فجر عهد جديد

فجر عهد جديد
الأحد 6 مارس 2011 - 18:05

المصابون بعمى البصر والبصيرة هم فقط من يرون أن هناك بلدا عربيا ما يشكل استثناءا مما يحدث الآن بالعالم العربي، لا نظن أن نيران هذه الثورات ستستثني أحدا، فقط قد يختلف التوقيت والحدة، وفقط الأنظمة التي قد تستبق التسونامي العارم بتغييرات جذرية وسريعة وواسعة هي من قد تتقي ذلك، إن الشعوب في مختلف أرجاء الوطن العربي تعاني من نفس الأوضاع تقريبا مع تفاوتات طفيفة وتافهة لا ترقى الى المستوى الذي تشكل فيه استثناءا، فالفساد في كل مكان والظلم في كل مكان والبطالة في كل مكان والاستبداد والاستفراد بالثروة والحكم في كل مكان، ولا يكاد يوجد أي بلد عربي تختفي فيه هذه المظاهر، فعلى أي أساس ياترى سيشكل بلد ما استثناءا؟ إن الوقت قد حان – إن لم يكن قد فات- ليستمع الحكام الى شعوبهم ويتفهمونهم ويفهمونهم حق الفهم، ويجب على كل المسؤولين العرب الآن وليس غدا أن يقودوا ثورة حقيقية بأنفسهم على الفساد والظلم والاستبداد، ثورة حقيقية ضد الرشوة والمحسوبية والزبونية والتهميش والبطالة، إن الإصلاحات الترقيعية المسكنة ما هي إلا تضييع للوقت، ولا يجب ان نثق بعد اليوم في تقارير المخابرات الكاذبة المضللة، إن الأمر لم يعد في يد احد لا في الداخل ولا في الخارج، لقد حل عهد جديد، نحن في زمن يتجاوز الحكام العرب وأنظمتهم، ولم يعد الوقت يسمح لهم حتى بفرصة إصلاح ما أفسدوه على مدى عقود، الثورة كالنار تماما، حينما تندلع يصعب السيطرة عليها، تهب على الأخضر واليابس، ومهما حاول البعض إخمادها فان ذلك لا ينفع في شيء، لم يعد اليوم أي أمر مستبعدا في هذا العالم العربي، إن هذا الشعب العربي الذي طالما استعبده حكامه وتسلطوا عليه بالحديد والنار الى أن حولوه الى قطعان مسيرة، هاهو قد بدأ ينتفض بسرعة تتجاوز كل التوقعات، والغريب أن كل نظام عربي يدعي أن بلاده تشكل استثناءا، ولن تصلها الاحتجاجات التي تطال الدول الأخرى، قالوا في مصر إن مصر ليست تونس ويقولون في ليبيا إن ليبيا ليست مصر ولا تونس ويقولون في اليمن إن اليمن ليست مصر ولا تونس وهكذا.. والواقع أن الدول العربية مجتمعة تعاني نفس الشيء لا تختلف عن بعضها البعض إلا في بعض الشكليات التافهة، وبالتالي فانه حتى وان اختلف قطر عربي عن آخر فان مسببات اندلاع الثورة تبقى نفسها.


قد تتطلب حالة بعض الدول إصلاحا جذريا لنظامها دون الحاجة الى إسقاطه، لكن ذلك الإصلاح لا يعني الترقيع ووضع الرتوشات فقط بل يتطلب تدخلا عاجلا الآن قبل الغد، أما أن تركن بعض الأنظمة الى تقارير ” المغلطين” ونفاق “المنتفعين من الوضع القائم” والى تقارير بعض المؤسسات الغربية المضللة كتلك التي وصفت “تونس بنعلي” في وقت من الأوقات بالمعجزة الاقتصادية، قلت إن أي نظام يركن الى مثل هذه “الخزعبلات” البعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع يكون في بداية المغامرة التي تؤدي به الى الانتحار آجلا أم عاجلا.


كل الدول العربية التي لم تصلها الثورة بعد مطالبة اليوم أن تعتبر نفسها وكأن الثورة قد حصلت بها، وتستمع الى صوت الشعب وتستجيب لمطالبه وتعمل الى جانبه، لم يعد مقبولا أن يعتبر الحكام العرب أنفسهم أسيادا وعلى الشعوب أن تخدمهم وتسبح بحمدهم، إن الحاكم يجب أن يعتبر نفسه “خداما” لدى الشعب وخادما له وليس العكس. أما إذا كان يصر على أن يبقى بشرا ليس كالبشر يفعل ما يريد فهذا ما لا يساعد على الاستقرار بقوة واقع اليوم.


إن المحتجين في الشارع العربي لا ينطقون كفرا، وإنما يطالبون فقط بحقوق أصبحت عند أمم أخرى مكتسبات منذ زمن بعيد، يطلبون فقط أن يعيشوا مثل البشر، يطالبون بالحقوق الأساسية والطبيعية، تلك الحقوق البديهية التي تقرها حتى دساتير بلدانهم، والتي تقرها كل المواثيق والأعراف والديانات، فلماذا كلما طالب احد بحقه في هذا العالم العربي يتهمونه بالعمالة وخدمة أجندة خارجية، هل حينما يطالب المواطن بحقه في الحرية وحقه في التعبير وحقه في العيش الكريم وحقه في العمل وحقه في الاستفادة من ثروات بلاده يكون خائنا وعميلا لأجهزة خارجية معادية للوطن؟ وهل لا يكون المواطن صالحا إلا إذا رضي بالذل والخنوع والجوع والهوان؟!


إن ارض الوطن العربي أصبحت مملوءة بالقنابل الموقوتة القابلة للانفجار في كل وقت وحين، ولم يعد يوجد في بلاد العرب أي مكان لمستبد، الوقت الجديد يتجاوز الاستبداد ويتخطاه الى الأمام، وما من قوة لكبح جماح تسونامي الاحتجاجات إلا ديمقراطية حقيقية تخول للشعوب إدارة شؤونها بنفسها وتقرير مصائرها دون وصاية من أحد! وعلى كل عاقل أن يتمعن فيما حدث ويحدث قبل أن يحل يوم لا ينفع فيه لا فهم متأخر ولا إبادة جماعية، إن “الوقت” صار صعبا حتى على من يحسبون نفسهم فوق الواقع وفوق الأحداث، ولم يعد “صعبا” على المسكين فقط!

‫تعليقات الزوار

1
  • امغربي
    الأحد 6 مارس 2011 - 18:07

    هدا كلام منطقي وواقعي لا يجادل فيه الا منتفع او مخبر او جاهل ، وكل هؤلاء في الحقيقة جهلاء .

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال