موسم هجرة الكتاب والأدباء المغاربة إلى الشرق

موسم هجرة الكتاب والأدباء المغاربة إلى الشرق
الجمعة 7 يناير 2011 - 12:25

المتصفح لمعظم المجلات المشرقية الدورية، الفصلية والشهرية وحتى الأسبوعية… يجد أن أعدادها تتضمن اسما أو أكثر للكتاب والأدباء والمفكرين المغاربة (بعض الأعداد قد تصل المساهمات المغربية فيها إلى خمس أو أكثر) . الظاهرة لافتة للنظر، وخاصة في هذا العقد الأخير .


قبل تجربة ما اصطـُلح على تسميته بالتناوب التوافقي في المغرب، كان العديد من المثقفين المغاربة (المحسوبين على الصف اليساري الديمقراطي على الخصوص)، يستنكفون من المساهمة بكتاباتهم وإبداعاتهم في بعض المنابر المشرقية (الخليجية خاصة، وحتى الوطنية الرسمية)، انسجاما مع خلفياتهم الفكرية ومرجعياتهم الأيديولوجية التي كانوا (ولا يزالون؟) يعتبرونها تقدمية لا تتماشى مع الخط الذي كانوا يرونه “رجعيا” لتلك المنابر .


اليوم، وبعد الانفتاح الذي عم العالم، أو كاد، بعد سقوط جدار برلين، وانتهاء الحرب الباردة بين معسكري الناتو ووارسو، وبعد الانتشار الواسع لثقافة العولمة في جل أقطار المعمور (والتي من بين مظاهرها الثقافة والأدبُ الإلكترونيان المتداولان، بشكل واسع، على الشبكة العنكبوتية التي قربت المسافات وسهلت الاتصال بين الأفراد والجماعات )، وبعد مراجعة بعض اليقينيات المذهبية والأفكار الطوباوية والكليانية، وذيوع الأفكار الداعية إلى الاعتراف بالاختلاف والتسامح والتعددية الثقافية وقبول الآخر… وأيضا بعد تنامي الاتجاهات المتفتحة الليبرالية والحداثية، بشكل جلي، في تلك البلدان المشرقية المعروفة تاريخيا بمحافظتها، بعد كل هذا، يبدو أن الكتاب والأدباء المغاربة، لم يعودوا ينظرون إلى تلك المنابر (أو بعضها على الأقل)، على أنها تكرس الفكر التبريري المحافظ والمُمالئ للسلطات السياسية . فصار الكثير منهم يحرص على النشر فيها، دون خلفيات الماضي .


هذا، على المستوى الفكري والأيديولوجي العام .


أما على المستوى الوطني الخاص أو على المستوى الذاتي للكتاب والأدباء المغاربة، فيبدو أن الذي ساعد عل تنامي الظاهرة (هجرة، “حريك” الكتابة المغربية إلى المنابر المشرقية)، عدةُ عوامل، لعل من بينها الآتي:


ــ اتساع رقعة الثقافة والأدب والفكر، في المغرب، بفعل انتشار التعليم وتوسع التدريس الجامعي، وتخرج أفواج متتالية من المتعلمين والأكاديميين الشباب الذين لم يعايشوا فترة الحرب الباردة عالميا، وسنواتِ الجمر والرصاص وطنيا . وأيضا بروز أدباء ونقاد ومفكرين ذوي صيت عربي (وحتى عالمي)، صارت المنابر المشرقية ترحب بكتاباتهم وتتشرف بها …


ــ تجربة التناوب التوافقي المغربية جعلت المُعارض القديم، أقل تشددا في التعامل مع المنابر الثقافية الرسمية وبثِّ أفكاره واقتناعاته فيها، بل صار مشاركا في الإشراف عليها وتدبير أمورها ، كما جعلته ينظر إلى ثقافة الآخر (الخليجي هنا) نظرة أخرى .


ــ ندرة المجلات الثقافية المغربية الرصينة أو عدم انتظام صدورها أو توقفها عن الصدور (الثقافة المغربية ـ آفاق ـ فكر ونقد ـ المناهل… ) . المجلات الثقافية “المستقلة”، تصدر في الغالب، عن مبادرات فردية، لذا لا يكتـَب لها العمر الطويل، فتتوقف غالبيتها عن الصدور بعد أعداد أولى قليلة، وتلك التي تصمد، بتضحيات أصحابها و”نضاليتهم”، لا يكون صدور أعدادها منتظما، للاعتبارات المادية في الغالب . ونظرا لتلك الاعتبارات، تكون مساهمات الكتاب فيها، تطوّعية مجانية .


ــ العلاقة المتوترة بين المثقفين والكتاب المغاربة ووزارة الثقافة، في الآونة الأخيرة .


ــ أزمة اتحاد كتاب المغرب ومشاكل “بيت الشعر” المغربي، وعدم انتظام صدور مجلتيهما: “آفاق” و”البيت”، واتساع المدة الزمنية بين عدد وآخر (على عكس المجلات في الشرق العربي) .


ــ إغراءات المساهمة في المنابر المشرقية التي تصرف مكافآت محترمة لأصحاب الإنتاجات الأدبية والفكرية المتعاملين معها .


بعض تلك المنابر يتعامل معها كتاب وأدباء مغاربة بشكل منتظم، وبعضها الآخر لها مراسلون مغاربة يمِدون أعدادها بالدراسات والملفات المعَدة في المغرب، عن الثقافة المغربية . (من تلك المنابر، يمكن أن نذكر: “الآداب” البيروتية ـ “الكلمة” الإلكترونية ـ “دبي الثقافية” الإماراتية ـ “نزوى” العُمانية ـ “البحرين الثقافية” ـ “الدوحة” القطرية ـ “علامات في النقد” السعودية ـ “العربي” الكويتية ـ “أخبار الأدب” المصرية ـ “الكرمل” الفلسطينية سابقا وغيرها…)


ــ الرغبة في الانتشار والوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء في العالم العربي والتواصل، بالتالي، مع شريحة واسعة منهم، بحكم أن معظم تلك المنابر تصدر بأعداد نسخ محترمة، وتوزع ، غالبا، في جميع أنحاء الوطن العربي . أما في المغرب، فإضافة إلى عدم انتظام الصدور، وشبح التوقف، فإن عدد ما يطبع من نسخ أعداد المجلات الثقافية ضئيل، ويوزع بشكل سيئ .


بعض المثقفين يرون في ظاهرة الكتابة في المجلات الثقافية المشرقية بُعدَها السلبي الذي لا يشجع على انتظام صدور المجلات المغربية بمستوى محترم وباستراتيجية ثقافية تساهم في النهضة الوطنية ، وبعضهم الآخر لا يرى في ذلك إلا إشعاعا للثقافة المغربية في أقطار العالم العربي، وتكاملا وتلاقحا مع الإنتاجات الأدبية والفكرية في تلك الأقطار .

‫تعليقات الزوار

5
  • عطيل
    الجمعة 7 يناير 2011 - 12:29

    نعم ليس غريبا فالمغرب كان دائما ارض الابداع الفكري والفلسفي في حين كان الشرق ارض الديانات واستحواذ الخرافة على عقول الناس . كما ان الشرق كان دائما يفتخر انه صاحب لغة وهوية عربية واعتقد ان المغرب امازيغي غير منتج بلغة الضاد. في حين ان الحقيقة عكس ذلك.فالعجم هم الذين ابدعوا في اللغة العربية بل وحتى واضعوها كانوا من اصول غير عربية.مع احترامي لاهل الشرق

  • abla gourar
    الجمعة 7 يناير 2011 - 12:33

    الثقافة عندنا هي قراءة الشعر …و نجد البعض يعتقد ان انشغاله بالكتابة هو بالدات الثقافة ,لكن الثقافة هي الانتاج التكنولوجي و العلمي.اما السهر على كتابة رواية او حتى قراءتها ما هو الا انعكاس لتخلف.و العرب اكثر الناس كلاما واقلهم فعلا .لهدا انصحهم ليفكرو كيف يصنعوا على الاقل برميلا ليخزن فيه النفط عندما يعتمد جهلاء الشعر على احدث التقنيات لانتاج الطاقة

  • nour ghazal ghazal
    الجمعة 7 يناير 2011 - 12:31

    اشكرك جدا جدا جدا على هذا المقال ياخي
    وتفضل بقبول هذه الملاحظات مني
    اولا المثقف كيفما كان هو بالدرجة الاولى بشر يلزمه بيت و مطبخ و اداء فاتورة الماء و الكهرباء و الانترنيت و الهاتف النقال ونحن نرى مع الاسف ان مثقفينا لا تختلف احوالهم عن احوال المتسولين فلهم عذرهم المقبول جدا اذا التجاوا الى منابر ثقافية خارجية تساعدهم على سد لقمة العيش و المثقف المغربي لا يطلب اكثر من هذا
    ثانيا المثقف المغربي غير مقروء داخليا بسبب قلة اقبال الشباب حتى المتمدرس على القراءة بالله كيف يعقل ان تجد اساتذة يتحملون مسؤوليات حزبية مثلا في الاتحاد الاشتراكي و لا يعرفون محمد عابد الجابري اقسم لك يمينا سالت استاذا يدرس الفلسفة عن المشروع الفكري لمحمد الجابري فوقف صامتا وكان كاتب فرع محلي للاتحاد الاشتراكي
    فما بالك بالكتاب الذين لا يضاهونه او هم في مقتبل العمر الثقافي من سيعرفهم يا اخي في ظل التكالب على ماديات و متطلبات العولمة و لخصت كل الاهتمامات في سيقان نانسي عجرم و هيفاء
    ما امام الكتاب الا ان يرقصوا هم ايضا ويحولوا اتحاد كتاب المغرب الى مهرجان موازين المغرب

  • من السعودية
    الجمعة 7 يناير 2011 - 12:35

    اصلا الصحف والمجلات الورقيه
    تعاني من ازمه خانقه ككتابها بسبب عزوف الكثير من القراء عن قرائتها والاكتفاء بالتصفح الالكتروني وبالذات الصحف الاخباريه والمواقع المتخصصه
    وعني انا كنت اشتري الكثير من الدوريات والمجلات والصحف الان بالكاد واحده كل شهر او اقل

  • ولد باب الله
    الجمعة 7 يناير 2011 - 12:27

    بدون تعقيد للامر اقول لك ومن خلال تجربة شخصية ان ما يدفع المغاربة للتوجه نحو النشر بهده المنابر هو دلك التعويض المادي الهزيل الدي يتلقونه مقابل النشر وهم على حق طولا وعرضا لان من له تجربة النشر بالجرائد والمجلات المغربية يعرف ان اصحابها مصاصي دماء حقيقيين…ولا يخجلون ابدا لهدا فالامر جد عادي ومن يريد ان يعيرهم على دلك فهو جاهل او ابله و لايعرف ان اغلب الكتاب ارباب اسر وامكانياتهم المادية محدودة واضيف ان هدا الاستغلال البشع لهم هو الدي دفع الكثيرين للتوقف نهائيا عن الكتابة والنشر

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس