المفكر عبد الله العروي : بدون استعادة ما انقلب عليه الأولون يكون الموقف لا تاريخانيا

المفكر عبد الله العروي : بدون استعادة ما انقلب عليه الأولون يكون الموقف لا تاريخانيا
السبت 4 يوليوز 2009 - 15:44

قال المفكر المغربي عبد الله العروي، أول أمس الخميس بالرباط، إنه ” بدون استعادة ما انقلب عليه الأولون يكون الموقف المتخذ لا تاريخانيا “، مذكرا بأنه كتب مطولا عن مآخذ هنري كوربان، تلميذ مارتن هايدغر، على التاريخانية ودعوته للاتاريخانية وفند أطاريحه.


وأوضح العروي، في لقاء احتضنته المكتبة الوطنية للمملكة لتقديم كتابه الأخير “السنة والإصلاح”، الصادر عن المركز الثقافي العربي، أنه يقصد بالمنهج التاريخاني الذي يظل وفيا له “اكتشاف الواقع المجتمعي الذي لا يدرك حقا إلا من منظور التاريخ، فما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو المنفعة “.


وتحدث عن النقطة التي يتنكر فيها الإنسان لتجربته الإنسانية الطويلة، ويطمس كل ما سبق، أو ما أسماه “القلبة”، مبرزا أن هذه التجربة نفسها تاريخية أي “يتم نسج التاريخ داخل التاريخ“.


وأضاف أن هذه النقطة تقع في الفلسفة أيضا، موضحا أنه في العديد من محاورات سقراط انقلب الفيلسوف الاغريقي على الرؤية السابقة “الفلسفة الأولى”، التي لا يعرف الكثير عنها بل يعرف فقط ما رد به سقراط وأفلاطون على الفلاسفة الأوائل الذين سبقوهم، ” فنحن لا نتحدث عن فعل، بل عن رد فعل“.


ف” لا بد، والحال هذه، من استعادة ما انقلب عليه أفلاطون” مثلا، يقول المفكر المغربي، وإلا “فإننا نتخذ موقفا لا تاريخانيا، وهو سبب الخطأ الكبير” لأن المسكوت عنه والمتنكر له هو ما ينبش عنه العلم الفعلي، وإذا توصل هذا العلم يوما إلى نتائج، فإن ذلك يؤدي إلى إدراك ما سبق إغفاله والانقلاب عليه.


وأوضح العروي أنه يتم دائما الحديث عن المجهول، الذي يتمثل في آلاف السنين السابقة للتاريخ المكتوب، والتاريخ المروي (الشفهي)، وتاريخ الوعي الإنساني، والحياة .. إلخ، مشيرا إلى أن هناك عالما أكبر مجهولا في ما وراء “السد” أي الحد الأقصى لما عرفه العالم القديم من جغرافيا الأرض (الصين، والهند، وإفريقيا السوداء مثلا).


وأكد أنه “لا يمكن بناء معرفة عن جهل”، مستشهدا بتأكيد العلماء أن الكون موجود منذ 13 إلى 16 مليار سنة ضوئية. وأشار إلى أن البعض يعتبرها ميثولوجيا جديدة كالميثولوجيات القديمة، فيما أن ” العلم خارج كل نقاش “، داعيا إلى اتخاذ موقف واضح من ذلك.


وأبرز العروي أن الوعي الديني وكل نظام سني تأسسا على أساس التجربة الزمنية، لأن النظام السني يبدأ من نقطة زمنية فيها بداية الزمان ونهايته كما في السنة الشيعية أو السنة الشيوعية، التي يعتبرها فريديريك إنجلز “قفزة التاريخ في الحرية“.


وبخصوص الزمن، قال العروي إن الفلسفة بدأت بمحو الزمن (سقراط مثلا)، وإن فكرة الزمن والواحد متناقضان، معرفا الزمن الإنساني بكونه تجربة السابق واللاحق، وعن هذه التجربة تتكون الذاكرة بمعنى “استرجاع الماضي في الحاضر” وهو ما يقصد به “القلبة”، من قبيل الالتفات إلى الخلف من أجل كتابة سيرة ذاتية.


وقال العروي في هذا السياق، إن الحضارة الهيليستينية، التي توحد في إطارها حوض البحر الأبيض المتوسط من القرن الثالث إلى القرن السادس ، كتبت ما سبقها. وتساءل عن معقولية عدم وقوع تداخل بين العرب واليهود واليونان والرومان والفينيقيين وغيرهم على مدى ألف سنة، مشيرا على سبيل المثال إلى أن المسيحية التاريخية هي تكوين هيليستيني للديانة اليهودية.


وتحدث المفكر المغربي عن وجود جماعات عربية في القرن الثالث قبل الميلاد في حواضر بديار مضر (جنوب تركيا وأرمينيا)، وذلك في كل من جنوب آسيا الوسطى وسورية (نواحي حلب) والأردن (نواحي عمان)، وعن العلاقة الممكنة بين هذه الجماعات وعرب شبه الجزيرة، وكذا عن وجود إمبراطور روماني عربي، وتشكل سلاح الخيالة في الجيوش الرومانية على مدى قرنين (من ق.1 م إلى ق.3 م) من العرب.


وفي الختام تساءل عبد الله العروي ” لماذا لا نقبل من حين لآخر أن ندخل المعمعة، ونستمع لأنفسنا، على الأقل ننسى التاريخ الجائر، ونستمع لما جاء به القرآن“.


من جهته تطرق عبد الله حمودي الباحث المغربي بجامعة برينستون الأمريكية إلى الكتاب (222 صفحة من الحجم المتوسط) من خلال ثلاث نقاط، تتمثل في التساؤل حول لمن يتوجه العروي وعن أي مبدأ أول وأخير يتحدث وصورة إبراهيم (أو السنة المركزية في الكتاب).


وخلص حمودي إلى أنه في مواجهة التاريخاني “يعاني التقليداني أيضا في ظل غياب اتفاق فلسفي“.


وبدوره تحدث داوود ستيفن كستويت الباحث الأمريكي المسلم المتخصص في اللسانيات التطبيقية والمدير التنفيذي للجنة الأمريكية المغربية للتبادل الثقافي، عن استعمال العروي الجميل “للغة الجنة”، وعن استفادته اللغوية والروحية من كتاب “السنة والإصلاح”، وعن الجرأة التي تحلى بها الكاتب في التفكير والتحليل.


ورأى أنه لا يمكن قراءة النص دون مصفاة تاريخية، متسائلا عن رأي العروي في الإعجاز العلمي للقرآن مثلا.


أما عبد السلام بن عبد العالي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، فقد حلل في مداخلته ما إذا كان العروي، كما يرى، ما زال يرفع راية التاريخانية أو على الأقل لا يرفع إلا راية التاريخانية باعتبارها “إيمانا بقوة الزمن، وإيمانا بأن الوقوف على البدايات يكشف الدوافع والغايات، وبقوة الحدث الذي يميز بين السابق المحدد للاحق“.


واعتبر بن عبد العالي أن الكتاب، موضوع المناقشة، لا يندرج في مجال علم الكلام ولا في مجال تاريخ الأديان، ولكن صاحبه مهووس أساسا بقضايا الحاضر وأسئلته، ف”الحدث الأساس في الكتاب هو الاستعمار الذي تتجمع فيه محركات التاريخ، ولم يعد في وسع أحد تجاهل آثاره”، مضيفا أن الاستعمار “يمنع السنة من التطور إلى سنة مضادة، وقد عرقل الإصلاح وما زال”.

‫تعليقات الزوار

7
  • طنجاوي مسن
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:50

    صمت دهرا ونطق كفرا
    ما همنا نحن الذين نوجد أسفل تلك الأبراج التي يطلون علينا منها هؤلاء المثقفون الورقيون إن كان العروي ما زال يرفع راية التاريخانية أو على الأقل لا يرفع إلا راية التاريخانية .
    التاريخانية هي أن يجيب المثقف عن أسئلة الحاضر الاجتماعية والسياسية والثقافية
    مثقفو اللوكس الذين دجنهم المخزن حتى أصبحوا يتكلمون لغة لا يفهمها حتى هم أنفسهم.
    يفكرون بعقلية هيجل ونيشه وهايدجر وماركس وغرامشتي في أرض موحلة، في بلد الحد الأدنى فيه للأجور 1800 درهم، وبضع أسر تملك اقتصاد المغرب بأكملهن
    فعلى أمثال هؤلاء المثقفين أن يكونوا تاريخانيين الدرجة الأولى وأن ينسوا سنوات الستينيات والسبعينيات، وأن يعيشوا معنا هذا الزمان وهذه هي التاريخانية.

  • منير بالهاض
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:56

    لقد وقفت طويلا عند قول العروي “اكتشاف الواقع المجتمعي الذي لا يدرك حقا إلا من منظور التاريخ، فما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو المنفعة “،
    قبل أيام، و على جريدة المساء، قرأت لممحد الساسي، ، مقالة مؤلمة بعنوان “المأزق الإنتخابي” تطرق فيها لإنعكاس التراجع المستمر في نتائج الإنتخابات للأحزاب التي تحمل برامج و هموم الديمقراطيين الحقيقيين على نفسيتهم وعلى إحساسهم بجدوى النضال…
    لقد وضع الرفيق محمد الساسي أصبعه على أصل البلاء معتبرا أن الطريق الذي إختارته الأحزاب الديمقراطية هو الدفاع الحقوق بينما إختارت الأحزاب الأخرى التركيز على تحقق مكتسبات فردية للناخبين عبر المواكبة الإجتماعية طيلة السنة أو تقديم رشاوى عينية عند الإنتخابات أو حتى وعودا وردية و لكنها وعود لتحقيق مصلحة فردية…
    طبعا ما لم يقله الرفيق هو أن الأحزاب الأصولية بدورها تقدم “وعودا بالجنة” والتي مردها المصلحة الفردية
    وخلص محمد الساسي إلى أن الأمر يتطلب محفلا وطنيا للأحزاب و الشخصيات و التيارات التي تعي حدة الأزمة وخطورة المأزق وتبحث لها عن وسائل جديدة قادرة فعلا على إحذات رجة كبرى…
    فماذا يمكن أن يقدم محفل مثل الذي يريده الساسي عندما يقول العروي ان “ما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو المنفعة”؟ هل فعلا المجتمع هو ضحية إفساد إنتخابي أم أن تحقيق المنفعة أمر متجدر في المجتمعات و عادي و أن الديمقراطيين الحقيقيين لا يعرفون جيدا مجتمعاتهم؟ لماذا تمردت جماعة مهمة من الدمقراطيين على مبدأ المنفعة و رفعت شعار الحق و تمسكت به رغم الهزائم؟ هل تعتبر شاذة و مما لا يقاس عليه؟ أم أنها إستطاعت بشكل أو بآخر تخيل المصلحة على أنها منفعة؟ هل أخفق الديمقراطيون و الديمقراطيات في الربطبين الحق و المنفعة في أذهان مجتمعهم؟

  • محمد عبد الله
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:52

    من عجز في لفت الإنتباه بأفكار يقارع بها المفكرين العظماء يلجأللدين وهو لايفقه فيه إلا قليلا فالطبيب لا يتكلم في المعمار والسي كليس لا يمكن أن يجري عملية جراحية … وكل ذي فقه لا ينجاوز اختصاصه إلا الدين الإسلامي الذي يبقى في متناول كل فاشل …دعوا السنة لأهلها ودعوا كل ذي اختصاص لمهنته وطور يا عروي رؤيتك في ظل ما اعتدت عليه أي اليسار الفاشل وحاول أن ترده إلى سكته وإلا فابحث لك عن مجتمع مدني تشتغل فيه شأنك في ذلك شأن رفاقك..

  • حاتم
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:46

    يقول ما يحرك المجتمعات ليس هو الحق بل المنفعة!!! و كأن الحق ليس فيه منفعة!! هناك فرق بين المنفعة و التي تتوافق مع الحق وبين ما نتوهم أنه منفعة. اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينتفع به. آمين.

  • قارئ غير قارئ
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:48

    أدعو القراء الأفاضل إلى قراءة دراسة نقدية فريدة ونادرة للباحثة هند عروب حول العروي الذي كشفت وجهه المزدوج. والدراسة تحت عنوان ” مثقفون في مزادات السلطة: العروي نمودجا” مجلة وجهة نظر عدد 24 سنة 2005, وستكتشفون التاريخانية أوالعمالة للمجرم ادريس البصري.

  • مصلح
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:58

    التعبير عن الفكرة الصوفية هو أصعب بكثير من التعبير عن الفكر الفلسفي “الخاوي” الذي ابتدع في القرن الماضي، ورغم ذلك تمكن رجال التصوف من إيجاد المصطلحات داخل القاموس العربي الفصيح عوض تكرار الألفاظ المقززة، والمصطلحات الهجينة السيئة المنبت. فعليكم يا فلاسفة الضياع والركاكة أن تتعلموا استخراج التعبيرات السليمة بالاطلاع على ما أنجزه ابن عربي في فتوحاته المكية. فلفظة التاريخاني يتقزز منها جلدي وكأنما يريد لساني أن يتلفظ بكلمة “الخرياني” نسبة إلى الخ…

  • Zakaria Derham
    السبت 4 يوليوز 2009 - 15:54

    ما يهم حاليا هو الخبز و فلسفة تدبير الخبز في زمن يتهدده التصحر و الانحباس الحراري و لسي الطيران في فلسفة مفلسة لا وجود لمعتنقيها في شباب اليوم و لم يعد يفهمها المثقفون المناضلون الباحثون عن شغل يضمن لهم كرامتهم، ايها العروي عبد الله ارسل مقالك و كتابك على عناوين الدين يهمهم الامر من مثقفي القومية ، و مثقفي ص ع م ق و تجار الكلام في الشرق الاوسط

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة