أشباح المليارديرات... ومقابر الموت

أشباح المليارديرات... ومقابر الموت
الثلاثاء 22 ماي 2012 - 03:07

صادفت هذه السطور فاجعة المدينة القديمة بالدار البيضاء، وخمسة قتلى سنعزي دويهم، ثم نغلق الملف ونرحل عن دروبها الحزينة، ومساكنها الآيلة للسقوط، ونترك دويها الراحلون مع وقف التنفيذ، لتضاف فاجعتهم إلى تلك الفواجع الدامغة على وزن المواطن في موازين الدولة، وفي ظل الريع الذي يستمر في نخر جسد الوطن، وحوَّل حياة المواطن إلى هواجس أبرزها حق الحصول على سكن بمبالغ توافق المداخيل المالية، في وقت يزداد فيه “أشباح المليارديرات” أو “مليارديرات الخفاء” ثراء بحماية معتبرة من قبل المتنفذين…

فغريب كيف اختفى اسم أنس الصفريوي، الرئيس المدير العام لشركة الضحى، من الجرائد بسرعة فائقة، وغريب كيف تتحول لوبيات العقار إلى “الأيادي البيضاء” الممدودة للفقراء في منتوجات السكن المختلفة، كالسكن الاجتماعي والاقتصادي والمتوسط …، وكان هذه الأنواع من السكن نفسها ليس سببا رئيسيا في معاناة الكثيرين، ولا تشوبها شائبة…

تقوم الدولة بدعم الكثير من منتوجات السكن، بتمرير الأراضي بأثمنة بخسة، ثم إعفاءات ضريبية ضخمة، ودعم لمبالغ الشراء تصل حد الخمسين ألف درهم للشقة، ثم تقوم ببهرجة تدشينها وكأنها صدقة تمنحها للفقراء، وطبيعة الحال تفرض أسئلة بسيطة غير معقدة، حول المستفيذ الحقيقي من مداخيل السكن الاجتماعي والاقتصادي، وكيف يعقل أن يؤدي سكن تقوم الدولة بإقامته للفقراء إلى دفع المنعشين العقاريين إلى المراتب الأولى في قائمة أغنى أغنياء العالم…؟ سؤال طرح في أروقة بورصة الدار البيضاء، وكان الجواب، أن رجلا كالصفريوي ليس إلا واجهة لريع اقتصادي ضخم، لا يمكن أن يكون خلفه متنفذ بسيط… وحين تدور رحى المعطيات، تفرز علاقة قرابة بين الصفريوي والماجدي، يتبدى بعض من الضباب، خصوصا أن “شقيق الماجدي متزوج من ابنة عم الصفريوي…”، ثم تكتمل الصورة، حينما يبدو للأمر علاقة بالهولدينغ…

وحين استعصى على الصفريوي جلب الربح الصافي لعائلته، التي كانت تشتغل في معمل “للغاسول” قبل أن يؤسس شركته العقارية، قام بتمرير مبلغ “خمسة آلاف درهم” من كل عملية بيع لشركة تحمل اسمه واسمين من أبنائه وهي “الشركة الأورو إفريقية”، وبعد توالي كسب الدعوات القضائية أمام المحكمة، وبلوغها أزيد من 500 قضية تم تنفيذ أحكامها، لجأت الضحى إلى اليد الطويلة، وأمرت القضاء بوقف العملية برمتها بعدما بلغ عدد الشكايات ما يزيد عن 2000 شكاية…

وحين يحاول الصحافيون المس بملفات “الضحى” تقوم إدارة التواصل بالاتصال بهم، واستقدامهم إلى مكاتبها، و”مراضاتهم” وأحيانا “إرضاؤهم” ليتم طي الملف، ومن يفلت من هذه الدوامة، يتم تهديده بالمتابعة القضائية، وما الفرق بين السجن الذي تهدد به شركة “الضحى” الصحافيين” وبين السجن الذي تدخل إليه شريحة واسعة من أبناء الوطن في مساكن أشبه بمقابر …؟

وأمام هذه الخطوات الديناصورية لرغبة جمع الثروة لن يكون هناك أي اعتبار لمواطني مدينة أكادير وهم يستعدون لتسلم آلاف الشقق التي بنيت بمواد بناء يحظر استخدامها في المدن الزلزالية، ولن يكون هناك اعتبار لسكان مدينة سلا وهم يضعون الأساس من الصفر لبناياتهم، ويقومون بإخراج المياه التي تغرقها كل لحظة، وينتظرون لحظة اكتمال سقوط احدى البنايات التي تكاد تنبطح من شدة ما حملها المنعش العقاري…

تفيض المعطيات والمعلومات بشأن الريع في الإنعاش العقاري، وتزداد حدة حينما يتعلق الأمر ببورصة الدار البيضاء، وكيف يؤدي “الشطط في استغلال المعلومة” إلى إفراز عملاق كبير بين عشية وضحاها بين دواليب البورصة، ما يخيف الفاعلين، الذين دأبوا على تلقيب الوافد الجديد ب”البوص le boss”، وجعلهم يتساءلون من يقف وراء الثقة التي تختزنها أسهم الضحى في سوق البورصة…لقد ظل الجواب عن السؤال مغيبا، وظلت المعطيات بشأن المساهمين الحقيقيين في الشركة مبيضة…

إن تجنب الحديث عن الأرقام، والثروات التي تراكمها الشركات العقارية، وهي تسير على جثت الفقراء، لا يعني عدم وجودها، بل بالعكس لكون التقارير تحبل بها، ولا يجد أحدهم غضاضة وهو يعلن أرقاما مهولة من الأرباح التي تحققها هذه الشركات في صفقات السكن الاقتصادي الذي تحول إلى مطية للاغتناء السريع… وصفقات تمرير الملك العام، وبعدها الالتواء على القوانين وتخصيصه للسكن الموجه للطبقة الراقية، وصفقات يباري فيها بعضهم نفسه للحصول عليها…في مجال يعاني فعلا من الفوضى الهلاكة…

[email protected]

‫تعليقات الزوار

11
  • mon3ich
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 09:40

    و الله قد أصبت عندما شبهتك برشيد نيني… تشكورآآآآآآات أفندم

  • riffi
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 13:34

    عندما وقف نيرون في شرفة قصره يتمتع برؤية روما وهي تحترق بكامل مجدها، كان يقف إلى جانبه مرافقه الفيلسوف رينون. فسأله نيرون كيف وجد منظر روما وهي تحترق، فقال له الفيلسوف:
    إذا احترقت روما فسيأتي من يعيد بناءها من جديد، وربما أحسن مما كانت عليه، لكن الذي يحز في نفسي هو أنني أعلم أنك فرضت على شعبك فقتلت فيهم المعاني وهيهات إذا ماتت المعاني في شعب أن يأتي من يحييها من جديد
    تذكرت هذه الحكاية التاريخية وأنا أتأمل حال المغاربة اليوم

  • riffi
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 13:45

    قتلوا النخوة والكرامة في النفوس، وأرادوا تحويلنا إلى مجرد قطعان يسوقونها نحو المراعي طيلة النهار ويعيدونها إلى الحظيرة كل مساء. والنتيجة أنهم نجحوا في تربية أجيال من الخرفان، يكفي أن تقود واحدا منها من قرنيه كي يتبعه الآخرون مهرولين، ولا يهم إن كانوا يتجهون بأٍرجلهم نحو المجزرة، فالاحتجاج هو آخر ما تتعلمه الخرفان. وغالبا ما يحدث عندما يقرب الجزار السكين من العنق، أي بعد فوات الأوان

  • مواطن
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 17:48

    تحية لك أخي جواد على هذه المقالات الرائعة التي تعري واقع الريع المتفشي بالمغرب تحية لك و استمر على هذا الطرق موفق باذن الله و لا تخشى في الله لومة لائم.

  • MAROCAIN
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 19:35

    مقال رائع ولوان المعلومات هده المرة مختزلة ومعروفة للمتتبع
    الا ان هناك جرءة في الطرح
    والله بتنا ننتظر مقالاتك دائما

  • أحمد
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 22:32

    أسائل الصحافي جواد لماذا لا تكتب في جريدة كالمساء، فالمستوى واللغة التي تستعمل وطريقتك أخي في توظيف المعلومات ووفاؤك للقراء بشكل اسبوعي كلها تعطيك مكانة كبيرة في كتابة الرأي بشكل مؤثر وقد صدق كاتب التعليق الاول انت نيني بالفعل اذا ما قارنا بين الكتابات التي تنشرها وكتابات رشيد نيني

  • معاد
    الثلاثاء 22 ماي 2012 - 23:45

    الا قالوا قبر الدنيا مكدبوش , والصحاب الضحى هما مالين المقبرة….المهم باش تقتل باش تموت يا لا الموت… و الدوام لله….

  • ملك
    الخميس 24 ماي 2012 - 00:09

    بارك الله فيك اخي على هدا امقال انه جريء موفق بادن الله
    رغم معرفت الشعب بما يحصل حوله ولا يستطيع توصيل كلامه لكن اتمنى ان تكون انت لسان كل مواطن لا يستطيع ان يخرج ما في داخله حظ موفق

  • marocain
    الخميس 24 ماي 2012 - 04:43

    Tres bon article , il y a des milliers de dossiers comme celui ci , ,

  • salam
    الخميس 24 ماي 2012 - 18:20

    هم في نظر العيان ضعاف الخلق لكن لهم رب رؤوف
    فاحذروا يا طغاة صرخة قاطني الكهوف
    قد تكون أشد وطئا وألما من ضربة السيوف
    وقد تسحق غابويين صار الطغيان عندهم أمرا مألوفا

  • متتبع 1
    الجمعة 25 ماي 2012 - 01:53

    أسي غسال
    باين نتا نقال
    قريتي شي كتاب و نقلت منو بلا ما تشير ليه.
    هذا ما يسمى بالسرقة الأدبية، و لكن لا أعلم هل شرط السرقة متوفر عندما يسرق مسلم نصراني و نصرانية.
    المهم أنت نقال

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين