تزمامارت الخروج من الهاوية والجنون

تزمامارت الخروج من الهاوية والجنون
الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:28

سجن تزمامارت أكثر من مجرد بناية وسط منطقة نائية جرداء محاصرة بسديم الرعب ورهبة حراس شرسين جفت قلوبهم من رأفة الحياة، وربما لا يعرفون من هذه الأخيرة غير جوانبها الشقية المرعبة، المسربلة بتعذيب مجموعة من المساجين صدرت في حقهم أحكام بالسجن تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، لكن بعد قضاء مدة العقوبات، لم يتم إطلاق سراحهم بل نقلوا الى سجن تزمامارت.. كان هذا هو مسرح رواية الطاهر بن جلون والتي كتب عنها السجين السابق احمد المرزوقي وهو من بين ضحايا هذا السجن (…ان الطاهر بن جلون يسعى دائماً للكتابة على أريكة مريحة، فهو كاتب خمائلي يكتب بعيدا عن منغصات السلطة، وان كان لا يكتب تحت أوامرها طبعا لكنه في المقابل يكتب وفق موضة الاهتمامات الغربية وتحت تأثير المواضيع الحارة التي يضعها الإعلام الأوروبي في واجهة اهتماماته..)


حصل الطاهر بن جلون على جائزة إمباك الأدبية لدبلن التي تعد واحدة من أهم الجوائز الأدبية في العالم وذلك عن روايته “تلك العتمة الباهرة” التي أصدرها باللغة الفرنسية عام 2001 وكان الطاهر بن جلون قد كتب قبل ذلك رواية عن العنصرية بعنوان (العنصرية كما شرحتها لابنتي)، وحصلت هذه الرواية على انتشار وشهرة كبيرة خاصة في دول أوروبا، ومن روايته كذلك لا ننسى رواية (ملجأ الفقراء) التي صدرت في سنة 1999.


كان هذا احد أهم أسباب الجدل الذي أثير حول توقيت الرواية او ( تلك العتمة الباهرة) فقد قوبلت بنوع من الفتور في المغرب خاصة من طرف الأوساط المهتمة بحقوق الإنسان والتي عابت على بن جلون صمته المطبق عن معاناة معتقلي تزمامارت على مدى نحو ثلاثة عقود من الصمت والوقت. فيما كان للكاتب مصطفى الزارعي رأي خاص في هذا قائلا: لم يكتب الطاهر بن جلون شيئاً عن الاعتقالات السياسية في المغرب خلال الستينات والسبعينات، لم يكتب عن القمع الذي مورس خلال هذه السنوات، ولا عن تزمامارت.


ويؤكد دعاة هذا المأخذ حسب الكاتب مصطفى الزارعي أن على الروائي ألا يكتب في الوقت الذي ينتهي فيه الجميع من الكتابة وان يصبح ما كان مغلقا بالأمس وحصرا على الكتابة، مشرعا اليوم وبتفاصيله المشبعة بالتفكيك والتناول، وان الطاهر بن جلون إذا لم يكتب عن تزمامارت وعن سجنائها خلال السبعينات والثمانينات ولم يجهر بها في وسائل الإعلام من قبل فلا داعي للكتابة عنها اليوم فكل كاتب أيا كان شأنه وكيف ما كانت الأجناس الكتابية التي اختارها للتعبير عن أفكاره ومواقفه فإن الالتزام بروح الإنسان وبقضاياه وشقائه ومآزقه شرط لكل إبداع حقيقي.”


في الزمن القريب القادم ستكون السجون العربية مسرحا مثاليا للروايات الجادة، الروايات التي تتنفس أحرفها بعد فتح الأبواب حتما ليس قبل هذا.


في (سجن تزمامارت) استطاع الطاهر بن جلون ان يصنع حكاية للتاريخ، ربما غدا، وبعد غد سنكون أمام تيار روائي جديد يليق به ان يكون ضمن المابعديات في عالمنا العربي – لتصبح الرواية فيما بعد فتح السجون ..


ولكن ماذا عن عذابات السجون التي تحصد الجوائز ؟ ماذا عن المعذبين الذين تصبح حكاياتهم، وآلامهم مشاعا للورق، وللناشرين، ولقراء العربية في كل مكان؟ ماذا عن انتزاع الحكاية من ألم الضحية..؟!


كان اعنف هجوم تلقاه – عقب نشر روايته تلك العتمة الباهرة – صدر عن مجموعة من السجناء المغاربة الذين قضوا سنوات عديدة بسجن تزمامارت الذي لم يكن معترفا به من قبل إلا في شهر سبتمبر من سنة 1991، وهو الموضوع الذي تناولته رواية الطاهر بن جلون- انه سجن تزمامارت أو تلك العتمة التي لم يكن يعرفها احد.. ذلك المعتقل الذي أريد له ان يظل مسوراً بالنسيان مدة سنوات طويلة في مكان قصي من الجنوب الشرقي للمغرب،..


كيف بدأت مسيرة الرواية، كيف تدفقت فكرة الحرف، السرد، الحبكة التي لم تكن إلا بقايا قلوب وأرواح بشر حقيقيين عادوا من هناك ، هل كان مباحا لهم ان يصرخوا كما صرخ سارتر ( الآخرون هم الجحيم ) احدهم قالها على طريقة الخارج من تلك العتمة _ التي لم تكن مبهرة يقول احد هؤلاء العائدون: إن الطاهر بن جلون كان يجد حرجا شخصيا حين يلتقي بضحايا هذا القبر أو السجن ويسألونه لماذا نسيتنا أنت أيضا؟!


وكان لا يجد ردا مناسبا إلى ان قرر الكتابة عنهم من خلال شهاداتهم هم الأحياء والذين نجوا من هذا العذاب بمعجزة الأمل وحدها…


تتناول الرواية الأحداث المأساوية التي عاشها سجناء سجن ” تزمامارت” أو بيت الموتى كما قال عنه احد ضحاياها في مقابلة له قائلا: إن هذا المعتقل هو قبر حقيقي دفن فيه لمدة تزيد على أكثر من ثماني عشرة سنة أكثر من ستين فردا مات بعضهم وظل البعض الآخر يقاوم الموت، والنسيان، والحشرات، والبرد والحر، والمرض، اليأس والتفسخ، بل ان بعضهم كان قد تفسخ فعلا وتحول إلى لحم مهترئ يتمشى، وجن آخرون، وعاش بعضهم على حكايات تنتمي إلى عالمهم القديم الذي أغلق عليهم مرة واحدة وبصورة قاطعة، لكنهم استعانوا بالذاكرة.


وحسب رواية احد ضحايا هذا السجن – الحقيقيين وليس داخل غلاف الرواية – يقول ان مدفن “تزمامارت” هو شهادة مخيفة ، ومرعبة، وقوية، على قوة الأمل البشري في الخروج من الهاوية والجنون والموت المؤكد.


*الرياض السعودية

‫تعليقات الزوار

9
  • نزار
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:36

    الطاهر بن جلون ليس جديرا بهذه الجائزة،ولا اهلا لها،فقد تعامل مع احداث معتقل تزممارت الرهيب تعاملا تجاريا انتهازيا،وحاول ان يستغل معاناة السجناء الى اقصى حد.بكل موضوعية فالجدير بالجائزة وبالتكريم والاحتفاء هو السجين احمد المرزوقي عن روايته <<الزنزانة رقم 10>> او السجين محمد الرايس عن كتابه << مذكرات عائد من الجحيم>>…

  • LATIFA
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:34

    MR BENJELOUN L’ECRIVAIN FRANCAIS OPORTINISTE JE VOUS DIS SIMPLEMENT CIRCULEZ Y A RIEN A VOIR…..

  • مغربي
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:42

    الطاهر بن جلون ليس سوى مرتزق ثقافي كما قال المهدي المنجرة يوم ما في التسعينات …
    فكل همه الطعنو اللمز في ثوابت الامة و إن كتب عن تزمامارت ففقط كبهارات للفت الانتباه والإرتزاق و اعطاء مسحة حقوقيةلقيئه الفرنكفوني

  • اوشهيوض هلشوت
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:44

    هدا سلوك ارتزاقي
    هههههههههه يعيش في مكاتب باريس المكيفة ويحدثنا عن الجحيم في تزمامارت!!!!!!؟؟؟
    اسي بن جلون را الناس الي عاشوا في الجحيم هما الي من حقهم يتكلمو عليه
    اما انت فيكفيك ما فعلته ما السيد بينبين!!؟؟
    وعلى اي يقول المغاربةًً= سال المجرب لاتسال طبيب=
    وهاك دواء من احد الجربين: – تذكرة دهاب واياب الى الجحيم- للسيد محمد الرايس
    *ملحوظة:اتعمد في الغالب الكتابة بالدارجة المغربية فقط لأنني مغربي …… وافتخر

  • تاخ
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:46

    كاتب انتهازي يكتب عندما -كيبرد الطرح . شاهذت في السنبن الماضية على قناة فرنسية برنماجا كان يتحدث فيه الطاهر ين جلون ففوجئت بالطريقة و الاسلوب و الفرنسية الذي يتكلم بهم فتبادر الى ذهني ان كتابات الطاهر بن جلون هي لشخص أخر. اما الجوائز التي حصل عليها و التي سيحصل عليها مستقبلا فراجع الى كونه ماسوني….

  • Nadori
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:30

    متفق كليا مع صاحب التعليق رقم 1

  • ل.العنتوري
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:32

    طاهر بن جلون كاتب كبير وغني كبير أيضا،لكن هناك ملاحظةأؤاخذها عنه(دئما كيبغي يكلها باردة بلا مايعرق عليها…منذ سنوات الجمر والرصاص حين كان أستاذاللفلسفة بالمغرب،كان دوما يتفادى الدخول في المثلث الساخن والكلام عن الحقوق والحريات في البلاد.
    جانب أخر كان يكتب عن الحرية والإستعباد وفي السر هناك خادمة مغربية تعيش في منزله بدون حقوق في قلب فرنسا وقد تسببت له إحراجا كبيرا،وخصوصا إلى شخصيته ككاتب.
    لكن ما جعلني أكون غير راضي عليه،لسلوكه وجشعه في الحقوق التآليف،فكما يعلم الجميع فإن (بينبين المعتقل بتزمامرت هو الذي أعطاه ما في جعبته من عذاب الإعتقال)وقد سجلها طاهر بن جلون وكتبها،يعني أتوماتيكيا.. فهو عمل مشترك ينبغي قانونيا وإنسانيا أن يكون غلاف الكتاب على شكل التالي -طاهر بن جلون\بين وبين،لكن لجشع كاتبنا طاهر بن جلون كتب سوى إسمه لوحده،وأتمنى أن يقرأ هذا ويقوم بإعادة النظر فيما قام به ،إسوة بكتاب كبار سبقوه في التجربة كمحمد شكري ومحمد المرابط مع باول بولز وغيرهم.
    تبقى دائما كاتبا كبيرا وكذلك تبقى المسؤولية دائما تجثو على ضميرك فإفعل شيئا؟؟.

  • said
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:38

    حتا لدابا عاد بغا يكتب على تزممارت؛ علاش فاش طالب محمد بنسعيد ايت يدر من قبة البرلمان إطلاق سراح المساجين ،مابانت ليه في شي رواية؟ كاتب مرتزق

  • amine
    الخميس 1 أكتوبر 2009 - 13:40

    السيد بنجلون يعيش على ايقاعات باريس ويتحدث عن تزممارت بالله عليك يا بنجلون انت لست الشخص الدي يستحق الكلام عن دللك الجحيم بسجن تزمامارت بل السجين السابق احمد المرزوقي للنه هو من داق حر العداب..؟؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة