بين السياسة والمشاعر

بين السياسة والمشاعر
أرشيف
الخميس 17 دجنبر 2020 - 19:49

طلب مني بعض من طلبتي رأيي في الجدل الدائر بين من ينتصر للاتفاق الأمريكي المغربي، والرافض له. ومع أني لا أومن بالسؤال الذي يعكس رأي الطرفين، بالاعتماد على لونين لا ثالث لهما، يعقد الوجهة التي أنت موليها ـ يا أبيض، يا أسود ـ فإني لا أحبذ النظر بعيون الآخرين، متى كان الالتباس في تأويل النظر السياسي، أو تحويله إلى قيمة مجردة من التفكير، كتمرين أو اتصال منطقي نقوم به يرتبط بالوجود. لأن الحقيقة لا يمكن أن تحوزها مفاهيم آنية أو محدودات فيه لا تنتصب كإطار يعادل جوهر ما نطمح إليه.. ككائن سلبي لا معنى له، نمنحه نحن المعاني، بل نعكس رؤيتنا إزاءه، حتى تعدو الأشياء مفعمة بالمعنى وبالغرض والنسبة والأهمية المستقلة عن الآخرين.

أحب أن أوضح مبدئيا أن العلاقة بين السياسة والمشاعر الإنسانية هي نظام كوني ضارب في عمق الوجود البشري، إذ إنها جزء واصل بالعلاقات بين الأمم، ومجسد لبناء تلكم العلاقات المصيرية، التي تستدرج إلى معمارها تأسيس الثقة والاحترام المتبادل والعمل المشترك، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعميق الشراكة وتقوية أواصرها وامتدادها.

كريستين رويس-سميت يرى في دراسة هامة أن المشاعر هي أقصى ما توصل إليه العلم في الساحة السياسية. يتعلق الأمر بدراسة المشاعر وتسليط الضوء على ظواهر قديمة في عالم السياسة مثل الدبلوماسية، والسياسية الداخلية، والتحالفات، والسيادة، والتدخل، والأخلاقيات الدولية، وبناء السلام، والمساعدات الإنسانية. إنها علامات تختصر سيكولوجية العمل السياسي، ونظريات الفعل الموازي لهذه الحالة الفريدة التي تخص إدارة الدولة لملفات خطيرة ومعقدة، تتشابك فيها المصالح، وتتناسل فيها الأولويات والاختيارات.. تنتقل فيها القرارات الحاسمة إلى صفقة، تعالج فيها دبلوماسية القوة، على أساس يضمن تحقيق أدنى حق في السيطرة، ويتوسع من خلالها ضمان مكتسبات على أنقاض أخرى، دون تعريض الوجود للخطر.

أريد أن أقول إن الأخلاق السياسية هي الأضيق نسبية بين كل الأخلاقيات المعيارية، المرتبطة بدراسة وفهم السلوك الأخلاقي، ولذلك، فنحن محاطون بجوانب مغيبة عن حاجاتنا اليومية لتقييم اعتبارات لا نستطيع إدراكها دون أسس ومعايير أخلاقية.

وتعلو هذه النبرة وتتسع عندما تلتقي العواطف الوطنية بالسياسة كعلم وكنظام يستقرئ مختلف الظواهر السياسية، كالممارسة الحزبية والرأي العام وجماعات الضغط والمصالح الأخرى.

ويزيد الأمر صعوبة استشكال الوقوف على بنية نظرية موازية لخطاب يجاوز المنطقين المحتدمين؛ فيما يعوز الانتباه بعمق إلى واقع هذا التخصيص الواهم الذي يتجاوز حدود النظر لمشكلات سياسية، وكأنها ترتفع عن التفكير، وتكرس إيجاد الأولوية، حتى لو كانت ضدا على منطق الجماعة.

إن تقييم قضية الأخلاق بالتاريخ، والبديل السياسي بالتجرد منه، هو من خلفيات قراءتنا المغايرة لحقائق خارج الواقع، ولهذا نحو مدعوون راهنا إلى إعادة صياغة فهم جديد للتاريخ، محايث للزمنية وموائم للتصورات العصرية المستجدة، على الأقل في أفق استعادتنا لفكرة المصالحة مع الذات والاستفادة من الأخطاء.

هل هذا صعب علينا؟

أتساءل إن كان الفراغ الروحي الذي نعيشه اليوم هو الذي يحاصرنا ويستنفر فينا كل هذه الحماسة، وكل تلك المغاضبة التي تفتح جروح الماضي وآفات المستقبل؟

أريد أن أنقل حوارا بين مثقفين، كنت شاهدا عليه، ولم أنبس ببنت شفة:

1 ـ كيف نقاوم حركة التاريخ، وقد انهار فجأة أمام عبث السياسة؟.

2 ـ ننتقده ونعترض حركيته مهما كان مناطه السيروري..

1 ـ ليس المعنى .. بل المنقلب، الذي يصير فيه العدو حمامة بعد أن كان حدأة..

2 ـ أتعني تجاوز التاريخ أم تعديله؟.

1 ـ لا يمكن طبعا، لكن استعادة المعنى.. نتجاوز الشك وننشد الحقيقة على أنقاضه..

2 ـ أيهما أصح، الوصول إلى النهاية أم الانتحار على أعتابها؟.

1 ـ النهاية موت والحقيقة واحدة ..

انتهى الحوار، لكن القصة لم تنته بعد؛ فهناك رحلة طويلة تختفي بين أشجارها مآلات الشعوب ومصائرها. ونحن في الطريق الشائكة تعيش أفكارنا حائرة ومشردة، كأنها تبحث عن مفاتيح لأقفال ضائعة، نبذل الجهد ليكبر أبناؤنا في وطن حي رحيم، يقتفي أثر المجد، دون أن يعترضه شر أو قدر ناقم أو عبث جاثم.

‫تعليقات الزوار

3
  • أبيض أو أسود .
    الخميس 17 دجنبر 2020 - 22:57

    أما أنا فأرى أن النظرة في أمور مماثلة يجب أن تكون خاضعة لقانون الأبيض والأسود وبما أنني كنت دائما مع التطبيع وحتى قبل الاعتراف الأمريكي الصريح فإني أجد نفسي سعيدا بعد أن أثبتت الأيام أن توجهي هو توجه عام وأنني لم أكن مخطئا عندما راهنت على مغرب من طنجة للكويرة كما راهنت ودائما على حل الدولتين . فالمغرب في صحراءه بالسلم أو بالحرب وإسرائيل واقع تفرضه ااجغرافية والإعتراف الأممي بها دولة .

  • مغربي
    السبت 19 دجنبر 2020 - 18:10

    لا توجد منطقة رمادية حينما يتعلق الأمر بالوطن ,فالمسألة هي حياة أو موت من أجله وليس فيه مجال للتردد.
    هناك من يتبججون بالوطنية والاستعداد للدفاع عن وحدتهم الترابية , لكن سرعان ما تنكشف نواياهم الحقيقية عند أول منعطف تاريخي في صالح قضيتنا المقدسة كالذي نشهذه الان, لأسباب متعددة منها ما هو إديولوجي أو قومي إلخ…ويتبين أنهم يسترزقون من مواقفهم ليس إلا.
    ولهؤلاء أقول:
    لك الله يا وطني وسواعد أشرافه , لك أحيا ومن أجلك أموت ,ولاعزاء للحاقدين على وطنهم من بني جلدتي المستلبين,الناكرين للمعروف وتاريخ أجدادهم الأحرار , والذين كانوا حصنا منيعا لكل الغزاة ,والذين بفظلهم ظل الوطن ولا يزال شامخا إلى الأبد.

  • تدقيق الاصطلاحات...
    السبت 19 دجنبر 2020 - 18:55

    … السياسة من ساس يسوس الجماعة اي قاد يقود وهي من النظام العام . والقائد العاقل المحنك المجرب الذكي احسن من القائد الجاهل المتهور الغبي .
    والسياسة مراعاة لموازين القوى و حسابات ترجح الربح على الخسارة و واجب جلب المصالح ودفع المضار ،و الحقيقة في السياسة نسبية.
    اما المشاعر فهي احاسيس قد تخالطها احلام واوهام و غرائز النفس البشرية المبنية اما على الفجور اوالتقوى.
    والمشاعر قد ترى الوهم حقيقة وقد لا تدرك نسبية الحق .
    فمثلا حق الملكية مكفول قانونا ولكنه يخضع لمسطرة النزع للمصلحة العامة.
    فالحق الفلسطيني ثابت ولكن نزعته الامم المتحدة بتقسيم 1947.
    ومخافة ان تنزع حق المغرب في صحراءه يجوز تحصينه ولو بمسالمة إسرائيل.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين