ليبيا والتدخل الأجنبي: سؤال الثمن والغطاء

ليبيا والتدخل الأجنبي: سؤال الثمن والغطاء
الخميس 31 مارس 2011 - 15:24


يثار نقاش قوي هذه الأيام عن التدخل الأجنبي في ليبيا، وتتوزع الآراء بين معارض ومؤيد، فالمعارض يرى أن في هذا التدخل استباحة لأرض المسلمين وتسهيلا لمأمورية الاستكبار المتعطش لخيرات أمتنا المسكون رغبة في استعبادها وممارسة ساديته عليها، أما المؤيد فيرى أن التدخل أنقذ ثوار ليبيا الذين كانوا على شفا حفرة من نيران سفاح ليبيا القذافي، فهل من سبيل إلى رؤية دقيقة متزنة لما نشهده اليوم؟ وهل من إمكانية من نقاش هادئ يضع النقط على الحروف ويضع المصلحة العليا للأمة فوق أي اعتبار؟


لا أزعم أني قادر على صياغة هذه الرؤية والموقف صياغة واضحة ودقيقة ولكني أريد من خلال هذا المقال طرح الأسئلة التي أعتقد أنها المناسبة لهذا الوضع.


قد لا يتفق معي الطرفان فبالنسبة لهما القضية واضحة وضوح الشمس بالنسبة لكل واحد منهما، ولكنها ليست كذلك فيما أحسب، فعندما يهب العلامة يوسف القرضاوي للدفاع عن التدخل الأجنبي وهو الذي لطالما كان عنوانا لمقاومة الظلم والاستكبار، ويواجه هذا الموقف بالاستنكار والتنديد من قبل مفكرين وعلماء آخرين، يصبح الأمر في غاية الغموض والالتباس.


من السهل الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر وخط الرؤى والمواقف والآراء لكن الصعب والمؤلم والخطير هو الجلوس تحت نيران الطائرات والدبابات و كل ما يميت يزهق الأرواح ويهتك الأعراض، لذلك فأهل ليبيا هم المؤهلون لحسم اختياراتهم و اتجاهاتهم، لكن هل من الضروري أن نفكر كما يفكر إخوتنا في ليبيا؟ بمعنى ألا نحتاج في هذا الموقف الدقيق والحساس والمؤلم لرؤيتين، رؤية الداخل ورؤية الخارج، رؤية الاضطرار ورؤية صمام الأمان؟


من داخل رؤية صمام الأمان أرى أن الإدلاء بموقف ينبغي أن ينطلق من النظر في أمرين، الأمر الأول يتضح من خلال الإجابة عن سؤال: ما الثمن الذي يقدمه الليبيون وسيقدمونه لهذا التدخل؟ ومن يتحمل اليوم ثمن التدخل؟ وما الثمن الذي ستقدمه الأمة مستقبلا إن هي قبلت وسكتت عليه؟


أما الأمر الثاني فتبينه تساعد عليه الأسئلة التالية: هل من الحكمة تغطية التدخل بغطاء شرعي أو سياسي أو شعبي؟ هل من اللازم تغطية هذا التدخل؟ أي نظر فقهي ورؤية سياسية تؤطر هذا الغطاء؟


أولا: سؤال الثمن: لا أعتقد أن عاقلا يصدق ما تروجه خطابات الاستكبار حول نبل وسامية مقاصده، فقد عرفنا بالتجربة العينية المعيشة القريبة والبعيدة أن كل حرب مهما بلغت قذارتها محتاجة لإيديولوجيا وقيم نبيلة تحرك الجنود وتضلل الجمهور وتوهم المحتل حول حقيقة محتله فتزعزع قناعاته واختياراته، لذلك فكما قال بوش سابقا عن حربه على العراق بأنها حرب مقدسة لنشر الديمقراطية يقول ساركوزي عن حربه على ليبيا بأنها واجب تاريخي لفرنسا وعندما تكون المسؤولية تاريخية تكون الحرب مقدسة لنشر الديمقراطية أيضا، وكما تبين في حرب العراق أنها إنما كانت لأجل نفطه فكذلك لا يمكن للحرب التي تخوضها فرنسا وأمريكا صحبة دول الاستكبار إلا أن تكون من أجل نفط ليبيا، كيف يمكن أن نصدق فرنسا التي يسكنها حنين مرعب نحو سنوات استعمارها لبلادنا وهي التي أيدت وغطت ودعمت حتى آخر لحظة زين الهاربين، كيف نصدقها وهي التي لطالما دعمت بلا حدود الكيان الصهيوني في جرائمه ضد شعبنا الأعزل في غزة، أين كانت فرنسا في ذلك التاريخ؟


إن الحقيقة الواضحة والجلية هي أن ثمنا يؤدى وسيؤدى لهذا التدخل، سيكون من ناحية إرضاء لنفسية عجوز أوروبا التي زادتها التجاعيد قبحا وسوءا ولم تنفع معها جميع مساحيق التجميل، ومن ناحية سيترجم الثمن عقودا للنهب المنظم لثرواتنا لعقود طويلة.


لا خبر عندنا بما يدور في الكواليس من ضغوط والأكيد أن الضغوط والموقع التفاوضي للاستكبار سيزداد قوة مع مرور الأيام وستحرص فرنسا على توقيع معاهدة استسلام سياسي واقتصادي على المجلس الوطني الليبي للثوار.


في سؤال الثمن دائما لا أتوقع أن تكون القنابل التي تسقط على أرضنا الحبيبة ليبيا ستكون من جيوب الفرنسيين بل ستؤدى من دماء وجيوب العرب أولا وجيوب الليبين فيما بعد.


ثانيا: سؤال الغطاء: لحل مسألة الاختلاف أو الاتفاق مع هذا التدخل أرى ضرورة الجواب عن سؤال مهم هو: هل من الحكمة تغطية هذا التدخل بغطاء شرعي أو سياسي أو حتى شعبي؟


إن النوايا الحقيقية لأمريكا وفرنسا واضحة جلية ونحن اليوم أمام هذا الوضوح نجد من يصدر في موقفه المتعاطف مع الدماء والأرواح الطاهرة فيجيز التدخل ويدعمه ويدعو لذلك، فهل نتجاهل تلك النوايا ونركز الآن على ما يحقن دماء إخوتنا؟ هل نجابه المجرم سفاح ليبيا الذي يريد أن يقدس حربه ويظهر بمظهر المقاوم المبطل، هل نجابهه بشرعنة التدخل من العلماء، وبتوفير الغطاء السياسي من الدول والتنظيمات؟


من وجهة نظري أرى أن صمام أمان هذه الثورة الليبية الصامدة يتحقق أمام هذا التدخل بعدم منحه أي غطاء، بل من الواجب تركه مكشوفا بل وخوض موقف متقدم يقوم على كشفه بهدف محاصرة تدخله في أفق إيقافه لتحسين موقع الثوار وحمايته مستقبلا.


لا لأي غطاء للتدخل الخارجي لأن ذلك الغطاء هو في غير مصلحة الأمة وهي تخوض انتفاضة تحررها، فعندما نجيز لهؤلاء الغزاة التدخل في شؤننا نكون بصدد توقيع معاهدات حماية جديدة سيتبعها احتلال جديد.


ولا لتغطية التدخل مهما بلغت التضحيات المقدمة لأن ما سنقدمه مستقبلا لأي مغامرة من هذا القبيل سيكون أكثر فداحة لأمتنا، وسيكون بالتأكيد أكثر تكلفة مما يقدم.


أخيرا أختم بالقول إن ثورة ليبيا قد وضعتنا أمام مشهدين مؤلمين محزنيين: مشهد المجازر التي يقوم بها مجرم ليبيا القذافي، ومشهد طائرات الاستعمار الامريكي والفرنسي وغيرهما تسرح وتمرح في سماء وأرض ليبيا عمر المختار وتلقي بقنابلها على ترابها الطاهر و رجالها الشرفاء، ولا يمكن لنا أمام المشهدين الأليمين إلا أن نحزن ونغضب وتسيل دماء قلوبنا حسرة، ولا يمكن لنا إلا أن نصرخ بأعلى أصواتنا لا للقذافي وأذنابه، ولا وألف لا للتدخل الاستعماري في بلادنا.


فاللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرج ليبيا وثوارها من بينهم سالمة عزيزة كريمة شامخة.

‫تعليقات الزوار

4
  • ahmad
    الخميس 31 مارس 2011 - 15:32

    kollo menn Ameiiiiiika

  • فيصل
    الخميس 31 مارس 2011 - 15:30

    لابد ان ندرس ونتباحث .. عن دور الاعلام في الازمة الليبية .. هناك اخبار كثيرة اعتمدت على ” شاهد عيان ” هناك اخبار كثيرة غير دقيقة .. ولكنها غُلّفت بالعاطفة .. في قناة اخبارية .. عن تقارير المراسلين اشبه بخطب جهادية .. ايات قرآنية وتشبيه البعض بالفرعون وقارون .. / عندما سئل مذيع لقناة اخبارية .. وقال كتائب القذافي تقدمت .. ماذا سيفعل الجيش الوطني – يقصد الثوار – رد عليه لايوجد جيش بمعنى الجيش .. وانسحابنا لم يكن تكتيكي بل كان انسحاب فوضوي وغير مدروس بسبب الخوف والهجوم من قبل قوات القذافي .. / ولكن هذه القناة اصرت على ان الانسحاب تكتيكي بالرغم من ان المتحدث الرسمي وصفه بالعشوائي وغير المدروس … ثم هناك ايضا خبر اخر في نفس القناة / قالت ان هناك معركة ضارية بين الثوار وكتائب القذافي .. وان القذافي يقصف بالصواريخ .. وعند مقابلة شخص من الثوار .. سأله من اين يأتي القصف .. قال نحن نقصف الوادي الاحمر لكي نتأكد من عدم وجود شيء .. ورغم هذا ..لم يزيلوا الخبر المكتوب بالاحمر اسفل الشاشة / الحرب اعلامية .. كيف جعلت عدة قنوات الشعب العربي يقبل بتدخل قوات التحالف وحاليا الناتو .. كيف جعلت فرنسا والولايات المتحدة الامريكية .. الامم المتحدة تقبل .. / العرب كانوا غطاء .. لتدخل اجنبي مثل ماحدث مع العراق / الان يريدونها حربا طويلة … مستحيل ان ينتصرطرف ضد اخر .. الغلبة تميل للقذافي .. والثوار – المتمردين – ايضا في ايديهم نقاط قوة .. الحل لايكون عبر السلاح والانتقام .. ومن ثم اقامة لجان على الطريقة العراقية تحت اسم اجتثاث المرتزقة الذين هم ابناءالقبائل الليبية ومن هم مؤيدين للعقيد القذافي / اذن الحل يكون عن طريق الحوار … بدلان يقول الغرب على القذافي الرحيل .. عليهم ان يطلبوا منه الحوار مع الثوار .. لكي يجدوا حلا وسطا يريح ليبيا من هذه الحرب التي لايعلم نهايتها … والسلام عليكم

  • البركاني
    الخميس 31 مارس 2011 - 15:28

    هذا المسمى امير قطر ما هو الا في الساعات الأولى من فجر يوم الثالث من يناير عام 2002، قامت البحرية الإسرائيلية باعتراض السفينة «كارين إيه» (Karine A) في عمق المياه الدولية للبحر الأحمر، ومصادرة حمولتها من الأسلحة بحجة أنها كانت متوجهة للأراضي الفلسطينية.
    والملفت للنظر حقا أن هذه العملية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم «سفينة نوح» قد وقعت على بعد 300 ميل جنوب ميناء إيلات، بين السواحل السعودية والسودانية.
    وذلك جاء باعتراض السفينه بعد ان تم كشفها عن طريق تعاون بين الموساد االاسرائيلي والخائن امير قطر , وكانت تلك السفينه التي اعطت الضوء الاخضر للعدو الصهيوني من اجل اغتيال الشهيد القائد ابو عمار رحمه الله وهذه يدل ايضا عن تورط امير قطر باغتيال الشهيد القائد ابوعمار
    خائن وعميل يقيم العلاقات السريه مع الصهاينه من تحت الطاوله فكلنا نذكر عندما خرج على قناة الخنزيره القطريه ليشجب ويدين الصهاينه ويطالب الجميع بقطع العلاقات معهم وفي الوقت نفسه كان وزير خارجيته يستقبل الوزير الصهيوني بنيامين بن اليعازر؟؟؟!!!!!!!!

  • khalifa omer
    الخميس 31 مارس 2011 - 15:26

    ان الذي حصل ويحصل في ليبيا هو محاولة للقضاء على كل معاني الثورات العربية ودلالاتها واهدافها ن بل هو القضاء على احلام كل الجماهير لأن صورة الثورة ستبقى مقرونة بفعل خياني وعدوان انكلو امريكي اطلسي ومن مخاطر هذه الثورة انها اساءت الى الاسلام في العمق لانها عززت صورة المسلم العاجز الذي يستعين بالعدو الكافر ليظهر كلمة الله فهل ان الله عاجز عن اظهار كلمته الى الحد الذي يستعين بساركوزي والاطلسي ؟؟
    نعم ايها الناس : اننا في عصر لاشبيه له من عصور الظلال إذ يدعي البعض ان القذافي يحارب الاسلام وان قوات التحالف إنما تنتصر للدين والاسلام والمستضعفين من المسلمين
    فليسلَم طارق بن زياد سيفه لساركوزي وليسلم صلاح الدين الايوبي سيفه ورمحه للبطل شارون انهم الفاتحين الجدد الذين سيرفعون كلمة الله ويظهرون دينه ولو كره العرب هل سنرى ان حلف الاطلسي سيكون بديلا عن جحافل الفتح الاسلامي ؟؟
    ربما سيكتب التاريخ بعد حين فيخبر الاجيال قائلا :
    ان ساركوزي وكلينتون هما من اعاد الاسلام الى بلاد المسلمين وعلى ايديهما فتح الله بلادنا ان في ذلك لخسران مبين لو كنتم تعلمون تبا للرجال وانصاف الرجال ممن يريدون لنا ان نكون بنادق واصوات تحلل الزنا بالمحارم …

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات