ولو مؤقتا لمغرب تهاون أهله وفشل عزمه. وفي ظروف تاريخية مشحونة كهذه لابد وأن تكون هناك انعكاسات سلبية على مستوى التعايش الديني، وما قيام السلطان محمد الشيخ المهدي سنة 1553 بطرد المبشرين وأفراد الجالية المسيحية من داخل البلاد إلا إجراء عادي تمليه طبيعة الأحداث الجارية آنذاك، وعلى أي حال كان إجراءا وقائيا وليس انتقاميا بالقياس لما أقدم عليه الإسبان من ترحيل وتهجير لمسلمي ويهودي الأندلس الإسلامي.

ونظرا لبلوغ هذه الصحوة الجهادية ذروتها خلال القرن السادس عشر، فقد بادرت المصادر الغربية إلى تسميته بـ”قرن كراهية الأجانب والتعصب الديني”، والذي استمرت تأثيراته الانغلاقية، حسب زعم نفس المصادر، إلى بداية القرن العشرين، أي إلى أن تم ابتلاع السيادة المغربية كاملة من طرف الاستعمار الأوربي. ولطالما وظفت الدعاية الكولونيالية المعاصرة هذا الطرح المدسوس، وهي تحاول بكل مكر وخداع النيل من جوهر الهوية المغربية.

وفي هذا السياق جاء في كتاب لتيوفيل كوتيي تحت عنوان «قرون المغرب المظلمة»، إشارة منه بالخصوص إلى العصر المرابطي، جاء فيه تحليل لا يخلو من مراوغة تضليلية حيث يقول: “إن ما يرفضه التعصب المغربي بكل قواه هو قبل كل شيء العنصر الأوربي الذي لا يعني بالضرورة العنصر المسيحي، إن المغاربة يكرهوننا بالتأكيد لأننا غزاة أجانب يهينون كبرياءهم ويهددون استقلالهم، ويدقون إسفينا في هويتهم، إضافة إلى استهزائنا بمعتقداتهم الغيبية”.

ومهما يكن من أمر، فإن القرن السادس عشر كان بالنسبة للمغاربة بمثابة محاولة استنهاض واسعة، تجلت في تأسيس عدد من الزوايا اهتمت كلها بنشر الثقافة الإسلامية التي تعتبر خميرة الوعي الوطني ومصدر إلهامه. وعملا بتعاليم الإسلام مارست هذه المؤسسات التأطير الاجتماعي بهدف مقاومة الكفار، وأعطت نفسا روحيا جديدا تم استثماره سياسيا، فبفضل هذا المد التعبوي العميق استطاع السلطان أحمد المنصور الذهبي (1578/1603) أن يفتح السودان، وعندما انضمت البرتغال إلى عرش اسبانيا سنة 1581، لم يكن ذلك الحدث ليخيف المغرب، بل استمر في تعزيز مكانته من جديد بين الدول الفاعلة على المسرح السياسي العالمي حينذاك، لكن دوام الحال من المحال …

*أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة- طنجة
[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • Jamy
    الجمعة 24 يونيو 2016 - 08:07

    واش صافي بغيتو تفرضو العلمانية في المغرب؟؟؟

  • المنضل - هولندا
    الجمعة 24 يونيو 2016 - 08:17

    الامانة التاريخية هو ان يكون الموءرخ موضوعيا، محايدا وذو مصداقية…. وهذه الخصال لم تتوفر عند صاحبنا. بالله عليك، كيف تعتبر غزو السودان فتحا، والغزو الاروبي للمغرب غزوا….؟؟؟؟

  • حقيقة
    الجمعة 24 يونيو 2016 - 08:21

    شخصيا ارى ان السبب الرئيسي في فوز المغاربة في بعض رهاناتهم. هو النية الصادقة فاذا حضرت حضر النصر واذا غابت غاب الصر .اين نحن اليوم من هذا. بغض النظر عما سبق (والله متم نوره ولو كره الكافرون)

  • حقيقة المسيحية
    الجمعة 24 يونيو 2016 - 10:24

    لكي يعلم المسلمون لماذا يعتنق بعض الشباب المسيحية هذه بعض الفقرات من الكتاب المُقدس المُحرَّف تبين مدى الترخيص و الدعوة للزنى و المُيوعة فكيف سيتربى جيلٌ هذه عقيدته؟؟ 7: 1 ما اجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع
    7: 2 سرتك كاس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن
    7: 3 ثدياك كخشفتين توامي ظبية
    7: 4 عنقك كبرج من عاج عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم انفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق………….
    7: 8 قلت اني اصعد الى النخلة و امسك بعذوقها و تكون ثدياك كعناقيد الكرم و رائحة انفك كالتفاح
    7: 9 و حنكك كاجود الخمر …..
    وهنا بحث عجيب :
    يقول احد العلماء
    7: 2 سرتك كاس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج
    الناظر والسامع للفقرة يعلم تماماً أن المقصود ليس السرة لأن السرة ليست كالكأس المليء بالخمر
    فطبقاً للفيلمِ “جنس في الكتاب المقدس ” على A&E TV Station ، الترجمة العبرية لكلمة “سرة” تشير إلى “مهبلِ الإمرأةَ“. إستبدلَ المترجمونُ الإنجليزُ “سرةُ” الكلمةَ مَع “مهبل.”
    فيطلب الكاتب أقتناء هذا الفيلم والتدقيق في هذه النقطة

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات