لا يجوز شرعا قتال الكفار لكفرهم

لا يجوز شرعا قتال الكفار لكفرهم
الثلاثاء 18 فبراير 2020 - 19:34

جاءت رسالة الإسلام لتحقيق إنسانية الإنسان، وحمايته من كلّ خطر قد يهدم إنسانيته وكرامته، كاستغلاله واستعباده وظلمه أو قتله أو إكراهه على شيء غير مقتنع به، وغير ذلك من الأعمال المشينة الذي قد يرتكبها الإنسان في حق أخيه الإنسان. يقول سبحانه وتعالى “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ…”. أهداف انسانية نبيلة قد أوجزتها هذه الآية القرآنية في محاربة الفساد بأنواعه، مع تحديد الطريق القويم من خلال التشريع والقانون الذي يُبيّن طريق الحياة، ويحفظ الأمن والنظام، ويُحرّر الإنسان من أغلال عبودية الإنسان لأخيه الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على جميع مخلوقاته.

ما أروع تعبير القرآن الحكيم عن هذه الحقيقة وتصويره لها وهو يخاطب المسلمين بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”؛ لذلك تعهّدت دعوة الإسلام ومنهجه الذي يخاطب به البشرية بتحديد الخطوط التشريعية والمنهجية المتكاملة التي ترسم صورة الحياة، وتُخطّط أبعادها على هدى من مفاهيم العدل والخير والكرامة لهذا الإنسان، ولقد كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم خير معبر عن هذه الأهداف والمعاني السامية يقول صلى الله عليه وسلم “ما جاء أحد أمّته بخير مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة” وعلى هذا الهدي صيغت بعض القواعد التشريعية والفقهية كقاعدة: “جلب المصالح ودرء المفاسد..” أو قاعدة: “لا ضرر ولا ضرار” أو قاعدة: “الضرر يزال”، وغير ذلك من القواعد التي تقررت في كتب الفقه الإسلامي، كطلاق الغصب؛ أي طلاق المكره.. فنوع هذا الطلاق عند الجمهور لا يقع، لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: “إنَّ الله تَجاوزَ لي عن أُمَّتِي: الخطأَ، والنِّسيان، وما استُكْرِهوا عليْه” (أخرجه ابن ماجه).

قال ابن قدامة في “المغني”: “ومَن أُكْرِه على الطَّلاق، لم يلْزمه، لا تختلِف الرِّواية عن أحْمد، أنَّ طلاق المُكْره لا يقع، ورُوي ذلك عن عمر، وعلي، وابْنِ عُمر، وابن عباس، وابن الزُّبير، وجابر بن سمرة.. فإذا كان طلاق المكره لا يجوز، فإن الزواج بالإكراه لا يجوز، وكذلك الكفر أو الإيمان بالإكراه والغصب لا يجوز وغير مقبول عند الله تعالى؛ لأن الإيمان ينبغي أن يكون عن اقتناع تام وعن طيب خاطر، لهذا منح الله تعالى في كتابه العزيز الحرية المطلقة في التفكير والرأي والاعتقاد والإيمان والكفر، يقول سبحانه: “لا إكراه في الدين” قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد الجرشي عن زيد بن ثابت عن عكرمة عن ابن عباس قوله: “لا إكراه في الدين” قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له: الحصيني كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك. فينبغي على المسلم اليوم أن يتصالح مع عقله وذاته وواقعه وينطلق في بساتين العقل والتفكير والبحث في كتاب الله المسطور وكتابه المنشور، مع الاجتهاد في التعارف وفهم الآخر المختلف لعله يتذكر أو يخشى؛ فالتفكير العقلاني الحر دواء مفيد ومجرب في معالجة الكثير من الأمور وخصوصا فيما يتعلق بالتشدد والتنطع والتكفير؛ فأصحاب العقول المتنورة يعتبرون الحقيقة ظنية وليست قطعية، والحق المطلق بيد الله تعالى ولا يعلمه إلا هو وحده “جل جلاله” ، وليس لأحد من المختلفين في الرأي أن يدعي احتكار اليقين أو الحقيقة المطلقة، لهذا قال بعض السادة الأشاعرة: “فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر”. وفي هذا السياق وانسجاما مع تعاليم القرآن العظيم والهدي النبوي الكريم، لا يجوز شرعا قتال الكفار لكفرهم وغزو ديارهم وأخذ أموالهم ونسائهم وذراريهم وبغالهم وحميرهم وأغنامهم.. فآيات الجهاد أو آيات القتال في القرآن الكريم ظاهرة وواضحة بينة في أن قتالنا الكفار مسوق بقتالهم لنا، فنحن نقاتلهم على قتالهم لنا، لا على كفرهم.

يذهب الشيخ محمود شلتوت رحمه الله، شيخ الأزهر الشريف، إلى أن من لم يؤمن بالله ولا برسله لا يكون كافرًا عند الله يخلد في النار، إنما لا تجرى عليه في الدنيا أحكام الإسلام، فلا يطالب بما فرضه الله على المسلمين من العبادات، ولا يمنع ما حرمه الإسلام كشرب الخمر وأكل الخنزير والاتجار بهما، ولا يغسله المسلمون إذا مات ولا يصلون عليه، ولا يرثه قريبه المسلم في ماله، كما لا يرث هو قريبه المسلم إذا مات، أما الحكم بكفره عند الله فهو يتوقف عند إنكاره تلك العقائد أو شيئًا منها، بعد أن بلغته الدعوة على وجهها الصحيح، واقتنع بها فيما بينه وبين نفسه، ولكنه أبى أن يعتنقها ويشهد بها عنادًا واستكبارًا، أو طمعًا في مال زائل أو جاه زائف، أو خوفًا من لوم فاسد، فإذا لم تبلغه تلك العقائد، أو بلغته بصورة منفرة، أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر، أو كان من أهل النظر ولكن لم يوفق إليها، وظل ينظر ويفكر طلبًا للحق، حتى أدركه الموت أثناء نظره، فإنه لا يكون كافرًا يستحق الخلود في النار عند الله.

الله المستعان.

*باحث في الفكر الإسلامي

‫تعليقات الزوار

6
  • يونس
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 12:52

    واش عاد قتنعتي يا سيدنا الشيخ بلي لا يجوز شرعا قتال الكفار لكفرهم؟ لكم دينكم ولي دين > سورة الكافرون

  • النرويجي الأسمر
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 23:18

    لا يجوز وصف أي كان بالكفر، و لا يوجد منطق أو فطرة إنسانية سليمة يقبلان تقسيم البشر لصنفين: صنف "مؤمن" متفوق على صنف "كافر" أدنى مرتبة من سابقه!
    ليس هناك شيء إسمه "مؤمن" في مقابل "كافر"، هناك بشر من أتباع ديانات مختلفة، و هذه هي طبيعتنا كبشر، نختلف في أعراقنا و ألواننا و دياناتنا و لغاتنا و جنسياتنا و مستوانا الإقتصادي و إنتمائاتنا الجغرافية و الثقافية، لكننا نتوحد في الوجدان الإنساني و الحقوق و الكرامة.
    فكرة أن الإسلام دين جاء للناس أجمعين، و أنه الدين الصح الذي لاغبار عليه، و أتباعه على صواب و إيمانهم صحيح و نقي، و أن كل الديانات الأخرى مغلوطة و محرفة و خاطئة، و أتباعها كفار و على ضياع، فكرة غاية في السطحية و قمة في العنصرية.

  • محمد زاهي
    السبت 22 فبراير 2020 - 10:49

    إدن نعوضهم بقتل المرتدين ولا نتجاوز عنهم إذ لا بد لنا من القتل

  • zaki
    السبت 22 فبراير 2020 - 15:03

    السلام عليكم
    ما رأيك في هذا الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أوصاه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال:(اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا.)

  • Khadija
    الأحد 23 فبراير 2020 - 21:10

    اولا الكفر انواع او درجات مثله مثل الايمان, مثلا اهل الكتاب لا يؤمنون بالبي محمد, اذن كفروا بمحمد, و هناك مسلمين يؤمنون ببعض الكتاب ي القران و يكفرون ببعض, و هذا ايضا نوع من الكفر و هناك الضلال و من غضب الله عليهم و هناك المشركين, اي يعبدون شيئا اخر غير الله…الى اخره

    و القتال يكون جائزا في حالة واحدة, هي ان قوتل المؤمنون في الدين, اي انهم يصبحون معرضون للاضطهاد لمجرد انهم مؤمنون بالله الواحد, في هذه الحالة يمكنهم الدفاع عن انفسهم, بعد ان يعدوا للقتال "العدة و رباط الخيل" و لا يلقوا بانفسهم للتهلكة.

  • محمد زاهي
    الأربعاء 11 مارس 2020 - 18:07

    ملاحظتي تتعلق بتصحيح عنوان المداخلة،: والصواب أن يرد عنوان مداخلتك هكذا:
    لا يصح قتل الكفار لكفرهم فقط، بل لغنائهم،

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين