دور الباحثين المغاربة في النقاش الدولي حول أزمة "كوفيد19"

دور الباحثين المغاربة في النقاش الدولي حول أزمة "كوفيد19"
الأحد 10 ماي 2020 - 00:27

طرح الأستاذ عبد الرحيم العلام سؤالا غاية في الأهمية، حول تدريس علم العلاقات الدولية في الدراسات الجامعية، وهل سيعرف تغيرا في المنهج وفي المحتوى على ضوء جائحة “كوفيد19”.

هذا السؤال الذي طرح في ندوة مركز “تكامل” حول (مستقبل العلاقات الدولية بعد الأزمة الوبائية)، والتي شاركت فيها نخبة من ألمع الباحثين المتخصصين المغاربة مثل د.سعيد الصديقي ود.إدريس لكريني، والمؤرخ والكاتب الملتزم ذ.علي الإدريسي.

أجده سؤالا ينطوي على نوع من الاستفزاز لدور الجامعة المغربية، والمتخصصين المغاربة، في النقاش الدولي حول المواضيع الكبرى التي تهم المجتمع الدولي، وحول تكريس آراء وتصورات النخب العلمية لدول الجنوب عموما.

ففي غالب الأحيان نجد أنفسنا أمام إطارات نظرية مستوردة، من مدارس تحليلية غربية أو أوروبية ونميز في الغالب بين مدرستين أساسيتين، المدرسة الأنجلوساكسونية، والمدرسة الفرنسية “الأوروبية”، وكلتاهما تضعان الدراسات الدولية في توجهات بيداغوجية مختلفة.

هذا التمييز وإن كان مسألة “توجيهية” إلا أنه ينطوي على صعوبات في تصنيف الباحثين المغاربة في التفاعل مع مختلف الجامعات الدولية، خصوصا تلك التي تتبنى النظرة الأنجلوساكسونية، وهي الرائدة في واقع البحث العلمي على المستوى العالمي.

أعود إلى موضوع السؤال حول مناهج تدريس العلاقات الدولية، والذي لقي إجابات مستفيضة، طرح فيها كل من الزميلين لكريني والصديقي رأيهما، وخلاصاتهما التي أفضت إلى أنه لن يشهد تغييرا كبيرا على مستوى المنهج، وبالمقابل لا بد وأن يتعرض في المرحلة الراهنة إلى تغيرات على مستوى المحتوى، والمحاور المرتبطة به.

وعموما، فالمعرفة الدولية في تطور مستمر، تفرضه وظيفة العلم، ووظيفة القانون، في تحليل الظواهر والتنظير بشأنها، وضبطها والسيطرة عليها وعلى تداعياتها، والعلاقات الدولية كعلم، كما المادة القانونية على المستوى الدولي تظل مستمرة في التطور، مادام مفهوم الدولة قائما، ومادام أشخاص القانون الدولي قائمين.

وأمام أهمية الأفكار الواردة في الندوة، يمكن أن نتساءل عن أهمية وقيمة الخبرة الوطنية المتراكمة للخبراء المغاربة، سواء العاملين في الجامعة المغربية، أو المتواجدين في إطارات جامعية دولية. هل تستفيد منهم الدولة في محاولة قراءة استشراف مستقبل التفاعل الدولي للمملكة؟

وهو ما يحيل إلى تساؤل أكبر، حول الحصيلة التي يمكن أن نتحدث عنها بالنسبة لبلادنا في النقاش الدولي /المحتدم/ حول العلاقات الدولية، وتطوير وتنمية القانون الدولي، خصوصا في هذه المرحلة، في زمن هذه الجائحة التي يتألق فيها المتخصصون في دول الشمال، ويبسطون أفكارهم وتصوراتهم، وهم على يقين أن الجهات المعنية /بصنع/ القرار، والجهات الحكومية المعنية تهتم بها وبما تخلص إليه، ومن ورائهم آلة إعلامية متخصصة تقوم بنشرها على أوسع نطاق، وتعطيها المكانة اللائقة بها، شأنها شأن المجالات العلمية والمعرفية الأخرى، ما يمكنها من أن تشكل مصدرا لبناء سياسات جديدة داخل دولها ولمصلحتها.

فإذا كانت هيئة الأمم المتحدة من خلال ميثاقها والأنظمة الأساسية لمختلف أجهزتها تتحدث عن مشاركة دولية واسعة في مخرجاتها القانونية المؤطرة للعمل الدولي، أي إنها تعتمد وتستوعب آراء الكتاب المتخصصين، من مختلف الدول ومختلف الثقافات والحضارات، والخلفيات الفكرية، والمدارس الفقهية على المستوى الدولي عند وضع المبادئ الضابطة للعمل والممارسة الدوليتين، أو عند صنع وإنتاج القاعدة القانونية الدولية.

وهو أمر غير صحيح من الناحية العملية، فجل الدول التي تشبهنا لم تكن مثلا جزءا من وضع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، أو الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، أو غيرهما من الوثائق والقوانين المؤسسة، بحيث أن جل هذه الدول كانت تحت هيمنة الاستعمار أو الحماية التي مثلتها الحركة الإمبريالية حينئذ. وبالتالي فهي معنية بإطار قانوني ومبدئي عام لم تشارك في صناعته.

مما سبق، يبدو أن الفرصة اليوم أكثر ملائمة لدول الجنوب، وباحثي دول الجنوب، لفرض نوع من التدافع الفكري حول مستقبل العلاقات الدولية، وطرح أفكارهم التي لا تقل أهمية عن أفكار نظرائهم في دول الشمال “المهيمنة” على صنع المعرفة، وصنع القرار في هذا المجال.

على الأقل، فما نعاينه من الأفكار التي يطرحها الباحثون المغاربة، والعرب، والأفارقة وغيرهم من المنتمين لدول الجنوب، تنطوي على كثير من المصداقية والواقعية، وعلى نوع من الموضوعية القابلة للتنزيل، والساعية إلى عالم أكثر عدلا وإنصافا.

وخلاصة القول إن عالم اليوم لا يجب أن يدبر بأساليب الأمس، فطرح الأفكار والخلاصات التحليلية والاستشرافية للمستقبل، لم يعد يحتمل إقصاء مصالح دول الجنوب، وتنقصه جبهة علمية وأكاديمية وطنية، تنخرط في رؤية مبدعة تنتمي لدول الجنوب، وتعبر عن طموحات وآمال شعوبها، في مجال الدراسات الدولية، والاستثمار فيها، /لملء/ هامش جديد داخل النقاش الدولي الراهن، بدعم من دولها ولمصلحتها، فقد أثبتت أزمة “كورونا” أن الحاجة لهذا الهامش أصبحت ضرورة ملحة في ظل التوازنات الجديدة والمفترضة لما بعد الأزمة الراهنة.

*أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات

‫تعليقات الزوار

3
  • مطرب الحي، ...
    الأحد 10 ماي 2020 - 17:18

    مقال شافي، مهووس بتثمين الكفاءات المتخصصة في القانون، وليس فقط، مؤخرا محاولات الابداع الصناعي مثال عملي لقدرة المغربي إن تأتت الفرص للمساهمة في تقوية قدرات بلاده، بإشراكه لإيجاد مخرج للأزمات، وليس فقط تحمل الإكراهات (كل واسكت)، مساهمة فاعلة وفعالة وان لم تكن عمليا بالضرورة، تكون على الاقل استشارية حقيقية لا صورية، لا تهدر الطاقات، بانتاجات غير عملية، لا تساهم في  القرار وطنيا ودوليا، بل مجرد أطر تؤثث الحوارات والنقاشات فقط، دون أخذ ما يصدر عنها، وتمرر من خلالها املاءات الدول التي اشار اليها المقال بالمهيمنة على صنع القرار،
    المقال فيه غيرة وطنية، ونداء لإعلاء مقام الكفاءات الوطنية إعلاء لأمة المغرب بين الامم، في أعلامنا (شكرا للقناة الاولى لاعادة بث الدروس الحسنية للثمانينات وما بعدها، رأينا من خلالها أساتذة أجلاء رحمهم الله أغلبهم توفوا، لكن علموا)، خير مثال، ملؤوا الدنيا بشتى انواع المعرفة، وكذلك المهنية والرياضية ملأت عصر الازدهار العالمي وأعلت الدول التي وثقت بها.
    فكيف تسخر طاقاتنا وراء حدودنا ولا يعتمد عليها بالمغرب بما يكفي ليكفله ما يليق به من مجد، وبهم بما يليق باسهاماتهم ؟

  • هناك علوم ...
    الأحد 10 ماي 2020 - 18:01

    … حقيقية او تجريبية او بحتة التي لا يختلف على صحة قواعدها اثنان وهي الرياضيات والفيزياء والكيمياء وما نتج عنها من تقنيات ميكانكية والكترونية ومعلوماتية حوسبية.
    هناك معارف ظنية تقريبية تبحث في مجالات الاجتماع البشري والاقتصاد والسياسةو القانون والعلاقات الدولية وتغطى عليها الايديولوجيات وتفرق بين أفكار الباحثين فيها فينقسموزن الى طرائق قددا.
    و لهذا يجب الاهتمام بالبحث العلمي في العلوم الحقيقية التجريبية وتخصيص ثلثي الزمن المدرسي لتلقينها باللغات التي تنتجها وخاصة الإنجليزية منذ الطور الابتدائي.
    لقد ظهرت تقنيات المعلوميات منذ خمسينيات القرن 20 وبدأ تدريس قواعدها في الإبتدائي في اوروبا منذ السبعينات ونحن ما زلنا مختلفين حول لغة التدريس.

  • العلاقات الدولية ...
    الأحد 10 ماي 2020 - 19:16

    … بعد كورونا ستبقى خاضعة لموازين القوة كما كانت قبل كورونا وخاصة قوة البحث العلمي.
    ابتكارات البحث العلمي في القرن 19 في اوروبا هي التي احدثت تحولات جذرية في المجتمعات البشرية وذلك بعد اختراع المحرك الميكانيكي الذي حرك السيارة والقطار والباخرة الطائرة .
    لقد كانت الحروب متكافئة لانها كانت تدار بقوة العضلات التي تحمل السيوف والرماح وبتقدم البحث وابتكار المدافع الفتاكة والطائرات الحربية صارت الغلبة في الحروب لمن يملك سر صناعة تلك الأسلحة الجديدة.
    لقد مرت الثورة الميكانيكية وجاءت الثورة الالكترونية ثم الثورة المعلوماتية الحوسبية وصارت الدول التي تعتمد على البحث العلمي و تبتكر هذه الوسائل التي تنفع الناس هي القوية وستبقى كذلك سيدة العلاقات الدولية.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال